الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- 241 -
احداً يميل لهذا المشرب من حيث الصرف ابتغاء احياء الوطنية دونت ديواناً وفتحت هذا الباب لمن يأتي من بعدي لتكون الدواوين في كل زمن بحسب ما يناسب احواله حتى تصبح الامة في نباهة لا تدفعها بلاده وعزة لا بداخلها ذلة وتنور لا تعارضه ظلمات والله المسئول في اتمام هذا المشروع فانه رب الخير ومولاه جل شأنه
المولد الاحمدى
بعد ان جمعت هاته الرسالة في الاسبوع الماضي ضاق حجم الجريدة عنها فرأينا ان نثبتها في هذا العدد وان كانت متأخرة
هو المعرض العام ومجمع الاحباب في كل عام اجتمع فيه الناس على اختلاف مقاصدهم واغراضهم وضربت الخيام ونشرت الاعلام وفتحت الحوانيت ورفعت النبابيت ودقت طبول الفقراء وجرت براذين الامراء وسار الناس خلف اغراضهم فمنهم الذاكرون الله كثيراً ومنهم المصلون الذين هم عن صلاتهم لا يغفلون ومنهم المسبحون والمحوقلون ومنهم المهللون والمكبرون ومنهم الزامر والراقص والمغنى ومنهم البار والفاجر وقد اختلط النساء بالرجال ترى هذا يدفع هذه في ظهرها وهي لا ترى انه يريد منها سوى اتساع الطريق وهذا قابض على يد قريته والكثير من الناس خلفها يقرصها ويغمزها وزوجها من الذاهلين وهذا في قهوة الحشيش بعد المارين وما هو من الحاسبين وذا في الخمارة يشرب اقبح المشروب ويدفع اغلى الاثمان حتى اذا فرغ عقله ونقده قام وهو من الخاسرين وهذا يمشي في الطريق يلاعب صبياً ويساير غبياً ويشتم فقيراً وحقيراً ويسحب انثى ويقود خنثى وهو من الساخرين. وبالجملة فانه معرض لا يتفق مثله في الدنيا فقد كان فيه نحو مائتي الف نسمة في قطعة واحدة وهذا الاجتماع مع اختلاف الاسباب والمقاصد لابد وان يكون مشتملاً على الصالح والطالح فانه في الخيمة يذكر الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. واما الطالح فانه يقصد البيوت والمحاشيش والحانات غير ان المديرية رأت من الواجب عليها حفظ نظام الاجتماع وادابه فحجرت على النساء المشي في الطرقات بلا غطاء ومنعتهن من الرقص والوقوف للمارة في الطريق فكان هذا داعياً للاحتشام وان لم يرجع الضال عن فجوره وخسرانه فقد كانت اسواق التجارة في كساد واسواق الفسوق في ازدحام عظيم وصرف جسيم حتى كان المولد اقيم لغنيمة قهاوي الاروام ما اكتسبه شبابنا طول العام (بئس الشبان وبئس مربوهم) فان الولد منهم (ويعز على ان اقول الشاب) يدخل القهوة يوقد الشموع ويطلب الخمور ويشرب الحشيش وهو فرح مسرور بوجوده وسط جماعة من المخنتين والفاجرات ينادونه يا. . . . ثم يصرف الخمسين جنيها والعشرين كأنه صرف قرشاً في رغيف لخادمه واذا قابله سائل ومد يده
- 242 -
اليه يطلب احساناً ضربه بعصاه ولعنه وسبه وغضب شديداً فقبحاً لمثله واعداماً فانه ما اتى الا ليكثر الفساد في البلاد ويضل معه
الكثير من اولاد الفقراء ولايفعل هذا الا من كان ابوه في منصب مكنه من النهب والسلب ايام المظالم وقد باء بغضب من الله في ظلمه وخزى وعذاب اليم بنهبه واصبح يجد العار في نسله ةالفسوق في عقبه فهو في الدنيا من البغوضين وفي الاخرة من الهالكين.
على انك ترى الكثير من اولاد الامراء يمرون في الطريق في زي الكمال وهيئة الاعتبار لا يصرفون درهما الا في مصالحهم ولا يدخلون الا مجالس الامراء واندية المعتبرين حديثهم كالشهد وافكارهم كالزند كلما قدح اخرج معاني ومبتكرات ولو بحثت على اصله لوجدت اباه من كمل الرجال الذين قطعوا عمرهم في السير الحسن واشتغلوا بحفظ مصالح العباد فترى العرق دساسا في كل من تراه. وبعض الطيبين يترك ولده لخادمه يربيه فيخرج غير مهذب ويضل مع الضالين وابوه من افعاله براء ولكن غلبت الشقوة واستحكمت الجهالة فهو لا يستطيع تحويل فكر بعد ان شب على الهذيان.
