الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإغراق الكافرين لعبرة وعظة لكل من صدق أو كذب بالرسل، وإن من سنتنا دائما إنجاء الرسل وأتباعهم، وإهلاك الذين كذبوا برسالتهم.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} أي وإن ربك الله لهو القوي الغالب المنتقم ممن كفر به وخالف أمره، الرحيم بمن أطاعه وأناب إليه وتاب، فلا يعاقبه.
فقه الحياة أو الأحكام:
الوثنية وعبادة الأصنام تقارن عادة وجود الشعوب البدائية، فهي في الغالب عقيدتهم، لذا كان نوح عليه السلام أول رسول للناس بعد ظهور هذه العقيدة. والبدائية والمادية وسخف العقل وسطحية التفكير أمور متلازمة، لذا كان الإصرار على عبادة شيء من دون الله هو الظاهرة الشائعة، وكانت مهمة الأنبياء المتقدمين عسيرة وصعبة.
فهذا نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين يدعوهم إلى توحيد الله والتخلي عن عبادة الأصنام، فكذبوه وآذوه، بالرغم من أنه أكد لهم أنه رسول أمين صادق فيما بلغهم عن الله تعالى، وقد عرفوا أمانته وصدقه من قبل، كمحمد صلى الله عليه وسلم في قريش، وبالرغم من تخويفهم من عقاب الله قائلا لهم مرة: ألا تتقون الله في عبادة الأصنام؟ ومرة: فاتقوا الله وأطيعوني أي استتروا بطاعة الله تعالى من عقابه، وأطيعوني فيما آمركم به من الإيمان، ولا طمع لي في مالكم، وما جزائي إلا على رب العالمين.
ولكن تذرعوا بشبهة واهية للبقاء على عنادهم وكفرهم، ودفعهم الغرور والاستكبار إلى الترفع عن الإيمان بسبب تصديق فئة ضعيفة برسالة نوح، ليسوا من الوجهاء ولا من الأثرياء، وإنما من طبقة المهنيين والحرفيين. وهذا قول الكفرة، فإن تعلم الصناعات مما رغب به الدين، وليست الحرفة عيبا، وإنما هي
شرف وعزة، يستغني بها الإنسان عن الآخرين، فلا يفهمن أحد خطأ أن الدين ينتقص من قدر هؤلاء، وإنما الذي انتقصهم هم الأغنياء المترفون.
ويؤكد ذلك جواب نوح عليه السلام لهم وهو: {قالَ: وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي إنني لم أكلف العلم بأعمالهم، إنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان، والاعتبار بالإيمان، لا بالحرف والصنائع، وليس للحرفة أو الصنعة تأثير في ميزان الدين، وكذلك النظر في الدعوة إلى الله إلى الظاهر، لا إلى الباطن.
ثم أجابهم بجواب آخر: {إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} أي لو شعرتم أن حسابهم على ربهم، لما عبتموهم بصنائعهم.
وجواب ثالث: {وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} أي لخساسة أحوالهم وأشغالهم كما تتصورون، وكأنهم طلبوا منه طرد الضعفاء، كما طلبته قريش. {إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ} أي إن الله ما أرسلني أخص ذوي الغنى دون الفقراء، إنما أنا رسول للناس جميعا، أبلغكم ما أرسلت به، فمن أطاعني فذلك السعيد عند الله، وإن كان فقيرا.
ولما تغلب نوح عليه السلام على قومه بالحجة العقلية والمنطق الصريح، لجؤوا إلى التهديد شأن كل العتاة، فقالوا:{قالُوا: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} أي لئن لم تنته عن سب آلهتنا وعيب ديننا لنقتلنك بالحجارة، أو لنسبنك ونشتمنك. قال الثّماليّ: كل «مرجومين» في القرآن فهو القتل إلا في مريم: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} [46/ 19].
وبعد أن يئس من إيمانهم، دعا عليهم بالعذاب، طالبا حكم الله العدل فيهم، فأنجاه ومن معه من المؤمنين في السفينة المملوءة بالناس والدواب وغير ذلك، ثم أغرقهم الله أجمعين.
إن في ذلك لآية وأي آية، وعبرة وعظة، وكان أكثرهم كافرين، والله هو القادر المنتقم من كل مكذّب بالله ورسله، رحيم بمن آمن وأطاع.