الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طبيب شعبي شهير:
ومنهم الطبيب الشعبي الماهر بالكي والطب المبني على التجارب صالح بن محمد بن عبد الكريم الصمعاني الذي طار صيته في بلادنا كلها من أقصاها إلى أقصاها، عرف بمهارته في معالجة الأمراض بالكي وفي تجبير الكسور حتى رويت عنه في هذا المجال حكايات وقصص، لو كانت قيلت في شخصية تاريخية قديمة لشككنا فيها، ولكن أكثرها نعرف صدقه، ونعرف من داواهم وكيف داواهم.
وهو إلى ذلك لا يداوي كل من يأتي إليه يلتمس الدواء، بل يداوي منهم من يرى أن له دواء ناجعًا عنده، بخلاف بعض المدعين للطب الشعبي والعلاج بالكي ونحوه الذين يعالجون كل من جاء إليهم بعلاج استعملوه مع شخص آخر فنجح.
حدثني أخي الشيخ سليمان بن ناصر العبودي عندما كان قاضيًا في محكمة بريدة أن صالح بن محمد الصمعاني قال له: إنني لا أعالج إلَّا من أعرف أن علاجي له فيه منفعة، وكثير من الناس يأتون إليَّ يطلبون مني أن أكويهم أو أن أعالجهم فاعتذر عن ذلك لمعرفتي بأن الكي لا يفيدهم.
والوقائع والقصص عن هذا الطبيب الشعبي الماهر كثيرة لو جمعت لألفت كتابًا كاملًا وما أجدر أحد القادرين على الكتابة والتأليف من أسرة الصمعاني ومن غيرهم من أهل بريدة أن يجمعوا كل ما عرفوا عنه من علاج ناجع.
وقد حُدِّثت عنه بأشياء غريبة من ذلك أن فلانًا وفد ذكروا لي اسمه كان منذ نحو عشرين سنة أحد العاملين في المستشفى الجامعي في الرياض فأصابه ألم شديد في مؤخرة رأسه عجز عن علاجه وعن اكتشاف سببه أطباء المستشفى الذي يعمل فيه رغم وجود اختصاصيين فيهم في علاج الرأس وفي علاج الأعصاب.
كما ذهب إلى غيرهم من الأطباء، ولم يفيدوه بشيء، وقد اشتد به الأمر
من الألم الفظيع، فنصحه بعضهم بالذهاب إلى الصمعاني، قال: ولم أكن أول الأمر مقتنعًا بأنه سوف يعالجني بعد أن عجز الأطباء الاختصاصيون عن ذلك، ولكنني ذهبت إليه مضطرًا.
قال: ففحص رأسي وبخاصة مكان الألم وما حوله فحصًا جيدًا، وقال: يوجد في هذا المكان ورمة صغيرة هي سبب ألمك، قال: كان الأطباء قد التقطوا أشعة لذلك المكان، ولم يكتشفوا شيئًا.
قال الصمعاني: سوف أكويك وتشفى إن شاء الله.
قال الرجل: وقد كواني الصمعاني كيًا غير واسع أظنه قال: أكثر من كية، قال: وبعد مدة بدأ الألم يخف، ثم ذهب عني ذلك كلية، ولله الحمد.
وحدثني الشيخ ضيف الله بن غانم اليوسف قال حدثني فلان وأنا - مؤلف الكتاب - لا أريد ذكر اسمه، قال: كانت عندي بنت صحتها معتادة وحالتها العقلية لا غبار عليها حتى بلغت السادسة عشرة من عمرها فصارت تتصرف تصرفات غريبة وتصيح من آلام تذكرها، حتى وصل الأمر بها إلى الجنون، فاعتبرناها مجنونة وأيسْنَا من علاجها لأن الأطباء عجزوا عن علاجها.
