المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السن الخطباء تحيي وتميت - مجلة التنكيت والتبكيت - جـ ١

[عبد الله النديم]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌دراسة تحليلية

- ‌ثبت المصادر والمراجع

- ‌أولاً: وثائق غير منشورة:

- ‌ثانيًا: المخطوطات:

- ‌ثالثًا: المصادر والمراجع العربية:

- ‌رابعًا: مراجع أجنبية:

- ‌خامسًا: الدوريات:

- ‌العدد 1

- ‌إعلان

- ‌تنبيهات

- ‌أيها الناطق بالضاد

- ‌مجلس طبي على مصاب بالإفرنجي

- ‌تذكار

- ‌عربيٌّ تفرنج

- ‌سهرة الانطاع

- ‌تخريفة

- ‌محتاج جاهل في يد محتال طامع

- ‌لا تصدقني ولو حلفت لك

- ‌غفلة التقليد

- ‌تبصرة

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 2

- ‌انذار صادر عن لسان الانسانيه

- ‌تنبهات

- ‌اضاعة اللغة تسليم للذات

- ‌جرايد الاخبار

- ‌هف طلع النهار

- ‌كم في الزوايا خبايا

- ‌معروض فرللريدركه

- ‌جواب عن سوال

- ‌تخريفة

- ‌حكمة

- ‌لطيفة

- ‌شكر القبول

- ‌تقاريظ من محبي الآداب

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 3

- ‌ايقاظ

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌اعتراضات على التنكيت

- ‌تسمية البهيم بالمتوحش

- ‌مجلس انس

- ‌حوادث خارجية

- ‌حوادث داخلية

- ‌روى عن امه التخريف طفلاً

- ‌التماس عذر

- ‌منثورات

- ‌تذكار

- ‌مسئلة

- ‌التجارة

- ‌اخبار اخر ساعة

- ‌مراسلة

- ‌الفهرس

- ‌شروط المراسلة

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 4

- ‌اخطار

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌حر الكلام كلام الحر

- ‌درس تهذيب تحاور به تلميذٌ

- ‌نهاية البلادة

- ‌عادة قبيحة الفناها

- ‌عادة جميلة فقدناها

- ‌جهل العواقب جالب العواطب

- ‌النجم ذو الذنب

- ‌مراسلات الجهات

- ‌جمعية التوفيق الخيري

- ‌الجمعية الخيرية بدمنهور

- ‌اخبار اخر ساعة

- ‌اعتراض على التبكيت

- ‌اظهار المخبأ

- ‌اخبار داخلية

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 5

- ‌اعلان

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌كيف ظهرت وانا لك بالمرصاد

- ‌كلمة غيور على لغته

- ‌النجم ذو الذنب

- ‌منام يعرض على النبهاء لتعبير يلتمسه

- ‌عمدة سكران بميت غمر

- ‌رسالة مصطفى ماهر

- ‌افتتاح مدرسة الجمعية الخيرية

- ‌مسئلة حسابية

- ‌حوادث خارجية

- ‌الفهرس

- ‌اعلان

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 6

- ‌تنبيه

- ‌رجاء

- ‌استعطاف

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌متى يستقيم الظل والعود اعوج

- ‌اسمعوا واعجبوا

- ‌ثمرة الاجتماع

- ‌النبيه والفلاح

- ‌التاجر الحمار والفلاح المكَّار

- ‌تابع افتتاح المدرسة الخيرية بدمنهود

- ‌التجارة

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 7

- ‌الحجاز

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌اياكِ اعني يانفسي فسمعي وعي

