الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمَة الإمام محمّد الخضر حسين
الحمد لله الذي جعل العربية أشرف لسان، وأنزل كتابه المحكم في أساليبها الحسان. والصلاة والسلام على أفصح العرب لهجة، وأبلغهم حجة، وأقوم الدعاة إلى الحق محجَّة، وعلى آله الأمجاد، وصحبه الذين فتحوا البلاد، ونشروا لغة التنزيل في الأغوار والأنجاد، وحببوها إلى الأعجمين حتى استقامت ألسنتهم على النطق بالضاد.
أمّا بعد:
فكنت أيام دراستي لعلم العربية أمرّ على أحكام تختلف فيها آراء علمائه؛ فيقصرها بعضهم على السماع، ويراها آخرون من مواطن القياس، وقد يحكى الكاتبون المذهبين دون أن يذكروا الأصول التي قام عليها الاختلاف؛ فأرى التمسك بمثل هذه الأقوال من المتابعة التي لا ترتاح إليها النفس؛ ولا سيما حين أذكر أن كثيراً من أصحاب هذه الأقوال قد تلقوا اللغة وعلومها من كتب قد وضعنا أيدينا عليها، أو على أمثالها.
فأخذت أوجه نظرى إلى الاصول العالية التي يراعونها في أحكام السماع والقياس؛ حتى ظفرت بقواعد وقفت على جانب منها في صريح كلامهم، وألممت بجانب آخر من طريق النظر في مجادلاتهم، وأساليب استدلالهم.
ولما هاجرتُ إلى دمشق، وشرعت سنة 1335 في دراسة كتاب: "مغني
اللبيب" بمحضر طائفة من أذكياء طلاب العلم، كنت أرجع في تقرير المسائل المتصلة بالسماع والقياس الى تلك الأصول المقرَّرة، أو المستنبطة التي اقترح عليَّ يومئذ أولو الجد منهم جمع هذه الأصول المفرَّقة؛ ليكونوا على بينة منها ساعة المطالعة، فشكرت همتهم، واستخدمت القلم في تحرير مطلبهم، فألفت مقالات تشرح حقيقة القياس، وتفصل شروطه، وتدل على مواقعه وأحكامه.
ثم عدت منذ عهد قريب إلى تلك المقالات، فرأيت جُمَلا تحتاج إلى تهذيب، وفصولاً تقول: هل من مزيد؟ فجردت القلم لتهذييها، وأضفت إلى تلك الفصول بعض ما يتسع به نطاقها، وتكبر به فائدتها، بل عقدت فصولاً أخرى لمسائل من أمهات علوم العربية يتناولها موضوع القياس والسماع. ولا أدعي أني أخذت بمجامع هذا الموضوع الأسمى، وبلغت في بحثه الأمد الأقصى؛ فإنه واسعُ المجال، مترامي الأطراف، يمتُّ إلى كلِّ باب من أبواب العربية بصلة، ويكاد ذكره يجري عند تحقيق كل مسألة؛ إنما هي أقوال لبعض أئمة العربية انتقيتها، وآراء خطرت على الفكر فتقبلتها، ولثقتي بن باعَك - أيها القارئ - في علوم العربية غير قصير، ونصيبَك من الإلمام بأبوابها ودرس مسائلها غيرُ يسير؛ لم أذهب في بسط القول وضرب الأمثلة مذهب من يُسرف في مقام الاقتصاد، ويَشغل سمعك بما يُشبه الحديث المعاد.
والله المستعان على بلوغ المرام، والمستعانُ به من كبوة الفكر وفضول الكلام.
محمّد الخضر حسين