قال فذهبنا بها إلى صالح بن محمد الصمعاني، فلما فحص رأسها فحصًا جيدًا، وقال وهو يركز عليه (البلا جايها من رأسها) وأنا سأكويها ولن تتحسن حالتها الآن، ولكن بعد أن يبرأ أثر الكي، أو قال: بعد أن تقشع الحروق فلا تقلقوا، قال: فكواها، فزاد عليها الأمر فترة ثم أخذت حالها في التحسن حتى شفيت تمامًا.
وقد وجدت أوراقًا تتحدث عن (صالح بن محمد الصمعاني) هذا فكان من ذلك:
أما مراجعيه ممن فيهم أمراض كثيرة من أهمها الربو والنفس وآلام المعدة وعرق النسا والكسور والرضوض والفك والكلى والكبد والسرطان، ولا يعالج من
هذه الأمراض إلا عرق النساء والكسور والرضوض والفك والجنبة (التصاق الرئة بالضلوع)، حيث يكوي المسافات التي بين الضلوع، وينصح المريض بالحمية.
وثقة المراجعين به كبيرة، وثقته بنفسه عالية، ويقول إن نظرة الطبيب الشعبي للطب الحديث نظرة تقدير وإحترام، ويقول عن خبرته في تجبير الكسور إنه يستخدم العجين بدل الجبس، لأنه يظل متماسكًا حتى تمام الشفاء، ويزال بسهولة، حيث يذوب في الماء ويغسل، كما أن هناك طريقة لتجبير الرضوض، حيث يستخدم خلطة مكونة من عدس وبيض وعنزروت ومر، تخلط جميعها مع البيض، وتفرد على قطعة قماش، ثم يلف بها على المكان المرضوض، وتصبح بعد ساعتين شديدة الصلابة كالجبس، وتمتاز بأنها لا تترك فراغًا كما في الجبس، ويكن إزالتها بسهولة بالماء الساخن.
صالح بن محمد بن عبد الكريم الصمعاني: يُعد من أشهر الأطباء البارزين في الطب الشعبي، خاصة الكي، وهو غني عن التعريف، وشهرته ليست على مستوى المملكة فحسب، بل على مستوى دول الخليج العربية، ودول أخرى، وهو يزاول هذا النوع من الطب، بكل ثقة وتقدير واحترام، وخبرته في مجال الكي تزيد عن الأربعين سنة، ولد ونشأ في نقرة الصماعين بالقرب من مدينة بريدة، ثم انتقل إلى مدينة الرياض، وهو في سن الشباب، طلبًا للرزق، واستقر بها يزاول العمل بالتجارة.
وبعد ازدياد حاجة الناس إليه للعلاج، فرَّغ نفسه لذلك العمل احتسابًا لله عز وجل، وقد خصص مكانًا مريحًا لانتظار المرضى، وغرفة لاستقبال المريض، والكشف عليه، والاستماع إلى شكواه، وهي مجهزة بأدوات الكي.
وعيادته دائمًا مزدحمة بالمراجعين، ، وهو لا يرد من يقصده نهارًا أو ليلًا، وفي الحالات الخطرة، يذهب بنفسه إلى منزل المريض.
ويحدثنا الشيخ الصمعاني فيقول: موضوع العلاج بالكي موضوع حساس، ومتداخل، ويعتمد بشكل أساسي على الخبرة والمهارة، ولا يمكن حصره في قالب ضيق أو نطاق محدود، كما لا يمكن وصفه بكلمات، وطريقة تطبيقه متناهية الدقة، لأنه يعتمد على قوة الطبيب المعالج، ودقة ملاحظته، ومهارته في أخذ أعراض المرض من وصف المريض، ولا يخفى عليكم أن التعامل هنا مع الحديد والنار، وقد ورد ذكر الكي في بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن عندما نتعامل مع الكي فإننا نأخذ بمبدأ القول العربي (أخر الدواء الكي)، فغالب الحالات المرضية التي تعرض علينا تكون قد استكملت العلاج بالطريقة الحديثة، ونحن نؤكد على المريض بأن يستكمل جميع العلاجات التي يريدها ويستنفدها قبل أن يأتي إلينا، فإذا أتي إلينا، وجب عليه إتباع العلاج الذي ننصحه به، ونجري فحص المريض بالاستماع إليه، وتركه يصف لنا أعراض المرض، ثم نطمئنه، ونكسب ثقته، وهذه تعاليم ديننا الحنيف أن نتلطف بالمريض، ونهوِّن عليه مصيبته، وهذا أمر مهم جدًّا في العلاج.
