الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{قالَ: فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ} قال فرعون: فأت بهذا الشيء الذي يشهد لك، والدليل الواضح على دعوى الرسالة، فكل من يدعي النبوة عليه تأييد دعواه، ظنا منه أنه سيعارضه.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه مناظرة حاسمة في شأن إثبات وجود الله بين موسى عليه السلام وفرعون الطاغية الجبار.
يتبين منها النزعة المادية عند الماديين والملحدين، الذين يريدون رؤية الله تعالى بالعين المجردة أو لمسه بالحس المجاور، كشأن بقية المواد، لذا استفهم فرعون عن حقيقة رب العالمين، فأتى موسى عليه السلام بالصفات الدالة على الله من مخلوقاته، التي لا يشاركه فيها مخلوق؛ لأن حقيقة الله لا يدركها أحد، ولأن المادة المجسدة محدثة، والله تعالى هو خالقها وموجدها.
وكان جواب موسى الأول أن الله هو خالق السموات والأرض وما بينهما، فهو المالك والمتصرف وخالق الأشياء كلها، العالم العلوي وما فيه من الكواكب الثوابت والسيارات النيّرات، والعالم السفلي وما فيه من بحار وقفار وجبال وأشجار وحيوانات ونبات وثمار، وما بين ذلك من الهواء والطير وغيرهما.
وخلق الأشياء هو الدليل القاطع على وجود الله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ، أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل 17/ 16].
فلما أدرك فرعون عجزه عن الإيجاد والخلق، قال:{أَلا تَسْتَمِعُونَ} ؟ مستخدما أسلوب الإغراء والتعجب من غرابة المقالة التي تصادم المقرر في عقيدة القوم أن فرعون ربهم ومعبودهم، كالفراعنة المتقدمين.
ثم أتى موسى عليه السلام ثانيا بدليل يفهمونه عنه من الحس والمشاهدة التي
يطلبونها، فقال:{رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} أي أن الله خالقهم وخالق آبائهم الأوائل، فانحدارهم من آباء فنوا، ووجودهم بعد أن لم يكونوا، دليل على أنه لا بدّ لهم من مغيّر، فهم محدثون، ولا بد لهم من مكوّن وهم مخلوقون.
لم يجد فرعون جوابا، فلجأ إلى التهكم والاستخفاف واتهم موسى بالجنون؛ لأنه لا يجيب عما سأله تماما.
فأجابه موسى ثالثا بقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} أي إن الله هو مسيّر نظام الكون كله، ومحرك هذا العالم بأجمعه في نظام بديع لا يعرف الخلل والاضطراب، ومالك جميع أنحاء الأرض، أما فرعون فيملك بلدا واحدا، لا سلطان له على غيره، فهل من عقل يدرك هذا، وهل من إدراك يؤدي بهم إلى ضرورة الإيمان بصاحب الملك المطلق، وأن المالك الجزئي عبث وسفه وجنون أن يكون إلها، فمن إله بقية العالم؟ ولما هزم فرعون أمام حجة موسى، لم يجد بدا من استخدام السلطة الإرهابية، فتوعد موسى بالسجن، وذلك عين الضعف، مع أنه كما يروى كان سجنه أشد من القتل، وكان إذا سجن أحدا، لم يخرجه من سجنه حتى يموت، فكان مخوفا.
ولكن التأييد الإلهي أشد نفاذا وإرهابا وإقناعا، ولا يجدي معه توعد فرعون، ويهون أمامه كل مخاوف الدنيا، فحينئذ طلب موسى عليه السلام إثبات صدق دعواه النبوة بالمعجزة الخارقة للعادة التي لا تحدث إلا على يد نبي أو رسول بإحداث الله تعالى وإيجاده، فقبل فرعون إظهار تلك المعجزة، ظنا منه أنه سيبطلها، ويأتي بما يعارضها.