الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
يبدأ الله تعالى القصة من بدء بعثة موسى بن عمران عليه السلام وتكليم ربّه له ومناجاته إياه من جانب الطور الأيمن، فيقول:
{وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ، قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} أي، اذكر يا محمد لقومك حين نادى الله موسى من جانب الطور الأيمن بالوادي المقدس طوى، وكلمه وناجاه، وأرسله واصطفاه، وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه القوم الظالمين أنفسهم بالشرك واستعباد بني إسرائيل وذبح أولادهم، فيدعوهم إلى عبادة الله وحده، وتخلّيهم عن فكرة تأليه فرعون.
وقال الله لموسى تعجيبا من حالهم: ألا يتقونني، ألا يخافون بطشي وانتقامي في الآخرة، ويحذرون عصياني وعذابي على كفرهم وبغيهم. وقوله:
{أَلا يَتَّقُونَ} كلام مستأنف، أتبعه تعالى إرساله إليهم للإنذار وتسجيل الظلم عليهم، وأمنهم العواقب وقلة خوفهم.
والنداء الذي سمعه موسى عليه السلام من الله تعالى هو كلام الله القديم المنزه عن مشابهة الحروف والأصوات، مع أنه مسموع، على رأي أبي الحسن الأشعري.
وقال أبو منصور الماتريدي: الذي سمعه موسى عليه السلام كان نداء من جنس الحروف والأصوات
(1)
.
{قالَ: رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ، وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي} أي قال موسى مجيبا ربّه: يا ربّ، إني أخشى تكذيبهم لي، فأحزن ويضيق صدري تأثرا وتألما بما يعملون، ولا ينطلق لساني بما يجب علي من أداء الرسالة، بل أتلعثم، وأخي هارون أفصح مني لسانا، وأقوى بنيانا.
(1)
تفسير الرازي: 121/ 24
{فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ} أي فاجعل هارون نبيا مثلي، أو أرسل جبريل عليه السلام له بالوحي ليكون معي نبيا ورسولا، يؤازرني ويعاضدني، فتتحقق أعباء الرسالة على الوجه الأكمل. وسبب آخر هو:
{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} أي ولهم آل القبط علي تبعة جرم بقتل قبطي خطأ قبل الرسالة أدى إلى خروجي من مصر، فأخاف إن كنت وحدي أن يقتلوني بسبب ذلك، وحينئذ لا يحصل المقصود من البعثة، وأما هارون فليس متهما بشيء، فيتحقق المقصود من البعثة. وهذا إيماء إلى أن الخوف قد يطرأ على الأنبياء كما يطرأ على غيرهم من البشر، وقد وقع مثل هذا لنبينا، حتى طمأنه الله بقوله:{وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} [المائدة 67/ 5].
والخلاصة: هذه أعذار سأل الله إزاحتها عنه، وأسباب لبعثة هارون معه إلى فرعون وقومه، بدأ بخوف التكذيب من فرعون وملئه، ثم ثنّى بضيق الصدر تأثرا وتألما، ثم ثلّث بعدم انطلاق اللسان، وأما هارون فهو أفصح لسانا، وأهدأ بالا، ثم ربّع بوجود تبعة الذنب وهو جرم القتل خطأ قبل النبوة، فخاف أن يبادروا إلى قتله، فيفوت أداء الرسالة ونشرها. ويجمع مطالبه أمران: طلب دفع السوء أو الشر أو التقصير عنه، وإرسال هارون معه.
فأجابه الله إليها فقال:
{قالَ: كَلاّ، فَاذْهَبا بِآياتِنا، إِنّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} أي قال الله له:
ارتدع يا موسى عما تظن، ولا تخف من شيء، فإنهم لا يقدرون على قتلك، وأجابه إلى المطلب الثاني بقوله:{فَاذْهَبا} أي اذهب أنت وأخوك الذي طلبته وهو هارون إلى فرعون وملئه بآياتنا ومعجزاتنا الدالة على صدقكما، وأنا ناصركما ومعينكما، كما قال تعالى:{لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى} [طه 46/ 20] أي إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي، وقوله:{إِنّا} يريد