الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عما يقع يوم القيامة من تقريع الكفار في عبادتهم من عبدوا من دون الله كالملائكة وغيرهم فقال:
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ، فَيَقُولُ: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} أي واذكر أيها الرسول لأولئك المشركين يوم يجمعهم مع معبوديهم من الملائكة والمسيح وعزير والأصنام التي ينطقها الله وغيرهم من الناس كفرعون، الذين عبدوا من دون الله، فيقال لأولئك المعبودين على سبيل التقرير والتثبيت: أأنتم أوقعتم عبادي في الضلال عن طريق الحق، أو هل دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم من دوني، أم هم ضلوا عنه بأنفسهم أو عبدوكم من تلقاء أنفسهم من غير دعوة منكم لهم، كما قال الله تعالى:{وَإِذْ قالَ اللهُ: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ: اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟ قالَ: سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ، إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ، تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي، وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ} [المائدة 116/ 5].
واستعمال {ما} في قوله تعالى: {وَما يَعْبُدُونَ} لأنها موضوعة للعقلاء وغيرهم: على العموم، وفائدة {أَنْتُمْ} و {يَحْشُرُهُمْ} لأن السؤال ليس عن الفعل ووجوده؛ لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب، وإنما هو عن متوليه وفاعله، فلا بد من ذكره، ليعلم أنه المسؤول عنه. والسؤال ليس لإخبار الله، فالله سبحانه قد سبق علمه بالمسؤول عنه، ففائدته أن يجيبوا بما أجابوا به لتقريع عبدتهم بتكذيبهم إياهم، فيبهتوا وينخذلوا وتزيد حسرتهم، ويكون ذلك كشفا وافتضاحا لعبدة الأصنام والأوثان وغيرهم، ومسوغا لإلحاق غضب الله وعذابه، كما أبان الزمخشري.
وظاهر السؤال في قوله: {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ.} . من الله تعالى، ويحتمل أن يكون ذلك من الملائكة بأمر الله تعالى.
ثم أخبر الله تعالى عما يجيب به المعبودون يوم القيامة فقال:
{قالُوا: سُبْحانَكَ، ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ، وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ، وَكانُوا قَوْماً بُوراً} أي قال المعبودون بلسان المقال أو الحال على طريق التعجب مما قيل لهم: تنزيها لك يا ربّ مما نسبه إليك المشركون، ما كان يصح لنا بحال أن نتخذ أنصارا من دونك، فنحن الفقراء إليك، وليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدا سواك، فنحن ما دعوناهم إلى عبادتنا، بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا، ونحن برآء منهم ومن عبادتهم، وإذا كنا لا نرى من دونك أولياء، فكيف ندعو غيرنا إلى ذلك؟ ولكن طال عليهم العمر، وشغلوا بما أنعمت عليهم من صنوف الخيرات، واستغرقوا في اللذات والشهوات، ونسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك، وكانوا قوما لا خير فيهم، وهلكى في نهاية الأمر.
ونظير الآية: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: أَهؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ، قالُوا: سُبْحانَكَ} [سبأ 40/ 34 - 41].
فيقال للعابدين:
{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ، فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً} أي فقد كذّبكم الذين عبدتم من دون الله فيما زعمتم أنهم لكم أولياء مناصرون، وأنهم يقربونكم إلى الله زلفى، فلا يقدرون، أي الآلهة المزعومة، على صرف العذاب عنهم، ولا الانتصار لأنفسهم بأي حال أبدا، كما قال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ. وَإِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً، وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ} [الأحقاف 5/ 46 - 6].
ثم أعلن الله تعالى حكم كل ظالم، فقال: