الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- 91 -
متى يستقيم الظل والعود اعوج
ايها المحررون القائمون بتهذيب النفوس
افتوني في نفوس ان سمعت الموعظة ضلت وان رات الحق نفرت وان ادعت التنور اظلمت الكون باباطيلها وان قيدت الى الخير جحت وان منعت من الشر رمحت وان اغضبت رضيت وان ارضيت بطرت وان سمعت تقبيح فعل من مهذب رمته به وان روت عنه جميلا ادعته لها وان ارشدها مقتته وان مدحها قذفته وان صحبها استاءته وان اثنى عليها شتمته وان خدمها اهانته وان نصحها لعنته اظنكم اذا ابتليتم بمثلها قصفتم الاقلام وكسرتم المحاير ولطحنتم باب العلوم بالحداد وادعيتم الخرس حتى لاتكلفون اجابتها وتعاميم حتى لاتبصرون هيولاها واحتجبتم حتى لاتقع اقدامكم على اثرها في الطريق. واراكم تهزون الروس اتكاراً علي زاعمين ان الوجود مطهر من مثل هذه النفوس الخبيثة
مهلاً سادتي فاني اخبر عن النفوس كمنت في جلد الانسانية فقضى عليها النظر بالاحساس وهي لاتشعر بسهام الجهالة وانتم تعلمون ان الانسان اذا لم يهذب صغيراً مات كبيراً وان كان سميعاً بصيراً فقولوا ماشئتم فيمن حرم من التهذيب واصبح لايعرف الا ذاته وما تتمتع به من الملاذ والشهوات ولا تغرنكم هيئة ملبس ثمين ولاجسم ضخم ولا مال كثير فكم حمار لهُ برذعة لو بيعت لاشترت ثياباً كثيرة ولا تخرجه عن طور البهيمة وكم حيوان ضخم لابالف الانسان وان نظره افترسه وكم معدن ملئ بالذهب والفضة وهو يوطاه بالنعال. على ان من وقفت معارفه على احسان هيئتة وتكثير ملاذه اجنبي من الانسان بعيد من التهذيب
فلو جعلتم مداد الجرائد ذهباً وورقها فضة ووضعتم في عنوانها (حلية الانسان الادب) لوضعوها في بودقة كبريائهم على نار جهالتهم ونفخوا عليها بحب ذاتهم وقطروها من اغراضهم الذاتية واستخلصوا الذهب والفضة من هذا العنوان الذي يخرجهم عن طورهم البهيمي ويدعوهم الى التساوي فانهم يرون ان الفقراء خلقوا لخدمتهم ومدحهم وان الله فرض عليهم حب الاغنياء وتعظيم ذوي الهيئات وان كانوا من المجرمين لايحسنون الظن بفقير ولا يسمعون منه كلاماً وان كان غنياً عنهم ولا يعترفون لهُ بفضل وان كان عالماً لما جبلوا عليه من عداوة الفقراء وما تخيله اليهم افكارهم الفاسدة من احتياج الناس اليهم
ويزعمون انهم في نعمة تحمد وان الله ماخصهم بالقصور العالية والدواب الفارهة والامتعة الكثيرة الا وهم عنده من المقربين وما دروا انهم في غفلة الاستدراج ولاهم يعلمون
وان كرهتم سماع هذه الاوصاف لسابقة علمكم بها ووقوفكم على مي يحدثه الجهل من
- 92 -
القبائح سقت اليكم الداهية الدهياء النازلة العمياء (حماكم الله منها) لتساعدوني على دفعها بالعزائم والرقي فانها من الشياطين
تعلمون اني جاهدت في طريق الخير حتى اقتحمت المدرسة الخيرية الاسلامية ووقفت اخطب قومي بما لم يعلموه من قبل فسارع الى الانتظام معي كثير من ادباء ثغرنا ووجهائه واعيانه وبذلوا ما الهمهم الله به اعانة على تربية اليتيم وتعليم الفقير وقد صرفت قواي في تنظيم المدرسة وتحملت في بقائها من الاتعاب وسماع المكروه ما لا يتحمله انسان في فتح المدينة حتى صار بها اربعمائة وثمانون تلميذ اً منهم مائتان وثلاثة من الايتام والفقراء اكد عليهم كد الارملة التي مات زوجها عن عدة بنين فهي تسعى لقوتهم وتسهر في خدمتهم ولم ازل ساعياً فيما يحفظ نظامها حتى تعطف علي رئيس نظارنا الكرام ورتب لها مائتين وخمسين جنيهاً في كل عام بمساعدة ناظر معارفنا العمومية ووعدني انهُ يزيدني عن هذا القدر كلما احسنت العناية بالايتام والفقراء وقد رايت اني مضطر لنقود استحضر بها مكافأت للتلامذة فلم اكلف حضرات الاعضاء وهمت تشخيص رواية الوطن وطالع التوفيق لتذكار جلوس مولانا الخديوي وللحصول على النفقة اللازمة لهولاء الايتام فتصدى بغيض الانسانية لقطع طريق الخير واخذ يذيع بين الناس ان تذاكر الدخول انتهت وتوزعت حتى لم يبق منها ورقة وسعى عدو الخير في اغراء التلامذة على الانقطاع من المدرسة ليلة التشخيص لتتعطل الرواية وكل هذا لم يأخرني عن السعي فيما اعنيه حتى قدمت الرواية لمن احضرها
