المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ هل زوج الأخت يعتبر محرما للأخت الأخرى - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٢٠

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌ حكم نقل الوقف إذا تعطلت مصالحه

- ‌ حكم نقل المسجد إذا تعطلت منفعته

- ‌حكم صرف المال المبذول لإصلاح جهة في المسجد إلى جهة أخرى في المسجد

- ‌حكم نقل مال مسجد لآخر

- ‌حكم نقل المصاحف من مسجد إلى مسجد إذا دعت الحاجة

- ‌ حكم الوقف على الأولاد دون البنات

- ‌ الراجح عدم حرمان أولاد البنات من الوقف

- ‌حكم أخذ الأجرة على سحب الماء من البئر الموقوفة

- ‌جواز استبدال الإبل الموقفة بالسيارات

- ‌ حكم تنمية مال الوقف

- ‌التوكيل في الوقف

- ‌زكاة عائدات الوقف

- ‌حكم تغيير مصرف الوقف

- ‌هل يجوز وقف المباني التي بنيت بقرض من البنك العقاري

- ‌دعوة إلى دعمالهيئة العليا للبوسنة والهرسك

- ‌حكم هبة الأخت لأخيها

- ‌جمع مال الزوجين لحاجة الأسرة

- ‌أخذ راتب الزوجة برضاها

- ‌ جواز الهبة للولد للزواج إذا كان عاجزا

- ‌ هبة الوالد لأولاده للذكر مثل حظ الأنثيين

- ‌وجوب العدل بين الأولاد

- ‌العدل بين الأولاد واجب

- ‌حكم تخصيص الأولاد الذكور بأثاث المنزل

- ‌ حكم تخصيص الابن الوحيد بالهبة

- ‌ هل يجوز الإهداء لبعض الأبناء دون الآخرين

- ‌حكم تخصيص الذكور دون الإناث في قسم الأموال

- ‌ لا حرج في الشفاعة لأحد الأبناء

- ‌جواز قبول الهبة لفاعل المعروف

- ‌قبول الهدية

- ‌ترك قبول الهدايا للمدرسات

- ‌جواز قبول الهدية بعد الفراغ من العمل

- ‌تحريم الهدية على سبيل الرشوة

- ‌تحريم الرجوع في الهبة أو شرائها

- ‌تحريم الرجوع في الهبة إلا للوالد مع ولده

- ‌حكم الرجوع في عطية الوالد لابنه

- ‌تحريم مطالبة الوالد بإنفاذ عطائه

- ‌ما يتصدق به على اليتيم لا يأخذ كافله منه إلا ما كان مثل نفقته عليه

- ‌حكم التبرع بالدم

- ‌حكم الوصية ونصها الشرعي

- ‌ تعريف وصية الجنف

- ‌ أفضل مصارف الوصية

- ‌الوصية بوجوه البر

- ‌ لا تعتبر الوصية إذا خالفت الشرع

- ‌توفي ولم يوص

- ‌حكم الوصية بأقل من الثلث

- ‌ من أوصى بعتق رقبة فمن الثلث

- ‌ لا وصية لوارث

- ‌لا يجوز تخصيص أحد الأبناء بالإرث

- ‌ لا مانع من مساعدة الورثة الفقراء من الزيادة الربوية

- ‌حكم الوصية بإقامة الولائم بعد الموت

- ‌يجب التقيد بما أوصى به الموصي في وصيته

- ‌الوصية بتزويج البنت من ابن عمتها

- ‌تحديد أجرة الموصى إليه

- ‌يعمل الموصي إليه بالأصلح للصغار

- ‌كتاب الفرائض

- ‌ مقدمة في ذكر بعضما ورد في فضل هذا الفن

- ‌ باب أسباب الميراث

- ‌ باب موانع الإرث

- ‌ باب الوارثين من الرجال

- ‌ باب الوارثات من النساء

- ‌ باب الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى

- ‌ باب من يرث النصف

- ‌ باب من يرث الربع

- ‌ باب من يرث الثمن

- ‌ باب من يرث الثلثين

- ‌ باب من يرث الثلث

- ‌ باب من يرث السدس

- ‌ باب التعصيب

- ‌ فوائد

- ‌ باب الحجب

- ‌ باب المشركة

- ‌ باب الجد والإخوة

- ‌ باب الأكدرية

- ‌ باب الحساب

- ‌ باب المناسخة

- ‌ باب قسمة التركات

- ‌ باب ميراث الخنثىالمشكل، والحمل، والمفقود

- ‌ فصل في حكم الحمل

- ‌ فصل في أحكام المفقود

- ‌ باب ميراث الغرقى ونحوهم

- ‌ باب الرد وبيان من يستحقه

- ‌ باب ميراث ذوي الأرحام

- ‌الأخت تحجب أبناء الأخ

- ‌ الأخت الشقيقة أو لأب تحجب أبناء الإخوة

- ‌ الإخوة الأشقاء يحجبون الإخوة لأب

- ‌ الأخ الشقيق يحجب الإخوة لأب

- ‌ أبناء الابن يحجبون الإخوة

- ‌الإخوة لأم يرثون مع وجود الأم والإخوة الأشقاء

- ‌لا يرث أبناء الأبناء مع أعمامهم

- ‌أبناء العم الشقيق يحجبون أبناء العم لأب

- ‌بنات الأخ الشقيق لا يرثن العم المتوفى عند وجود الذكور

- ‌باب العصبات

- ‌إذا استغرقت الفروض المسألة فليس للعصبة شيء

- ‌الأخوات مع البنات عصبات

- ‌ مال الميت حق للورثة ولا ينفق في المشاريع الخيرية

- ‌ لا يجوز التصرف بمال الميت إلا بإذن الورثة

- ‌رد المال لورثة الميت

- ‌ دية المقتول جزء من تركته

- ‌ هل دية المقتول تقسم بين ورثته

- ‌ التحيل لحرمان المرأة من الميراث

- ‌الإرث لا يكون إلا بعد أداء الدين

- ‌حكم الصدقة من الميراث دون علم الورثة

- ‌تسديد الدين مقدم على الإرث

- ‌نفس المؤمن معلقة بدينه

- ‌مات وعليه دينفهل تبقى روحه مرهونة

- ‌متى تبرأ ذمة الميت المدين من تبعة الدين

- ‌لا يلزم تعجيل أقساط البنك العقاري إذا التزم ورثة الميت أو غيرهم بتسديدها

- ‌هل يعتبر قرض البنك العقاري دينا على المتوفى يلزم تسديده

- ‌جواز مطالبة القريب بالإرث

- ‌لا يجوز تخصيص أحد الأبناء بالإرث

- ‌ لا وصية لوارث

- ‌ مات عن والديهوزوجته وأربع بنات

- ‌ مات عن زوجةوأختين لأم وأخ شقيق وأخت شقيقة

- ‌مات عن أب وابنةوأخ شقيق وإخوان لأب وأخت شقيقة

- ‌مات عن زوجةوبنتين وأخ من الأم

- ‌لا حرج على منتبرع بإرث من أبيه لإخوته

- ‌حكم صرف المرأة من مال زوجها المتوفى أيام حدادها

- ‌لا تجوز الزيادةعلى الثلث إلا بإجازة الورثة

- ‌لا يجوز تخصيصأحد الورثة بشيء

- ‌الصلح جائز بين الورثة

- ‌ مات عن زوجة وأخت وابنة عم

- ‌باب الخنثى

- ‌يحكم على الخنثى بعد البلوغ

- ‌باب أهل الملل

- ‌لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم

- ‌إذا أسلم الكافر تكون أمواله لورثته المسلمين

- ‌باب المطلقة

- ‌المطلقة طلاقا رجعيا ترث زوجها إذا كانت في العدة

- ‌حكم إرث المطلقة طلاقا رجعيا إذا ماتت في العدة

- ‌امرأة عقد عليها ثم مات من عقد له عليها

- ‌المرأة ترث زوجها إذا مات عنها وهي عاصية له

- ‌من تسبب في قتل مورثه بقصد إنقاذه فالمرجع في إرثه المحكمة إذا نازعه الورثة فيه

- ‌ليس للقاتل من الميراث شيء

- ‌ التوكيل في العتق

- ‌كتاب النكاح

- ‌ نكاح المتعة:

- ‌ نكاح التحليل:

- ‌ نكاح الشغار

- ‌ إذا اتفق الإخوة أن يزوجوا عيالهم، كل واحد ابنة الثاني، بدون مهر هل يدخلون في ذلك في الشغار

- ‌ متى يعرف الزوج أن عدم وجودها بكرا من غير الزنا

- ‌ هل زوج الأخت يعتبر محرما للأخت الأخرى

- ‌ الجواب عما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يتوهم منه أنه أول من حرم المتعة:

- ‌ نظرة ابن عباس حينما أباح متعة النساء وهل رجع عنها أم لا

- ‌ تخصيص الترخيص في المتعة حينما رخص فيها بالعزبة في حال السفر:

- ‌ الجواب عما جاء عن ابن مسعود في متعة النساء:

- ‌ الجواب عما عزي إلى عطاء وابن جريج ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وابن جرير من إباحة المتعة:

- ‌ تعريف المتعة:

- ‌ الترغيب في الزواج

- ‌نصيحة لمن يريد الزواج ولم يقدر عليه

- ‌ لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى

- ‌اختيار الزوجة الصالحة

- ‌تقديم الزواج على الحج إذا خيف العنت

- ‌لا يجوز للمحرمعقد النكاح له أو لغيره

- ‌جواز رفض الزواج إذا وجد عذر شرعي

- ‌النهي عن تزويج النساء إلا بإذنهن

- ‌لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن

- ‌لا يجوز إرغام البنت على الزوج الذي لا ترغبه

- ‌ هل يجوز للأب أن يرغم ابنته على الزواج من شخص لا تريده

- ‌وجوب تزويج البنت بكرا أو ثيبا بمن ترضاه

- ‌ عضل البنت عن الزواج بسبب رأي أحد أفراد الأسرة

- ‌لا يجوز تأخير زواج البنت الصغرى

- ‌فضل المبادرة إلى الزواج

- ‌ إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه

- ‌لا يجوز للأولياء التساهل في أمور الدين

- ‌حكم الزواجات الخارجة عن الشرع

- ‌دبلة الفضة مباحة

- ‌جواز النظر إلى المخطوبة بدون خلوة

- ‌لبس النظارة أمام الخاطب

- ‌زواج المسيار وشروطه

- ‌جواز النكاح إذا اتحد الدين

- ‌حكم نكاح التحليل

- ‌ إنما الطاعة في المعروف

الفصل: ‌ هل زوج الأخت يعتبر محرما للأخت الأخرى

أو بعد الموت نعم يكون له ثلاث طلقات مثل ما كان في النكاح الأول، لكن إن كان ما طلقها إلا واحدة، أو طلقها ثنتين ثم تزوجت ثم عادت إليه فليس لها إلا ما بقي بطلاقها الأول، واحدة أو ثنتين، الذي بقي لها يبقى لها، أما إذا كان قد استوفى الطلقات الثلاث ثم طلقها ثم نكحت نكاحا شرعيا، ثم طلقت أو مات زوجها بعد الدخول بها، بعد وطئها، يعني فإن الزوج الأول يتزوجها، وترجع له بعدد ثلاث طلقات كالنكاح الأول.

