الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرجه محمد بن خلف المعروف بوكيع في كتاب الغرر من الأخبار بإسناد أحسن منه، عن سعيد بن جبير بالقصة، لكن ليس في آخره قول ابن عباس المذكور، وفي حديث سهل الذي أشرت إليه قريبا نحوه، ثم قال الحافظ ابن حجر: فهذه أخبار يقوي بعضها ببعض، وحاصلها أن المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر، وهو يوافق حديث ابن مسعود الماضي في أوائل النكاح، وأخرج البيهقي من حديث أبي ذر بإسناد حسن: إنما كانت المتعة لحربنا وخوفنا) . اهـ.
163 -
الجواب عما جاء عن ابن مسعود في متعة النساء:
أما ما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: (2) » .
(1) ذكر السيوطي في الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور ج 2 ص 140: أن حديث ابن مسعود هذا أخرجه عنه عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم، وقال البيهقي في السنن الكبرى ج 7 ص 200 في هذا الحديث: '' أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن إسماعيل بن أبي خال
(2)
سورة المائدة الآية 87 (1){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
فإن في قراءة عبد الله لهذه الآية عقب هذا الحديث ردا على من يحرم المتعة، وإيضاحا أنها لو لم تكن من الطيبات لما أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أجيب عن الاستدلال به بأمور:
أحدها: ما أورده ابن القيم في كلامه على ما في غزوة فتح مكة من الفقه واللطائف، في زاد المعاد، وهو أن قراءة ابن مسعود لهذه الآية عقب ذلك الحديث تحتمل أن يكون المراد بها آخر الآية يرد ابن مسعود على من أباح المتعة مطلقا، ويبين أنه معتد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رخص فيها للضرورة، وعند الحاجة في الغزو، وعند عدم النساء وشدة الحاجة إلى المرأة، فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء، وإمكان النكاح المعتاد فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين.
الثاني: ما أورده ابن القيم في أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنكحة، من زاد المعاد حيث قال: ظاهر كلام ابن مسعود إباحتها - أي متعة النساء - فإن في الصحيحين عنه - أي ابن مسعود رضي الله عنه: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا: يا رسول الله ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: (2) » . ولكن في الصحيحين عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء، وهذا التحريم إنما كان بعد الإباحة وإلا لزم منه النسخ مرتين ولم يحتج به على ابن عباس رضي الله عنهم. اهـ.
الثالث: أجاب به البيهقي في (السنن الكبرى) ج 7 ص 201 عنه، وهو أنه قد روي في حديث ابن مسعود هذا أنه قال: كنا ونحن شباب. قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا عبد الله بن محمد الكعبي، ثنا محمد بن أيوب، أنبأ أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن إسماعيل بن خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله رضي الله عنه، قال: «كنا ونحن
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4615) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/420) .
(2)
سورة المائدة الآية 87 (1){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
شباب. . . فقلنا: يا رسول الله ألا نختصي؟ قال: لا. ثم رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله:(2) » . رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال البيهقي: وفي هذه الرواية ما دل على كون ذلك قبل فتح خيبر أو قبل فتح مكة، فإن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة وكان يوم مات ابن بضع وستين سنة، وكان الفتح فتح خيبر في سنة سبع من الهجرة وفتح مكة سنة ثمان، فعبد الله سنة الفتح كان ابن أربعين سنة أو قريبا منها، والشباب قبل ذلك. هذا ما قاله البيهقي مؤيدا به قول الشافعي، في حديث ابن مسعود:«كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فأردنا أن نختصي، فنهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء (3) » . فقد قال الشافعي فيه: ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة ولم يوقت شيئا يدل أهو قبل خيبر، أو بعدها، وأشبه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة أن يكون ناسخا له (4) .
(1) صحيح مسلم النكاح (1404) .
(2)
سورة المائدة الآية 87 (1){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}
(3)
صحيح البخاري النكاح (5076) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/432) .
(4)
أطال البيهقي في تأييد القول بوقوع النهي عن متعة النساء زمن خيبر.
الرابع: ما ذكره القرطبي وهو أن ابن مسعود لم يكن حين يقول هذا القول قد بلغه الناسخ ثم بلغه، فرجع بعد، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ج 9 ص 119 (في باب ما يكره من التبتل والخصاء) قال - أي الإسماعيلي -:(وفي رواية لابن عيينة عن إسماعيل، ثم جاء تحريمها بعده، وفي رواية معمر عن إسماعيل ثم نسخ) وممن مال إلى القول بأن ابن مسعود حين كان يقول هذا القول لم يبلغه النسخ، الإمام النووي في شرح صحيح مسلم، قال:(وقوله أي ابن مسعود في حديثه المذكور ثم قرأ عبد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (1) فيه إشارة إلى أنه كان يعتقد إباحتها، كقول ابن عباس، وأنه لم يبلغه نسخها) اهـ.
الجواب عن دعوى ابن حزم ثبوت عدد من الصحابة على إباحة المتعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإباحة عدد من التابعين:
أما ما نقله الحافظ في الفتح عن ابن حزم أنه قال: ثبت على إباحتها - أي متعة النساء - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ومعاوية وأبو سعيد وابن عباس وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف، وجابر وعمرو بن حريث ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر، قال: ومن التابعين طاوس
(1) سورة المائدة الآية 87
وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة، فقد تعقبه الحافظ ابن حجر العسقلاني في ج 9 من فتح الباري ص 174 بقوله: قلت: وفي جميع ما أطلقه نظر. أما ابن مسعود فمستنده فيه الحديث الماضي في أوائل النكاح.
