الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- 294 -
وصية وطنية
اي بني مصر
ما اصدق الاحلام عند اهل السرائر الطاهرة وما احسن التعبير من الخبير بها وقد كنا في نومه ختم الظلم فيها على قلوبنا وعلى اسماعنا والبس الاستتبداد بصائرنا غشاوة لا نبصر معها حقيقة ولا نعرف حقاً وكانت ارواحنا في كهف الخوف نسرح في ظلمة لا نور فيها وتجول في مضيق لاباب له فكان يحدث عنا من يمر بنا حديثه عن الاموات ويقول لساءله هم العمد المتحركة بارادة مالكها تراهم ينطقون ولكن بلسان العبودية ويمشون ولكن في طريق الاستعباد ويخضعون ولكن لسيف الاذلال.
تظنهم احراراً وهم عبيد وتحسبهم ايقاظاً وهم رقود. يجتمع اللفيفمنهم بالاشارة ويتفرق الجيش بالايماء ان طلبوا حقاً ظلموا وان دافعوا عن مال ابعدوا وان اشتكوا حاكماً سجنوا يكسبون الكثير من النقد وهم فقراء ويصنعون الثياب وهم عراة حفاة لا يملكون ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا نشوراً
ومن كان في سوق العبيد مقامه
…
تملكه بالبيع من يهب النقدا
وبينما هم تحت ردم الاستبداد نائمين على فراش الظلم ملتحفين الخسف دارت ارواحهم في الوجود فرأت شمس العل مشرقة على كثير من الناس وبدور الحرية تضيء سماء وجودهم والكل متمتع بحقوقه حافظ لشرفه لا يعرف الذل ولا يرضى الاهانة ولا يخضع لظالم ولا يمكن غريباً من ارضه ولا يضيع شيئاً من واجباته وقد عمتهم النعم وشملهم العلم وحفت بهم المحاسن من سائر الانحاء ان انصفوا خضعوا وان حوكموا عرفوا القوانين وان اجتمعوا تذاكروا في امورهم وان احتفلوا خطبوا بسياسة الامراء وحقوق البلاد وان كتبوا اعربوا عن ضمائرهم ومستكنات الصدور عرفهم الحق واجباتهم فحافظوا عليها ولقنهم العل حقوقهم فتمتعوا بها وهدتهم الحرية للمدنية فاحسنوا نظامها وقادهم الاخاء الى التساوي فوقف كل عند حده وعامل اخاه بما يقتضيه مقامه فلا يهان شريف ولا يمتهن عظيم ولا يحتقر فقير ولا يغبن اجبر ولا يذل خادم ولا يشتم تابع فقد حنكتهم الاداب وهذبتهم العدالة وتدربوا باطلاق حرية الافكار على الاعمال السياسية والاشغال التجارية والنظامات الادارية فاصبح الجميع جنة قطوفها دانية لكل متناول
ومن سار في ارض الاخاء رأيته
…
يجد بنور العدل في طلب المجد
فلما عادت الارواح السارحة الى الاجسام الهامدة تفلت عن يسارها ثلاثا ً واستعاذت بالله من هذه الرؤيا الغريبة وسألته تعالى ان يصرف عنها شرها وبحفظها من وقوعها فان اجسامها لم تعرف لوجودها ثمرة غير خدمة الارض وتسليم ربعها لسيدها يصرفها في شهواته ورضيت بالذل رضاء وطدته الطالم واكده مر
- 295 -
الدهور وتعاقب الجبارين وعلمت انها كالاغنام تساق بعصا الراعي ولا تدري ما يراد منا ولا لاي ارض تساق يحلب ضرعها ويجز صوفها ويوكل الطيب منها ولا حق لها الا ورود الماء ورعي الحشائش وهذه الرؤيا تخالف ماهي عليه وتضاد ما تطبعت به