والبائنة بينونة صغرى وهي من طلقها زوجها واحدة أو ثنتين ثم رجعت إليه بالمراجعة أو بنكاح جديد كالمخلوعة المفسوخة فإنها ترجع على الطلاق الباقي كما ذكرنا.

ص: 289

س 156:‌

‌ هل زوج الأخت يعتبر محرما للأخت الأخرى

مؤقتا بحيث يجوز أن يختلي بها وكذلك عمة البنت؟

ج: لا، زوج الأخت ليس محرما لها، زوج الأخت والخالة وكذلك العمة لا تكون عمتها التي يحرم عليه نكاحها مع البنت فلا يجمع بينهما، وهكذا خالتها إنما هذا تحريم مؤقت، ولم يكن محرما لها زوج أختها وهكذا زوج عمتها، وهكذا زوج خالتها، وهكذا نفس العمة عمة الزوجة، وأخت الزوجة وخالة الزوجة لسن محارم للزوج المذكور، لأنهن محرمات عليه متى طلق أختهن أو بنت أخيهن أو بنت أختهن

ص: 289

جاز له النكاح بعد العدة، فالحاصل أن بعض الناس يتساهل مع بعض النساء، مع زوج أختها، ويتساهل بعض الناس مع أخي زوجها، أو عم زوجها، وهذا غلط لا يجوز، فلا يجوز للمرأة أن تتساهل مع أخي زوجها، فإنه ليس محرما لها، وليس عمه محرما لها، ولا خاله وإنما المحرم أبوه وابنه هما المحارم، أما أخو الزوج وعم الزوج، وابن عم الزوج وخال الزوج فليسوا محارم، كذا زوج الأخت وزوج العمة وزوج الخالة ليسوا محارم، المحرم زوج بنتها، زوج أمها، هذا هو المحرم، أما زوج أختها وزوج عمتها، وزوج خالتها فليسوا محارم، يجب الحجاب والتحرز وعدم الخلوة.

ص: 290

157 -

متعة النساء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتا لا شك فيه الإذن في نكاح المتعة، ثم تحريمه تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، وحكي إجماع من سوى الشيعة على ذلك، وما يشبه الإجماع من أئمة العلم نذكر منهم من يلي:

1 -

أبو عبيد: قال: " المسلمون اليوم مجمعون على أن متعة النساء قد نسخت بالتحريم، نسخها الكتاب والسنة، وهذا قول أهل العلم جميعا من أهل الحجاز والشام والعراق من أصحاب الأثر والرأي، وأنه لا رخصة فيها لمضطر ولا لغيره ".

ص: 291

2 -

الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المعروف بأبي جعفر النحاس نص في كتابه الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ص 105 على اجتماع من تقوم به الحجة على أن المتعة حرام بكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الخلفاء الراشدين المهديين وتوقيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عباس وقوله: إنك رجل تائه «وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم المتعة (1) » ، قال:" ولا اختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصحة طريقه وروايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم المتعة " وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه، ثم قال في ص 106: " قرأ علي أحمد بن محمد الأزدي عن إبراهيم بن داود قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدثنا جويرية عن مالك بن أنس عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن بن محمد حدثاه عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس: إنك رجل تائه، يعني: مائل، «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في (كتاب النكاح) باب نكاح المتعة برقم (2510) .

ص: 292

نهى عن المتعة (1) » قال أبو جعفر: ولهذا الحديث طرق اخترنا هذا؛ لصحته ولجلالة جويرية؛ ولأن ابن عباس لما خاطبه علي رضي الله عنه بهذا لم يحاججه، فصار تحريم المتعة إجماعا؛ لأن الذين يحلونها اعتمادهم على ابن عباس " اهـ.

3 -

الطحاوي قال في شرح معاني الآثار ج 3 ص 27 بعد روايته نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن متعة النساء قال: " فهذا عمر رضي الله عنه قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر ذلك عليه منهم منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك، وفي إجماعهم على النهي في ذلك دليل على نسخها وحجة " اهـ.

4 -

البغوي قال في شرح السنة ج 9 ص 100: " اتفق العلماء على تحريم نكاح المتعة وهو كالإجماع بين المسلمين، وروي عن ابن عباس شيء من الرخصة للمضطر إليه بطول الغربة ثم رجع عنه حيث بلغه النهي " اهـ.

5 -

الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي قال في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص 138: بعد ما روى من طريق الشافعي أنه قال: أنبأنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت ابن مسعود يقول: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فأردنا أن

(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

ص: 293

نختصي فنهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء (1) » قال بعد أن رواه وقال:" هذا طريق حسن صحيح، وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام، وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لهم للسبب الذي ذكره ابن مسعود، وإنما كان ذلك يكون في أسفارهم، ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم في بيوتهم، ولهذا نهاهم عنه غير مرة، ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة، حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكان تحريم تأبيد لا تأقيت، فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة، ويروى أيضا عن ابن جريج جوازه " اهـ.

6 -

الإمام محمد بن علي الشوكاني قال في كتابه السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: " اعلم أن النكاح الذي جاءت به هذه الشريعة هو النكاح الذي يعقده الأولياء للنساء، وقد بالغ الشارع في ذلك حتى حكم بأن النكاح الواقع بغير ولي باطل وكرر ثلاثا، ثم النكاح الذي جاءت به هذه الشريعة

(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في (كتاب تفسير القرآن) باب قوله تعالى: '' يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات '' برقم (4249) .

ص: 294

هو النكاح الذي أوجب الشارع فيه إشهاد الشهود؛ لما ثبت ذلك بالأحاديث، ثم النكاح الذي شرعه الشارع هو النكاح الذي يحصل به التوارث ويثبت به النسب ويترتب عليه الطلاق والعدة، وإذا عرفت هذا فالمتعة ليست بنكاح شرعي، وإنما هي رخصة للمسافر مع الضرورة ولا خلاف في هذا، ثم لا خلاف في ثبوت الحديث المتضمن للنهي عنها إلى يوم القيامة، وليس بعد هذا شيء ولا تصلح معارضته بشيء مما زعموه. وما ذكروه من أنه استمتع بعض الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم فليس هذا ببدع، فقد يخفى الحكم على بعض الصحابة؛ ولهذا صرح عمر بالنهي عن ذلك وأسنده إلى نهيه صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن بعض الصحابة تمتع، فالحجة إنما هي فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا فيما فعله فرد أو أفراد من الصحابة، وأما المراوغة بأن التحليل قطعي والتحريم ظني، فذلك مدفوع بأن استمرار ذلك القطعي ظني بلا خلاف، والنسخ إنما هو للاستمرار لا لنفي ما قد وقع، فإنه لا يقول عاقل بأنه ينسخ ما قد فرغ من فعله، ثم قد أجمع المسلمون على التحريم ولم يبق على الجواز إلا الرافضة، وليسوا ممن يحتاج إلى دفع أقوالهم ولا هم ممن يقدح في الإجماع، فإنهم في غالب ما هم عليه مخالفون للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال ابن المنذر:

ص: 295

" أجمع العلماء على تحريمها إلا الروافض " وقال ابن بطال: " وأجمعوا الآن على أنه متى وقع - يعني المتعة - أبطل، سواء كان قبل الدخول أو بعده " وقال الخطابي: " تحريم المتعة كالإجماع إلا عند بعض الشيعة " اهـ (1) .

وعبارات أئمة العلم التي تنحو هذا المنحى في حكاية إجماع من سوى الشيعة أو ما يشبه الإجماع كثيرة، لكن بعد إعطائنا الموضوع ما يستحق من الدراسة وجدنا مع المجيزين لمتعة النساء من الأمور ما لا بد من عرضه والإجابة عليه فنقول وبالله التوفيق:

(1) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ج 2 ص 267، 268 طبعة القاهرة.

ص: 296

158 -

تعلق المجيزون لمتعة النساء بما يلي:

1 -

قول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) ؛ لما ورد عن بعض السلف من يفسره بنكاح المتعة، ولقراءة طائفة من السلف (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) .

2 -

اختلاف الروايات الواردة في بيان أول وقت لتحريم المتعة، حيث ذكر مسلم من رواية سلمة بن الأكوع إباحتها يوم

(1) سورة النساء الآية 24

ص: 296

أوطاس (1) ، ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح وتحريمها فيه (2) ، ومن حديث علي تحريمها يوم خيبر وهو قبل الفتح (3)، وذكر غير مسلم من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في غزوة تبوك (4) » ، وروى أبو داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه النهي عنها في حجة الوداع (5)، وقال أبو داود: وهذا أصح ما روي في ذلك، وروي عن سبرة أيضا:«أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها في حجة الوداع ثم نهى عنها حينئذ إلى يوم القيامة (6) » وجاء عن الحسن البصري أنه قال: " ما حلت قط إلا في عمرة القضاء "(7) قال المتعلقون بهذا الاختلاف: إن هذا الاختلاف يعتبر قادحا في كل رواية من روايات التحريم؛ لذلك نرى البقاء على الإباحة.

(1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج 2 برقم (1405) ص 1023.

(2)

أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج 2 برقم (1406) ص 1025.

(3)

أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج 2 برقم (1407) ص 1027.

(4)

شرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه باب في نكاح المتعة ج 2 برقم (2072) ص 226.

(6)

أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج 2 برقم (1409) ص 1025.

(7)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف ج 7 برقم (14040) ص 503.

ص: 297

3 -

ما ثبت من حديث همام عن قتادة عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في متعة النساء ومتعة الحج: «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج (1) » وما روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث (2) » قال المتعلقون بهاتين الروايتين: إنهما دالتان على أن عمر هو الذي حرم نكاح المتعة.

