الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّقْعَبي:
بفتح الصاد المشددة فقاف ساكنة فعين مفتوحة فباء مكسورة مع إشمامها إلى الضم فياء: على لفظ النسبة إلى الصقعب، والصقعب: اسم من أسماء العرب القدماء معناه: الطويل من الرجال.
وهذه أسرة كبيرة، أصلهم من عيون الجواء وسكنوا بريدة منذ زمن طويل، وكانوا في القرن الثاني عشر والثالث عشر لهم إسهامات قوية في بريدة ومنها تفرقوا إلى عدة مدن في المملكة، بل وغيرها كالعراق والشام ومصر.
وكان أهل بريدة يقولون في مطلع هذا القرن الرابع عشر: إن أكثر الأسر عددًا في بريدة هما التويجري والصقعبي، وقد استمر تكاثر التواجر، أما الصقاعبة فلم يكونوا كذلك في الزيادة، وإن كانوا لا يزالون أسرة كثيرة العدد.
وكانوا من أثرياء عيون الجواء وأغنيائها المشهورين منهم أكثر أهل العيون ثروة في وقته فهد بن سليمان الصقعبي وهو الذي روى عنه أن ابنه قال له: يا أبت لماذا يكرمنا الناس ونحن لا نكرمهم؟ فأجابه: لأن لدينا محبوبهم، وهو المال.
أما اشتقاق اسمهم الذي يبدو غريبا بعض الشيء فإنه معروف في القديم ذكره العلماء في ذكر بعض من كان اسمه (صقعب) كالذي نسب إليه الصقعبي.
قال ابن منظور: (الصقعب): الطويل من الرجال بالصاد والسين (1).
وقد أثنى الشاعر الجاهلي الفحل الطفيل الغنوي المنسوب إلى غني من باهلة على أحد فرسانهم ووصفه بأنه صقعب بمعنى طويل قوي في مكافحة الأعداء:
(1) اللسان: "ص ق ع ب".
قال الطفيل الغَنَويُّ (1):
وفينا ترى الطولى، وكُلَّ سميدع
…
مُدَرَّبِ حربٍ، وابن كل مُدَرَّبِ
طويل نجاد السيف، لم يرض خُطَّة
…
من الخَسْف، ورَّادٍ إلى الموت (صَقْعَبِ)
حدثني عدد من شيوخهم أن أوائلهم كانوا نازلين في الحويقه) جهة الشمال ليست ببعيدة عن دير الزور فعشق جدهم امرأة ليست منهم وهي جميلة وفاتح أهله بزواجه منها فأبوا عليه.
فاتفق هو وإياها وهرب بها ليلا وجاء بها إلى القصيم فزوجه قاضيها بها.
وكان أول الصقاعبة.
وقد كثر نسل الصقعبي وتفرعوا في البلدان فمنهم الآن في الجوف وحايل وعرعر والكويت والحسا وسوق الشيوخ والزبير ودير الزور في سوريا، وشقراء.
وصار لبعض فروعهم ألقاب مثل الفداوية والأرنب والزيد والزانغ والعصيل والدبيان والصقعوب والصواني.
حدثني عبد الله بن محمد الصقعبي وهو شيخ يبلغ عمره قرابة تسعين عامًا ومن (آل الصقعبي) الذين انتقلوا من بريدة إلى حائل قال:
كان لنا إبل مع إبل لأهل بريدة في حدود عام 1329 هـ. عندما كان ابن رشيد عدوا لأهل القصيم فعدا قوم من الصقور من عنزة كانوا قد جاءوا إلى نجد وأخذوا الإبل المذكورة وهي كثيرة، وعندما وصلوا منهل (البشوك) أخذوا يتفقدون الإبل ويقتسمونها فوجدوا فيها إيلنا التي يبلغ عددها ستًّا أو سبعًا ووجدوا وسمنا عليها فقالوا: هذا وسمنا لابد أن ها البعارين لواحد ابن عم لنا
(1) ديوانه، ص 20.
من أهل بريدة ولابد من إعادتها لأننا لا يمكن أن نأخذ أباعر ابن عمنا.