- ‌اتبع الحق وان عز عليك ظهوره

- ‌الذئاب حول الاسد

- ‌رواية الوطن وطالع التوفيق

- ‌تهذيب البنات من الواجبات

- ‌قد يدرك الحيوان ما لا يدركه الانسان

- ‌رسالة

- ‌عرضي لجناب الخديوي

- ‌المراسلات

- ‌محفل سياسي حشاشي

- ‌اخبار داخلية

- ‌سكران طينه

- ‌تلغرافات التنكيت

- ‌اخبار اخر ساعة

- ‌التجارة

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 8

- ‌اعلان

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌اعلان

- ‌تهذيب البنات من الواجبات

- ‌العاقل من اتعظ بغيره

- ‌بعدا للقوم الظالمين

- ‌الفرق بين التمدن الشرقي والاوروبي

- ‌عادة شرقية

- ‌تغفيلة

- ‌المزة المطهرة

- ‌المراسلات

- ‌كفر الزيات

- ‌رسالة في جريدة العصر الجديد

- ‌أسئلة

- ‌برهان تقدم الامم الشرقية

- ‌افوكاتو جاهل لم يحسن وضع اسمه

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 9

- ‌تحفة

- ‌التماس

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌سامح اخاك اذا خلط

- ‌لغز

- ‌تهذيب البنات

- ‌ذهاب العقل باستعمال المكيفات

- ‌عادة شرقية ومقابلتها غربية

- ‌استكشافات ومخترعات جديدة

- ‌دمنهور

- ‌افوكاتو جاهل لم يحسن وضع اسمه

- ‌حمل زجل عال

- ‌المراسلات

- ‌تلغرافات التنكيت

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 10

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌لا انت انت ولا المثيل مثيل

- ‌سلطنة التخريف

- ‌مجلس ادبي

- ‌المتيم المتحوف

- ‌تغفيلة وجهاله

- ‌الحبيبيه

- ‌حل اللغز

- ‌رواية الكونت مونغوميري

- ‌ميت غمر

- ‌اخبار داخلية

- ‌اخبار الجنينة

- ‌المراسلات

- ‌اخبار اخر ساعة

- ‌مخترع جديد

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 11

- ‌تخريفه مدنيه

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌التجرة البائرة

- ‌اماتك من اسلمك للجهالة

- ‌لك مني بقدر مالي من الانسانة

- ‌وصية نديم لاحد ابنائه

- ‌قطمير

- ‌وداع وتهنئة

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 12

- ‌تعريف

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌الاعتدال طريق النجاح

- ‌نهاية الصداغه

- ‌آفة السكوت

- ‌وداع وعزاء وتعذير

- ‌تلميذ العجايز

- ‌كفر الشيخ

- ‌الوشي المرقوم في حل المنظوم

- ‌جمعية الصنايع والفنون الخيرية

- ‌لغز

- ‌المراسلات

- ‌حديث خرافة

- ‌أخبار داخلية

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 13

- ‌جمعية الصنايع والفنون الخيرية

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌لطيفة

- ‌شيخ زفتي او جاهلها

- ‌نكته ادبية

- ‌حل اللغز

- ‌نادرة

- ‌الولاية الخرافية

- ‌الارشادات الجلية في التذكر الطبية

- ‌كلمة عاقل

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 14

- ‌لفته

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌درس تهذيبي

- ‌صيام الشيخ عشماوي

- ‌توحش الانسان

- ‌عادة شرقية ومقابلتها غربية

- ‌جاهل الكذب

- ‌لغز

- ‌تقدم البلاد

- ‌فكاهات

- ‌اخبار داخلية

- ‌شروط المراسلات

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 15

- ‌بقية من بقايا التخريف

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌السن الخطباء تحيي وتميت

- ‌الخطبة

- ‌المولد الاحمدى

- ‌حل اللغز

- ‌قصيدة حسن بك حسني

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 16

- ‌تخريفة بلدية

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌تهذيب الاخلاق يطهر الاذواق

- ‌المسجد الاحمدي

- ‌قصيدة عبد الله أفندي

- ‌ مصر

- ‌رسالة من الحكيم شبلي أفندي شميل

- ‌لغز

- ‌اعتذار

- ‌كم فينا من النبهاء

- ‌فاني

- ‌رأيت فوق ما سمعت

- ‌رسالة أدبية

- ‌شروط المراسلة

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 17

- ‌عجائب وغرائب

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌درس تهذيبي

- ‌مسامرات ادبية

- ‌المحاسن التوفيقية

- ‌نبذة من تاريخ الهمام احمد بك عرابي

- ‌البشرى

- ‌تقريع الاغبياء

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 18