4 -

ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما من إباحة نكاح المتعة في روايات بعضها مطلق وبعضها مقيد بالضرورة.

5 -

ما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي، فنهانا ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله (4) » .

(1) رواه سعيد بن منصور في كتابه السنن ج ابرقم (853) ص 252.

(2)

أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج 2 برقم (1405) ص 1023.

(3)

صحيح البخاري تفسير القرآن (4615) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/420) .

(4)

سورة المائدة الآية 87 (3){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}

ص: 298

6 -

ما ذكره ابن حزم في المحلى ونقله عنه الحافظ ابن حجر في (ج 9) من فتح الباري ص 174 حيث قال: " ثبت على إباحتها - متعة النساء - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ومعاوية وأبو سعيد وابن عباس وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف وجابر وعمرو بن حريث. ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر، قال: ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة " هذا ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، وبعد مراجعة المحلى وجدنا فيه ابن حزم قد ذكر أسماء بنت أبي بكر ضمن أولئك الصحابة الذين ادعى ابن حزم أنهم ثبتوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإباحة، كما ذكر أن هناك رواية أخرى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه إنما أنكر متعة النساء إذا لم يشهد عليها عدلان فقط وإباحتها بشهادة عدلين.

7 -

ما عزي إلى عطاء وابن جريج ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وابن جرير من إباحة متعة النساء فقد جاء في المنتقى شرح الموطأ " أن عطاء كان يقول بإباحتها، وقال الخطابي: يحكى عن ابن جريج جوازها، وحكى بعض الحنفية عن مالك إباحتها، وحاول بعض أهل العلم نقل رواية عن الشافعي بمثل مذهب ابن عباس فيها، ورويت عن الإمام

ص: 299

أحمد بن حنبل رواية ظاهرها الكراهة دون التحريم فقد سأله ابن منصور عن متعة النساء فقال: يجتنبها أحب إلي " وورد في نيل الأوطار للشوكاني ما نصه: يروى عن ابن جرير جوازه - نكاح المتعة -.

ص: 300

159 -

لهذا نلتزم الإجابة عن جميع هذه الأمور، ونضيف إلى ذلك تعريف المتعة، وهل يترتب الحد على ارتكابها بعد إعلان تحريمها؟ فنقول وبالله التوفيق.

أما الاستدلال بقول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) الآية على إباحة نكاح المتعة فقد أجيب عنه بأمور:

- أحدها: ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الثاني من منهاج السنة ص 155، 156 ونصه: " أما متعة النساء المتنازع فيها فليس في الآية نص صريح بحلها - المتعة - فإنه قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (2){وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} (3) الآية، فقوله:

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة النساء الآية 24

(3)

سورة النساء الآية 25

ص: 300

{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (1) متناول لكل من دخل بها، أما من لم يدخل بها فإنها لا تستحق إلا نصفه، وهذا كقوله تعالى:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (2) فجعل الإفضاء مع العقد موجبا لاستقرار الصداق فبين ذلك أنه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى، بل إعطاء الصداق كاملا في المؤبد أولى فلا بد أن تدل الآية على المؤبد إما بطريق التخصيص وإما بطريق العموم، يدل على ذلك أنه ذكر بعد هذا نكاح: الإماء، فعلم أن ما ذكر في نكاح الحرائر مطلقا، قال: فإن قيل: ففي قراءة طائفة من السلف (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) قيل: أولا: ليست هذه

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة النساء الآية 21

ص: 301

القراءة متواترة وغايتها أن تكون كأخبار الآحاد، ونحن لا ننكر أن المتعة أحلت في أول الإسلام، لكن الكلام في دلالة القرآن على ذلك.

الثاني: أن يقال: إن كان هذا الحرف نزل فلا ريب إنه ليس ثابتا من القراءة المشهورة فيكون منسوخا ويكون لما كانت المتعة مباحة فلما حرمت نسخ هذا الحرف، أو يكون الأمر بالإيتاء في الوقت تنبيها على الإيتاء في النكاح المطلق، وغاية ما يقال: أنهما قراءتان، وكلاهما حق، والأمر بالإيتاء في الاستمتاع إلى أجل واجب إذا كان ذلك حلالا، وإنما يكون ذلك إذا كان الاستمتاع إلى أجل مسمى حلالا، وهذا كان في أول الإسلام فليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع بها إلى أجل مسمى حلال فإنه لم يقل: وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل مسمى، بل قال:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (1)

(1) سورة النساء الآية 24

ص: 302

فهذا يتناول ما وقع من الاستمتاع سواء كان حلالا أم وطئ شبهة؛ ولهذا يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنة والاتفاق، والمستمتع إذا اعتقد حل المتعة وفعلها فعليه المهر، وأما الاستمتاع المحرم فلم تتناوله الآية، فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد مع مطاوعتها لكان زنا ولا مهر فيه، وإن كانت مستكرهة ففيه نزاع مشهور " اهـ.

وهذا الجواب الذي أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية هنا من عدم دلالة آية {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) على إباحة متعة النساء رواه الإمام أبو جعفر ابن جرير الطبري في تفسيره " جامع البيان عن تأويل القرآن " عن ابن عباس والحسن ومجاهد وابن زيد وجزم بأنه الأولى بالصواب.

قال ابن جرير: حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (2) يقول: إذا تزوج الرجل منكم المرأة ثم نكحها مرة واحدة فقد وجب صداقها كله، والاستمتاع هو النكاح، وهو قوله:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (3) حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (4) النكاح.

حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة النساء الآية 24

(3)

سورة النساء الآية 4

(4)

سورة النساء الآية 24

ص: 303

عن ابن جريج عن مجاهد قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) قال: النكاح أراد.

حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (2) الآية قال: هذا النكاح وما في القرآن إلا نكاح إذا أخذتها واستمتعت بها فأعطها أجرها الصداق، فإن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ فرض الله عليها العدة وفرض لها الميراث، قال: والاستمتاع هو النكاح هاهنا إذا دخل بها، ثم ذكر ابن جرير القول بأن المراد بالآية متعة النساء، وتعقبه بقوله: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله فما نكحتموه منهن فجامعتموه فآتوهن أجورهن؛ لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح، أو الملك الصحيح على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: حدثني الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استمتعوا من هذه النساء (3) » والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج.

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة النساء الآية 24

(3)

صحيح مسلم النكاح (1406، 1406، 1406، 1406، 1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/406) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .

ص: 304

وقد دلنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام من غير هذا الموضع من كتبنا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وأضاف ابن جرير إلى ذلك رواية ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهما من قراءتها، فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، وعلق عليه بقوله: أما ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس من قراءتها فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى، فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه. اهـ.

كما ذكر ابن جرير ضمن أقوال المفسرين في قول الله

ص: 305

تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} (1) ذكر قول السدي معناها: ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم أنتم والنساء اللواتي استمعتم بهن إلى أجل مسمى إذا انقضى الأجل الذي أجلتموه بينكم وبينهن في الفراق، أن يزدنكم في الأجل وتزيدوا من الأجر، والفريضة قبل أن يستبرئن أرحامهن، وتعقبه بقوله: " فأما الذي قاله السدي فقوله لا معنى له لفساد القول بإحلال جماع امرأة بغير نكاح ولا ملك يمين، واختار ابن جرير قول من قال في معنى الآية: ولا حرج عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم من بعد إعطائهن أجورهن على النكاح الذي جرى بينكم وبينهن من حط ما وجب لهن عليكم أو إبراء أو تأخير أو وضع وقال: وذلك نظير قوله جل ثناؤه: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (2) اهـ.

وممن أيد القول بأن آية: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (3) لا دلالة فيها على إباحة متعة النساء من أئمة التفسير: أبو جعفر النحاس وأبو بكر الجصاص وابن خويز منداد وابن العربي وابن الجوزي وفيما يلي نصوصهم: قال أبو جعفر النحاس في (الناسخ والمنسوخ من القرآن) ص 105،

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة النساء الآية 4

(3)

سورة النساء الآية 24

ص: 306

106: قال قوم - أي في الكلام على الآية المذكورة -: هو أي الاستمتاع النكاح بعينه وما أحل الله المتعة قط في كتابه، فممن قال هذا من العلماء: الحسن ومجاهد كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا الفريابي عن ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (1) قال: النكاح، وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع، قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الحسن: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (2) قال: النكاح، قال أبو جعفر: وكذا يروى عن ابن عباس وسنذكره بإسناده وشرحه، ووفى بهذا الوعد في ص 106، 107 حيث قال: حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: وقوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (3) يقول: إذا تزوج الرجل المرأة فنكحها مرة واحدة وجب لها الصداق كله. والاستمتاع: النكاح، قال: وهو قوله عز وجل: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (4) قال أبو جعفر: فبين ابن عباس أن الاستمتاع هو النكاح بأحسن بيان والتقدير في العربية فما استمتعتم به ممن قد تزوجتموه بالنكاح مرة، أو أكثر من ذلك، فأعطوها الصداق كاملا إلا أن تهبه أو تهب منه، وقيل: التقدير فمن استمتعتم به منهن

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة النساء الآية 24

(3)

سورة النساء الآية 24

(4)

سورة النساء الآية 4

ص: 307

و (ما) بمعنى: من، وقيل: فما استمتعتم به من دخول بالمرأة فلها الصداق كاملا أو النصف إن لم يدخل بها، وقال أبو جعفر: قد روى الربيع بن سبرة عن أبيه «عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه حرم المتعة يوم الفتح (1) » .

وقد صح من الكتاب والسنة التحريم ولم يصح التحليل من الكتاب، بما ذكر من قول من قال: إن الاستمتاع النكاح. على أن الربيع بن سبرة قد روى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «استمتعوا من هذه النساء (2) » . قال: والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج. اهـ.

وقال أبو بكر الجصاص في الباب الذي عقده في أحكام القرآن لمتعة النساء ج 2 ص 148، 149 قال: من فحوى الآية أي قول الله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (3) من الدلالة على أن المراد النكاح دون المتعة ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه عطف على إباحة النكاح في قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (4) وذلك إباحة لنكاح من عدا المحرمات لا محالة؛ لأنهم لا يختلفون أن النكاح مراد بذلك فوجب أن يكون ذكر الاستمتاع بيانا لحكم المدخول بها بالنكاح في استحقاقها لجميع الصداق.

الثاني: قوله تعالى: {مُحْصِنِينَ} (5) والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح؛ لأن الواطئ بالمتعة لا يكون محصنا ولا

(1) سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) ، سنن الدارمي النكاح (2196) .