فلما عاودت السرى في الوجود رأت نوراً عم الانظار وكشف الحقائق واظهر المخبأ فاهتدى الناس لكثير من الصنائع والعلوم وقيدت الحكومات بمجالس تحفظ الامة من سلطة الجور وتوطد الامن في القرى والمدن وتحفظ الحدود بالجنود والعهود بحسن السبرة وقد تمكنت منهم المدنية وحفظت الاعراض والارواح والاموال واصبحت ملوكهم تباهي بهم الامم وتفاخر الممالك فلما رجعت من تطوافها قابلت ما رأته بما هي فيه فرأت حاكما شديد البطش بعيداً عن الحق مغرماً بسفك الدماء مولعاً بهتك الاعراض مجداً في نهب الاموال لايبيح لاحد حق التكلم في السياسة ولا يريحه رائحة العدل ولا يمكنه من الامن على نفسه ولا يجيز له التمتع بما اختص به ولا يعارض حتى فيما يقول وان ادى لخراب الديار ودمار الملك فعدت روياها من اضغاث الاحلام وسارت في ارضها يمزق جلدها الكراج وينحل جسمها السجن ويخرب بيتها التشريد ولا سلاح لها الا الحوقلة ولا ذكر الى الحمد له واهلها واقفون في طريق الهوان كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو
ثم نامت نومة كادت تاكل الارض فيها اجسامها فرأت ما لاعين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من عمران امتد في انحاء المسكونة وتنوير افكار لم يترك لسوط الاستبداد اثراً وسمعت ان فرنسا تريد هدم قصر فيها لكونه من بقايا الاستبداد حتى لا ترى ابناؤها اثراً لما جلب على اجدادهم المصائب واوقعهم في شر العبودية فحدثت نفسها بقص روياها على خبير وبينما هي تقدم رجلاً وتؤخر اخرى ايقظها ينادي العدل بالاسم التوفيقي وموجد الحرية بالعلم المحمدي فكادت تنكر وجودها اذ رأت نفسها في ضياء لا تعقبه ظلمة ومتسع لا مضيق فيه فقصت رؤياها على عليم بالتعبير فقال لها اي مسكينة ان الذي رأيته
اولاً هو الممالك التي قيدت الامم بالقوانين ونشرتها بين افراد الرعية حتي عرفكل انسان مايجب له وعليه وحفظت لنفسها حق السلطة والانفراد بتنفيذ الاحكام.
والرؤيا الثانية هي الممالك التي قيدت الامة والملك بالشورى فهي تنظر في مصلحتها وتسن من القوانين ما يوافق مذهبها ويلايم مشربها ويسير بالامة في طريق مبدؤ الاخاء وغايته التساوي وفي وسطه نهر الحرية ويروي منه كل ظماءن
وانها لرؤيا صادقة تنطق بما ابرزته العناية الالهية وافاضته على ملولاك العادل المنصف
- 296 -
التقي المخلص الى الله في عمله الراجي عمار الوطن ورفاهية اهله السيد السند الامير الجليل توفيق الاول اطال الله ايامه ورفع على شوامخ الحرية اعلامه فطيبي نفساً وقري عيناً واخلعي ثوب الذل والبسي حلة العز ونادي في سائر البلاد برأفة مولانا وعدله. وحيث انك حديثه العهد بالحرية آملة سيرك تحت قانون عادل فخذي نصيحة واقرئيها بين اخوانك على صورة الخطابة فالمسموع تنفعل له النفوس انفعالاً لا يحدثه المقرؤ فاذا عقدت المحفل ووقفت فيه موقف الخطيب فقولي
ايها الوطنيون
اوصيكم بكلمة الاتحاد والتمسك بحبل الائتلاف واحذركم من التخاذل وسماع اقوال اهل الاهواء الذين شربوا دمائنا ولم يرووا واكلوا لحومنا ولم يشبعوا. واعلموا ان اميرنا الجليل تولى امرنا العظيم والارادة مختلة ورجال الحكومة في فساد يعز اصلاحه والمالية في حجر الدين تصرف منها الملايين فيما لاينتفع منه الوطن بشيء بل فيما جلب عليه الشر ومكن الاجنبي من التداخل في اداراتنا فاخذ على نفسه العهد ان لا