- ‌اشارة

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌سيف النصر

- ‌وصية وطنية

- ‌التفنن في السرقة

- ‌حل اللغز

- ‌لغز

- ‌همم وطنية

- ‌المفيد

- ‌مسألة حسابية

- ‌الفانوس السحري

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 19

- ‌صورة كتاب أحمد بك عرابي إلى إدارة المطبوعات

- ‌المصرية

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌الديبا والعرب

- ‌ليالى الانس

- ‌تعصب الروساء

- ‌حل اللغز

- ‌لغز

- ‌شروط المراسلة

- ‌شروط الاشتراك

الفصل: ‌السن الخطباء تحيي وتميت

- 235 -

‌السن الخطباء تحيي وتميت

حكمة اذا عقلت معناها. وقفت على سر الخطابة وحكمة حدوثها وعلمت انها للعقول بمنزلة الغذاء للبدن وكانت الخطابة في الاعصر الخالية غير معلومة الا في امتي العرب واليونان فكانت ساحتها في جزيرة العرب عكاظاً ومنابرها ظهور الابل. وهذه الساحة كانت معرضاً للافكار تجتمع فيها الخطباء والبلغاء والشعراء وامم كثيرة من المجاورة للجزيرة فيرقي الخطيب ظهر ناقته ويشير بطرف ردائه وينثر على الاسماع درراً وبدائع ثم يباريه اخر ويعارضه غيرة فتتضارب الافكار وتتنبه الاذهان وتحيي الهمم وتتحرك الدماء ويرجع كبار القبائل وامرائها لما يشير اليه الخطيب ان صلحا وان حرباً. ولم يقتصروا في خطاباتهم على مسائل الحرب والصلح بل كانوا يخوضون بحار الافكار فلا يتركون ملمة الا شرحوها ولا يذرون فضله الا حثوا عليها حتى انهم كانوا يحفظون اسماء الحكماء منهم واهل الماثر فيذكرونهم في كل عام في هذا المعرض احياء لتذكارهم وتخليداً لاسمائهم لئلا يجهل الاتي سيرة الماضي فتفتر الهمم وتخمد الدماء وتتغير الطباع. وفي غير المعرض كان كل متكلم خطيباً في ناديه يحض ويحذر ويحرض ويحمس ويامر وينهي واذا نابهم امر رجعوا الى كبار القبائل ومشايخها وتذاكروا فيه مذاكرة النبهاء وسلموا افكارهم لحكم الشورى ليظهر من سر الاجتماع وهيئة الاتحاد رأي يحكم للجميع سطوتهم ويقوي استقلالهم ويزيد في نفوذهم فاذا نشر على عامة القوم رايتهم سراعاً لسماع الحكم طائعين لما ابدته حكمة الاجتماع لا طاعنين ولا مقترحين امراً فان كان الاجتماع لرد باغ رايته اطوع الامة من القلب للكاتب وان كان الحكم باعدامه واخماد انفاسه. وان كان لجمع سلاح وكراع واعداد افراس ورماح رأيت الغني المتبرع بنصف ماله والكريم المتفضل بحلبة افراسه والمثري المهدي ما يمتلكه والشجاع الميح لدمه والفارس البائع لحياته والقوي الواهب نفسه للخدمة والشاب المعرض نفسه للهلكات والشيخ الناصح والكهل الواعض والطفل الفرح والشابة المغنية بحماية الحي وحفظه والعجوز المنادية بذكر الاجداد وثار الاباء والاماه القائمة باعداد العقاقير ورفائد الجراح والعبيد المجدة في طلب الابلوجمعها في مرابدها والشيوخ القائمين بتدبير الاحياء وترتيب الفرسان والخطباء المنبثين في البيوت والصحارى والفيافي يخطبون الشارد ويردون الصادربكلمات تكاد تزهق بها روح الجبان وتطير بسرها روح الشجاع طرباً باللفظ وحبا للكر والفر والدفاع

وبهذا كانت العرب منيعة المقام كالعنقاء التي تكبر ان تصاد حتى هابتها الامم واتخذتها الملوك وقاية في مقدمة جيوشها تنقي بها الاعداء وتلتقي عليها النصال وتقصف في اقدامها السهام وتثلم في دروعها السيوف لما علموه من صفاء دمها الذي تحرك انتفخت به العروق

ص: 269

- 236 -

وتورمت منه الاوداج فلا يسكن الا بعزة لا بعقبها ذلة ومنعة لا يلحقها خضوع وشرف لا ندنسه وضاعة. ولو تركتهم الخطباء للتخاذل والتحاسد لماتت هممهم وخمدت حميتهم ولعبت بهم الاهواء وتمكنت منهم الضعفاء واصبحوا اذلاء في الامم يدركون المجد ولا يعرفون لشرف النفوس سبيلاً

وقد استمرت الخطابة في العرب دهوراً لا يجتمعون الا عليها ولا يجلون الا اهلها ولا يعظمون الا العاملين بها ولا يخضعون الا لمتبعها القائم بحفظ الامة وصيانة اعراضها واراضيها حتى جاء الاسلام وفرضت الخطبة للجمعة لامر تغيب عن كثير من الناس احكمته وسره البديع ونحن نذكره قياماَ بحق خدمة الامة والوطن والدين تنبيهاً لافكار السامعين وتخريضاً للخطباء على سلوك طريق النصح وسبيل الخلفاء والعمال الذين ملأوا الوجود بأدبهم ومبتكرات معانيهم وحسن نصائحهم ومواعضهم

