الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- 171 -
التجرة البائرة
ما هي التجارة البائرة اهي وارد انكلترة ام بضاعة باريس ام المصنوعات الهند ام مشغولات الصين ام حاصلات مصر ليست واحدة من هذه وانما هي الذهب او الدر يتجر فيه الوطني فتنظره عيون اهله وتقول لو باعته الاوربويون لاشتريناه منهم ولكنه في يد امثالنا واهل بلادنا ثم يتركونه حتى يتجر فيه الاجنبي متهجم عليه الاهالي وتاخذه باغلى الاسعار. ولا اذكر لك تجار القماش والمشغولات والصنائع فقد علمنا انها ماتت موته لاحياة بعدها وانما اقص عليك خبر الفقراء الضعفاء واعني بهم العطارين فقد كما نظن ان تبقى بايدينا اصناف المصطكى والشيبة والفاسوخ والليف واو كبير وبعض الاصناف القليلة الجدوى ولكن لاستحكام الغفلة على عقولنا تقبيح تجارنا اخذ البقالون في استحضار هذه الاصناف وبيعها فترى في البلد ثلاثين دكاناً من الوطنيين يقضون النهار يسبحون ويهالون وبعضهم يفتح المصحف صباحاً فلا يشغله عنه شاغل حتى يناديه موذن الظهر ثم ينام فلا يوقظه الا موذن العصر ثم يجلس يصلي على النبي حتى يوافيه الغروب. وترى دكاناً واحداً لقال فيه جميع اصناف البقالة والعطارة حتى يهرجان العروسة وصاحبه طول النهار على قدمه يزن ويربط ويلف ويقبض والناس في ازدحام على بابه والكل يناديه (شهلني ياخواجا)
فيا بني الاوطان بل يا اعداءها اما آن لكم ان تفيقوا من هذه لسكرة التي حولت ثروتكم الى الغريب والبست تجاركم ثياب الفقر والذلة اما آن لكم ان ترجعوا احوال الامم وتواريخها لتعلموا بماذا تقدمت وبماذا تاخرت هلا رجعتم لاخوانكم الذين ساحوا اوروبا واقاموا فيها حيناً وسالتموهم عن معاملة الغريب فيها ومركزه بين اهلها. من منكم يمكنه فتح دكان في بلاد الانكليز وهي لاتمكن الغريب من ذلك. من منكم يرى فئة مصرية في كمرك باريس تتلقى البضائع المصرية كما نجد الالوف من الاجانب تتلقى الملايين من الطرود الواردة من بلادهم. ايرى الرجل منكم انه اذا فتح دكاناً في باريس في غير معرضها يشتري منه احد الفرنسيس شيئاً ولو لم يجده عند اهل بلاده. الا ترون الامم في بلادنا تلتئم ولا تشتري مهمانها الا من جنسها الا ترون الاجنبي اذا احتاج لاي صانع استحضر ابناء جنسه ولا يستعمل الوطني الا في نزح الكنيف او حمل الزبالة. ما الذي بقى في ايدينا من التجارة هذه اسكندرية كان فيها قوم مخصوصون بتجارة الجوخ والمال فاتورة وقوم لتجارة الفواكه
والثمار اليابسة وقوم للصابون والسكر وقوم للخشب والحطب وقوم للزيتون والزيت وقوم للسمن والجبن وقوم للدخان وقوم للبن وقوم للقمح والحبوب والقطن والحمد لله تجردنا من هذا
- 172 -
كله بتحاسدنا ومبلنا للاجنبي وحسنا لكل ما جاء به وهذه مصر اقل درجة من اسكندرية وهذه الارياف شرحت لكم حالها وانظروا لما مات من الصنائع وابحثوا عن اهلها لتعلموا اهم في الاحياء ام صاروا مع الاموات
اين البنائون والتجارون والحدادون والبرادون والخراطون والمبلطون والمبيضون والحجارون والرمالون والمندجون والخياطون والعقادون والقصابون والقزازون والغزالون والصباغون والصائعون والحريريون والفوطية والنحاسون والقفاصون والفاخورية وغيرهم ممن لم يدخلوا تحت حصر اين اهل الطوائف والمهن والاشتغال المتجربة
تالله انهم في اماكنهم بين اعيننا لم تنزل عليهم صاعقة ولا خسفت بهم ارض ولا جهلوا الصنعة ولا قصروا في الخدمة وانما سلط عليهم الاغنياء فحاربوهم بسهام مسمومة حتى ماتوا فقد تركوهم يتكففون الابواب بعد الغنى ويلتمسون الاحسان بعد العز ومالوا للاجنبي يستخدمونه في اشغالهم ويشترون منه مصنوعه حتى فتحوا لهُ في بلاده معامل واصلحوا له مغارس وبقدر ما احيوا في بلاده اماتوا في بلادهم فاصبحت الديار ملآءى بالفقراء مزدحمة بالاذلاء وهم اهلنا الادنون ورجالنا المعروفون وابناءنا المدخرون بئست السيرة قوم لايتدبرون وساءت الحالة حالة امة لاتهتدي لصالحها ولا تقلع عن غيها ولا تنظر لاهلها بعين الاغاثة والاحياء. اترون الاجنبي يساعد الحكومة بماله اذا عدم الوطني ام ترون الغريب يدافع عن البلاد اذا دهمها العدو. باي وجه تقابلون في الوطن وتقولون انكم اهله وباي عذر تعتذرون للعالم اذا سود وجه التارخ بسيرتنا القبيحة ومتى نفيق من سكرة الغفلة وما بقى على حكومتنا الا ان تنبهنا بالعصا او توقظنا بالشمروخ ومن يحفظ لنا الثروة وقد صارت بيد الغريب وماذا يفيدنا التحاسد والاهمال وقد صرنا في كفة ميزان الوجود الراجحة وجميع العالم فوقنا ولسنا بزمن فتنة ولا ارض اعين رجال يدرمون عنا كل عدو دهمنا وقد فرغنا من شواغل الوجود ولم يبق علينا الا حفظ بلادنا والسعي في اعادة ثروتها واحياء اهلها وصناعتهم والتعاضد على الاتجار مع الوطنيين والسعي في رد الفائت والحرص على لباقي بايدينا فقد اشتغلت الجرائد بنا وباخبارنا وفتحت ملاعب الافكار
لتشخيص العقول مسائلنا في ميادين السياسة ونحن في بحار الغفلة غارقون خذوها نصيحة مصاب بالوطنية وتديروها فهي اطرب من النغمات والذ من الراح وسابسط لكم حال معتبرينا بسطاً غير هذه فان احوالنا كالحرباء تتلون بالوان شتى وجسمها واحد ونحن نختلف اختلافات كثيرة ومرجعنا الجهالة العمياء