الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل، فيكون في ذلك عظة لمن أراد أن يتذكر ما يجب عليه، ويتفكر في آلاء الله وعجائب صنعه، ويشكر ربه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
جاء في الحديث الصحيح لدى الشيخين: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل» . وقال أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب، وقد فاتته قراءة القرآن بالليل: «يا ابن الخطاب، لقد أنزل الله فيك آية وتلا:
ما فاتك من النوافل بالليل، فاقضه في نهارك، وما فاتك من النهار فاقضه في ليلك». وروى أبو داود الطيالسي عن الحسن أن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى، فقيل له: صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، فقال: إنه بقي عليّ من وردي شيء فأحببت أن أتمه، أو قال: أقضيه، وتلا هذه الآية:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً} .
وهذه الآية وما قبلها من أدلة قدرة الله تعالى ووحدانيته ووجوده.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يلي:
1 -
إن مما يثير العجب والدهشة أن الله تعالى بعد أن عدد النعم وبيّن كمال قدرته، وجد المشركين باقين على إشراكهم به من لا يقدر على نفع ولا ضرر، بسبب جهلهم وعنادهم، وشأن الكافر أنه معين للشيطان على المعاصي.
2 -
لا سلطان للرسول صلى الله عليه وسلم في مجال الإيمان والطاعة على أحد، وإنما تقتصر مهمته على تبشير من أطاعه بالجنة، وإنذار من عصاه بالنار، يفعل ذلك بمحض الإخلاص وحب الخير للناس، دون أن يطلب على التبليغ والإنذار أو الوحي والقرآن أجرا ولا جزاء ولا شكورا.
لكن باب التنافس في القربات والمبادرة إلى الخيرات مفتوح على مصراعيه، فمن أراد أن ينفق من ماله في سبيل الله من جهاد وصدقات وغيرها فليفعل.
3 -
على الرسول صلى الله عليه وسلم وكل مؤمن بعد اتخاذ الأسباب والوسائط أن يتوكل على الله الحي الذي لا يموت. والتوكل: اعتماد القلب على الله تعالى في كل الأمور، وأن الأسباب وسائط أمر بها من غير اعتماد عليها. ويجب تنزيه الله تعالى عما يصفه الكفار به من الشركاء، فيقول الواحد: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم أستغفر الله، كما ورد في المأثور. والتسبيح: التنزيه.
وحسبك أيها الإنسان أن الله عليم بكل شيء من أمورك ظاهرها وباطنها، فيجازيك عليها خيرا أو شرا.
4 -
إن الله تعالى هو الحي الدائم الباقي الذي لا يموت ولا يفنى، وهو عالم بجميع المعلومات، قادر على كل الممكنات.
5 -
الله سبحانه هو خالق كل شيء، خلق جميع السموات في ارتفاعها واتساعها، وخلق جميع الأرضين في سفولها وكثافتها. وقد أتم خلق السماء والأرض في ستة أيام لتعليم الناس التثبت والتروي والتؤدة. وخلق العرش واستوى عليه استواء يليق بجلاله وكماله وعظمته، وما على الجاهل إلا أن يسأل خبيرا بالله من رسول أو عالم، ثم يتبعه ويقتدي به.
قال الرازي في تفسير قوله: {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} : الاستقرار غير جائز؛ لأنه يقتضي التغير الذي هو دليل الحدوث، ويقتضي التركيب والبعضية، وكل ذلك على الله محال، بل المراد: ثم خلق العرش ورفعه على السموات، وهو مستول، كقوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ} [محمد 31/ 47] فإن المراد حتى يجاهد المجاهدون ونحن بهم عالمون. وليس خلق العرش بعد خلق السموات؛
لقوله تعالى: {وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} [هود 7/ 11] وكلمة {ثُمَّ} ما دخلت على خلق العرش، بل على رفعه على السموات.
6 -
استبد العناد والاستكبار بالمشركين أنه إذا طلب منهم السجود للرحمن، قالوا على جهة الإنكار والتعجب: وما الرحمن؟ أي ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون: مسيلمة الكذاب، أنسجد لما تأمرنا أنت يا محمد؟ وزادهم هذا الأمر نفورا عن الدين، ومن شأنه حملهم على الفعل والقبول. كان سفيان الثوري يقول في هذه الآية: إلهي زادني لك خضوعا ما زاد عداك نفورا.
7 -
من أدلة قدرة الله تعالى ووحدانيته: جعله في السماء بروجا، أي منازل للكواكب العظام كالزّهرة والمشتري وزحل والسماكين ونحوها، وجعله فيها الشمس ضياء والقمر نورا ينير الأرض إذا طلع، وجعله الليل والنهار في تعاقب دائم في الضياء والظلام والزيادة والنقصان، لا عبثا وإنما ليتذكر المقصر تقصيره والمسيء إساءته، فيصلح ما بدر منه، ويشكر الله تعالى على نعمه عليه في العقل والفكر والفهم. قال عمر بن الخطاب وابن عباس والحسن: معناه من فاته شيء من الخير بالليل أدركه بالنهار، ومن فاته بالنهار أدركه بالليل.
ففي الليل دعة وسكون وهدوء يستدعي التذكر، وفي النهار حركة وتصرف وانشغال قد يشغل عن التذكر، أو يكون سببا لتذكر ما مر من الليل بالنوم، فيستدرك المؤمن ما فاته في أحدهما من الخير في وقت الآخر، فهما وقتان للمتذكرين والشاكرين، والله يتقبل عمل الليل وعمل النهار، فهو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
ثم إن سكون الليل والتصرف بالنهار نعمة تستحق الشكر، كما قال تعالى:
{وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص 73/ 28].