قال: فأرسلوا واحدا من قومهم وقالوا: سلمها لأقرب قرية من قرى القصيم وقل لهم: هذه لراعيها، فإذا قال لك: من هو راعيها، قل لهم: صاحب هذا الوسم.
قال الصقعبي: فعادت الإبل إلى والدي وأنا أعرفها.
قال: ووسمنا على الإبل (مطرق) أي: خط مستقيم على الحنك الأيسر، ومطرقين يتبارن بدقائق الرقبة تحت الحنك معترضا في الرقبة، ومطرق مطاول الفخذ الأيسر.
أقول: وصف الأمير راضي بن عبد الرحمن الراضي أمير قصيباء أسرة الصقعبي بأنهم صقور، فقال يخاطب إبراهيم بن عبد الله الصقعوب الصقعبي:
أنتم (صقور) وعارفين مجانيك
…
مذكور بالتاريخ كلٍّ قراها
لا تحسب إني يا فتى الجود ناسيك
…
طول السنين اللي لحالي براها
من عقب السبعين ما هو مباريك
…
تقصر خطاه اللي طويل مداها
وسيأتي إيراد قصيدته كاملة في رسم (الصقعوب) فيما بعد إن شاء الله تعالى.
خرج غزو من أهل بريدة برئاسة سليمان بن حسن المهنا قاصدين حسين بن جراد ومن معه من جنود ابن رشيد وذلك إبان حكم صالح بن حسن المهنا على بريدة، قبل وقعة البكيرية فأخذوهم وقتلوا حسين بن جراد في فيضة السر، وكان على بيرق أهل بريدة فهد بن حمد الصقعبي (1)، فقال في ذلك الشاعر محمد الصغيِّر قصيدته التي أولها:
(1) مات عام 1326 هـ.
نحمد الباري جلينا الهم عنا
…
وانقضى حق اللزوم اللي علينا
يوم سار (الصقعبي) ما أحدٍ توني
…
كل قرم قال انا طلَّاب دينًا
من حضر معنا على (الفيضة) تهني
…
يوم هيجات العزاوي كالرطينا
ذا صريع، وذا طريح، وذا يونَّي
…
ما حلى طيحة حسين بالبطنيا
وقال محمد بن مناور في وقعة البكيرية يذكر الصقعبي الذي يلقب (أبو زهير) واسمه عبد الكريم السليمان الصقعبي وقد قتل في هذه الوقعة (1)، قصيدة منها:
يوم سار (الصقعبي) والله له عوين
…
مع أولاد علي عمي عين قبلاه
وقال أحد شعراء بريدة (للصقعبي):
يا الله - اليوم - يا كافي
…
كل خلقه يراعونه
صالح مروي الأسياف
…
يشلع الراس بمتونه
طب عنيزه ولا خاف
…
ثوَّر الملح بركونَهْ
بيرق العز ينشاف
…
يثني (الصقعبي) دونه
جمع عقيل ما هوب خافي
…
كم ذيب يعسفونه
وذكر البارزين من أسرة من الأسر هو أمر متيسر في هذا الزمن الذي سهلت فيه الاتصالات، وحتى سهل فيه اجتماع الجماعات على أساس أسري، ومهني ووظيفي، وغير ذلك.
والأهم عندي هو ما كان سابقًا، سواء كان ذك في أخبار رجالات هذه
(1) أي سنة 1322 هـ.
الأسرة أو غيرها، لأنه الذي يخشى عليه من الفوات والنسيان، وقد شاهدت بعضه نسي، وعفا عليه الزمن وبعضه دخله الاختلاط وإن كان لا يزال يصارع في البقاء في ذاكرة الشيوخ وكبار السن.
وكان الأسرة الصقعبي منذ عهد بعيد وظيفتان مهمتان في بريدة إحداهما: حمل بيرق أهل بريدة في الغزو وهو العلم، والثانية: تولي بيت المال.
أما الأول فهو معروف عند الجيل الذي قبل جيلنا عندما كانت الحروب تستعر، ولابد من شخص شجاع يحمل علم القوم المحاربين لأن انتكاس العلم علامة على الهزيمة في الحرب.