فقولوا لي ايها الاساتذة أي خير ترجونه من هذه النفوس واي ثمرة تقصدونها بفصولكم الادبية واي تقدم ترونه مع هذا التحاسد القبيح واي اصلاح تنتظرونه من مثل هولاء الجهلة. تتعب في تربية الاطفال وكبارنا في احتياج الى الدخول المكاتب اما يستحي هذا الغبي اذا علم ان مولانا الخديو موجه عنايته لهذه المدرسة اما يرتدع اذ راى انها باعين الحكومة ولها قانون مقرر بمجلس النظار ومنشور بالجرائد لايستطيع احد محوه ولا تبديله
اما يخجل اذا نظرني اسأ ل الامير والغني وان في غناً عما اجمعه لتربية هولاء الايتام اما يصفع نفسه اذا سمع ان اخواني قرروا لي عشرين بيلتو شهرياً نظراً لانقطاعي اليها وجهادي في حفظها ونموها فلم ارض بجعلها باب معاش واسع ورضيت 6 بينتو قيمة القهوة والدخان ورغيف حيث كان حتى اذا اثرت ونمت بسعيي واجتهادي اوصلوا الراتب من اشهر الى عشرة جنيه لتقوم بضرور ياتي اما يضرب نفسه حياء من الناس اذا علم ان الجمعية قررت لي ربع ايراد محافلي وقد اكتسبت بالروايات نحو ثلثمائة وخمسين جنيهاً ولم اطلب ولا اطلب مما قرر لي شيئاً اما يهجو نفسه الخبيثة اذا عرف اني افتتحت المدرسة ومعي واحد وعشرون رجلاً من متوسطي الحال ولم يكن عندنا اكثر
- 93 -
من تمن المكاتب والالواح فلم ازل اجتهد واحث الناس على مساعدتنا حتى صارت ذا ثروة عظيمة. اما ينكسف اذا ايقن ان معي من وجوه ثغرنا واعيانه من يرى ان راتبه الذي يدفعه فرض عليه لايجوز تأخير اما يتقي الله في رجل ترك ملاذه ومقتضات شبوبيته ومال لخدمه الانسانية وابناء وطنه بكل ما وصل اليه امكانهِ
لولا ما جبلت عليه من حب الائتلاف والسعي في الاتحاد لفرقت بيني وبين هؤلاء الساعيين في احباط عمل الخير بالتصريح باسمائهم ليعلمهم كل انسان او رفعت امرهم لاولياء امري الذين يؤيدون اعمالي ويساعدوني بتوجهاتهم العالية ولكني لا يأس من رجوعهم الى الحق واعترافهم بهِ وترك اغراضهم الذاتية خلف ظهورهم فقد رأوا ان الجهل افسد اخلاقهم والتمسك بالاغراض الذاتية اوقع البلاد في مشاكل تحملها رجال حكومتنا الان على عوائق افكارها
فيا اصحاب الاقلام وارباب الجرائد هلا سعيتم معي في هذا الطريق الذي لايضيع فيه عمل عامل ويا ابناء وطني هلا رأيتم هذه الاتعاب فشار كتموني في تحمل بعضها ويا اهل الغيرة هلا عطفتم. علي بما اتمم به اعمالي في تربية الايتام لا في مطعومي ولا مشروبي فقد رضيت بالكفاف وقنعت بما يستر العورة ويسد الخلة ويا ذوي الثروة هلا هزتكم اريحية الانسانية فجعلتم للجمعيات اثراً تذكرون بهِ وتنازلتم عن بعض مستغلاتكم التي لا تفقركم ولا تلجئكم لبيع الاطباق الذهبية ولا اسرة الفضية ولا الظروف المجوهرة ولا الكاسات الملاءلاة ولا القصور الواسعة أليس الرجل منكم كالرجل منا فما بالكم لاترضون
بثلاثين صنفاً من الطعام ونرضى بالخبز والملح ولا تقنعون بالالوف من الجنهيات ونقنع بالقرش الواحد اخلقتم من الذهب وخلقنا من التراب ام ولدتم قابضين على ازمة الدنيا وولدنا عبيداً لكم ام نزلتم من السماء ونزلنا من بطون الامهات. ألا ترون انكم تعدون بالاصابع في بلادنا والفقراء هم الامة
اذا لم تكونوا للخطوب وللردى
…
فمن اين يأتي للديار نعيم
طلعوا الجرائد وانظروا ماتحدثه الامم في الوجود من المآثر الجميلة والاعمال الجليلة وقلدوا ان لم تقتدروا على الابتداع ألا يستحي الغني اذا احتاج لعامل واستحضره من الاجانب مع قابلية ابناء وطنه للتعليم ألا يخجل اذا اعطى الغريب الدرهم والدينار وجاره يموت جوعاً وهو لايشعر ما هذه الحياة التي تنسى بموت صاحبها ايرى الغني ان ستبكيه خيول العربية او تندبه ليالي حظوظه كلا فما يبقى الا اثر ينقش اسم صاحبه في صفحات الوجود فيقراءه كل ذي عين. لايستفزكم الغضب على ناصح يسلك بكم طريق الهداية ويرشدكم الى حفظ الثروة الابدية فان احدكم يصنع وليمة لظالم يصرف فيها الف جنيه ولو اعطى كل فقير