يمس شيئاً من اموال الامة ولا ينظر لاغراضها ولا يحدث فيها مظلمة ولا يمكن منها عدواً ولا ينام الا اذا استراحت ولا يسير الا في تقدمها لا كالحكومة السالفة فانها علمت الحكام السرقة والخيانة والشره في اموال الناس وحب البرطيل والانتقام ومكنتهم من الامة ينهبون ويظلمون ولا يعارضون بقانون يسمعون كلام الله ولا يعلمون بما فيه وتتلى عليهم الاحاديث وهم عنها معرضون لا شريعة الا ما تصوره اليهم اوهامهم الفاسدة ولا حتى الا ما شبوا عليه من الباطل والبهتان فقد كانوا كما يقال للناس على دين ملوكهم وهذه حالة يعز على كبار السياسيين التخلص منها والانتقال لغيرها فان البلاد ممتلئة بهولاء الظلمة والقوانين مهدرة والجهالة كثيرة فيهم
ومن سار بمثلهم اضلوه السبيل
فتحمل مولانا الخديوي هذه الاعباء رجاء اصلاح النفوس وتطهيرها وعمار البلاد وتقدمها وجعل للامة مجلس نظار يسئل عن اعمال الامة ولكن السوء البخت لم يكن لهذا المجلس ما يجعله مسئولا حقيقة فهو في قوة الاستبداد مع الرئيس العادل وشر من الاستبداد مع الرئيس الخائن ثم اخذ يؤلف بين النفوس ويدافع عن حقوق الامة ويجاهد في حفظ اموالها واعراضها غير ان الوزارة السالفة او رئيسها حال بينه وبين ما يميل اليه بقلبه الخلص وقد نجاكم الله واصبحتم تحت رئاسة سيد شريف كلكم يعرف حسن طويته وميله للحق والعدالة ومنحكم مولانا الخديوي الاعظم مجلس الشورى لتكون الحكومة مقيدة بافكار الامة وهذه نعمة لو قدرتموها حق قدرها لاطلتم السجود شكراً لله تعالى وملأتم بطون الصحف بالثناء على اميرنا ومولانا المؤيد بالتوفيق
واعلموا ان خطوتنا هذه نبهت علينا ممالك
- 297 -
لا تحب تقدمنا ولا تميل لبث العدل فينا ولا تهوى انتشار المعارف في بلادنا لءلا يفوتها كثير من الغنائم. اما التقدم فانه يدعو لزيادة الجند وتحسين المالية واصلاح الادارة ومنع المفسدين من تولي الاحكام وهذا يصيرنا امة حريصة على شرفها ويبعث فينا روحاً ترضى الموت في حياة البلاد وبهذا يضعف نفوذ الدولة الطامعة فينا وربما يمكننا من نزع ما اغتصبوه منا
واما العل فانه يعرفنا حقوقنا بالقوانين العادلة الموافقة لشريعتنا وعوائدنا وهذا مما يحفظ الكثير من الاموال والعقار والاطيان وبهذا تندفع صولة الباطل والاوراق المزورة والاحكام الظالمة التي اعدمتنا الكثير من ارضنا بلا ثمن ولا قتال. واما المعارف فانها تنبه الاذهان وتهدي الى الحقائق وهذا مما يسير بنا في طريق الافكار ويوقفنا على آمال السياسين فينا ومقاصدهم السيئة بنا فيعلم كل انسان ان دعوى الانكليز المحافظة على طريق الهند حيلة لنفوذها وتلاعبها بنا حتى تتمكن منا في مدة طويلة باستخدام اهلها في ادارتنا وفتح البنوك عندنا يعرف ذلك من نظرة لادارة الجمرك والبوسطة الخديوية والبوسطة المصرية والسكة الحديدية والمساحة والتلغراف وبعض مديريات السودان وغيرها من الاعمال الجليلة التي استخدمنا فيها الانكليز ومن رأي ان في مدة الوزارة السالفة فتح في بلادنا نحو خمسة عشر بنكاً انكليزياً ورأي ما اخذته شركة ايستون من اراضي بلقاس التي هي في اتجاه قبرس
