الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتبار المناسبة، وما يقتضيه أدب الخطاب؛ مما يوضع في ميزان العربية، ويعد من دلائل الحكمة في وضع أساليبها. ويظهر مما ذكر الجاحظ في كتاب "البيان والتبيين""أن الفارسي سئل، فقيل له: ما البلاغة؟ فقال: معرفة الفصل والوصل" أن للغة الفارسية تعلقاً بهذا الباب.
*
تعدد وجه دلالتها:
من المقرر أن الألفاظ لم توضع لإفادة معانيها في أنفسها ضرورة أن المخاطب يتصورها ويعرفها من حين علمه بالوضع، وإنما وضعت لإفادة النسب والربط بين موضوعاتها على وجه الثبوت أو السلب، فلا دلالة للألفاظ على شيء قبل تركيبها وارتباطها بهيئتها الصحيحة.
وللألفاظ العربية إذا ركبت دلالتان:
إحداهما: تصور مفردات على وجه النسبة بينهما، وإسناد بعضها إلى بعض؛ كدلالة قولك:"أكرمت زيداً العالم إجلالاً" على معنى صدور الإكرام منك، وتعلقه بزيد الموصوف بالعلم؛ لعلة باعثة على إكرامه هي الإجلال، والدلالة على هذه المعاني تشترك فيها جميع الألسنة، وهي الداعي الأول إلى وضع اللغات، ويمكن بالنسبة إليها نقل الكلام العربي إلى لغة أخرى، مع الإحاطة بجميع ما يراد منه ما لم يكن صالحاً لعدة معان لم يتحقق المراد في واحد منها كما يفعله البليغ بقصد الإجمال على السامع لغرض يستدعيه المقام.
ثانيتهما: الدلالة على معان زائدة على المعاني الأصلية من أحوال ترجع إلى المتكلم، أو المخاطب، أو المتحدث في شأنه، أو حال الفعل المخبر به، وغير ذلك؛ كدلالة الحذف لشيء من اْجزاء الكلام على ضجر المتكلم
وسآمته، ودلالة تكيد الجملة بالقسم على أن المخاطب ينكر مضمونها، ومن هذا إيراد المسند إليه نكرة؛ للدلالة على تعظيمه، وتقديم الفعل على المفعول - مثلاً - لاهتمام المخبر بشأنه.
وهذه المعاني الزوائد تعتبر في صورة الكلام بمنزلة الروح تسري في الجسد، فتحدث فيه منظراً بهيجاً، وعلى حسب رعايتها تتفاضل العبارات في مقام البلاغة.
قال الباقلاني: إن كثيراً من المسلمين قد عرفوا تلك الألسنة، وهم من أهل البراعة فيها، وفي العربية وقفوا على أنه ليس يقع فيها من التفاضل والفصاحة ما يقع في العربية.
ومن قصد إلى ترجمة كلام عربي، ونقله إلى لغة أخرى، لا يمكنه تأدية ما اشتمل عليه من هذه المعاني الثواني، والإفصاح بها أثناء حكايته لمعانيه الأصلية، ومع هذا لم يمنع أهل الأسلام ترجمة القرآن، وأجمعوا على جواز ترجمته؛ لإفادة ما ظهر من معانيه الأصلية لمن لا قدرة له على فهم العربية، نقل الإجماع على ذلك أبو إسحاق الشاطبي في "موافقاته"، فما نقل إلى بعض المسامرين بموت العربية من (أن ترجمة إحدى سور القرآن إلى لغة أخرى ممنوع عند المسلمين) غير مطابق للحقيقة، بل أجاز بعض الأئمة ترجمته إلى الفارسية، أو القراءة بها عند العجز عن العربية، ولو في حال الصلاة.
ومن الآيات ما يحتمل بإعتبار معانيه الأصلية عدة وجوه، ولا يمكن نقله إلى لغة أخرى بحاله، فإذا اعتمد المترجم على أحد الوجوه، لم تكن الترجمة قرآناً بالمعنى؛ إذ يحتمل أن لا يكون مطابقاً للمراد من كلام الله تعالى، ومثل هذا لا ينبغي أن ينقل إلا على وجه التفسير والبيان؛ كأن يذكر المترجم