الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
هذه قصة أخرى كسابقاتها للعبرة والعظة، هي قصة لوط بن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام، بعثه الله تعالى إلى أمة عظيمة في عهد إبراهيم، تسكن من قطاع الأردن سدوم وأعمالها التي أهلكها الله وهي عمورة وثلاثة مدن أخرى، وجعل مكانها بلاد الغور المتاخمة لجبال بيت المقدس، والمحاذية لبلاد وجبال الكرك والشوبك، والمجاورة للبحر الميت «بحيرة لوط» فدعاهم إلى عبادة الله عز وجل وحده، لا شريك له، وأن يطيعوا رسولهم الذي بعثه الله إليهم، ونهاهم عن معصية الله، وارتكاب ما ابتدعوه من الفواحش، مما لم يسبقهم إليه أحد من العالمين، من إتيان الذكور دون الإناث.
التفسير والبيان:
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ: أَلا تَتَّقُونَ؟ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ، وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ} أي إن قوم لوط كذبوا نبيهم المرسل إليهم؛ ومن كذّب رسولا فقد كذب جميع المرسلين، حين قال لهم لوط عليه السلام: ألا تتقون عذاب الله بترك معاصيه، فإني رسول لكم مؤتمن على تبليغ رسالته، فاتقوا الله بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وأطيعوني فيما آمركم به من عبادة الله وحده، وإتيان النساء بالزواج وما أنهاكم عنه من ارتكاب الفواحش، ولا أطلب منكم أجرا أو جزاء على تبليغ رسالتي، فما جزائي إلا على الله رب الإنس والجن وجميع العوالم في الأرض والسماء.
ثم وبخهم وقرعهم وأنكر عليهم ظاهرة الفحش الشنيعة قائلا: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ، وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ} أي كيف تقدمون على شيء شاذ جدا، أترتكبون هذه المعصية الشنيعة؟ وهو إتيان
الذكور من الناس، وهو كناية عن وط ء الرجال، وكانوا يفعلون ذلك بالغرباء، وسماه الله تعالى فاحشة، فقال:{أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ} [الأعراف 80/ 7] وتتركون إتيان نسائكم اللاتي جعلهن الله للاستمتاع الطبيعي بهن، كما قال تعالى:{فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة 222/ 2].
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ} أي لكن أنتم قوم متجاوزون الحد في الظلم وفي جميع المعاصي، ومنها هذه الفعلة الشنيعة.
وقوله: {بَلْ} إضراب، بمعنى الانتقال من شيء إلى شيء، لا أنه إبطال لما سبق من الإنكار عليهم وتقبيح أفعالهم. والمراد: بل أنتم أحق بأن توصفوا بالعدوان، حيث ارتكبتم مثل هذه الفاحشة.
ولما نهاهم عن هذا الفعل القبيح توعدوه وهددوه:
{قالُوا: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} أي قال قوم لوط له:
لئن لم تنته عن دعواك النبوة، وعن الإنكار علينا فيما نأتيه من الذكور، وهو ما جئتنا به، لنطردنك وننفينك من هذه البلدة التي نشأت فيها، ونبعدنك من بيننا، كما أبعدنا من نهانا قبلك، كما قال تعالى:{فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل 56/ 27].
فأجابهم بأن إبعاده لا يمنعه من الإنكار عليهم والتبرؤ منهم لما رأى أنهم لا يرتدعون عما هم فيه، وأنهم مستمرون على ضلالتهم، فقال:
{إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ} أي إني من المبغضين بغضا شديدا لعملكم، فلا أرضاه ولا أحبه، وإني بريء منكم، وإن هددتموني وأوعدتموني بالطرد. وكونه بعض القالين يدل على أنه يبغض هذا الفعل ناس غيره، هو بعضهم، وقوله:
{مِنَ الْقالِينَ} أبلغ من أن يقول: إني لعملكم قال.
وفيه تنبيه على أن هذا الفعل موجب للبغض، حتى يبغضه الناس.
ثم دعا الله بإنجائه من سوء فعلهم قائلا:
{رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمّا يَعْمَلُونَ} أي يا ربّ، خلّصني من عقوبة ما يعملون من المعاصي، ونجني من شؤم أعمالهم.
والخلاصة: أنهم لما توعدوه بالإخراج، أخبرهم ببغض عملهم، ثم دعا ربّه بالنجاة من سوء فعلهم. فأجاب الله دعاءه:
{فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ} أي فنجيناه وأهل بيته ومن آمن به جميعا ليلا من عقوبة عملهم ومعاصيهم، إلا امرأة عجوزا هي امرأته، وكانت عجوز سوء لم تؤمن بدين لوط، بقيت مع القوم ولم تخرج، فهلكت، كما قال سبحانه:{إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ} [هود 81/ 11] لأنها كانت راضية بسوء أفعالهم، وتنقل إليهم الأخبار.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ، وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً، فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} أي ثم أهلكنا القوم الآخرين الباقين الذين انغمسوا في المنكرات، وكفروا بالله الذي خلقهم، ولم يؤمنوا برسله، وأنزلنا عليهم العذاب الذي عمّ جميعهم، وأمطرنا عليهم حجارة من سجّيل منضود، فبئس هذا المطر مطر المهلكين المنذرين بالهلاك. قال قتادة: أمطر الله على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكهم.
وقال مقاتل: خسف الله بقوم لوط، وأرسل الحجارة على من كان خارجا من القرية، ولم يكن فيها مؤمن إلا بيت لوط. وقال وهب بن منبّه: أنزل الله عليهم الكبريت والنار، أي فجر الله فيها البراكين النارية. و {الْمُنْذَرِينَ} لم يرد بهم قوما بأعيانهم، إنما هو للجنس، والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم.
والخلاصة: أن عقابهم كان زلزالا شديدا جعل بلادهم عاليها سافلها، وكان