لما كان نظام الاجتماع موقوفاً على وحدة الائتلاف ووقوف الامة على حقوقها وحدودها ولا يتمكن الفرد بنفسه من فهم البعيد عنه او الخفي عليه الا بمرشد متضلع متقلب في حوادث الزمان ووقائع الرجال والامة ليست جميعها من صنف العلماء ولا كلها من رجال الكلام ولا اغلبها من اهل السياسة ولا جلها من ارباب الاقلام لتشكيلها من عالم مختلف الاغراض متباين الطباع فرضت الخطبة ليقف الخطيب بين قومه وقفة الخليفة الامر الناهي فيقص على الرقية مافعله من الجميل وما قام به من الاعمال وما ورد عليه من الاخبار وما يحذره من الطوارق وما يرجوه من الاصلاح ويشرح لهم حال من بعد عنهم من اخوانهم المؤمنين وما نزل بهم من النوازل الجوية والحوادث الارضية وما غنموه من انفال الفتح وغنائم الانتصار لتكون الامة على علم باحوالها في سائر بلادها وفي هذا من النصح والوعظ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ما لا ينكره الا مقيد بديوان او مربوط في بعض وريقات صنفها غيره

ومن طالع خطب الخلفاء والعمال وعلم ما كان يحدث في الامة من الغيرة والحمية عند

دعوة العرب او زيادة الجند او رفد الحكومة بمال وقف على سر الخطابة وحكمة فرضيتها فان المتقدمين ما نزل بهم امر الا خطبوا به حتى انهم كانوا يرثون شهداء الحرب على المنابر وبهذا كانت الامة في نمو وزيادة فتوح وقوة بأس وناهيك بامة كل اسبوع في ساعة واحدة في سائر انحاء بلادها وتسمع من حوادثها وغوامض سياسة خلفائها ما يقف به كل فرد فرد على احمال الامة وسيرها وتقدمها ونجاحها حتى اذا كان الجيش مقيما في بلاد الروم ويخطب بحوادثه في جزيرة العرب فتتوالى عليه الامدادوتتلاحق به الفرسان وبينه وبينهم برار وفدافد لا تقطع الا بايام او اشهر ولقد انكروا على سيدنا عمر

ص: 270

- 237 -

ابن الخطاب رضي الله عنه قوله يا سارية الجبل وهو على المنبر في خطبة الجمعة ولم يعلموا سرها الا بعد ان حضر سارية من غزوته وقص عليهم خبره فعلموا ان الخليفة كان يخطب وهو ناظر للحاضرين بعين بصره وللغائبين بعين بصيرته فهو يأمر السامعين بالاخلاص والاتحاد ويشير للغائبين بالالتجاء الى الجبل واسناد ظهرهم اليه ليقاتلهم العدو من وجهة واحدة

ولا يغيب عن قراء التاريخ خطبته السياسية التي قال في اخرها من رأى منكم في اعوجاجاً فليقومه فقام له احد رعاء الشاة وقال له لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا. وهذه حالة تدل المطالع على حرية امير المؤمنين وسيره في طريق العدل الذي حفظ له قلوب الامة وطهر بواطنهم من الحقد عليه او الطعن فيه. وقيام هذا الراعي المرد على امير المؤمنين دليل على تمكن الاستقامة من الرعية وبعدهم عن الذل والخوف والرعب وميلهم لقول الحق في مجلس الامير والحقير. وشاهد عاى وقوف الامة على حدودها وحقوقها وحفظها النظام العام بعدم الخروج عن الحد او ارتكاب ما يخدش الدين او يضعف عصبية الاجتماع الملي وكان من عادة الخلفاء اذا وفد عليهم خطيب من بلاد بعيدة عقدوا له محفلاً ودعوا الامة لشهوده فيرقى الخطيب المنبر ويقص على الامة ما لاقاه في رحلته وما علمه من اخلاق الامم وما فيهم من الصفات وما هم عليه من احوال الملك وما لهم من الاعمال وما فيهم من الرجال وطباع الشعوب وكيفية الاحكام وحالة الاجتماع وهيئة الفرسان ووظائف العمال وسعي الافراد لتقف الامة على احوال العالم وما عليه فيغنم الحاكم الاعلى من هذه الخطبة ظهور رجال يضارعون من سمعوا سيرتهم وعلماء من يباهون من

وقفوا على اعمالهم وحكماء يبارون من علموا اخبارهم واشغالهم فتزداد بذلك ثروته المالية وتحيي كلمته الوطنية وتقوى سلطته الملكية ويتسع نطاق العلم في بلاده واقطاره وهذا الذي اوصل الوجود الى العمران والتقدم في الصناعة والعلوم