(2)

صحيح مسلم النكاح (1406، 1406، 1406، 1406، 1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/406) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .

(3)

سورة النساء الآية 24

(4)

سورة النساء الآية 24

(5)

سورة النساء الآية 24

ص: 308

يتناوله هذا الاسم. فعلمنا أنه أراد النكاح.

الثالث: قوله تعالى: {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (1) فسمي الزنا سفاحا لانتفاء أحكام النكاح عنه من ثبوت النسب ووجوب العدة وبقاء الفراش إلى أن يحدث له قطعا، ولما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة كانت في معنى الزنا ويشبه أن يكون من سماها سفاحا: ذهب إلى هذا المعنى إذ كان الزاني إنما سمي مسافحا؛ لأنه لم يحصل له من وطئها فيما يتعلق بحكمه إلا على سفح الماء باطلا من غير استلحاق نسب فمن حيث نفى الله تعالى بما أحل من ذلك، وأثبت به الإحصان فاسم السفاح وجب ألا يكون المراد به الاستمتاع هو المتعة، إذ كانت في معنى السفاح، بل المراد به النكاح، وقوله تعالى:{غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (2) شرط في الإباحة المذكورة، وفي ذلك دليل على النهي عن المتعة إذا كانت المتعة في معنى السفاح من الوجه الذي ذكرنا. اهـ.

وأجاب الجصاص عن القراءة المنسوبة إلى أبي إلى أجل مسمى بأنه لا يجوز إثبات الأجل في التلاوة عند أحد من المسلمين بها؛ لعدم ثبوت تلك القراءة، وبأنه لو كان في الآية إلى أجل مسمى، لما دل أيضا على متعة النساء؛ لأن الأجل يجوز أن يكون داخلا على المهر، فيكون تقديره فما دخلتم به منهن بمهر إلى أجل مسمى فأتوهن مهورهن عند حلول الأجل.

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة النساء الآية 24

ص: 309

وقال ابن خويز منداد المالكي: " لا يجوز أن تحمل الآية أي: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) على جواز المتعة أي متعة النساء؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وحرمها؛ ولأن الله تعالى قال: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} (2) ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين. ونكاح المتعة ليس كذلك " نقل ذلك عن ابن خويز منداد، الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) ص 129، 130.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن: فيه أي قول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (3) الآية قولان:

أحدهما: أنه أراد استمتاع النكاح المطلق، قاله جماعة منهم: الحسن ومجاهد وإحدى روايتي ابن عباس.

الثاني: أنه متعة النساء بنكاحهن إلى أجل. روي عن ابن عباس أنه سئل عن المتعة فقرأ: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)، قال ابن عباس:" والله لأنزلها الله كذلك "، وروي عن حبيب بن ثابت قال: أعطاني ابن عباس مصحفا وقال: هذه قراءة أبي وفيه مثل ما تقدم. أي إلى أجل مسمى ولم يصح ذلك عنهما فلا تلتفتوا إليه. وقول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (4) يعني النكاح الصحيح. اهـ.

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة النساء الآية 25

(3)

سورة النساء الآية 24

(4)

سورة النساء الآية 24

ص: 310

وقال ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير ج 2 ص 53، 54 المكتب الإسلامي:" قد تكلف قوم من مفسري القراء فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء، وهذا تكلف لا يحتاج إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة ثم منع منها، فكان قوله منسوخا بقوله: وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة؛ لأنه تعالى قال فيها: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (1) فدل ذلك على النكاح الصحيح، قال الزجاج: ومعنى قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (2) فما نكحتم، وهن على الشريطة التي جرت، وهو قوله: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (3) أي عاقدين التزويج: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (4) أي مهورهن، ومن ذهب في الآية إلى غير هذا فقد أخطأ وجهل اللغة ". اهـ.

وبما بيناه يتبين أن ما نقله القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) عن أبي بكر الطرطوشي وهو أنه قال بعد أن ذكر من يدعي أنه قد رخص في نكاح المتعة: " وسائر العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالح على أن هذه الآية أي: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (5) منسوخة وأن المتعة حرام " غير مسلم بالنسبة إلى الدعوى في الآية.

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة النساء الآية 24

(3)

سورة النساء الآية 24

(4)

سورة النساء الآية 24

(5)

سورة النساء الآية 24

ص: 311

الثاني: مما أجيب به عن الاستدلال بقول الله تعالى:

ص: 311

{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (1) الآية لجواز متعة النساء ما ذكره شيخ الإسلام في ج 2 من منهاج السنة حيث قال بعد ذكر الجواب المتقدم: " وأيضا فإن الله تعالى إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين، والمستمتع بها ليست واحدة منهما فإنها لو كانت زوجة لتوارثا ولوجب عليها عدة الوفاة، وللحقها الطلاق الثلاث، فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب الله تعالى، فلما انتفى عنها لوازم النكاح دل على انتفاء النكاح؛ لأن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، والله تعالى إنما أباح في كتابه الزواج وملك اليمين وحرم ما زاد على ذلك بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (2){إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (3){فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (4) والمتمتع بها بعد التحريم ليست زوجة ولا ملك يمين فتكون حراما بنص القرآن، أما كونها ليست مملوكة فظاهر، وأما كونها ليست زوجة فلانتفاء لوازم النكاح فيها، فإن من لوازم النكاح كونه سببا للتوارث وثبوت عدة الوفاة فيه والطلاق الثلاث وتنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول وغير ذلك من اللوزام، قال: فإن قيل: فقد تكون زوجة لا ترث كالذمية والأمة، قيل: عندهم نكاح الذمية لا يجوز ونكاح الأمة إنما يجوز عند الضرورة وهم يبيحون المتعة مطلقا. ثم

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة المؤمنون الآية 5

(3)

سورة المؤمنون الآية 6

(4)

سورة المؤمنون الآية 7

ص: 312

يقال: نكاح الذمية والأمة سبب للتوارث ولكن المانع قائم وهو الكفر والرق، كما أن النسب سبب للتوارث إلا إذا كان الولد رقيقا أو كافرا فالمانع قائم؛ ولهذا إذا أعتق الولد أو أسلم ورث أباه، وكذلك الزوجة إذا أسلمت في حياة زوجها ورثته باتفاق المسلمين، وكذلك إذا أعتقت في حياته واختارت بقاء النكاح ورثته باتفاق المسلمين، بخلاف المستمتع بها، فإن نفس نكاحها لا يكون سببا للإرث فلا يثبت التوارث فيه بحال، فصار هذا النكاح كولد الزنا الذي ولد على فراش زوج، فإن هذا لا يلحق بالزاني بحال فلا يكون ابنا يستحق الإرث، قال: فإن قيل: النسب قد تبعض أحكامه فكذلك النكاح، قيل: هذا فيه نزاع والجمهور يسلمونه. ولكن ليس في هذا حجة لهم، فإن جميع أحكام الزوجة منتفية في المستمتع بها، لم يثبت فيها شيء من خصائص النكاح الحلال، فعلم انتفاء كونها زوجة، وما ثبت فيها من الأحكام من لحوق النسب ووجوب الاستبراء ودرء الحدود ووجوب المهر ونحو ذلك فهذا يثبت في نكاح الشبهة فعلم أن وطء المستمتع بها ليس وطئا لزوجة لكنه مع اعتقاد الحل مثل الوطء بشبهة، وأما كون الوطء حلالا فهذا مورد النزاع فلا يحتج به أحد المتنازعين وإنما يحتج على الآخر بموارد النص والإجماع. اهـ.

وممن سبق شيخ الإسلام إلى هذا الجواب أبو بكر

ص: 313

الجصاص في أحكام القرآن: ج 2 ص 149 قال: " الدليل على تحريمها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (1){إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (2){فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (3) فقصر إباحة الوطء على أحد هذين الوجهين وحظر ما عداهما بقوله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (4) والمتعة خارجة عنها فهي إذن محرمة. فإن قيل: ما أنكرت أن تكون المرأة المستمتع بها زوجة وأن المتعة غير خارجة عن هذين الوجهين الذين قصر الإباحة عليهما؟ قيل له: هذا غلط؛ لأن اسم الزوجة إنما يقع عليها ويتناولها إذا كانت منكوحة بعقد نكاح، وإذا لم تكن المتعة نكاحا لم تكن هذه زوجة. فإن قيل: ما الدليل على أن المتعة ليست بنكاح؟ قيل له: الدليل على ذلك أن النكاح اسم يقع على أحد معنيين: الوطء والعقد، وقد بينا فيما سلف أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد، وإذا كان الاسم مقصورا في إطلاقه على أحد هذين المعنيين، وكان إطلاقه في العقد مجازا على ما ذكرنا، ووجدناهم أطلقوا الاسم على عقد تزويج مطلق أنه نكاح، ولم نجدهم أطلقوا اسم النكاح على المتعة، فلا يقولون: إن فلانا تزوج فلانة، إذا شرط التمتع بها لم يجز لنا إطلاق اسم النكاح على المتعة إذ المجاز لا يجوز إطلاقه إلا أن

(1) سورة المؤمنون الآية 5

(2)

سورة المؤمنون الآية 6

(3)

سورة المؤمنون الآية 7

(4)

سورة المؤمنون الآية 7

ص: 314

يكون مسموعا من العرب أو يرد به الشرع. فلما عدمنا إطلاق اسم النكاح على المتعة في الشرع واللغة جميعا وجب أن تكون المتعة ما عدا ما أباحه الله، وأن يكون فاعله عاديا ظالما لنفسه، مرتكبا لما حرمه الله، وأيضا فإن النكاح له شرائط قد اختص بها، متى فقدت لم يكن نكاحا، ومنها: أن مضي الوقت لا يؤثر في عقد النكاح، ولا يوجب رفعه والمتعة عند القائلين بها توجب رفع النكاح بمضي المدة، ومنها: أن النكاح فراش يثبت به النسب من غير دعوة، ولا ينتفي الولد المولود على فراش النكاح إلا باللعان، والقائلون بالمتعة لا يثبتون النسب منه فعلمنا أنها ليست بنكاح ولا فراش، ومنها: أن الدخول بها على النكاح يوجب العدة عند الفرقة، والموت يوجب العدة دخل بها أو لم يدخل، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (1) والمتعة لا توجب عدة الوفاة، وقال تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} (2) ولا توارث عندهم في المتعة. فهذه هي أحكام النكاح التي تختص بها إلا أن يكون هناك رق أو كفر يمنع التوارث، فلما لم يكن في المتعة مانع من الميراث من أحدهما بكفر أو رق ولا سبب يوجب الفرقة ولا مانع من ثبوت النسب مع كون الرجل ممن يستفرش، ويلحقه

