الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ذلك بعده صلى الله عليه وسلم إلى أن نهى عنها عمر لم يبلغهم النهي، ومما يستفاد أيضا أن عمر لم ينه عنها اجتهادا وإنما نهى عنها مستندا إلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقع التصريح بذلك فيما أخرجه ابن ماجه من طريق أبي بكر بن حفص عن ابن عمر قال: لما ولي عمر خطب فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها (1) » . . وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: «صعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة بعد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها» وفي حديث أبي هريرة الذي أشرت إليه في صحيح ابن حبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث» وله شاهد صحيح عن سعيد بن المسيب أخرجه البيهقي. اهـ.
(1) سنن ابن ماجه النكاح (1963) .
161 -
نظرة ابن عباس حينما أباح متعة النساء وهل رجع عنها أم لا
؟
وأما ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في إباحة متعة النساء فقد ذكر الإمام ابن القيم في ثلاثة مواضع من كتابه: (زاد المعاد في هدي خير العباد) : أنه كان يرى تحريم متعة النساء إنما هو عند الاستغناء عنها فأباحها عند الحاجة إليها، فلما توسع الناس فيها رجع عنها، قال في بيانه
لما في غزوة خيبر من الأحكام: " فيها - أي متعة النساء - طريقة ثالثة هي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمها تحريما عاما البتة، بل حرمها عند الاستغناء عنها، وأباحها عند الحاجة إليها، وهذه كانت طريقة ابن عباس حتى كان يفتي بها ويقول: هي كالميتة والدم ولحم الخنزير تباح عند الضرورة، وخشية العنت. فلم يفهم عنه أكثر الناس في ذلك، وظنوا أنه أباحها إباحة مطلقة وشببوا ذلك بالأشعار فلما رأى ابن عباس ذلك رجع إلى القول بالتحريم ". وقال في كلامه على لطائف غزوة فتح مكة وفقهها: " هنا نظر آخر أي: في متعة النساء وهو: أنه هل حرمها تحريم الفواحش التي لا تباح بحال، أو حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها للمضطر، هذا هو الذي نظر فيه ابن عباس وقال: أنا أبحتها للمضطر كالميتة والدم، فلما توسع فيها من توسع ولم يقف عند الضرورة أمسك ابن عباس عن الإفتاء بحلها ورجع عنه " وقال في كلامه على تحريم المتعة في ذكر أقضية النبي صلى الله عليه وسلم وأحكامه في النكاح قال: " هل هو - أي تحريم متعة النساء - تحريم بتات أو تحريما مثل تحريم الميتة والدم، وتحريم نكاح الأمة، فيباح عند الضرورة وخوف العنت، هذا هو الذي لحظه ابن عباس وأفتى بحلها للضرورة، فلما توسع الناس فيها ولم يقتصروا على موضع الضرورة أمسك عن فتياه ورجع عنها " انتهى ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد.
وقال في تهذيب سنن أبي داود (1) : " إنه أي ابن عباس رضي الله عنهما سلك هذا المسلك في إباحتها عند الحاجة والضرورة، ولم يبحها مطلقا فلما بلغه إكثار الناس منها رجع، وكان يحمل التحريم على من لم يحتج إليها. وقال الخطابي: حدثنا ابن السماك حدثنا الحسن بن سلام حدثنا الفضل بن دكين حدثنا عبد السلام عن الحجاج عن أبي خالد عن المنهال عن ابن جبير قال: قلت لابن عباس: هل ترى ما صنعت وبما أفتيت، قد سارت بفتياك الركبان، وقالت فيه الشعراء. قال: وما قالوا؟ قلت: قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه
…
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة
…
تكون مثواك حتى رجعة الناس
فقال ابن عباس: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت، ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم ولحم الخنزير (2) ، وقد تعقب الإمام الخطابي في معالم
(1) المطبوع مع مختصر سنن أبي داود معالم السنن للخطابي ط. مطبعة أنصار السنة المحمدية ص 19.
(2)
المطبوع مع مختصر المنذري وتهذيب سنن أبي داود ص 19.
السنن تلك النظرة من ابن عباس، فإنه قال بعد الرواية التي ساقها ابن القيم من طريقه:" فهذا يبين لك أنه إنما سلك فيه مذهب القياس وشبهه بالمضطر إلى الطعام وهو قياس غير صحيح؛ لأن الضرورة في هذا الباب لا تتحقق كهي في باب الطعام الذي به قوام الأنفس، وبعدمه يكون التلف. وإنما هذا من باب غلبة الشهوة، ومصابرتها ممكنة وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج، فليس أحدهما في حكم الضرورة كالآخر " انتهى كلام الخطابي، وقد نقله عنه الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار وتلقاه بالقبول.