واستئجار اراضي القيوم والبدرشين وغيرها من الاطيان ومن نظر الى الشركة التي تريد مد سكة حديدية من اسكندرية الىالسودان وهي الطامة الكبرى والمصيبة العظمى اعاذنا الله منها فان السكة بالنسبة للبلاد كالعروق بالنسبة للجسم ولا شك في ان مجلس نوابنا لا يسلم بشيء من هذا ولا يبيح لاحد حق التملك بعد الذي فقدناه. وبهذا تعلم اوربا ان المعارف تكشف لنا حقائقها وتحفظنا من حيلها التي تتصيدنا بها
الاترون صورة التهديد الذي نتهدنا به دولتا فرانسا وانكلترة اذ رأنا دولتنا العلية الشأن تسأل عن حالنا وتحافظ على حقوق اميرنا فسعتا فيما ظنتاه مضعفاً لسيادة مولانا الخليفة الاعظم علينا بعد علمها انه ساكن في قلوبنا جالس بين اعيننا لا نعتز الا بالنسبة اليه ولا نشرف الا بانتظامنا في الهيئة الاسلامية الجامعة لكلمة الدين وتوحيد الخلافة. وما الذي تخشياه من وجود وفد عثماني اسلامي عند امير اسلامي في بلاد مسلمة يتشاور معه فيما يحفظ به مقامه السامي ويكفل له سلامة امتيازاته الحرة من الخدش ويقف بزياراته على حقائقنا ورضائنا باميرنا وافعاله العادلة وسيرته الحسناء افلايدلك ايها السامع هذا التداخل على حيل السياسيين واطماتهم ويحرضك على التمسك بكلمة الوطنية ويلزمك حب اميرنا والمحافظة على حقوقه الشرعية التي
- 298 -
منها بل اولها وقاية البلاد من الاعداء وامتداد اعين الطامعين اليها
ولا يهولكم دخول دراعة او اكثر في مينا اسكندرية فليس في الامر ما يضر بمصالح الدولتين حتى نضطر لفتنة حربية فان اميرنا ورئيس نظارنا والامراء العثمانين احكم من ان يدعوا لاجنبي قدماً في هذا الطريق ومن تأمل لزيارات الوفد وحسن العلاقة بينه وبين اميرنا ورجال حكومتنا علم كيف تنحل المسألة بلا نزاع ولا جدال خصوصاً وان امراء الجند اعزهم الله اطوع لاميرنا من الظل للجسم واحرص الناس على حفظ حياته الطيبة وتمكين دولته وتوطيد الامن في بلادنا.
والاجانب عندنا ممتعون بافكارهم غارقون في نعمنا آمنون في بلادنا رابحدون من اموالنا يرفلون في ثياب عز لا نحلم بمثلها ومن كان بهذه الصورة كان من الواجب عليه شكارا لنعمة ان كان من العارفين
فالله الله عباد الله في بلادكم وانفسكم واعراضكم فاجتنبوا كبائر النفور وصغائر الضغائن
والاحقاد ولا تقولوا هذا عربي وهذا تركي وهذا جركسي فكلمة الوطنية تجمعنا ووحدة الدين تنادي بيننا بالاتحاد ومنع التخاذل المضر بنا وليس للسلامة طريق الاالهدو والسكينة فالزموهما واجعلوا آذانكم مفتحة لاخبار الدول ومحاورتها واجعلوها حديث السمر وعبارة المنادمة لتكونوا مرشحين للحكومة مهيئين للشورى ولا تظنوا اننا في الزمن السابق زمن الخوف من التكلم في السياسة فقد مات البصاص وذهب المستبدون واصبحت الحكومة تنبه افكار رجالها وتدربهم على السياسة ونقدها والتأمل لها فاجعلوها الورد المقرؤ والسورة المحفوظة وابحثوا فيما تتقدم به البلاد بافكار حدرة وتداول لا يدخله جدال ولا غرض. واعلموا ايكم الله ان امام حكومتنا عقبات فلا نعوقها عن قطعها بمشاكلنا الداخلية والدسائس المهيجة والفتن القبيحة واحذروا من بعض قوم منبثين في بلادنا يوغرون الصدور