الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والغلبة، وإنذارا للمشركين من تكذيبه، حتى لا يهلكوا كما أهلك المكذبون السابقون، أردفه ببيان ما يدل على نبوته صلى الله عليه وسلم من تنزيل القرآن المعجز على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم. كذلك لتتناسب خاتمة السورة مع فاتحتها التي افتتحت بالحديث عن إعراض المشركين عما يأتيهم من الذّكر:{وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ، فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} [5 - 6].
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن خواص الكتاب الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه وحي من عند الله، بلسان عربي، وللدلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، وذلك من وجهين:
الدليل الأول:
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} أي إن القرآن الذي تقدم ذكره في أول السورة:
{وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ} هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لفصاحته كان معجزا، فكان تنزيله من ربّ العالمين، كما أن فيه إخبارا عن القصص الماضية من غير تعليم، وذلك لا يكون إلا بوحي من الله تعالى. نزل به جبريل الأمين على الوحي والرسالة، ذو المكانة عند الله، المطاع في الملأ الأعلى، على قلبك أي على روحك المدركة الواعية، وفهمك إياه، سالما من الدنس والزيادة والنقص، لتنذر به قومك والعالم كله بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه، وتبشر به المؤمنين المتبعين له بالجنة والنعيم المقيم في الآخرة، وكان إنزاله باللسان العربي الفصيح الكامل الشامل، ليكون بيّنا واضحا قاطعا للعذر، مقيما للحجة، دليلا على الحق، هاديا إلى الرشاد، مصلحا أحوال العباد.
وقوله {عَلى قَلْبِكَ} دليل على أن القرآن محفوظ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم متمكن منه، وثابت في وعيه؛ لأن القلب موضع التمييز، ومركز الحواس الروحية، ومحل الإدراك والوعي، كما قال تعالى:{إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق 37/ 50]، و
قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الصحيحان: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» . وندد تعالى بأن قلوب الكفار مغلقة، فقال:{أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} [محمد 24/ 47]، وقال:{فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج 46/ 22].
وقوله: {بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} توبيخ للمشركين في مكة وتقريع لهم وتحريض على الإيمان به، فإنهم كذبوه لا لعسر فهمه، فهو بلغتهم، وإنما بسبب العناد والاستكبار والأنفة.
وقوله: {مِنَ الْمُنْذِرِينَ} يدخل تحت الإنذار الدعاء إلى كل واجب من علم وعمل، والمنع من كل قبيح؛ لأنه في كلا الحالين يوجد الخوف من العقاب.
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} أي وإن ذكر هذا القرآن والتنويه به لموجود في كتب المتقدمين المأثورة عن أنبيائهم الذين بشروا به في قديم الدهر وحديثه، عملا بالميثاق الذي أخذ به عليهم، وعبر عنه آخرهم وهو عيسى مبشرا بأحمد:{وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: يا بَنِي إِسْرائِيلَ، إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ، وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف 6/ 61] والزبر هنا: هي الكتب، وهي جمع زبور، ومنها زبور داود أي كتابه. وكذلك جميع الكتب السابقة المنزلة على الأنبياء بشرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأنه سينزل عليه قرآن يشهد بصدقها، ويهيمن عليها:{وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ، وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ} [البقرة 2/ 89]. وقال سبحانه أيضا: {وَأَنْزَلْنا