ثم نتحسس (نجس) عروقه، ونفحص عينيه ولسانه، على حسب الحاجة، وعلى حسب نوع المرض، ولا نُقْدِم على كي المريض، إلا إذا رأينا أنه سيستفيد، بإذن الله، من عملنا، وعندها نُعَيِّن مكان الكي، ثم نحمي أداة الكي المناسبة على النار حتى الإحمرار، ثم نلمس بها المكان المحدد لمسة خفيفة، بطريقة لا تحدث تشويهًا للمريض.
ومن الأمراض التي نقوم بعلاجها، الشلل النصفي، والشلل الكامل، والهذيان والنسيان والتوتر العصبي وشلل الوجه، وآلام الرِّجل (وهي متعددة) والصرع والربو والنوط والبواسير والنواسير والصفار والغرغرينا والنزيف (وهو أنواع) وخروج سوائل غريبة من الأعضاء التناسلية وآلام اليد وآلام الظهر، وهذه الأمراض كلها نعالجها بالكي، والتكميد، والحمية، أو بأحدها.
ومعرفة الطبيب بالمناطق الخطرة، التي قد يسبب كيها تعطيل عضو، أو توقفه، أو قد يسبب العقم - لا قدر الله - تجعله يجتهد مع المريض في الحالات النادرة، ومن ثم يُقْدِم على علاج المريض متحريًا له الشفاء، ولو أصر المريض على كي موضع معين، ونحن نعلم أن عليه خطرًا منه، فإننا لا نوافقه إطلاقًا، وقد جاءني شخص عنده ألم شديد جدًّا في عينه التي فقدت الإبصار، وقال: لو سمحت إلخَسْها (أي أكو العرق الذي يميتها) وألحَّ بطلبه إلحاحًا شديدًا، ورفضت وقالت له: اتركها لعل الله يعيدها إلى حالتها الأولى، وعمومًا ليس هناك أوقات محددة للكي، بل جميع الأوقات مناسبة.
ويذكر الشيخ الصمعاني في حديثه بعض الطرائف التي صادفها خلال رحلته الطويلة مع العلاج الشعبي، فيقول: في يوم من الأيام أتاني شخص في ساقه جرح متعفن، ويشتكي من ألم شديد في رجله، وأنه من شدة الألم لا يستطيع النوم، وذكر أنه عرضها للعلاج ولم يحصل الشفاء.
ولما فحصت الجرح وجدته عميقًا داخل الساق، وله رائحة نتنة، فخطر ببالي خاطر، فقلت له: إذهبْ واصطد رخمة (نوع من الطيور التي تأكل الجيف برقاء اللون) من عند المسلخ، وخذ قانصتها وافتحها وضعها على فتحة الجرح حتى الصباح، ثم راجعني اليوم التالي، ففعل. ولما جاءني قال: خرج من جرحي بعض الديدان، ونمت قليلًا، قلت له: اذهب واصطد رخمة ثانية وثالثة، وطبق نفس الأمر في كل يوم، وجاءني في اليوم الثالث وقال: خرج قليل من الديدان في اليوم الثاني، أما في اليوم الثالث فلم يخرج شيء، وأنا أنام على خير ما يرام، وقلت له: الحمد لله لقد شفاك الله، خذ بعض المطهرات، وطهر جرحك، وفعلًا بعد مدة قابلني، وهو بخير، وسألني كيف استدلّيت على هذه الوصفة؟ فقلت له: حيث إن الرخمة تأكل الجيف فلابد أن قانصتها فيها
رائحة كريهة جدًّا، فإذا وضعناها على جرحك فإن الديدان التي في الساق سوف تشم الرائحة النتنة الصادرة من القانصة التي هي أقوى نتنًا من الجرح وسوف تتجه إلى القانصة بدلًا من بقائها في الساق وعندها يمكن التئام الجرح.