وأما (بيت المال) فقد سجل التاريخ واقعة من ذلك في ذكر مقتل الأمير عبد العزيز بن محمد آل أبو عليان في نفود الشقيقة غرب عنيزة وكان أمير القصيم لسنوات عديدة وتقدم ذكره في أسرة (آل أبو عليان) في حرف الألف.
ذكر الإخباريون الذين حدثونا أن رجال الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي عندما لحقوا بعبد العزيز بن محمد وأولاده كان معه سليمان بن حمد الصقعبي على بعير محمل بالنقود الفضية والذهبية، كان الأمير عبد العزيز المحمد أخذها معه وهو ذاهب إلى مكة المكرمة تاركا إمارة القصيم.
قالوا: فكان رجال عبد الله بن فيصل عندما قتلوا الأمير عبد العزيز بن محمد وعددا من أبنائه معه أرادوا قتل الصقعبي ولم يكونوا يعرفون أنه يحمل على بعيره نقودًا كثيرة فكان إذا قربوا منه رمي بعدد من الريالات الفضية إليهم فسقطت الريالات في رمل الشقيقة، وهي ثقيلة وغاصت فيه فصاروا يبحثون عنها بينما هو يهرب بذلوله فإذا جمعوها بعد البحث تبعوه فرماهم ببندقه حتى إذا كادوا يصلون إليه لأنهم عدد من الرجال وهو واحد رمي بريالات في الرمل جهتهم فانشغلوا بها حتى فاتهم.
ثم رجع بعد أن تيقن من ذهابهم إلى رفقائه، ليدفن من مات، وليحمل من كان حيا، وقد وصل إلى مكة المكرمة سالمًا.
هكذا قال الأشياخ الذين أدركناهم، وقد سجل المؤرخون هذه ومنهم الشيخ إبراهيم بن عيسى الذي ذكرها بتفصيل ونقلنا كلامه عند ذكر (آل أبو عليان) في حرف الألف.
وحدثني حمد بن فهد بن حمد بن ناصر الصقعبي قال: كنت عسكريًا عند فهد البيق (أي البك) بن هذال بالشامية وكان معنا عبود المبارك وعلي بن محمد الرديني ومحمد العطيشان وأخوه عبد العزيز العطيشان في فتيان من أهل بريدة منهم فهد بن عبد الله الفهيد.
فأرسل إلينا منصور بن صالح المنصور الملقب الشقحا وعبد الرحمن الدخيل، وكانا في عسكر الشريف في مكة يطلبون أن نأتي عندهم في مكة للعمل في الجندية غير أن ابن هذال امتنع أن يأذن لي وجعلني أميرًا في شثاثا والرحالية، وقال: تبقي فيها لمدة شهر ولم أكن أرغب فيها ولكنني لم أستطع الرفض فقبلتها لمدة شهر واحد غير أنها امتدت لمدة سنة وشهرين، وذلك لأن قاضي البلدة وهو بغدادي وأهلها كانوا يكتبون لإبقائي عندهم.
وبعد هذه المدة تركتها وتركت الجندية وسافرت إلى الكويت، واشتغلت في الغوص في البحر غير أن الدنيا لم تسعفني فلم أكن أملك إلَّا سبع جنيهات ذهبية اشتريت بها أغراضا وأرسلتها إلى خالي والد امرأتي في بريدة سليمان الدخيل فاستقلها فقلت:
يا خال كثرت المراسيل واللَّوْم
…
يا حيف ما هذي سواة القرابة
خليتني يا خال ما اداني النوم
…
حِرِّ كوي كبدي ولا أحدٍ دري به
يا الله يا فراج ضيقات وهموم
…
تفرج عن القلب المشقَى عذابه
برزقٍ سريع يا الولي دايم الدوم
…
رزق كثير مثل وبل السحابه
استر به أحوالي عن الشوم واللوم
…
وأرضى به الجيران هم والقرابه
يقول ذا اللي من البين مضيوم
…
يا الله يا رازق خطاة الزلابه
الرزق من رب المقادير مقسوم
…
ماهوب والله - يا الخلايق نهايه
من كثر ما بيده مع الناس محشوم
…
لو قال شَيْن صار هرجه طرابه
ومن قل ما بيده مع الناس مذموم
…
يتقشطرونه وصار ماله مهابه
تمت ولا أني بأكثر القول ملزوم
…
دنياي ماجت على ما هَقي بَهْ
وقد كتبتها هكذا من لفظه.