وممن لم ترقه هذه النظرة من ابن عباس أبو بكر الجصاص، قال في أحكام القرآن ج 2 ص 148: " روي عنه أي عن ابن عباس أنه جعلها - متعة النساء - بمنزلة الميتة ولحم الخنزير والدم، وأنها لا تحل إلا لمضطر، وهذا محال؛ لأن الضرورة المبيحة للمحرمات لا توجد في المتعة؛ وذلك لأن الضرورة المبيحة للميتة والدم هي التي يخاف معها تلف
النفس إن لم يأكل وقد علمنا أن الإنسان لا يخاف على نفسه ولا على شيء من أعضائه التلف، بترك الجماع وفقده، وإذا لم تحل في حال الرفاهية، والضرورة لا تقع إليها، فقد ثبت خطرها واستحال قول القائل أنها تحل عند الضرورة كالميتة والدم فهذا قول متناقض مستحيل وأخلق بأن تكون هذه الرواية عن ابن عباس، وهما من رواتها؛ لأنه كان رحمه الله أفقه من أن يخفى عليه مثله، فالصحيح إذا ما روي عنه من خطرها وتحريمها، وحكاية من حكى عنه الرجوع عنها " انتهى كلام أبي بكر الجصاص، فلما ذكره هو والخطابي والحازمي يقتصر بعض أهل العلم على القول بالتحريم.
أما رجوع ابن عباس عن إباحته متعة النساء فقد ذكره كثير من أهل العلم منهم من يلي:
1 -
الترمذي قال في جامعه في باب تحريم نكاح المتعة ج 5 ص 49 بعد أن ذكر أن العمل عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم على تحريم نكاح المتعة، قال:" وإنما روي عن ابن عباس شيء من الرخصة في المتعة، ثم رجع عن قوله حيث أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها ".
2 -
أبو بكر الجصاص قال في أحكام القرآن ج 2 ص 148، 149: " روي عن جابر بن زيد أن ابن عباس نزل
عن قوله في الصرف. وقوله في المتعة، ثم قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (1) قال: نسختها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2) قال: وهذا يدل على رجوعه عن القول بالمتعة. واستمر الجصاص إلى أن قال: فالذي حصل من أقاويل ابن عباس القول بإباحة المتعة في بعض الروايات من غير تقييد لها بضرورة، ولا غيرها.
والثاني: أنها كالميتة تحل للضرورة، والثالث: أنها محرمة. وقد قدمنا ذكر سنده وقوله أيضا: أنها منسوخة. ومما يدل على رجوعه عن إباحتها ما روى عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه أن أبا إسحاق مولى بني هاشم حدثه أن رجلا سأل ابن عباس فقال: كنت في سفر ومعي جارية لي ولي أصحاب فأحللت جاريتي لأصحابي يستمتعون منها، فقال: ذلك السفاح. وقال الجصاص أيضا: كان الذي شهر عنه إباحة المتعة من الصحابة عبد الله بن عباس واختلفت الروايات عنه في ذلك، فروي عنه
(1) سورة النساء الآية 24
(2)
سورة الطلاق الآية 1
إباحتها بتأويل الآية {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) وقد قدمنا أنه لا دلالة في الآية على إباحتها بل دلالات الآية ظاهرة في حظرها وتحريمها، من الوجوه التي ذكرنا، ثم روي عنه أنه جعلها بمنزلة الميتة ولحم الخنزير والدم، وأنها لا تحل إلا لمضطر، وهذا محال؛ لأن الضرورة المبيحة للمحرمات لا توجد في المتعة، وذلك لأن الضرورة المبيحة للميتة والدم هي التي يخاف معها تلف النفس إن لم يأكل، وقد علمنا أن الإنسان لا يخاف على نفسه ولا على شيء من أعضائه التلف، بترك الجماع وفقده، وإذا لم تحل في حال الرفاهية، والضرورة لا ترقى إليها، فقد ثبت حظرها واستحال قول القائل: إنها تحل عند الضرورة كالميتة والدم، فهذا قول متناقض مستحيل. وأخلق بأن تكون هذه الرواية عن ابن عباس وهما من رواتها؛ لأنه كان رحمه الله أفقه من أن يخفى عليه مثله. فالصحيح إذا ما روي عنه من حظرها وتحريمها، وحكاية من حكى عنه الرجوع عنها ". اهـ.