جاءني في أحد الأيام رجل صحته جيدة، قوي الجسم والبنية، وكان لا يستطيع رفع يده إلى أعلى من مستوى كتفه مع وجود آلام، وقال: عالجني، وبعد فحصه قلت له: نكويك مع الرأس، فثار وغضب غضبًا شديدًا، وقال: مشكلتي في يدي وتقول نكوي رأسك! أنت ما تفهم أي شيء، ثم خرج من عندي، ولحقته عند الباب وقلت له: طال الزمان أو قصر، علاجك مثل ما قلت لك، وهذه براءة الذمتي، فانصرف، وبعد مدة طرق عليّ الباب، فلما فتحت له إذا بصاحبي يسلم علي، ويعتذر مني عما سلف، ويطلب مني معالجته، وفعلًا كويته وشفاه الله.
وما يروى عنه أنه جاء إليه، في دكانه بالرياض، رجل سلَّم عليه، وقال ............ سعود إلى جدة، لمعالجة مريض هناك، فترك دكانه مفتوحًا، وكلَّف جاره بإغلاقه، وتسليم المفاتيح إلى ولده في البيت، وسافر، ووقف على علة المريض، وكان يحتاج إلى كي، وقام بكيه، وشفي المريض، وعلم الملك بشفاء المريض، فأعطى الطبيب الصمعاني مائتي جنية ذهبًا فاعتذر عن عدم أخذها، وشكر الملك وقال: إنه يعيش من تجارته، وأنه لا يأخذ أجرًا على العلاج، فأكبر الملك سعود روح الرجل، وطيب نفسه، وأمر بترحيله إلى أهله بالرياض مكرمًا معززًا.
وقد تعلم الصمعاني هذه المهنة بالوراثة، والفراسة، والممارسة الذاتية، ويقدر الشيخ الصمعاني المستشفيات ولا يقلل من دور الطب الحديث بأي حال من الأحوال، بل على العكس، ينصح المريض بمراجعة المستشفى، واستكمال
جميع العلاجات الممكنة، قبل أن يبدأ معه بالعلاج الشعبي، كما أن هناك تعاونًا، وروابط مهنية، بينه وبين بعض الأطباء الشباب المتخصصين العاملين بالمستشفيات، وهو وإياهم يسعون لمصلحة المريض، وتخفيف معاناته، وذلك بتقديم ميزات الطب الشعبي.
وقد اهتم ابنه ناصر بتعلم المهنة ومزاولتها، تحت إشراف أبيه، بشغف ورغبة واحتساب، وعلى الرغم من استمراره وانشغاله في دراسته الجامعية، برع في إدراك سِرّ المهنة، حتى إنه يستطيع معالجة المرضى بنفسه، وتوريث المهنة للأبناء شيء طيب ومهم يحميها من الانقراض، ويسهم في استفادة المرضى منها.
قال صالح بن علي بن سالم الزهراني: حدثنا ابنه علي بن صالح الزهراني فقال: ولد الشيخ صالح في سنة 1330 هـ في. . . . فأصبح إمامًا للقرية، ولما كان والده مهتمًا بتجبير الكسور فقد برع هو بذلك إلى حد كبير، وقد عرف عنه أنه أجرى عدة عمليات جراحية مهمة منها إنقاذ ساق قرر الأطباء بترها بعدما أصيبت بقنبلة.