(1) سورة البقرة الآية 234

(2)

سورة النساء الآية 12

ص: 315

الأنساب لفراشه ثبت ذلك أنها ليست بنكاح، فإذا خرجت عن أن تكون نكاحا أو ملك يمين كانت محرمة بتحريم الله إياها في قوله:{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (1) فإن قيل انقضاء المدة الموجبة للبينونة هو الطلاق، قيل له: إن الطلاق لا يقع إلا بصريح لفظ أو كناية ولم يكن منه واحد منهما فكيف يكون طلاقا؟ ومع ذلك فيجب على أصل هذا القائل أن لا تبين لو انقضت المدة، وهي حائض؛ لأن القائلين بإباحة المتعة لا يرون طلاق الحائض جائزا، فلو كانت البينونة الواقعة بمضي المدة طلاقا لوجب ألا يقع في حيض، فلما أوقعوا البينونة الواقعة بمضي الوقت وهي حائض، دل ذلك على أنه ليس بطلاق وإن كانت تبين بغير طلاق ولا سبب من قبل الزوج يوجب الفرقة، ثبت أنها ليست بنكاح. فإن قيل على ما ذكرنا من نفي النسب والعدة والميراث ليس انتفاء هذه الأحكام بمانع من أن تكون نكاحا؛ لأن الصغير لا يلحق به نسب ويكون نكاحا صحيحا والعبد لا يرث والمسلم لا يرث الكافر، ولم يخرجه انتفاء هذه الأحكام عنه من أن يكون نكاحا، قيل له: إن نكاح الصغير قد تعلق به النسب، إذا صار ممن يستفرش ويتمتع وأنت لا تلحقه نسب ولدها مع الوطء الذي يجوز أن يلحق به النسب في النكاح، والعبد والكافر إنما لم يرثا للرق والكفر، وهما يمنعنان التوارث بينهما. وذلك غير موجود في المتعة؛ لأن كل واحد منهما من أهل الميراث من صاحبه فإذا لم يكن بينهما ما يقطع الميراث ثم لم يرث مع وجود المتعة،

(1) سورة المؤمنون الآية 7

ص: 316

علمنا أن المتعة ليست بنكاح؛ لأنها لو كانت نكاحا لأوجب الميراث، مع وجود سببه من غير مانع من قبلهما. اهـ.

ص: 317

الثالث: مما أجيب به دعوى بأن المراد بقول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) متعة النساء النسخ فإن الذين قالوا ذلك من العلماء جزموا بنسخها ثم اختلفوا في ناسخها هل هو القرآن أو الحديث أو هما معا كما أوضحه الإمام أبو جعفر النحاس في كتاب: (الناسخ والمنسوخ من القرآن) حيث قال بعد استعراضه أقوال أهل العلم في تلك الآية: " قال جماعة من العلماء: كانت المتعة حلالا ثم نسخ الله جل ثناؤه ذلك بالقرآن، وممن قال هذا سعيد بن المسيب، وهو يروي عن ابن عباس وعائشة وهو قول القاسم وسالم وعروة كما قرأ علي أحمد بن محمد بن الحجاج، عن يحيى بن سليمان، قال: حدثنا علي بن هشام عن عثمان عن عطاء الخراساني عن أبيه، عن ابن عباس في قوله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (2) قال: نسختها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (3) يقول الطلاق للطهر الذي لم يجامعها فيه. قرأ علي محمد بن جعفر عن

(1) سورة النساء الآية 24

(2)

سورة النساء الآية 24

(3)

سورة الطلاق الآية 1

ص: 317

يوسف بن موسى، قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال: نسخت المتعة آية الميراث يعني {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} (1) قال أبو جعفر: وذلك أن المتعة لا ميراث فيها، فلهذا قال بالنسخ وإنما المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوما وما أشبه ذلك على أنه لا عدة عليك ولا ميراث بينهما ولا طلاق ولا شاهد يشهد على ذلك، وهذا هو الزنا بعينه، ولذلك قال عمر بن الخطاب: لا أوتى برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة. قرأ علي أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن عبد الله بن بكير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: قال لي سالم بن عبد الله وهو يذاكرني: يقولون بالمتعة هؤلاء، فهل رأيت نكاحا لا طلاق فيه ولا عدة له ولا ميراث فيه. وقال: قال لي القاسم بن محمد بن أبي بكر: كيف تجترئون على الفتيا بالمتعة وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (2){إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (3){فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (4) قال أبو جعفر: وهذا قول بين؛ لأنه إذا لم تكن تطلق ولا تعتد ولا ترث فليست بزوجة، وقال قوم من العلماء: الناسخ للمتعة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأ علي أحمد بن محمد الأزدي عن إبراهيم بن أبي داود، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء،

(1) سورة النساء الآية 12

(2)

سورة المؤمنون الآية 5

(3)

سورة المؤمنون الآية 6

(4)

سورة المؤمنون الآية 7

ص: 318

قال: حدثنا جويرية عن مالك بن أنس عن الزهري، أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحسن بن محمد حدثاه عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس: إنك رجل تائه يعني مائل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، قال أبو جعفر: ولهذا الحديث طرق فاخترنا هذا لصحته، ولجلالة جويرية من طريق أسماء؛ ولأن ابن عباس لما خاطبه علي رضي الله عنه بهذا لم يحاججه، فصار تحريم المتعة إجماعا؛ لأن الذين يحلونها اعتمادهم على ابن عباس، وقال قوم: نسخت المتعة بالقرآن والسنة جميعا وهذا قول أبي عبيد. اهـ.

وقد روى الربيع بن سبرة عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المتعة يوم الفتح (1) » وقد صح من الكتاب والسنة التحريم (2) .

مواقف أئمة العلم من اختلاف الروايات في الوقت الذي حرمت فيه المتعة، مع اتفاقهم على أن هذا الاختلاف لا يقدح فيها قدحا يقتضي تركها والاستمرار على الإباحة، وأما دعوى أن اختلاف الروايات الواردة في تاريخ تحريم متعة النساء يقدح فيها قدحا يقتضي البقاء على أصل الإباحة، فقد أجيب عنها بما يلي:

(1) سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) ، سنن الدارمي النكاح (2196) .

(2)

الناسخ والمنسوخ ص 105، 106.

ص: 319

1 -

قال القاضي عياض في شرح صحيح مسلم في تلك الأحاديث ما نصه: " ذكر مسلم عن سلمة بن الأكوع إباحتها يوم أوطاس، ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح، وهما واحد ثم حرمت يومئذ، وفي حديث علي تحريمها يوم خيبر وهو قبل الفتح، وذكر غير مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في غزوة تبوك، من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي، ولم يتابعه أحد على هذا، وهو غلط منه، وهذا الحديث رواه مالك في الموطأ وسفيان ابن عيينة والعمري، ويونس وغيرهم عن الزهري وفيه يوم خيبر وكذا ذكره مسلم عن جماعة عن الزهري وهذا هو الصحيح. وقد روى أبو داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه النهي عنها في حجة الوداع، قال أبو داود: وهذا أصح ما روي في ذلك، وقد روي عن سبرة أيضا إباحتها في حجة الوداع، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها حينئذ إلى يوم القيامة. وقد روي عن الحسن البصري أنها ما حلت قط إلا في عمرة القضاء، وروي هذا عن سبرة الجهني أيضا ولم يذكر مسلم في روايات حديث سبرة تعيين وقت إلا في رواية محمد بن سعيد الدارمي، ورواية إسحاق بن إبراهيم ورواية يحيى بن يحيى فإنه ذكر فيها يوم فتح مكة قالوا: وذكر الرواية بإباحتها يوم حجة الوداع خطأ؛ لأنه لم يكن يومئذ

ص: 320

ضرورة ولا عزوبة وأكثرهم حجوا بنسائهم، والصحيح أن الذي جرى في حجة الوداع مجرد النهي كما جاء في غير رواية ويكون تجديده صلى الله عليه وسلم النهي عنها لاجتماع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب ولتمام الدين، وتقرر الشريعة كما قرر كل شيء وبين الحلال والحرام يومئذ وبت تحريم المتعة حينئذ؛ لقوله:" إلى يوم القيامة " قال القاضي: ويحتمل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر، وفي عمرة القضاء ويوم الفتح، ويوم أوطاس أنه حدد النهي، في هذه المواطن؛ لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح، لا مطعن فيه، بل هو ثابت من رواية الثقات الأثبات، لكن في رواية سفيان أنه نهى عن المتعة، ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فقال بعضهم هذا الكلام فيه انفصال، ومعناه أنه حرم المتعة، ولم يبين زمن تحريمها ثم قال: ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فيكون يوم خيبر لتحريم الحمر خاصة ولم يبين وقت تحريم المتعة ليجمع بين الروايات قال هذا القائل: وهذا هو الأشبه أن تحريم المتعة كان بمكة، وأما تحريم لحوم الحمر فبخيبر بلا شك، قال القاضي: وهذا أحسن لو ساعده سائر الروايات عن غير سفيان، قال: والأولى ما قلناه: أنه قرر التحريم لكن يبقى بعد هذا ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء، ويوم الفتح ويوم أوطاس فتحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها لهم

ص: 321

للضرورة بعد التحريم ثم حرمها تحريما مؤبدا فيكون حرمها يوم خيبر وفي عمرة القضاء ثم أباحها يوم الفتح للضرورة ثم حرمها يوم الفتح أيضا تحريما مؤبدا وتسقط رواية إباحتها يوم حجة الوداع؛ لأنها مروية عن سبرة الجهني، وإنما روى الثقات الأثبات عنه الإباحة يوم فتح مكة، والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم، فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه جمهور الرواة ووافقه عليه غيره من الصحابة رضي الله عنهم، من النهي عنها يوم الفتح، ويكون تحريمها يوم حجة الوداع، تأكيدا وإشاعة له كما سبق. وأما قول الحسن: إنما كانت في عمرة القضاء لا قبلها ولا بعدها، فترده الأحاديث الثابتة في تحريمها يوم خيبر، وهي قبل عمرة القضاء وما جاء من إباحتها يوم فتح مكة، ويوم أوطاس مع أن الرواية بهذا إنما جاءت عن سبرة الجهني وهو راوي الروايات الأخرى، وهي أصح، فيترك ما خالف الصحيح، وقد قال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرتين، والله أعلم " انتهى كلام القاضي عياض ونقله عنه النووي في شرح صحيح مسلم ج 9 ص 180، 181 وتعقبه ص 181 بقوله: " والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة

ص: 322

واستمر التحريم ولا يجوز أن يقال: إن الإباحة مختصة، بما قبل خيبر والتحريم يوم خيبر للتأبيد كما اختاره المازري والقاضي؛ لأن الروايات التي ذكرها مسلم في الإباحة يوم الفتح صريحة في ذلك فلا يجوز إسقاطها ولا مانع يمنع تكرير الإباحة، والله أعلم " اهـ.

