الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصاريفها؛ كحذفهم لآخر الاسم الخماسي في التصغير؛ نحو: سفر جل إذا أرادوا تصغيره يقولون: سُفيرج، وكذلك يفعلون في جمعه، فيقولون: سفارج. ثم إنك لا تجدهم يجمعون في حشو الكلمة بين ساكنين؛ لما ينشأ عن اجتماع الساكنين من البطء في التلفظ بها، ولا يوالون في اللفظة الواحدة بين أربعة أحرف متحركة؛ حذراً من الاستعجال الحاصل من كثرة الحركات المتوالية، ويزيدك بصيرة بهذا: إهمالهم للأوزان التي يتعسر النطق بها؛ نحو: فِعُل - بكسر الفاء وضم العين - رفضوه من أن يبنوا عليه شيئاً من كلمهم؛ للثقل الذي يوجبه الانتقال من الكسر إلى الضم.
وقرر الباحثون عن أسرار اللغة أن الألفاظ تختلف بطبائعها وهيئاتها مثل اختلافها بالصلابة والرخاوة، والفك والإدغام، والحركة والسكون، ولم يصرف واضع العربية نظره عن هذه الوجوه، ولاحظ في كثير من الألفاظ المناسبة بينها وبين ما يدخل في قياسها. وإن شئت مثالاً يضرب على شاكلة ما قرروه، فانظر إلى علامة النسب، فتجدها ياء شددت للمبالغة في وصف الانتساب، وتلويحاً إلى شدة رابطة المنسوب بالمنسوب إليه، فإذا استعملت في نسبة الشخص إلى عشيرته - مثلاً -، كان تشديدها؛ كالمهماز لتحريك غيرته عليهم، أو تنبيه عواطفهم للإقبال عليه.
*
حكمة تراكيبها:
من يرجع إلى حال نفسه عند إلقاء العبارة، يشعر بأنه لا يحرك بها لسانه إلا بعد أن يتصور معانيها المفردة، ويضم بعضها إلى بعض بروابط النسب الإسنادية، أو التقييدية في ذهنه، فيأخذ كل معنى من جهة التقديم والتأخير رتبة في النفس يستحقها بطبعه؛ كالفاعل يخطر في البال قبل المفعول،
والموصوف يجري على المخيلة قبل صفته. وقد يعرض لبعض المعاني حال ينقله عن مرتبته الطبيعية، ويعطيه في نفس المتكلم منزلة ثانية؛ كالاهتمام بالمفعول به يقتضي تقديمه على الفعل.
وإذا تبين هذا، فمما يرجع إليه في وصف العبارة بحسن البيان: أن تكون ألفاظها مؤلفة على حسب ترتب معانيها في النفس، سواء كان ذلك الترتب مما دعت إليه طبيعتها، أو اقتضته الأحوال العارضة، ومن افتكر في تاليف الكلام العربي بالنظر إلى تقديم أجزائه وتأخيرها، وجده معتمداً على رعاية هذه القاعدة.
تراتيب الكلم على ثلاثة أضرب:
أحدها: ما عينه الواضع، وحكم به على سبيل الوجوب، فيعد مخالفه مخطئاً، ويخرج الكلام الخالي من مراعاته عن الأسلوب العربي؛ كتأخر التمييز عن المميز، والمضاف إليه عن المضاف.
ثانيها: ما عينه الواضع أيضاً، ولكنه قضى به على وجه الأصالة، واعتبار ما هو الأولى، ولا تخرج العبارة بمخالفته عن حدود العربية؛ كتقديم اسم من صدر منه الفعل على اسم الذات الواقع عليها، والبحث عن أسرار ما كان من قبيل هذين الضربين مبثوثاً في مدارج علم النحو.
ثالثها: ما لا يقتضيه الوضع على التعيين، وجعل أمره دائراً على رعاية ما يناسب المقام، وتعيينه بحسب التراكيب المخصوصة موكول إلى ألمعية المتكلم، وحسن تصرفه؛ كتقديم المفعول على الفعل لإفادة اختصاصه به، وعدم تعلقه بغيره، والبحث في هذا القسم ووجوهِه المناسبة مندرج في موضوع علم البيان.
وكان من حق الألفاظ والجمل التي تناسبت معانيها، وتعلق بعضها ببعض أن يلاءم بينها في السبك، ولا يفرق بينها في التأليف، هذا هو الأصل الذي بنيت عليه العربية، إلا أنهم لم يغلوا في ذلك؛ لئلا يوقعوا ألسنتهم في حرج، فأباحوا الفصل في مواضع لا يؤثر فيها الفصل تعقيداً، ولا يختل به فهم المعنى، وعملوا به في موارد الجمل الاعتراضية على وجه الزينة، وشبهوا ما بلغ الغاية في الحسن والقبول بحشو اللوزينج.
ثم نظر العرب إلى الجمل تستقل كل واحدة منها بنفسها، فوجدوها تارة تتناسب، ويتشبث بعضها ببعض من جهة المعنى، فليس من الحكمة وجودةِ التصرف أن تلقى منثورة لا يراعى فيها جانب المعنى، وتستأنف واحدة بعد أخرى، فاعملوا حروف العطف وسائط في وصل الجمل ونظمها في سمط المناسبة؛ لتكون أجزاء الكلام متماسكة.
وتارة تنقطع الجملة الثانية عن الجملة قبلها، ولا يتصل حديثها، بحديثها، سوى أنه اتفق الجمع بينهما في الإخبار، وفي هذا الموضع يجب الفصل بين الجملتين، فلو ضم المتكلم الجملة الأخيرة إلى الجملة السابقة بعاطف، كان بمنزلة من عمد إلى جواهر غير متناسبة في المقدار، ولا يشبه بعضها بعضاً في الشكل، وركبها في نظام واحد.
ودعاهم اللطف ورعاية الأدب في الخطاب إلى الإغضاء عن شرط المناسبة، فادمجوا حرف العطف بين جملتين ليس بينهما صلة مناسبة إذا كرهوا أن يسبق إلى ظن السامع خلاف ما يراد منهما لولا واسطة حرف العطف؛ كقولهم: لا، وأيدك الله.
فوضع الفصل والوصل بين الجمل على هذا الوجه وبناء حكمهما على