كان حمد بن فهد الصقعبي هذا من محبي الفكاهات والنوادر وكان لا يتورع في هذا الصدد عن أي شيء يقوله: من ذلك أنه كان في دكانه في الرياض فباع على بدوي عباءة إلَّا أن نقود البدوي لم تكف فطلب أن يذهب إلى راحلته خارج الرياض القديمة ليحضر بقيتها على أن يبقي العباءة مع رفيقه عند الصقعبي.
وجلس رفيق البدوي وهو بدوي مثله في الانتظار وكان على أثر سهر فنعس وضرط ثم انتبه، وظن أن الصقعبي لم يسمعها فسأل الصقعبي قائلًا:(تبي رفيقي ما بعد وصل؟ ).
فرد عليه الصقعبي بسرعة:
ما تضرط ضرطة ثانية إلَّا هو جاي! .
مات حمد بن فهد الصقعبي في شعبان 1408 هـ عن عمر ناهز التسعين، وكان مؤذنا قبل وفاته بسنين في مسجد النصيبي بالرياض.
وقال حمد الصقعبي وهو في الرياض يتشوق إلى ولده الوحيد محمد في
ذلك الوقت وكان قد ترك بريدة بسبب دَيْن لحقه:
ناح الحمام وفجَّعَ القلب بغنَاه
…
يلعب طَرْبْ وانا ما اني متهني
يا ناس اثر الولف واكود بلواه
…
راعيه يقنب والخلايق ترنَّ
صبَرْت صبر اللى تَرَقَّعْ حفاياه (1)
…
بس اتنهت واتوجد واحِنِّ
كِنِّي خلوج بالخلا طال مظماه
…
البل ترعي وهي دَلَّتْ تِحِنّ
فاخَتْ وَلَدْها عَظم الولف بلواه
…
واقت وشافته يوم ثِنِّي (2)
وآكود عِذرهْ يوم شافتْ حواياه
…
حَنَّت وطاحت والضلوع أصرمَنِّ
اشوف حالي مثل حَالَهْ ببلواه
…
نشَّتِ لحومي والقوايم حِتّنِّ
يا الله يا اللي تسجد الخلق لرضاه
…
خوف وخشعان ورجوي وذِلِّ
تجمع بلاما من عيوني تَحلَّاه
…
همه بري حالي وحبُّه مَحَنِّي
يا خال، والله كل ما حَلَّ طِرْياه
…
حَضَّت محاحيل الحشا واعولنِّي
اودعك يا مرسال بالله تنصاه
…
عند قرم إلى شاف النشامي يهنِّي
عند خال تحرق البن يمناه
…
تراه هوى بالي وغاية مظنِّي (3)
عساه لي جته المنايا تعَدَّاه
…
نلقاه إلى من الليالي ازعَجَنَّ
وقال حمد الصقعبي يخاطب الشاعر سويلم العلي صديق له وهو شاعر مثله:
بالله يا اللي معتلين على حيل
…
بتر الفخوذ ومقولماتٍ حدادِ
فج النحور وعيونهن كالمشاعيل
…
ومودبات للوعر والسّناد
عوجوا لي ارقاب النضا يا هل الحيل
…
وعطون وجيه ركابكم بالركاد
شيلوا سلامي للغضي نافل الجيل
…
جيبوا ردوده من ربيع الفواد
* * * *
(1) الجمل.
(2)
الخلوج: الناقة التي فقدت ولدها، ومعني ثني: للذبح.
(3)
خاله: هو عطا الله الدخيّل.