الثاني: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة، وشمس الدين ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد. فقد قال شيخ الإسلام في الجزء الثاني من منهاج السنة. (ج 2 ص 156) : " قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لابن عباس رضي الله عنهما لما أباح المتعة: «إنك امرؤ تائه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر (1) » رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها أئمة الإسلام في زمانهم مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما ممن اتفق على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم في أن هذا حديث صحيح متلقى بالقبول ليس في أهل العلم من طعن فيه، وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة وقد تنازع

(1) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

ص: 323

رواة حديث علي رضي الله عنه، هل قوله: عام خيبر، توقيت لتحريم الحمر فقط، أو له ولتحريم المتعة؟ والأول قول ابن عيينة، وغيره قالوا: إنما حرمت عام الفتح ومن قال بالآخر قال: إنها حرمت ثم أحلت، وادعت طائفة ثالثة: أنها أحلت بعد ذلك ثم حرمت في حجة الوداع، والروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه حرم المتعة بعد إحلالها. وأنها بعد أن حرمت لم تحل، وأنها لما حرمت عام فتح مكة لم تحل بعد ذلك ولم تحرم عام خيبر، بل عام خيبر حرمت لحوم الحمر الأهلية وكان ابن عباس يبيح المتعة وأكل لحوم الحمر الأهلية فأنكر علي بن أبي طالب ذلك عليه، وقال له:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء وحرم لحوم الحمر يوم خيبر (1) » فقرن بينهما في الذكر، لما روى ذلك لابن عباس رضي الله عنهما؛ لأن ابن عباس كان يبيحها، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنها، فأهل السنة يتبعون عمر وعليا رضي الله عنهما، وغيرهما من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والشيعة خالفوا عليا فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا قول من خالفه " اهـ.

وقال الإمام ابن القيم في فوائد غزوة فتح مكة من زاد المعاد في هدي خير العباد حيث قال: " ومما وقع في هذه

(1) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407، 1407، 1407، 1407) ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، الأطعمة (1794) ، سنن النسائي النكاح (3365، 3366) ، الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/103، 1/142، 1/79) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) ، النكاح (2197) .

ص: 324

الغزوة إباحة متعة النساء، ثم حرمها أي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه من مكة، واختلف في الوقت الذي حرمت فيه المتعة، على أربعة أقوال:

أحدهما: أنه يوم خيبر وهذا قول طائفة من العلماء، منهم: الشافعي وغيره.

والثاني: أنه عام فتح مكة وهذا قول ابن عيينة وطائفة.

والثالث: أنه عام حنين، وهذا في الحقيقة هو القول الثاني لاتصال غزاة حنين بالفتح.

والرابع: أنه عام حجة الوداع وهو وهم من بعض الرواة، سافر فيه وهمه من فتح مكة إلى حجة الوداع كما سافر وهم معاوية من عمرة الجعرانة إلى حجة الوداع حيث قال: قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص على المروة في حجته، وقد تقدم في الحج، وسفر الوهم من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان ومن واقعة إلى واقعة، كثيرا ما يعرض للحفاظ فمن دونهم. والصحيح أن المتعة إنما حرمت عام الفتح؛ لأنه قد ثبت في صحيح مسلم أنهم استمتعوا عام

ص: 325

الفتح مع النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه ولو كان التحريم زمن خيبر للزم النسخ مرتين، وهذا لا عهد بمثله في الشريعة البتة ولا يقع مثله فيها، وأيضا فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات وإنما كن يهوديات، وإباحة نساء أهل الكتاب لم يكن ثبت بعد، إنما أبحن بعد ذلك في سورة المائدة، بقوله تعالى:

ص: 326

{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (1) وهذا متصل بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (2) وبقوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} (3) وهذا كان في آخر الأمر بعد حجة الوداع أو فيها فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة زمن خيبر، ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع بنساء عدوهم قبل الفتح، وبعد الفتح استرق من استرق منهن وصرف إماء للمسلمين ".

ثم قال ابن القيم: " فإذا قيل: فما تصنعون بما ثبت في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (4) » وهذا صحيح صريح قيل هذا الحديث قد

(1) سورة المائدة الآية 5

(2)

سورة المائدة الآية 3

(3)

سورة المائدة الآية 3

(4)

صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407، 1407، 1407، 1407) ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، الأطعمة (1794) ، سنن النسائي النكاح (3365، 3366) ، الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/103، 1/142، 1/79) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) ، النكاح (2197) .

ص: 327

صحت روايته بلفظين هذا أحدهما. والثاني: الاقتصار على نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر هذه رواية ابن عيينة عن الزهري قال: قاسم بن أصبغ: قال سفيان بن عيينة - يعني - أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا عن نكاح المتعة ذكره أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد ثم قال: على هذا أكثر الناس " اهـ. فتوهم بعض الرواة أن يوم خيبر ظرف لتحريمهن فرواه حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر والحمر الأهلية. واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث فقال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر فجاء بالغلط البين.

ص: 328

قال ابن القيم: " فإن قيل: فأي فائدة في الجمع بين التحريمين إذا لم يكونا قد وقعا في وقت واحد وأين المتعة من تحريم الحمر؟ قيل: هذا الحديث رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه محتجا به على ابن عمه عبد الله بن عباس في المسألتين فإنه كان يبيح المتعة ولحوم الحمر فناظره علي بن أبي طالب في المسألتين، وروى له التحريمين وقيد تحريم لحوم الحمر الأهلية بزمن خيبر، وأطلق تحريم المتعة وقال: «إنك امرؤ تائه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم المتعة وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر (1) » كما قاله سفيان بن عينية وعليه أكثر الناس، فروى الأمرين محتجا عليه بهما لا مقيدا لهما بيوم خيبر والله الموفق ".

(1) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

ص: 329

وقال ابن القيم في كلامه على ما في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية فقال: " فصل ولم يحرم - أي النبي صلى الله عليه وسلم المتعة يوم خيبر وإنما كان تحريمها عام الفتح هذا هو الصواب، وقد ظن طائفة من أهل العلم أنه حرمها يوم

ص: 329

خيبر، واحتجوا بما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (1) » وفي الصحيحين أيضا «أن عليا رضي الله عنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال: مهلا يا ابن عباس فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية (2) » وفي لفظ البخاري عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (3) » ولما رأى هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباحها عام الفتح ثم حرمها قالوا: حرمت ثم أبيحت ثم حرمت. قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أرى شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة. قالوا: نسخت مرتين وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا: لم تحرم إلا عام الفتح وقبل ذلك كانت مباحة. قالوا: وإنما جمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه بين الإخبار بتحريمها وتحريم الحمر الأهلية؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان يبيحها فروى له علي تحريمهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ردا عليه، وكان تحريم الحمر يوم خيبر، وقد ذكر يوم خيبر ظرفا لتحريم الحمر وأطلق تحريم المتعة ولم يقيده بزمن، كما جاء ذلك في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية

(1) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407، 1407، 1407، 1407) ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، الأطعمة (1794) ، سنن النسائي النكاح (3365، 3366) ، الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/103، 1/142، 1/79) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) ، النكاح (2197) .

(2)

صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

(3)

صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407، 1407، 1407، 1407) ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، الأطعمة (1794) ، سنن النسائي النكاح (3365، 3366) ، الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/103، 1/142، 1/79) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) ، النكاح (2197) .

ص: 330

يوم خيبر، وحرم متعة النساء (1) » وفي لفظ:«حرم متعة النساء وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر (2) » هكذا رواه سفيان بن عيينة مفصلا مميزا، فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين فقيدهما به، ثم جاء بعضهم فاقتصر على أحد المحرمين وهو تحريم الحمر، وقيده بالظرف، من هاهنا نشأ الوهم، وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ولا استأذنوا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة، لا فعلا ولا تحريما بخلاف غزاة الفتح فإن قصة المتعة كانت فيها فعلا وتحريمها مشهور وهذه الطريقة أصح الطريقتين " انتهى كلام الإمام ابن القيم.

ويقرر منه ما بينه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ج 9 ص 170 حيث قال: " لا يصح من الروايات - أي في وقت تحريم متعة النساء - شيء بغير علة إلا غزوة الفتح، وأما غزوة خيبر وإن كانت طرق الحديث فيها صحيحة ففيها من كلام أهل العلم ما تقدم، وأما عمرة القضاء فلا يصح الأثر فيها؛ لكونه من مرسل الحسن ومراسيله ضعيفة؛ لأنه كان يأخذ عن كل أحد، وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر؛ لأنهما

(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

(2)

صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

ص: 331

كانا في سنة واحدة كما في الفتح وأوطاس سواء. وأما قصة تبوك فليس في حديث أبي هريرة التصريح بأنهم استمتعوا منهن في تلك الحالة فيحتمل أن يكون ذلك وقع قديما ثم وقع التوديع منهن حينئذ والنهي. أو كان النهي وقع قديما فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة؛ فلذلك قرن النهي بالغضب لتقدم النهي في ذلك على أن في حديث أبي هريرة مقالا فإنه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار وفي كل منهما مقال.

