الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل هذه القصص من التاريخ الغابر دليل على أن محمدا رسول الله، وأنه يتلقى القرآن من لدن حكيم عليم، وإنذار وتهديد لكل كافر أو مشرك.
التفسير والبيان:
{لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ، فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ} أي وتالله لقد بعثنا إلى قبيلة ثمود العربية أخاهم في النسب والقبيلة بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له، فانقسموا فريقين: فريق مؤمن مصدق برسالته وبما جاء به من عند ربه، وفريق كافر مكذّب بما جاء به.
وأصبح الفريقان يتجادلان ويتنازعان في الدين، كل فريق يقول: الحق معي، وغيري على الباطل، كما قال تعالى:{قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ؟ قالُوا: إِنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ} [الأعراف 75/ 7 - 76].
{قالَ: يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} ؟ أي قال صالح:
يا قومي، لم تطلبون أو تتعجلون نزول العقاب أو العذاب قبل أن تطلبوا من الله رحمته أو ثوابه إن عملتم بما دعوتكم إليه وآمنتم بي، والمقصود: أن الله مكنكم من التوصل إلى رحمة الله تعالى وثوابه بالإيمان، فلماذا تعدلون عنه إلى استعجال عذابه؟ وكان هذا جوابا لهم حينما توعدهم صالح عليه السلام بالعذاب إن لم يؤمنوا بالله وحده، فقالوا:{يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف 77/ 7].
{لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي هلا تطلبون من الله المغفرة وتتوبون إليه من كفركم لكي ترحموا!! لأنه إذا نزل العذاب لم تنفعكم التوبة فكان جوابهم:
{قالُوا: اِطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} أي قال قومه بغلظة وشدة: لقد تشاءمنا منك وممن آمن معك ولم نر خيرا منكم؛ إذ تتابعت علينا الشدائد، ووقع بيننا الافتراق منذ اخترعتم دينكم، وكانوا لشقائهم لا يصاب أحد منهم بسوء إلا قالوا: هذا من قبل صالح وأصحابه. قال مجاهد: تشاءموا بهم.
وهذا كما قال الله تعالى إخبارا عن قوم فرعون: {فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا: لَنا هذِهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ} [الأعراف 131/ 7].
وسمي التشاؤم تطيرا من عادة العرب بزجر الطير أي رميه بحجر ونحوه، فإن تحول يمينا تفاءلوا، وسموه السانح، وإن اتجه يسارا تشاءموا وسموه البارح.
{قالَ: طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ} أي قال صالح: شؤمكم وتفاؤلكم وما يصيبكم من شر أو خير هو قدر الله أتاكم به، وهو مكتوب عند الله، والله يجازيكم على ذلك، فهو إن شاء رزقكم، وإن شاء حرمكم. وسمي القضاء والقدر طائرا لسرعة نزوله بالإنسان. وهذا كقوله تعالى:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا: هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا: هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، قُلْ: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} [النساء 78/ 4].
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} أي بل إنكم قوم تختبرون بالطاعة والمعصية، حين أرسلني الله إليكم، فإن أطعتم أجزل الله لكم الثواب، وإن عصيتم حل بكم العقاب. وقال ابن كثير: والظاهر أن المراد بقوله: {تُفْتَنُونَ} أي تستدرجون فيما أنتم فيه من الضلال. وعلى أي حال، فإن القصد بيان أن سبب نزول الشر بهم هو عصيانهم.
ثم أخبر الله تعالى عن طغاة ثمود ورؤوسهم، وعن كون مدينة ثمود مرتع الفساد الكثير فقال:
{وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} أي وكان في مدينة ثمود وهي الحجر تسعة نفر أوغلوا في الفساد الذي لا أثر للصلاح فيه، فكانوا دعاة قومهم إلى الضلال والكفر وتكذيب صالح، وهم الذين تواطؤوا على عقر الناقة وعلى قتل صالح ومن آمن به، فقال تعالى:
{قالُوا: تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ، ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ: ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ، وَإِنّا لَصادِقُونَ} أي قال بعضهم لبعض في المشاورة بشأن صالح بعد أن عقروا الناقة: احلفوا لنباغتنه وأهله الذين آمنوا معه ليلا، فنقتلنهم، فهذا تحالف على قتل نبي الله صالح عليه السلام ليلا قتل غيلة، ثم تحالفوا على أن يقولوا لأولياء الدم أو القصاص إذا مات: ما حضرنا هلاكهم، ولا ندري من قتلهم، وإنا لصادقون في قولنا، أي إننا لم نحضر هلاك أحد الجانبين وهو أهل صالح، وإن فعلوا الأمرين معا. قال الزمخشري: وفي هذا دليل قاطع على أن الكذب قبيح عند الكفرة الذين لا يعرفون الشرع ونواهيه ولا يخطر ببالهم.
وهذا من الزمخشري على طريقة المعتزلة في أن العقل يدرك الحسن والقبح قبل الشرع، والكذب قبيح عقلا.
وكان تآمرهم على قتل صالح بعد أن توعدهم على عقرهم الناقة فقال لهم:
{تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود 65/ 11].
ولكن الله كادهم وأحبط مؤامرتهم وجعل الدائرة عليهم، فقال:{وَمَكَرُوا مَكْراً، وَمَكَرْنا مَكْراً، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي ودبروا مؤامرة وكادوا كيدا خفيا، ولكنا جازيناهم وأهلكناهم، وعجلنا لهم العقاب، دون أن يشعروا بمجيئه، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
{فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} أي فتأمل أيها الرسول وكل سامع كيف كان مصير تأمرهم أنا أهلكناهم وقومهم جميعا، ولم نبق أحدا منهم إلا الذين آمنوا بصالح عليه السلام.