الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحساب في نصف نهار، كما ورد في الحديث: أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
المناسبة:
هذا هو موضوع الشبهة الرابعة للمشركين منكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومكذبي القرآن، ومفادها: لم لم ينزل الله الملائكة حتى يشهدوا أن محمدا محقّ في دعواه، أو نرى ربنا حتى يخبرنا بأنه أرسله إلينا.
والشبهات الثلاث المتقدمة لهم: هي قولهم: {إِنْ هَذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَراهُ} وما حكي عنهم: {وَقالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها} وذكرهم خمس صفات للرسول، زعموا أنها تخل بالرسالة، منها قولهم:{مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ} إلخ.
التفسير والبيان:
هذا موقف عجيب من مواقف تعنت الكفار في كفرهم وعنادهم، صوره القرآن بقوله تعالى:
{وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا} أي وقال المشركون الذين ينكرون البعث والثواب والعقاب: هلا أنزل علينا الملائكة كما تنزل على الأنبياء فنراهم عيانا، فيخبرونا بأن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق في دعواه النبوة، أو نرى ربنا جهارا نهارا، فيخبرنا بأنه أرسله إلينا، ويأمرنا بتصديقه واتباعه، كقولهم في آية أخرى:{أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً} [الإسراء 92/ 17] والحقيقة أنهم لا يرومون من كلامهم هذا إلا المكابرة والتمادي في الإنكار والعناد، لذا قال تعالى:
{لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً} أي والله لقد تكبروا وأضمروا الاستكبار عن الحق، وهو الكفر والعناد في قلوبهم واعتقدوه كما قال سبحانه:{إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ، ما هُمْ بِبالِغِيهِ} [غافر 56/ 40] وتجاوزوا
الحد في الظلم والكفر تجاوزا بلغ أقصى الغاية، فهم لم يجسروا على هذا القول الشنيع إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو.
ولن يؤمنوا في الحقيقة والواقع، كما قال تعالى في آية أخرى:{وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} [الأنعام 111/ 6].
ثم أخبر الله تعالى مهددا عن حال رؤيتهم الملائكة، فقال:
{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ، لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ، وَيَقُولُونَ: حِجْراً مَحْجُوراً} أي هم لا يرون الملائكة في حال خير، وإنما في حال شر وسوء، فإنهم سيرونهم عند الموت أو يوم القيامة قائلين لهم: لا بشرى لهم بخير، ولا مرحبا بهم، وتبشرهم الملائكة بالنار وغضب الجبار، وتقول لهم:{أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ، وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام 93/ 6].
ويقول الكفار: حجرا محجورا، أي استعاذة وطلبا من الله أن يمنع عنهم الخطر والضرر، والمقصود أنهم يتعوذون من الملائكة. قال ابن كثير: وهذا القول، وإن كان له مأخذ ووجه، ولكنه بالنسبة إلى السياق بعيد، لا سيما وقد نص الجمهور على خلافه. وإنما هذا من قول الملائكة لهم، يراد به: حرام محرم عليكم البشرى بالمغفرة والجنة، وبما يبشر به المتقون، وحرام محرم عليكم الفلاح اليوم.
وهذا بخلاف حال المؤمنين وقت احتضارهم، فإنهم يبشرون بالخيرات، وحصول المسرات؛ قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا: رَبُّنَا اللهُ، ثُمَّ اسْتَقامُوا، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ، وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ، وَلَكُمْ فِيها
ما تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت 30/ 41 - 32] وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب:«إن الملائكة تقول لروح المؤمن: اخرجي أيتها النفس الطيبة في الجسد الطيب، إن كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان، وربّ غير غضبان» .
ثم أخبر الله تعالى عن إحباط أعمال الكفار الخيرية التي كانوا يعتزون بها في الدنيا كالإكرام والصدقة وفك الأسير وإنقاذ الملهوف وحماية المستجير وخدمة البيت الحرام والحجيج، فقال:
{وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} أي قصدنا يوم القيامة إلى محاسن أعمال هؤلاء الكفار في الدنيا، حين حساب العباد على ما عملوه من الخير والشر، تلك الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم، كالتي ذكرت، فجعلناها مبددة لا نفع فيها ولا خير كالغبار المتناثر الذي لا جدوى فيه ولا فائدة، لفقد الشرط الشرعي لقبولها وهو إما الإخلاص فيها لله، وإما المتابعة لشرع الله، فكل عمل لا يكون خالصا لوجه الله الكريم، وليس على منهج الشريعة المرضية لله، فهو باطل، وأعمال الكفار تفقد أحد الشرطين أو كليهما، فتكون أبعد عن القبول.
ثم قارن الله تعالى حال هؤلاء الكفار بحال المؤمنين فقال:
{أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} أي إن حال أهل الجنة خير مأوى ومنزلا، وأتم استقرارا، وأفضل راحة من حال المشركين في النار.
والمستقر: مكان الاستقرار، والمقيل: زمان القيلولة. وهذا إشارة إلى أنهم من المكان في أحسن مكان، ومن الزمان في أطيب زمان. وبما أنه لا خير في النار، فيكون المراد من قوله تعالى:{خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا.} . هو ما أريد من قوله: {أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} وهو التقريع والتوبيخ، كما إذا أعطى السيد خادمه