الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً} أي وكفى بالله ربك هاديا لك إلى الحق، وهاديا من اتبعك وآمن بكتابك وصدقك إلى مصالح الدين والدنيا، وناصرك على أعدائك في الدنيا والآخرة.
وقد قرن الله تعالى بين الهداية والنصر؛ لأن الأولى سبيل لتحقيق نصر المؤمنين على الكافرين، وكان المشركون يصدون الناس عن اتباع القرآن لئلا يهتدي أحد بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولتغلب طريقتهم طريقة القرآن، وللحفاظ على قوة التفوق والغلبة، وإبقاء ميزان القوى راجحا في صالحهم.
الشبهة الخامسة لمنكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم:
بعد بيان شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم قومه إلى ربه، حكى الله تعالى شبهة أخرى للمشركين أهل مكة فقال:
{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً} أي أضاف المشركون أهل مكة لطعنهم السابق في القرآن بأنه إفك مفترى وأنه أساطير الأولين، أضافوا شبهة أخرى هي قولهم: إذا كنت تزعم أنك رسول من عند الله، أفلا تأتينا بالقرآن جملة واحدة، كما أنزلت التوراة جملة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود؟ ومعنى الآية: لو كان القرآن من عند الله حقا، فهلا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم جملة واحدة، كما نزلت الكتب الإلهية المتقدمة.
فأجابهم الله تعالى عن ذلك بقوله:
{كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً} أي أنزلناه كذلك مفرقا، وأتينا به شيئا بعد شيء وقرأناه على لسان جبريل في مدى ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث وما يحتاج إليه من الأحكام.
والحكمة أو الفائدة من ذلك متنوعة وكثيرة أهمها ما يأتي
(1)
:
أ-تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بشريعة الله، والعون على حفظ القرآن وفهمه، وتطبيق أحكامه بنحو دقيق وشامل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا، وكانت أمته أمية، لا يعرفون القراءة والكتابة، فلو نزل القرآن جملة واحدة، لصعب عليهم ضبطه، وجاز عليهم السهو والغلط. ثم إن مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم جبريل وقتا بعد وقت مما يقوي عزيمته، ويحمله على الصبر في تبليغ الرسالة وتصحيح المسيرة، والصمود في وجه التحديات واحتمال أذى قومه، ومتابعة جهاده.
ب-دفع الحرج عن المكلفين بتكليفهم بأحكام كثيرة مرة واحدة: فلو طولب المؤمنون بتحمل أعباء الشريعة دفعة واحدة، فربما وقعوا في الحرج والمشقة، وصار التنفيذ أمرا صعبا غير سهل ولا يسير.
ج -مراعاة مبدأ التدرج في التشريع: فقد كانت العادات والتقاليد الموروثة، والأعراف العامة مسيطرة في بيئة العرب وغيرهم من الأمم، فلو طولبوا بالإقلاع عما تحكمت فيهم العادات، لنفروا وأعرضوا وقالوا جميعا:
لا نترك هذا الأمر، فكان من الحكمة والمصلحة والنجاح في التربية، وتغيير تلك العادات المستحكمة أو المألوفة أن ينزل القرآن منجّما، ويتدرج في الأحكام من مرحلة إلى أخرى، تتهيأ بها النفوس لقبول الحكم النهائي.
د-معالجة الوقائع والطوارئ والأحداث وإجابة الأسئلة بما هو الأنسب والأوفق: فلو كان التشريع دفعة واحدة، سواء فيما يتعلق بحالة السلم أو حالة الحرب، لانكشفت الخطة، ودبر الأعداء المكايد لتحقيق الغلبة على المسلمين، وهان على أهل الحيلة والمكر التشكيك في مدى صلاحية حكم تشريعي ما.
ثم أبان تعالى تأييد نبيه بالوحي وإبطال حجج المشركين فقال:
(1)
انظر وقارن تفسير الرازي: 79/ 24
{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} أي لا يأتيك هؤلاء المشركون المعاندون بحجة أو شبهة، ولا يقولون قولا يعارضون به الحق، والتشكيك في نبوتك إلا أجبناهم بما هو الحق الثابت الذي يدحض قولهم، ويبطل حجتهم، ويكون أصدق في الواقع، وأبين وأوضح وأفصح مما يقولون، كما قال تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ، فَإِذا هُوَ زاهِقٌ} [الأنبياء 18/ 21].
وبعد وصف القوم المتعنتين رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوصاف كاذبة، أورد الله تعالى وصفهم يوم القيامة بما يدل على سوء حالهم في معادهم وحشرهم إلى جهنم في أسوأ الحالات وأقبح الصفات، فقال:
{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ، أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً} أي إن أولئك المشركين المفترين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين يسحبون على وجوههم إلى جهنم إذلالا وخزيا وهوانا، ويساقون إليها بالسلاسل والأغلال، هم شر مكانا وهو جهنم من أهل الجنة، وأضل سبيلا وطريقا عن الحق.
والمقصود منه الزجر عن طريقهم، كما في قوله تعالى المتقدم:{أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} فلا يراد من ذلك المفاضلة، وإنما بيان سوء حال أهل النار، وحسن حال أهل الجنة، ولفت نظر الكفار إلى أن مكانهم شر من مكان المؤمنين، وسبيلهم أضل من سبيل المسلمين.
جاء في صحيح البخاري عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال:«إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة» .
وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفا مشاة، وصنفا ركبانا، وصنفا على وجوههم،