يا ما عليه شربت كاس الغرابيل
…
وأيضًا وهو مثلي عطيب الفواد
بيني وبينه هرجة القول والقيل
…
ادري الشرف، غادين احصَّل مرادي
يا جرح قلبي كان هو طاول الطيل
…
روحي وعقلي رَوَّحَنْ بالوكاد
راع الهوى تراه بحسر وغرابيل
…
عمره وماله خيرته للنفاد
يا أبو سرور يا زبن عيال مشاكيل
…
يا بادع القيفان غايه مرادي
* * * *
يا أبو سرور تراي إلى هوِّد الليل
…
بدا بقلبي مثل رعي الجراد
نوم العرب طيب ونومي هرافيل
…
عفت الكرى ماهوب غاية مرادي
والصبح لي طالعت زين التعازيل
…
بَيَّح عزاي وصار مالي جلادٍ
بديت أبوِّه ما اسمع القول والقيل
…
واللي يصوَّت ما اسمعه لو ينادي
يا أبو سرور يا اخوي هذي غرابيل
…
أيضًا ولا اسمع عذلهم والدَّوادي
وقال أيضًا قصيدة بعث بها إلى عواد بن نادر من الذين يترددون إلى بريدة:
وخلاف ذا يا راكبٍ فوق نبنوب
…
حمرا من العيرات ما جا مثيله
لي رَوَحَت من خِبَّةٍ نقل ساروب
…
وإلَّا الحمامة رَوَّحَتْ من مقيلهْ
ركَّابها قرم من الغوش منعوب
…
هرماس دو بالظلامي، دليله
يلفي لابونادر حجي كل مكروب
…
نعم بابو نادر مزَيِّن دخيله
بالطيف تالي الليل وافان خرعوب
…
يَنْسِفْ على الامتان وافي الجديله
هافي حَشَا مجمول ما فيه عذروب
…
لو آهَنَّى يا القرم من يلتجي له
يمزح ويلعب لي على كل مسحوب
…
ضَيَّع دليلي ضيَّعَ الله دليله
ابصر لنا بالحال لا أموت مكروب
…
حيثك فيهم لدقها والجليله
* * * *
يا الله يا معبود يا خير مطلوب
…
يا خيِّرٍ كل الخلايق تجي له
تفرج لعبد من غثا البين مصيوب
…
يهلِّ دمع مثل وبل المخيله
وقد رد سويلم العلي على حمد الفهد الصقعبي على قصيدته بقصيدة منها:
يا الصقعبي تشكي من ايامك الميل
…
تقول يرعى القلب مثل الجرادِ
يا الصقعبي هذي ليال الغرابيل
…
يمشي بها الرجَّال من غير قادي
يا الصقعبي يا ريف هجن مراميل
…
لي جَوْا يهزون العصِبي بالأيادي
اجتمع أربعة من شعراء العامية، وهم حمد بن فهد الصقعبي وسليمان الجطيلي وعواد بن نادر وسويلم العلي وتناشدوا الشعر على أن يقول كل منهم قصيدة بنت يومها وينظروا من هم ارقهم شعرًا فقال الصقعبي:
أمس الضحى نطيت عالي المراقيب
…
من ضيقه الخاطر وكثر الهموم
انوح نوح الورق واقنب كما الذيب
…
واهلَّ دمع مثل وبل الغيوم
على عشير شَعَّبَ القلب تشعيب
…
وادعى صناديق الضماير ثلوم
حطيت بي يا الترف عطب الأصاويب
…
ارحم عسى يرحمك ربٍ رحوم
ذبح الخوي ماهوب حق ومواجيب
…
انشد هل المعروف واهل السَّلوم
عيا يطيع القول هرج المناويب
…
يا حسرتي توَّه تزاود همومي
ها في حشا مجمول ما به عذاريب
…
إلى ضحك تشوف مثل النجوم
يا زين يا المجمول دَيِّني الطيب
…
وارحم حوالي جعل عمرك يدوم
لا قاني المجمول بهرجه تراحيب
…
فضَّى عليَّ البال وزالت همومي
ما طاب لك ما دام لك بالتجاريب
…
صارت علينا مثل وصف الحلوم
هذا كلام اللي على المراقيب
…
المرقب اللي ما تجيه الرَّخوم
قالوا: وكانوا قد حكَّموا رجلًا اسمه عبد الكريم السهلي فحكم بأن قصيدة الصقعبي هي أرق القصائد التي قالها المجتمعون.