وأما حديث جابر فلا يصح فإنه من طريق عباد بن كثير وهو متروك. وأما حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع ابن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر، فإن كان حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي، فلعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليشيع، ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك، فلم يبق من المواطن كما قلنا صحيحا صريحا سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح. وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدم، وزاد ابن القيم في الهدي أن الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات يعني فيقوى أن النهي لم يقع يوم خيبر، أو لم يقع هناك نكاح متعة، لكن يمكن أن يجاب بأن يهود

ص: 332

خيبر كانوا يصاهرون الأوس والخزرج قبل الإسلام، فيجوز أن يكون هناك من نسائهم وقع التمتع بهن فلا ينهض الاستدلال بما قال، ثم أعاد الحافظ ابن حجر الكلام على رواية حجة الوداع فقال ص 171:" وأما حجة الوداع فالذي يظهر أنه وقع فيها النهي مجردا، إن ثبت الخبر في ذلك؛ لأن الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد ما وسع عليهم فلم يكونوا في شدة ولا طول غربة وإلا فمخرج حديث سبرة رواية هو من طريق ابنه الربيع عنه، وقد اختلف عليه في تعيينها والحديث واحد في قصة واحدة فتعين الترجيح. والطريق التي أخرجها مسلم مصرحة بأنها في زمن الفتح أرجح فتعين المصير إليها، والله أعلم " ومن كلام الحافظ حول اختلاف روايات الباب قوله فيما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث - أي حديث النهي عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر - قال: " حنين " بمهملة أوله ونونين أخرجه النسائي والدارقطني ونبها على أنه وهم تفرد به عبد الوهاب "، وقوله فيما رواه إسحاق بن راشد عن الزهري عنه بلفظ " نهي في غزوة تبوك عن نكاح المتعة " قال بعد ذكره: إنه أغرب مما روى عبد الوهاب " وهو - أي ذكر تبوك فيه - خطأ أيضا " اهـ.

وأما في " تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير " فيقول ج 3 ص 154، 155: فائدة: حكى العبادي

ص: 333

في طبقاته عن الشافعي قال: " ليس في الإسلام شيء أحل ثم حرم ثم أحل ثم حرم إلا المتعة " وقال بعضهم: نسخت ثلاث مرات، وقيل: أكثر. ويدل على ذلك اختلاف الروايات في وقت تحريمها. وإذا صحت كلها فطريق الجمع بينهما الحمل على التعدد، والأجود في الجمع ما ذهب إليه جماعة من المحققين أنها لم تحل قط في حال الحضر والرفاهية بل في حال السفر والحاجة. والأحاديث ظاهرة في ذلك ويبين ذلك حديث ابن مسعود:«كنا نغزو وليس لنا نساء فرخص لنا أن ننكح (1) » .

فعلى هذا كل ما ورد من التحريم في المواطن المتعددة يحمل على أن المراد بتحريمها في ذلك الوقت أن الحاجة انقضت ووقع العزم على الرجوع إلى الوطن فلا يكون في ذلك تحريم أبدا إلا الذي وقع آخرا، وقد اجتمع من الأحاديث في وقت تحريمها أقوال ستة أو سبعة نذكرها على الترتيب الزماني:

الأول: عمرة القضاء قال عبد الرزاق في مصنفه: عن معمر عن عمرو عن الحسن قال: ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء ما حلت قبلها ولا بعدها. وشاهده ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث سبرة بن معبد قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضينا عمرتنا قال لنا: ألا تستمتعوا من هذه النساء (2) » فذكر الحديث.

(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4615) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/385، 1/390، 1/420، 1/432، 1/450) .

(2)

صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/406) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .

ص: 334

الثاني: خيبر متفق عليه عن علي بلفظ «نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر (1) » واستشكله السهيلي وغيره ولا إشكال، وقد وقع في مسند ابن وهب من حديث ابن عمر مثله وإسناده قوي أخرجه البيهقي وغيره.

الثالث: عام الفتح رواه مسلم من حديث سبرة بن معبد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى في يوم الفتح عن متعة النساء (2) » . وفي لفظ له «أمر بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم يخرج حتى نهانا عنها (3) » وفي لفظ له: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة (4) » .

الرابع: يوم حنين رواه النسائي من حديث علي والظاهر أنه تصحيف من خيبر، وذكر الدارقطني أن عبد الوهاب الثقفي تفرد عن يحيى بن سعيد عن مالك بقوله:" حنين " وفي رواية لسلمة بن الأكوع أن ذلك كان في عام أوطاس قال: السهيلي هي موافقة لرواية من روى " عام الفتح " وأنهما كانا في عام واحد.

الخامس: غزوة تبوك رواه الحازمي من طريق عباد بن كثير عن ابن عقيل عن جابر قال: «خرجنا مع رسول الله إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنية مما يلي الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برحالنا فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

(2)

صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، مسند أحمد بن حنبل (3/404) .

(3)

صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) .

(4)

صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن أبو داود النكاح (2072) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .

ص: 335

عنهن وأخبرناه، فغضب وقام فينا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ ولم نعد ولا نعود فيها أبدا، فبها سميت يومئذ ثنية الوداع» .

وهذا إسناده ضعيف. لكن عند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة ما يشهد له، وأخرجه البيهقي من الطريق المذكورة بلفظ:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فنزلنا ثنية الوداع (1) » فذكره. . ويمكن أن يحمل على أن من فعل ذلك لم يبلغه النهي الذي وقع يوم الفتح. ولأجل ذلك غضب صلى الله عليه وسلم.

السادس: حجة الوداع رواه أبو داود من طريق الربيع بن سبرة قال: «أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع (2) » ويجاب عنه بجوابين: أحدهما: أن المراد بذكر ذلك في حجة الوداع إشاعة النهي والتحريم لكثرة من حضرها من الخلائق. والثاني: احتمال أن يكون انتقل ذهن أحد رواته من فتح مكة إلى حجة الوداع لأن أكثر الرواة عن سبرة أن ذلك كان في الفتح والله أعلم.

الثالث: ما ذكره الإمام البيهقي في باب نكاح المتعة. من السنن الكبرى ج 7 ص 201، 202 حيث " أخبر أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ الربيع بن سليمان، أنبأ الشافعي، أنبأ سفيان عن

(1) صحيح البخاري المغازي (4428) ، سنن الترمذي الجهاد (1718) ، سنن أبو داود الجهاد (2779) ، مسند أحمد بن حنبل (3/449) .

(2)

سنن أبو داود النكاح (2072) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .

ص: 336

إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فأردنا أن نختصي، فنهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء (1) » زاد أبو عبد الله في روايته بإسناده، قال: قال الشافعي: ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة ولم يوقت شيئا يدل أهو قبل خيبر أو بعدها، وأشبه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة أن يكون - والله أعلم - ناسخا له، قال الشيخ ابن البيهقي رحمه الله: وقد روي في حديث ابن مسعود أنه قال: «كنا ونحن شباب (2) » أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا عبد الله بن محمد الكعبي، ثنا محمد بن أيوب، أنبأ أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله رضي الله عنه قال:«وكنا ونحن شباب فقلنا يا رسول الله: ألا نختصي؟ قال: لا، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله: (4) » رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.

(1) صحيح البخاري النكاح (5076) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/432) .

(2)

صحيح مسلم النكاح (1404) .

(3)

صحيح البخاري النكاح (5076) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/432) .

(4)

سورة المائدة الآية 87 (3){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}

ص: 337

قال الشيخ البيهقي: وفي هذه الرواية ما دل على كون ذلك قبل فتح خيبر أو قبل فتح مكة، فإن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، وكان يوم مات ابن بضع وستين سنة، وكان الفتح فتح خيبر في سنة سبع من الهجرة، وفتح مكة سنة ثمان، فعبد الله سنة الفتح كان ابن أربعين سنة أو قريبا منها، والشباب قبل ذلك، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء زمن خيبر، وذلك بين فيما أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي وأبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد عبد الحكم أنبأ ابن وهب أخبرني مالك بن أنس ويونس بن يزيد وأسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثهم عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالوا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان أنبأ الشافعي أنبأ مالك (ح) وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ إسماعيل بن قتيبة ثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (1) » - لفظ حديث الشافعي

(1) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407، 1407، 1407، 1407) ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، الأطعمة (1794) ، سنن النسائي النكاح (3365، 3366) ، الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/103، 1/142، 1/79) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) ، النكاح (2197) .

ص: 338

ويحيى بن يحيى - وفي رواية ابن وهب: «نهى يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية (1) » رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف وغيره عن مالك ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك وعن أبي الطاهر وحرملة عن ابن وهب عن يونس أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني عبد الله بن محمد الكعبي ثنا محمد بن أيوب أنبأ مسدد ثنا يحيى عن عبيد الله بن عمر قال: حدثني الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما «أن عليا رضي الله عنه قيل له: إن ابن عباس رضي الله عنهما لا يرى بمتعة النساء بأسا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية (2) » رواه البخاري في الصحيح عن مسدد، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنبأ أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الحسن بن محمد وعبد الله بن محمد عن أبيهما أن عليا رضي الله عنه قال لابن عباس رضي الله عنهما:«إنك رجل تائه أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية (3) » رواه البخاري في الصحيح عن مالك بن إسماعيل عن ابن عيينة، وزاد في آخر الحديث:«زمن خيبر (4) » ورواه مسلم عن جماعة

(1) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

(2)

صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3366) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) .

(3)

صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

(4)

صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

ص: 339

عن ابن عيينة وابن عيينة يذهب في رواية الحميدي عنه إلى أن هذا التاريخ إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية لا في النهي عن نكاح المتعة، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري ثنا حسن وعبد الله ابنا محمد بن علي وكان حسن أرضى من عبد الله عن أبيهما أن عليا رضي الله عنه قال لابن عباس رضي الله عنهما:«إنك امرؤ تائه إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (1) » قال سفيان يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا يعني نكاح المتعة، قال البيهقي:" وهذا الذي قاله سفيان محتمل فلولا معرفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنسخ نكاح المتعة وأن النهي عنها كان البتة بعد الرخصة لما أنكره على ابن عباس رضي الله عنهما والله أعلم ".

(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

ص: 340

وروى ابن عمر تحريمها يوم خيبر: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالوا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأ ابن وهب أخبرني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله «أن رجلا سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن المتعة، فقال: حرام، قال: فإن فلانا يقول فيها، فقال: والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين (1) » . قال البيهقي: " ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في نكاح المتعة زمن الفتح فتح مكة ثم حرمها إلى يوم القيامة " ثم ذكر النصوص الثابتة في الإذن في المتعة عام الفتح وتحريمها في ذلك العام.

4 -

ما مال إليه الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمداني في كتابه " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ " ص 138 - 140 حيث قال تحت عنوان " باب نكاح المتعة ":

(1) مسند أحمد بن حنبل (2/95) .

ص: 341

أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر أنا مكي بن منصور أنا أحمد بن الحسن القاضي أنا محمد بن يعقوب أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت ابن مسعود يقول: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فأردنا أن نختصي فنهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء (1) » وهذا طريق حسن صحيح. وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لهم للسبب الذي ذكره ابن مسعود وإنما كان ذلك يكون في أسفارهم ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم في بيوتهم؛ ولهذا نهاهم عنه غير مرة ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكان تحريم تأبيد لا تأقيت فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة، إلا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة، ويروى عن ابن جريج جوازه.