ويرهبون النفوس باباطيل واضاليل لا حقيقة لها وما يدعوهم لهذا الفساد الا حبهم للظلم وميلهم للنهب والاستبداد فان الاموال وكثرة النعم مما تفسد الاخلاق وتقلب حقائق الرجال فقد رأينا من كان يدعي الحرية ويتألم من احكام الامير السابق ويسعى في الحث على الاتحاد ويذم الظلم والبغي قد انقلبت حقيقته وتكدرت افكاره واصبح يتمدح باعمالها وافعالها ويذم الحرية والتساوي ويسلب من رجالنا قوة الادراك والتعقل ويرميهم بفساد الاخلاق وعدم الاستعداد للشورى وما قلب حقيقته الا تمتعه بقليل من المال بعد ان كان لا يملك نقيراً فمثل هذا لا يعول على فكره ولا ينظر اليه فانه عبد الفرج والبطن وهو اذل من عبد العصا فلا يوثق به ولا بقوله وكثير من هذا القبيل يموهون الكلام ويخوفون الامة بطوارق يتحدثون بها واكاذيب يختلقونها ولكن الله اعمى الابصار واصم الاذان فهم بيننا
- 299 -
كالعدم يذكر ولا يرى
هذه نصيحتي اقدمها اليكم واعدكم باني لا اغفل عن هذا السعي ولا ابخل على اخواني بكلمات اسطرها وخطابات اسيرها في البلاد حتى تبعث في الالوف منا روح الادراك السياسي. ولا اعدم من اخواني المحررين فصولاً في النصيحة الوطنية فقد كفانا ذكرما للدول من القوة وما فيها من المحاسن وما لها من الاستعداد فان هذا كله مع عدم تشفيعه بما يحث الامة عليه اخمد همم البعض وحسن بعض الدول الاجنبية عند اخرين وعار علينا ان نغر امة نشأنا فيها وطعمنا من ارضها وعرفنا بتبعتها وحسبنا ما نراه في الجرائد الافرنجية
من ذمنا ومدح رجالها وتغريرنا بالتمويهات الباطلة فاننا راضون ببلادنا وحكامنا ولا نخلع طوق البيعة الشرعية وتتقلد غيره ولو ادت الحماية الى اراقة الدماء فقد تمسكنا بحبل اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم وعقلنا نهي لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء
وردت لنا هذه الرسالة من حضرة السيد عبد الله هلال بكوم النور فادرجناها قياماً بحق الادب واهله.
ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ورقم كل متنفس على صفحات اوراق الاشجار كل موعظة حكمية ما اثرت في قلوب الحائدين من اهل الوطن عن سبل الارشاد الجاهلين بنتائج المعرفة والاداب فان المعارف اموار منبئة تستفيد منها الافكار المهيأة للتنور وحيث كانت العقول منغمسة في ظلمات الجهالة لا تدري حقيقة وجدانها ولا تعرف كنه ما تدركه بحسن عيانها ولا تفرق بين هبولى صورها وعناصرها بل ولا تعرف ما يميزها عن الحيوانات المباينة لها في ماهية الموجودات اذ جلبت على تصور المعدوم وفطرت على تحقيق الموهوم وانطبعت في حسها المشترك صورة الجهالة وتمثلت في مدركات خيالها احوال الملاذ الملائمة لطبائع فطرتها الابتدائية واقشعرت من سماع معاناة الفكرة ومتعبات تعقل التصورات الاولية فضلاً عن ادراك التصديقات النسبية بضد ما تعودته من راحة البطالة والكسل فلا تعذر حينئذ في عدم استماع المواعظ ولا تلام على عدم قبولها من الواعظ ولو كان مع نديم الاداب الذي اجهد نفسه واعمل غاية فكره في هدايتنا الى سبيل تهذيب الاخلاق فلو وجد فرد من آحاد الامة الوطنية بعضده او رده يصدقه لا يقنا بتأثير المواعظ الحكمية في قلوب اهل الغيرة والحمية الوطنية حتى يميطوا عن انفسهم ثياب الجهل الخلقة ويتجملوا بحلل العلم الجميلة ويتقلدوا بدرر عقود المعارف ولكن لا نرى غير لسان واحد يدعو عدة الاف من النفوس للهجوم بجيوش المعارف على طليعة الجهل التي هي العادات الذميمة والتخريفات القبيحة التي