ولم تكن الخطابة قاصرة على ذكر الموت والزهد والتحذير من الدنيا وزخرفها بل كانت الخطابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء تتضمن الحوادث واخبار الامة ولا يقتصر فيها على الوعد والوعيد الا اذا كان الاسبوع خالياً من الحوادث الجديدة والامور المهمة وما نقل الخطابة من موضوعها الا الملوك المستبدون من بني امية وغيرهم فانهم لما علموا ان الناس تزدحم يوم الجمعة لاداء الفريضة وسماع الحوادث في الخطابة تواطأوا مع بعض الخطباء على ذكر الموت والزام الامة بالطاعة والخضوع والتحذير من الخروج على الحاكم او مخالفته ليميتوا بذلك ثروة النفوس التي تحدتها المظالم ويحركها البغي وتوالت من بعدهم الاعصار وكلما ظهر ملك شديد الاستبداد زاد الخطباء في التخويف والارهاب فان الخطابة في الامة بمنزله جرائد الاخبار

ص: 271

- 238 -

فترى المملكة العادلة تبيح حرية المطبوعات لتطلق عنان الافكار ومن خرج عن حده او رمى الحكومة بما ليس فيها حاكمته وعاقبته.

والحكومة المستبدة تحجر على الجرائد حجر المتقدمين على الخطباء فلا ينشر فيها الا ماترضاه من المدائح وتحسين اعمالها من غير نظر لمصلحة الامة ولا للمنفعة العامة لتكون امتها تائهة في ظلمات الجهالة لا تهتدي لصالحها ولا تعلم من امرها الا ما يضر بها

وكان الخطباء في صدر الاسلام يخطبون ارتجالاً لتمكنهم من اللغة وعدم فساد ملكتهم العربية بدخيل اجنبي فيها اذ كانت اللغة محفوظة لا يحتاج الطفل الى تمرينه عليها الا لبعض المحفوظ من كلام العرب يقيم به لسانه فلما كثر الاختلاط وامتزجت ملكة القوم بكثير من اللغات وبعض المصطلحات عز على الناس ان ياتوا بالخطابة ارتجالاً واحتاجوا لاعداد بعض الخطيب ليكون الخطيب مقيداً يلقيها على القوم كما يلقى الطفل درسه على معلمه بحيث لو وقف في كلمة ضاع منه ما بعدها لكونها ليست من ملكته ولا انشائه ثم زاد الامر بتولي بعض القراء امر الخطابة فتراه يصحح الخطبة على نحوي ليتلوها معربة على الناس من باب حكاية الاصوات. وبعض خطباء الارياف يحفظ الخطبة في الديوان

بحسب ما يتصور فلا تفقه لخطبته معنى لما تراه من خطة في الالفاظ وهذره من هذا القبيل وعجبت من الجهالة العمياء ومن نظر الموضوع الجليل بعين الاعتبار علم ان هيتنا الحديثة وسير مليكنا التقى القائم بامر الدين المحافظ على راحة الامة العامة في الامة ومن اهمها الان الخطابة فان الامية كثيرة في بلادنا متغلبة على السواد الاعظم منا ولو كانت الامة قارئة كلها لاستغنت عن تغيير هيئة الخطابة بالجرائد ولكن مطالعوا الجرائد عدد قليل محصور في دفاتر المحررين

والاميون في ظلمات الجهالة قد ضرب بينهم وبين ما يقدمهم بسور لا باب له فترى الرجل يجهل حالة المديرية المجاورة لبلاده ولا يعرف بعض بلاد قطره الا سماعاً من الناس. وهذا لا يناسب اخلاق امة انتشرت فيها العلوم وتعددت فيها المدارس فان فساد اخلاق الاباء يضر بالابناء وربما غلبت اخلاق ابوية على معارفه وادابه فلو كان الولد في المدرسة وابوه متنوراً بالخطابة سارت الامة الى التقدم على جناح السرعة وتأيدت سطوة الحاكم تأييداً عظيما. على اننا نرى الكثير من الناس ترك الصلاة او تكاسل عنها. فاذا علم ان الخطابة مشتملة على كثير من الحوادث والاخبار قاده حب تطلع الاخبار للزوم الجماعة وحب المساجد والطاعة وامتلأت المساجد بالمصلين

واود وجود نفر من اعيان بلادنا يتبرعون بمبلغ يقوم بنشر خطب ادبية سياسية وانا اقوم بانشاء خطبة في كل اسبوع تناسب احوال الزمان ثم تطبع هذه الخطبة وتنشر في سائر

ص: 272