وسنذكر ما يدل على صحة ما ادعيناه أخبرني محمد بن عمر بن أبي عيسى الحافظ أنا الحسن بن أحمد أنا أحمد بن عبد الله أنا محمد بن بكر في كتابه، أنا داود حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء، فقال له رجل يقال له

(1) صحيح البخاري النكاح (5076) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/432) .

ص: 342

الربيع بن سبرة: «أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع (1) » قرأت على محمد بن ذاكر بن محمد بن أحمد المستملي أخبرك الحسن بن أحمد أنا محمد بن أحمد الكاتب أنا علي بن عمر أنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا ابن بكير حدثني عبد الله بن لهيعة عن موسى بن أيوب عن إياس بن عامر عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة (2) » . قال: " وإنما كان لمن لم يجد. فلما أنزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت ".

هذا حديث غريب من هذا الوجه وقد صح الحديث عن علي في هذا الباب من غير وجه، ورواه عنه الكوفيون من طرق وهو أشهر من أن ينكر وأكثر من أن يحصر.

(1) نقل القرطبي عن أبي داود أنه قال في هذا الحديث: '' هذا أصح ما روي في ذلك '' وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ج 9 ص 167: قد رويت أحاديث صحيحة صريحة بالنهي عنها - أي متعة النساء - بعد الإذن فيها وأقرب ما فيها عهدا بالوفاة النبوية ما أخرجه أبو داود من طريق الزهر

(2)

صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

ص: 343

أخبرني محمد بن إبراهيم بن علي الخطيب أنا يحيى بن عبد الوهاب بن محمد أنا محمد بن أحمد الكاتب أنا عبد الله بن محمد، أنا أبو يعلى ثنا أبو خيثمة حدثنا سفيان عن الزهري عن حسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية (1) » وهذا الحديث لا ينافي حديث الربيع بن سبرة عن أبيه حيث ذكر أن النهي كان في حجة الوداع لما ذكرنا بأن ذلك كان عدة مرات غير أن النهي الأخير كان في حجة الوداع.

ويدل على صحة ما ذكرنا أيضا ما أخبرنا به أبو الفضل الأديب أنا سعد بن علي العجلي أنا القاضي أبو الطيب، أنا علي بن عمر ثنا عبد الله بن داود، حدثنا محمد بن يحيى حدثنا يونس بن محمد، حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها (2) » قال: " ذكر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن القزويني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الفضل الطبري حدثنا هناد بن السري حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عباد بن كثير حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة

(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

(2)

صحيح البخاري كتاب النكاح (5119) ، صحيح مسلم النكاح (1405) ، مسند أحمد بن حنبل (4/55) .

ص: 344

تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جئن نسوة فذكرنا تمتعنا وهن يجلن في رحالنا، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليهن فقال:" من هؤلاء النسوة؟ " فقلنا يا رسول الله: نسوة تمتعنا منهن، قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، وتغير لونه واشتد غضبه وقام فينا خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم نهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم نعد ولا نعود لها أبدا، فبها سميت يومئذ ثنية الوداع» اهـ.

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 - 132: " اختلف العلماء كم مرة أبيحت المتعة ونسخت، ففي صحيح مسلم عن عبد الله قال:«كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل (1) » قال أبو حاتم البستي في صحيحه: قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا نختصي، دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن يبيح لهم الاستمتاع، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معنى، ثم رخص لهم في الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى أجل، ثم نهى عنها عام خيبر، ثم أذن فيها عام الفتح، ثم حرمها بعد ثلاث فهي محرمة إلى يوم القيامة.

(1) صحيح البخاري النكاح (5076) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/432) .

ص: 345

وقال ابن العربي: وأما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة؛ لأنها أبيحت في صدر الإسلام، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت في غزوة أوطاس، ثم حرمت بعد ذلك، واستقر الأمر على التحريم، وليس لها أخت في الشريعة إلا مسألة القبلة فإن النسخ طرأ عليها مرتين، ثم استقرت بعد ذلك.

وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها: إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات. فروى ابن أبي عمرة: أنها كانت في صدر الإسلام، وروى سلمة بن الأكوع: أنها كانت عام أوطاس، ومن رواية علي: تحريمها يوم خيبر.

ومن رواية الربيع بن سبرة إباحتها يوم الفتح، قلت: القائل القرطبي، وهذه الطرق كلها في صحيح مسلم. وفي غيره عن علي نهى عنها في غزوة تبوك رواه إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي ولم يتابع إسحاق بن راشد على هذه الرواية عن ابن شهاب قاله أبو عمر رحمه الله.

وفي مصنف أبي داود من حديث الربيع بن سبرة النهي عنها في حجة الوداع. وذهب أبو داود إلى أن هذا أصح ما روي في ذلك وقال عمرو عن الحسن: ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء ما حلت قبلها ولا بعدها، وروي هذا عن سبرة أيضا. فهذه سبعة مواطن أحلت فيها المتعة وحرمت.

ص: 346

قال أبو جعفر الطحاوي: كل هؤلاء الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاقها أخبروا أنها كانت في سفر، وأن النهي لحقها في ذلك السفر بعد ذلك فمنع منها، وليس أحد منهم يخبر أنها كانت في حضر، وكذلك روي عن ابن مسعود.

فأما حديث سبرة الذي فيه إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لها في حجة الوداع فخارج عن معانيها كلها. وقد اعتبرنا هذا الحرف فلم نجده إلا في رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز خاصة وقد رواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فذكر أن ذلك كان في فتح مكة وأنهم شكوا إليه العزبة فرخص لهم فيها. ومحال أن يشكوا إليه العزبة في حجة الوداع؛ لأنهم كانوا حجوا بالنساء، وكان تزويج النساء بمكة يمكنهم، ولم يكونوا حينئذ كما كانوا في الغزوات المتقدمة، أنه لما كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم تكرير مثل هذا في مغازيه وفي المواضع الجامعة ذكر

ص: 347

تحريمها في حجة الوداع؛ لاجتماع الناس حتى يسمعه من لم يكن سمعه فأكد ذلك حتى لا تبقى شبهة لأحد يدعي تحليلها، ولأن أهل مكة كانوا يستعملونها كثيرا " اهـ.

6 -

ما قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ج 4 ص 193: قد تكلم الناس في الحديث الوارد في الصحيحين من طريق الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية (1) » . هذا لفظ الصحيحين من طريق مالك وغيره عن الزهري وهو يقتضي تقييد تحريم نكاح المتعة بيوم خيبر وهو مشكل من وجهين: أحدهما: أن يوم خيبر لم يكن ثم نساء يتمتعون بهن إذ قد حصل لهم الاستغناء بالسباء عن نكاح المتعة.

الثاني: أنه قد ثبت في صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة عن معبد عن أبيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لهم في المتعة زمن الفتح ثم لم يخرج من مكة حتى نهى عنها. وقال: " إن الله قد حرمها إلى يوم القيامة (2) » . فعلى هذا يكون قد نهى عنها، ثم أذن فيها، ثم حرمت فيلزم النسخ مرتين وهو بعيد. وعلى هذا فقد نص الشافعي على أنه لا يعلم شيئا أبيح ثم حرم، ثم أبيح ثم حرم، غير نكاح المتعة، وما حداه على

(1) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

(2)

صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .

ص: 348

هذا إلا اعتماده على هذين الحديثين كما قدمناه، وقد حكى السهيلي وغيره: عن بعضهم أنه ادعى أنها أبيحت ثلاث مرات وحرمت ثلاث مرات، وقال آخرون: أربع مرات وهذا بعيد جدا، والله أعلم.

واختلفوا أي وقت أول ما حرمت فقيل: في خيبر، وقيل: في عمرة القضاء، وقيل: في عام الفتح وهذا يظهر، وقيل: في أوطاس وهو قريب من الذي قبله، وقيل: في تبوك، وقيل: في حجة الوداع. رواه أبو داود.

وقد حاول بعض العلماء أن يجيب عن حديث علي رضي الله عنه بأنه وقع فيه تقديم وتأخير، وإنما المحفوظ فيه ما رواه الإمام أحمد ثنا سفيان عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد عن أبيهما وكان حسن أرضاهما في أنفسهما أن عليا قال لابن عباس:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (1) » قالوا: فاعتقد الراوي أن قوله يوم خيبر ظرف للمنهي عنهما، وليس كذلك إنما هو ظرف للنهي عن لحوم الحمر الأهلية.

فأما نكاح المتعة فلم يذكر له ظرفا، وإنما جمعه معه؛ لأن عليا رضي الله عنه بلغه أن ابن عباس أباح نكاح المتعة ولحوم الحمر الأهلية، كما هو المشهور عنه، فقال له أمير المؤمنين علي: «إنك تائه، إن رسول الله نهى عن نكاح

(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

ص: 349

المتعة ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر (1) » فجمع له النهي ليرجع عما كان يعتقده في ذلك من الإباحة. وإلى هذا التقرير كان ميل شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي تغمده الله برحمته آمين، ذكر ابن كثير هذا في كلامه على غزوة خيبر، وقال في بيانه كما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من الأحكام في فتح مكة قال ج 4 ص 318: " في صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخل مكة، ثم لم يخرج حتى نهى عنها (2) » . وفي رواية فقال: «ألا إنها حرام حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة (3) » . وفي رواية مسند أحمد والسنن: أن ذلك كان في حجة الوداع. فالله أعلم.

وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس ابن محمد عن عبد الواحد بن زياد عن أبي العميس عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه أنه قال: «رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في متعة النساء ثلاثا ثم نهانا عنه (4) » قال البيهقي: وعام أوطاس عام الفتح فهو وحديث سبرة سواء. قلت: القائل ابن كثير من أثبت النهي عنها في غزوة خيبر قال: إنها أبيحت مرتين وحرمت مرتين وقد نص على ذلك الشافعي وغيره، وقد قيل: إنها أبيحت وحرمت أكثر من مرتين، فالله أعلم. وقيل: إنها إنما حرمت مرة واحدة وهذه

(1) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .

(2)

صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) .

(3)

صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .

(4)

صحيح مسلم النكاح (1405) ، مسند أحمد بن حنبل (4/55) .

ص: 350