وقد بينت فيه ما نقله الإسماعيلي من الزيادة فيه المصرحة عنه بالتحريم، وقد أخرجه أبو عوانة من طريق أبي معاوية عن إسماعيل ابن أبي خالد، وفي آخره ففعلنا ثم ترك ذلك، وأما معاوية فأخرجه عبد الرزاق من طريق صفوان بن يعلى بن أمية، أخبرني يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف، وإسناده صحيح، لكن في رواية أبي الزبير عن جابر عند عبد الرزاق أيضا أن ذلك كان قديما ولفظه: استمتع معاوية
مقدمه الطائف بمولاة لبني الحضرمي، يقال لها: معانة، قال جابر: ثم عاشت معانة إلى خلافة معاوية فكان يرسل إليها بجائزة كل عام، وقد كان معاوية متبعا لعمر مقتديا به، فلا يشك أنه عمل بقوله بعد النهي، ومن ثم قال الطحاوي:(خطب عمر فنهى عن المتعة، ونقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه ذلك منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه. وأما أبو سعيد فأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج أن عطاء قال: أخبرني من شئت عن أبي سعيد قال: لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقا، وهذا مع كونه ضعيفا للجهل بأحد رواته، ليس فيه التصريح بأنه كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ابن عباس فتقدم النقل عنه والاختلاف هل رجع أم لا؟) .
وأما سلمة ومعبد فقصتهما واحدة اختلف فيها هل وقعت لهذا أو لهذا؟ فروى عبد الرزاق بسند صحيح عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: " لم يرع عمر إلا أم أراكة قد خرجت وهي حبلى، فسألها عمر، فقالت: استمتع بي سلمة بن أمية وأخرج من طريق أبي الزبير عن طاوس فسماه معبد بن أمية، وأما جابر فمستنده قوله: " فعلناها " وقد بينته قبل، ووقع في رواية أبي نضرة عن جابر عند مسلم " فنهانا عمر فلم نفعله بعد " فإن كان قوله: " فعلنا " يعم
جميع الصحابة فقوله: " ثم لم نعد " يعم جميع الصحابة فيكون إجماعا، وقد ظهر أن مستنده الأحاديث الصحيحة التي بيناها، وأما عمرو بن حريث، وكذلك قوله:" رواه جابر عن جميع الصحابة " فعجيب وإنما قال جابر: " فعلناها " وذلك لا يقتضي تعميم جميع الصحابة بل يصدق على فعل نفسه وحده. وأما ما ذكره عن التابعين فهو عند عبد الرزاق عنهم بأسانيد صحيحة، وقد ثبت عن جابر عند مسلم " فعلناها " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عمر فلم نعد لها فهذا يرد، عده جابرا فيمن ثبت على تحليلها، وقد اعترف ابن حزم مع ذلك بتحريمها لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم:«إنها حرام إلى يوم القيامة (1) » قاله فأمنا بهذا القول نسخ التحريم. والله أعلم. انتهى كلام الحافظ في فتح الباري.
وقد ذكر ابن حزم في المحلى ج 9 ص 519: أسماء
(1) صحيح البخاري العلم (104) ، صحيح مسلم الحج (1354) ، سنن الترمذي الديات (1406) ، سنن النسائي مناسك الحج (2876) ، مسند أحمد بن حنبل (4/32) .
بنت أبي بكر رضي الله عنهما ضمن أولئك الصحابة الذين ثبتوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحليل متعة النساء، وذكر أيضا رواية أخرى عن عمر بن الخطاب بأنه أنكر متعة النساء إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين، ولم يتعرض لأي واحد من الأمرين، وإنما ذكرهما في تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، وأفرد ما ذكره عن أسماء بالتخريج، حيث قال ج 3 ص 59: وأما ما ذكره - أي ابن حزم - عن أسماء فأخرجه النسائي من طريق مسلم القرى قال: دخلت على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجب عن هذه الرواية؛ فلذلك أذكر مستند ابن حزم في دعواه أن هناك رواية أخرى عن عمر بن الخطاب أنكر فيها متعة النساء إذا لم يشهد عليها عدلان، وأباحها بشهادة عدلين ثم أجيب عن الروايتين. فأقول: أما الرواية عن عمر بذلك فعند عبد الرزاق في مصنفه ج 7 ص 500، 501 روي عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن محمد بن الأسود بن خلف أخبره أن عمر بن حوشب استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤي، فذكرت ذلك لعمر، فسألها فقالت: استمتع منها عمر بن حوشب، فسأله فاعترف، فقال عمر: من أشهدت؟ قال: لا أدري قال أمها أو أختها، أو
أخاها وأمها. فقام عمر على المنبر فقال: " ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا ولم يبنها إلا حددته " قال: أخبرني هذا القول من تحت منبره سمعه حين يقوله، قال: فتلقاه الناس منه " اهـ. وفي سندها محمد بن الأسود ابن خلف، قال فيه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3 ص 485: لا يعرف هو ولا أبوه تفرد عنه عبد الله بن عثمان بن خثيم. وأما الرواية عن أسماء فقد أجاب عنها الحسين بن أحمد السياغي في الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 4 ص 218 بقوله: ليس فيها زيادة على حكاية ما وقع في وقته صلى الله عليه وسلم، ولا يدل السياق على أنها تقول بجوازها. اهـ كلامه، وقد قال مسلم في صحيحه: " حدثنا محمد بن حاتم حدثنا روح بن عبادة حدثنا شعبة عن مسلم القرى قال: «سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن متعة الحج،