ولحمد بن فهد الصقعبي هذا عروس من عرائس الشعر وهي المنظومة التي يتخيل الشاعر فيها بنتا جميلة تبحث عن كفء لها فيعرض عليها أسماء عدد كبير من الأشخاص كلما عرض عليها اسم شخص ذكرت فيه عيبا، فيتركه ويتجاوز ذكره إلى ذكر شخص آخر حتى يصل إلى ما يريد وهو أن يعرض عليها اسم شخص يرى أنه كفء لها مدحا له، وبيان حاله فتستجيب لذلك وتنتهي المنظومة.
وهذا النوع من الشعر مشهور ممن نظم فيه علي بن طريخم من أهل الصباخ وعبد الرحمن الدوسري في (عروس بريدة) وفي (عروس نجد).
وعروس حمد الصقعبي ضعيفة الشعر، وصاحبها من يأخذ بالحكمة القديمة "قل النادرة ولو على الوالدة"، وذلك يغضب كثيرًا من أبناء وأحفاد المذكورين فيها.
لذلك لم أرد إيرادها كلها، وإنما أورد هنا بعض أبياتها وقد كتبتها عنه من لفظه في الرياض في يوم 15/ 11/ 1397 هـ. وأولها:
بنت لفتنا من بنيّ السلاطين
…
طرد الهوى يا ناس عينه شقيه (1)
قلت:
خلين أدق التيل للهند والصين
…
اشاور أهلِكْ يا عنود الظبية
قالت:
رجالي من رجال بعيدين
…
ما هوب ياصل هرجهم، يا أبورقيه
قلت:
هيا لابو صانع إن كان تبغين
…
طبي واختاري فيهم يا العسوجيه
قالت:
(1) طرد الهوى: طرَّاد الهوى: الذي يتتبع الجمال ويتغزل به.
ابيك تخيَّر كان خابر شين
…
يا كيف أعرف الناس وانا اجنبيه؟
قلت:
هذا الخلاوي، كان يا زين تبغين
…
خلّيه يدبّك - يالحبيبة - بْقيِّه
وقد جعلها تجد عيبا في (الخلاوي) هذا قد يكون حقيقيًّا وقد يكون اخترعه من أجل أن يواصل النظم.
ثم ذكر الصناع - جمع صانع - وهو الذي يصنع أدوات النحاس أو يصلحها وكذلك يصنع الأدوات من الحديد وكان للصناع سوق معروف في بريدة اسمه (سوق الصَّاع، وقد يقال فيه (سوق الصنانيع).
فذكر الصنَّاع واحدًا واحدًا ثم انتقل من ذكرهم إلى ذكر النجاجير - جمع نجار، فلم ترض العروس واحدًا منهم حتى وصل بها إلى (إبراهيم بن صالح الصايغ).
فقبلت به وزوَّجها خيالها به، وقد ذكرت ذلك في ترجمته.
وهذه العروس المنظومة مهمة في كونها ذكرت أشخاصًا انتقلوا إلى العالم الآخر، ونسيهم الناس، حتى أقاربهم نسوهم، ولكن فيها عبارات مقذعة لا تصلح أن تنقل مثل قوله في أحدهم:
قلت:
( ..... ) كان يسازين تبغين
…
تراه يشتم أمه، وهاجرْ أبَيّه
قالت:
أعوذ بالله من وجيه الشياطين
…
من المعاصي يابساتٍ شْفيه
وقوله:
أخوه ( ..... ) كان يا زين تبغين
…
إن جاز لك خوذيه يا العسوجيه
قالت:
لي شفت وجهه قلت: سيد المجانين
…
بأمر الخنابه - شاهد له خويِّه
وقد ذكر فيها قليلًا من الناس بغير عيوب ظاهرة ونقلت ذلك في تراجمهم من هذا الكتاب.