ولا تحسب اننا نقبح ابناء امراءنا الطيبين ولا النجباء منهم النافعين في الاعمال والاشغال وانما نذم اخلاق الاولاد الخائبين الذين استهوتهم شياطين الجهالة فاصبحوا هلكى لا شرف حفظوا ولا مجد ادركوا ولا من العار سلموا فكان ضرهم اكبر من نفعهم على اهلهم ومواطنيهم ولا نرى هذه القبائح والفضائح الا من القسم المسمى بالا (آلا افرانكه) فانه اضر بالدين والدنيا والبلاد واهلها على انه لا يرى المتمسكين بلغتهم ودينهم وعاداتهم من المتمدين بل يعد المصلي والتارك للمسكرات والفار من الفاجرات من الجاهلين المتوحشين واذا سئل عنهم قال هؤلاء (فنتيك) ولقد اساء تنديدنا فئة ترى التفريخ خيراً من التعرب والرجوع للاصل الجليل فاكثروا من شتمي في المجالس وتقبيح اعمالي وقذفي بما ابتلوا به ظانين اني اقلع عن نصحي وخدمة بلادي والدفاع من ديني واخواني الوطنيين الذين اخشى عليهم ضرر هؤلاء الفسفة ولست ممن يسكته السب عن الحق ولا يرجعه القذف عن النصح فليقولوا ما يشأون ولي عليهم كثير من الناس الطيبين بل الوف من عقلاء بلادنا يذمون اخلاقهم عالمين بانهم من الجاهلين. والحجة التي اقيمها عليهم وجود العدد الكثير من شبابنا وشيوخنا الذين اتقنوا العلوم وحفظوا اللغات وخدموا البلاد بافكارهم خدمة تشهد لهم بقوة العقل وحسن التربية ولم يدنسوا مجدهم بالنوم في بيوت الفاجرات ولا بالمشي مع المخنثين ولا يضاع النقد في القمار ولا عدلوا عن عادة ابائهم واهليهم لعادة الافرنج التي
نقصتبنا واعدمت ثروتنا وتركتنا مثله بين العباد. على انك ترى الولد الفاجر اذا هفا هفوة في بيرة او خمارة او مرقص ضرب واهين وهو في جبن وذلة كانه لا يرى لنفسه في الوجود شرفاً ولا يعرف
- 243 -
لجنسه قدراً. وكم في المولد من عجائب وغرائب تراها من الذين لم يتهذبوا صغاراً سواء كانوا من اولاد عمد البلاد ووجوه البنادر والامراء ولقد رأيت ازدحاماً عظيما امام قهوة الصباغ الحشاش يسمعون بنتاً تغني على الألات وكانوا فوق الخمسمائة من الرجال فقام احد الاروام من قهوة اخرى واخذ عصا ونزل على رؤسهم وارجلهم واكتافهم فجرى الكل امامه ولم يلتفت اليه احد فبكيت وحرمه الشرف على امة تمكن منها الجبن والجهل حتى ساقهم رجل وبطح الكثير منهم وهم يسعون امامه كالاغنام وما فيهم من يدافع عن نفسه او يسأل عن السبب او يقبض على هذا الذي جعل هذا الامر حالة يتسلي بها طول الليل كلما اجتمعوا بددهم واهانهم وهو في قهقهة على عقول المضربين. لا اقول الجميع ففي وسطنا الالوف من المؤدبين المهذبين ولكن السواد الاعظم في جهالة عمياء وتخريف افسد العقول. فعلى من توجه اللوم على الاغنياء فانهم راوا فساد اخلاق الفقراء بعدم التربية وعموم الجهالة بعدم التعليم ولا كانت تتحرك غيرتهم لافتتاح مكاتب يعلمون فيها الفقراء ليكون لهم الاثر المخلد في بلادهم وقد حفت الاقلام من التحرير في هذا الخصوص ولكنه باق على حاله. واما المعلمون فانهم اقتصروا على تحفيظ الاطفال بعض القواعد والعمليات ولم يجتهدوا في احداثدرس تهذيبي به يعرف التلميذقدر نفسه وحق لغته ووطنه ودتنه وواجب الوجود من حيث العمار والسير مع الاجناس المختلفة وبعضهم يرى ان التعليم سهل اذ هو عبارة عن التلقين وما دري من ادارة السياسة فان السياسي يخاطب عاقلا وهذا يعلم بهيما لينقله الى الانسانية والاخلاق الطاهرة.
وقد تساهلت الحكومة في عدم تربية الشبان الذين فسدت اخلاقهم وخرجوا لا يميلون الا الى اللهو واللعب ولو القت القبض على بعضهم وادبته ونشرت خبره وحجرت عليه بمعرفة والده او قيمة واكثرت من العيون على هؤلاء الخارجين عن حد الانسانية لحفظت كثيرا من المفاسد في بلادها فان فساد اخلاق الامة وضياع اموالها مضر بهيئتها ومصلحتها اما فساد الاخلاق فانه مفسد لاعمال الادارات فاننا نضطر لاستخدام بعض الشبان في الاعمال الجسيمة وان بقي بهذا الخلق اساء السيرة وعدل عن الحق وجهل قدر الوطن وشرف
الحكومة وجعل سعيه خلف اغراضه فيسهل عليه اخذ الرشوة وضياع الحقوق حتى يحصل على ما به تحصل لذاته الحيوانية. واما ضياع الاموال فانه محول لثروة معدم للشفقة يعلم ذلك من يرى الرهونات الجسيمة في البنوكة كالعقاري وغيه فان بعض العمد واولاد الامراء يستسهل الرهن لاجل طويل وما دري انه عدم اطيانه واملاكه وهو لا يشعر. فلو جعلت الحكومة قانوناً نظامياً لسير الناس عليه في الاداب