- 300 -
تربت معنا في حجور الامهات والاكاذيب التي دارت بيننا كؤساً والاراجيف التي صحبتنا في مهد الرضاع طمعاً في كسر اعلام الخشونة وظفر جنود التقيظ باكتساب تهذيب الاخلاق وتوطيد طرق التنوير بالمعارف ومع كل ذلك فاننا لا نرى الا تنافر القلوب وتباين الافكار وتحاسد الاعداء فاجهاد
نفسه فيما يخطب بصدده من الحث على التنوير وتأسيس جمعيات الخير يؤثر في قلوبهم فيحملهم على بغضه وابطال ما يشيد دعائمه ويرفع بنيانه مكافأة له على ما اولاه من تحريض العالم على اعمال الخير وبث النصائح الحكمية والتأديبات التهذيبية ناصباً نفسه في باب الهداية والارشاد للمعارف غرضاً تفوق اليه سهام الاوغاد المجردين عن العقول السالكين مسالك النقائض المغمورين في لحج التخريفات المتهافتين على نار المفتريات العاثرين في ذيول ملابس الفظاظة افهل يحسن بمن يتغاضى عن عيوب وطنه ويتعامى عن اسباب تأخيره ان ينظر ابناء جنسه خولاً للاجانب ونساء بلاده مرضعات لاولادهم مستعبدات تحت ارجلهم ولا اقول مفترشات لهم ولكن لا يلمن على هذه الصفات بل يلتمس لهن عذر في ذلك فان الضرورة التي اضطرتهن لامتهانهن واركبتهن هذا المركب الخشن هي ضياع اهاليهن في تيه الهجية لا يحترفون بحرفة يتمولون منها ولا يعرفون بضاعة تنظمهم في سلك الآدميين ولا يوصفون بمعرفة فن من فنون الاداب يمتازون به عن باقي الحيوانات ولا ترشدهم عقولهم الكاسدة الى ما يسهل امر معاشهم ينقذهم من ربقة المجاعة الا بذل ماء وجوههم في مذلة السوأل فلو كانت القلوب متفقة والكلمة متحدة والافكار متجهة ازاء حب المعارف وتأسيس مباني الخير وترك التحاسد والتباغض لاثرت في قلوبنا المواعظ الحكمية وتنورنا بمصابيح الهداية وتهذبت نفوسنا برياضة الآداب والمعارف ورفلنا في حلل التقدم بالعلوم فلا نخجل من انفسنا اذا افتخرت دولة بمعارفها ولا تؤلمنا جرائد الاخبار اذا عزت لكل جهة ما لها من حسن الاختراعات في الصنائع وغرائب الاكتشافات في العلوم الصناعية وتقدم اهاليها في العلوم الرياضية والطبيعية ولا نتاخر اذا اسند الى واحد من امر ادارة اي مامورية ولا نرجع القهقرى ان دعينا الى سماع دعوة بضبطية بل ندخل ضمن نظام الهيئة الاجتماعية وننتظم في سلك عقود الانسانية فوالله لو تحقق اي وطني منا درجته مع احد الاجانب لتمنى الموت حالاً فيا عجباً لنا كيف كانت طباعنا من قبل الاختلاط بالعالم الانساني اكنا في حيزالعدم المحض ام كنا في شهود الوجود على غير سطح هذه الكرة تالله ما هذا الوجود المراد فان الحكمة في وجودنا الحكيم الموجد لنا فاذا دامت عقولنا محجوبة عن ادرك طبائعها الجسمانية ومعرفة مشخصاتها العيانية وسياسة انفسها وتدبير مصالح منازلها فمني تصل الى معرفة معبود حق مغيب عن