وقال حمد الفهد الصقعبي في شاعر صلبي طلب منه شيئًا فمنعه من ذلك بهذه القصيدة:
يا راكب من فوق كلب مستذير
…
اقشر الوجه ضاربه الجحام (1)
متين العضدين راسه مستدير
…
إلى عطس يثور من خرقه رشام
يسير ويلفي من اسمه كبير
…
قاصر العقل ما هوب التمام
قل انا نذير لك يا حقير
…
دوَّر لك اسم من عرض الاسامي
وإلا انت اسمك أبا النتير
…
حميِّر الهكر مجبوع الأذام
لي صرت لا نتب ظفر، ولا كريم
…
يا خمار جدع راسك وارع من الرِّمام
يوم الفزعة ما جيت تأخذ لك بعير
…
والقش عندك كله بالتمّام
عند الخفرات حَطَّتك وزير
…
قابلت الترف مردوع الوشام
عز الله ان لك عذر كبير
…
ابوك وجدك من ناسٍ فِدام
ترى عندي لك ردٍّ كثير
…
أن رديت لياك تلحقني ملام
صلاة ربي عدّ طير يطير
…
على نبي ظله الغمام
ومن شعراء أسرة الصقعبي عبد العزيز .. الصقعبي المعروف بـ (أبو زيد) المدرس في إحدى المدارس المتوسطة في بريدة.
قال أبوزيد الصقعبي يخاطب صالح الإبراهيم الجار الله صديقه وهو من شعراء بريدة سبقت ترجمته وشعره في حرف الجيم:
يا راكب اللي من حفيزه شريناه
…
فِرْت جديد ما أشتغل غير تمرين
وديتر بلاده على طول لِفناه
…
والمروحه نخاف يحدث بتصخين
(1) يعني كلبًا، والجحام: مرض يصيب الكلاب خاصة.
فوقه غلام بالشطاره عرفناه
…
سواقته بالسُّوق والبرتجنَين
يلفي على اللي قد شهر فعل يمناه
…
بالمرجله تلقاه يقلّط بعارين
صالح اعرفه وابخص اقصاه وادناه
…
وإلي حصل له طاري قيل: نْعَمْين
الصاحب اللي يجتهد لي نخيناه
…
حيثه فهيم يعرف الشين والزين
حالي واليوم ياخوك عفناه
…
حب الحبِّيب داخل الروح يكوين
الجادل اللي بالمبيعه نطحناه
…
امس الضحى والساع في وقم ثنتين (1)
غِرْو صغير غاية البال ومْنَاه
…
وجدي عليها وجد من همه الدِّين
حالي قضت والزاد ماعاد ذِقناه
…
واركض مع الأسواق كِنِّي مسَيْكين
لا عاد يا يوم مع السوق شفناه
…
من شوفتي له كن زوله يبارين
لولا الحيا والخوف حنانهبناه
…
ما شفت انا مثل القضيي وافي الزين
فأجابه صالح الإبراهيم الجار الله فقال:
جانا جوابٍ من صديق سمعناه
…
بادرت في ردِّه وكزيت حَرْفَيْن
ساعة لفانا الخط عرفت معناه
…
ابشر بمطلوبك ولو كان بالصين
إن كان هي بفلوس بالمال جبناه
…
وإن كان هي بسلاح بالكفّ فردين
لو يذكرونه من ورا الشط خذناه
…
العفو نأخذها ولو دونه الفين
* * * *
ويا راكب اللي يسرق الخدّ ممشاه
…
توِّه جديدٍ من حفيزه بعشرين
لي نام ولد اللاش حِنَّا ركبناه
…
لي شانت السكه مشينا ثمانين
يلفي على اللي دايم لي نصيناه
…
يفرح إلى جوه المسايير ناصين
وأنا اشهد انه بالمراجل عرفناه
…
له عادةٍ للضيف يذبح من الضَّيْن
الجائل اللي يذكره ما وجدناه
…
وأن كان قصدك بنت نعطيك ثنتين
(1) الجادل: الفتاة الجميلة التامة الخلق.