3 -
الباجي قال في المنتقى شرح الموطأ ج 3 ص 334 في كلامه على نكاح المتعة: قد روى ابن حبيب أن ابن عباس وعطاء كانا يجيزان المتعة ثم رجعا عن ذلك، ولعل عبد الله بن عباس إنما رجع لقول علي له. والله أعلم.
4 -
أبو بكر بن العربي نقل القرطبي في الجامع لأحكام
(1) سورة النساء الآية 24
القرآن ج 5 ص 132 أنه قال: " قد كان ابن عباس يقول بجوازها - أي متعة النساء - ثم ثبت رجوعه عنه فانعقد الإجماع على تحريمها ".
5 -
الحازمي قال في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص 141: " أما ما يحكى عن ابن عباس فإنه كان يتأول في إباحته - أي نكاح المتعة - للمضطرين إليه بطول العزبة وقلة اليسار والجدة. ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به ويوشك أن يكون سبب رجوعه قول علي له رضي الله عنه ".
6 -
البغوي قال في شرح السنة ج 9 ص 100: " روي عن ابن عباس شيء، جواز نكاح المتعة مطلقا، وقيل عنه بجوازها عند الضرورة، والأصح عنه الرجوع إلى تحريمها، واتفق على تحريمها سائر فقهاء الأمصار ".
7 -
شيخ الإسلام ابن تيمية في ج 2 من منهاج السنة ص 156 قال في إباحة ابن عباس المتعة وأكل لحوم الحمر: " روي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك لما بلغه النهي عنها " اهـ.
لكن رغم هذا كله نرى من أئمة العلم، من لا يثبت رجوع ابن عباس عن إباحته لها، فقد قال الحافظ ابن كثير في الجزء الرابع من البداية والنهاية بعد إيراده في غزوة خيبر من طريق مسند الإمام أحمد بن حنبل حديث سفيان عن الزهري
عن الحسن وعبد الله ابني محمد عن أبيهما أن عليا قال لابن عباس: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (1) » . قال ج 4 ص 194: " ومع هذا ما رجع ابن عباس عما كان يذهب إليه من إباحة الحمر والمتعة، أما النهي عن الحمر فتأوله بأنها كانت حمولتهم، وأما المتعة فإنه كان يبيحها عند الضرورة في الأسفار، وحمل النهي عن ذلك في حال الرفاهية والوجدان، وقد تبعه على ذلك طائفة من أصحابه وأتباعهم، ولم يزل ذلك مشهورا عن علماء الحجاز إلى زمن ابن جريج ".
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ج 9 ص 173: " أما ابن عباس فروي عنه أنه أباحها - أي متعة النساء - وروي عنه أنه رجع عن ذلك، قال ابن بطال: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنده أصح " اهـ.
وقال العلامة علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج 3 ص 427: " قال ابن الهمام: ويدل على أنه - ابن عباس - لم يرجع حين قال له علي ذلك: «مهلا يا ابن عباس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية (2) » - ما في صحيح مسلم عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال: «إن ناسا
(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(2)
صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
أعمى الله قلوبهم، كما أعمى أبصارهم، يفتون بالمتعة - يعرض برجل - فناداه، فقال: إنك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك (1) » . . . " الحديث، ورواه النسائي أيضا ولا تردد في أن ابن عباس هو الرجل المعرض به وكان قد كف بصره، فلذا قال ابن الزبير: " كما أعمى أبصارهم " وهذا إنما كان في حال خلافة عبد الله بن الزبير وذلك بعد وفاة علي كرم الله وجهه، فقد ثبت أنه مستمر القول على جوازها ولم يرجع إلى علي " اهـ.
ومما جاء في الرد على ابن عباس ما رواه الطبراني في الأوسط من طريق إسحاق بن راشد عن الزهري عن سالم: «أتي ابن عمر فقيل له: إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة فقال: معاذ الله، ما أظن ابن عباس يفعل هذا. فقيل: بلى، قال: وهل كان ابن عباس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غلاما صغيرا. ثم قال ابن عمر: نهانا عنها رسول الله وما كنا مسافحين» . قال الحافظ في تلخيص الحبير ج 3 ص 154: " إسناده قوي " وما رواه عبد الرزاق في باب المتعة من مصنفه ج 7 ص 502 عن معمر عن الزهري عن سالم قال: " قيل لابن عمر: إن ابن عباس يرخص في متعة النساء
(1) صحيح مسلم كتاب النكاح (1406) .