الكل منهن ما بعد ناشوا حماه
…
ولا هي من اللي وردوا من فلسطين
والاجنبي لو هو يبينا صرفناه
…
ونفسي عزيزه يا ولد ما تبي الشِّين
والزين لو أنه بعيد طلبناه
…
واللي يجي للسوق ماهوب مرضين
والي عمرت الدار وأحكمت مبناه
…
إن ما ضبطت الساس يخونك الطين
وكتب صالح الإبراهيم الجار الله بعد ذلك إلى الصقعبي وخاطبه بقوله: أبو صالح لأنها كنيته فقال:
يا راكب اللي للحمل ما بعد شال
…
من مصنعه جبناه ومرسمينه
توه جديد ما وقف عند دلال
…
إلى مشي ما بان حسّ المكينه
ودريوله يا مسندي خوش رجَّال
…
أهل المواتر لهم فاهمينه
يلفي لابوصالح وخَلُّوه شَغَّال
…
يسمع جوابٍ تَوِّنا قايلينه
راعي معاميلٍ وللضيف مِدْهال
…
الأجنبي واهل البلد عارفينه
له كلمة ياني بها حين ما قال
…
والي تھهيا لازم خاطرينه
مالي نظر يا القرم في بدع الأمثال
…
وكل التغزل بالهوى عايفينه
درب الهوى عفناه ما هو على البال
…
وكل الهوى لاهل الهوى تاركينه
ومطالع الازوال يا أخوك غربال
…
وعزي لمن مثلي تبيح كنينه
البارحه دمعي على الخدّ هَمَّالْ
…
على الذي شفته خزرني بعينه
تسببت لي جادَلٍ سَمّت الحال
…
من شوفي صفة الذهب في يمينه
وانا اشهد إنه للعشاشيق قتال
…
وياليتهم لي بالثمن بايعينه
توه بغض صباه ما جابت عيال
…
هي غاية المطلوب عدة سنينه
ابوقرون فوق الأمتان ميال
…
مسك وزباد توِّهم جادلينه
لو اتمنّي قلت: ياليت من نال
…
ويالتينا لحمى الغضي داخلينه
عز الله انه خلت القلب بخلال
…
من شوفتي للترف عيني حزينه
من شافني يقول ذا فيه سلَّالْ
…
وكل الاطبا علتي شايفينَه
اخاف انا يا القرم يصيبن هبال
…
الا أنكم للي نبي جايبينه
وان ما تهيا صاحبي فأنت بطال
…
ترى اسمه لك بالورق كاتبينه
اسمه (حلب) في سبع ما فيهن شكال
…
خمسين مع خمس لكم ذاكرينه (1)
واللي ذكرنا لك مع الحضر نزَّال
…
ما هي مع اللي بيتهم شايلينه
دور على الرجلين لا تأخذ نعال
…
وانشد عن المجمول وامش بسكينه
تراي ابي اسمح لك إلى دخول شوَّال
…
تم الجواب وخطنا لا تهينه
وصلاة ربي عدَّ حصحاص الاسهال
…
علي نبي وضح الله جبينه
ولم أقف على جواب الصقعبي عليها.
ومنهم صالح العبد العزيز الصقعبي، سكن في عنيزة من المغرمين بالشعر العامي وله شعر متوسط كما كتب أشعارًا لغيره.
ويعمل الآن كاتبًا للمحكمة المستعجلة - 1400 - بالطائف.
ثم توفي في عام ....
ومن علماء (الصقعبي) الشيخ محمد بن عبد العزيز الصقعبي ولد في بريدة قرابة عام 1272 هـ. ودرس على علمائها وبخاصة الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم والشيخ محمد بن عمر بن سليم حتى أدرك وعُدَّ من العلماء.
وقد أم في مسجد عودة الذي بناه حسن المهنا بنفقته دهرا حتى عرف المسجد به فسمي (مسجد الصقعبي) وذلك قبل أن يؤم فيه الشيخ محمد بن صالح المطوع المعروف بالحميدي الذي عرف المسجد بعد ذلك به فسمي (مسجد الحميدي).
ترجم له عدد من المؤلفين الذين ألفوا كتبهم في بيان حال علماء نجد.
منهم الشيخ صالح العمري قال:
(1) هذا رمز إلى اسم التي يتغزل فيها وهي مما يسمى الريحاني وبالأبجد كليهما.