المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أسماء إيجاد الألوان: - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٦/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(10)«دِرَاسَاتٌ فِي العَربيَّةِ وَتَاريخِهَا»

- ‌المقدمة

- ‌القياس في اللغة العربية

- ‌مقدّمَة الإمام محمّد الخضر حسين

- ‌فضل اللغة العربية، ومسايرتها للعلوم والمدنية

- ‌ اللغة:

- ‌ أصل نشأة اللغة:

- ‌ تأثير الفكر في اللغة:

- ‌ تأثير اللغة في الفكر:

- ‌ هل يمكن اتحاد البشر في لغة

- ‌ اللغة العربية لا تموت:

- ‌ اللغة في عهد الجاهلية:

- ‌ تأثير الإسلام في اللغة:

- ‌ فضل اللغة العربية:

- ‌ الحاجة إلى مجمع لغوي:

- ‌تمهيد

- ‌ الحاجة إلى القياس في اللغة:

- ‌ أنواع القياس وما الذي نريد بحثه في هذه المقالات

- ‌ القياس الأصلي:

- ‌ الحديث الشريف:

- ‌ القياس على الشاذ:

- ‌ القياس على ما لابد من تأويله بخلاف الظاهر:

- ‌ سبب اختلافهم في القياس:

- ‌ القياس في صيغ الكلم واشتقاقها:

- ‌ الاشتقاق من أسماء الأعيان:

- ‌ ما هو الاستقراء الذي قامت عليه أصول الاشتقاق

- ‌ قياس التمثيل:

- ‌ قياس الشبه وقياس العلة:

- ‌ أقسام علة القياس:

- ‌ أقسام قياس العلة:

- ‌ شرط صحة قياس التمثيل:

- ‌ مباحث مشتركة بين القياس الأصلي، والقياس التمثيلي - القياس في الاتصال:

- ‌ القياس في الترتيب:

- ‌ القياس في الفصل:

- ‌ القياس في الحذف:

- ‌ القياس في مواقع الإعراب:

- ‌ القياس في العوامل:

- ‌ القياس في شرط العمل:

- ‌ القياس في الأعلام:

- ‌ الكلمات غير القاموسية

- ‌حياة اللغة العربية

- ‌مقدّمَة الإمام محمّد الخضر حسين

- ‌دلالة الألفاظ

- ‌ تأثير اللغة في الهيئة الاجتماعية:

- ‌ أطوار اللغة العربية:

- ‌ فصاحة مفرداتها ومحكم وضعها:

- ‌ حكمة تراكيبها:

- ‌ تعدد وجه دلالتها:

- ‌ تعدد أساليبها:

- ‌ طرق إختصارها:

- ‌ اتساع وضعها:

- ‌ إبداع العرب في التشبيه:

- ‌ اقتباسهم من غير لغتهم:

- ‌ ارتقاء اللغة مع المدنية:

- ‌ اتحاد لغة العامة والعربية:

- ‌ حياة اللغة العربية:

- ‌الاستشهاد بالحديث في اللغة

- ‌ ما المراد من الحديث

- ‌ هل في الحديث ما لا شاهد له في كلام العرب

- ‌ الخلاف في الاحتجاج بالحديث:

- ‌ وجهة نظر المانعين:

- ‌ وجهة نظر المجوزين:

- ‌ مناقشتهم لأدلة المانعين:

- ‌ تفضيل وترجيح:

- ‌موضوع علم النحو

- ‌ وجهات البحث النحوي:

- ‌التضمين

- ‌تيسير وضع مصطلحات الألوان

- ‌ أسماء الألوان

- ‌ القابل للتصريف من أسماء الألوان الساذجة:

- ‌ أسماء الألوان الساذجة غير القابلة للتصريف:

- ‌ أسماء هيئات الأشياء المركبة من ألوان:

- ‌ أسماء الألوان المركبة القابلة للتصريف:

- ‌ أسماء الألوان المركبة غير قابلة التصريف:

- ‌ الأسماء المراعى في معانيها لون:

- ‌ أسماء إيجاد الألوان:

- ‌حول تبيسيط قواعد النحو والصرف والرّد عليها

- ‌ باب الإعراب:

- ‌ العلامات الأصلية للإعراب والعلامات الفرعية:

- ‌ ألقاب الإعراب والبناء:

- ‌ الجملة:

- ‌ تسمية الجزأين الأساسيين:

- ‌ أحكام إعرابهما:

- ‌ الترتيب بين الموضوع والمحمول:

- ‌ المطابقة بين الموضوع والمحمول:

- ‌ متعلق الظرف وحروف الإضافة:

- ‌ الضمير:

- ‌ التكملة:

- ‌ الأساليب:

- ‌ ملاحظات الإمام على الاقتراحات:

- ‌ الاقتراحات

- ‌ العلامات الأصلية للإعراب والعلامات الفرعية:

- ‌ ألقاب الإعراب والبناء:

- ‌ تسمية الجزأيين الأساسيين للجملة:

- ‌ أحكام إعرابها:

- ‌ المطابقة بين المحمول والموضوع:

- ‌ متعلق الظروف وحرف الإضافة:

- ‌ الضمير

- ‌ التكملة:

- ‌ الأساليب:

الفصل: ‌ أسماء إيجاد الألوان:

علماء اللغة: الممصَّر: المصبوغ بالمصر، وهو الطين الأحمر، ومن فسروا الممصر بما فيه صفرة خفيفة لم نرهم تعرضوا لوجه اشتقاقه.

4 -

المُهَرْوَد: ما فيه صفرة خفيفة في الثياب، وقال بعض علماء اللغة: المهرود: الثوب الذي يصبغ بعروق يقال لها: الهُرد.

ويدخل في هذا الباب الاسم الذي يؤخذ من اسم البلد الذي يصنع فيه ذو اللون.

ومثاله:

مهراة: صفراء، يقال: عمامة مهراة؛ أي: صفراء، وكان سادات العرب يلبسون العمائم الصفر، قال بعض علماء اللغة: مهراة،: نسبة إلى هراة، لأن هذه العمائم كانت تجلب منها.

*‌

‌ أسماء إيجاد الألوان:

ذكرنا أن أسماء الألوان يشتق منها مصادر وأفعال للدلالة على إيجادها؛ نحو: بيَّض وحمَّر وسوَّد، وللعرب بعد هذا ألفاظ للدلالة على إيجاد الألوان.

وأمثلتها:

البرقشة: النقش بألوان شتى، وتبرقش الرجل: تزين بألوان شتى مختلفة، وتبرقش النبت: إذا اختلفت ألوانه.

الدِّخلة: تخليط ألوان في لون.

الدَّمّ: طلاء الشيء بأي لون كان، دمَّه بالدمام (الطلاء)، فهو مدموم، ودميم.

الرَّقْم: تخطيط في الثوب وغيره كالترقيم.

الترقين: الترقيم.

ص: 235

الزَّبرقة: تصفير الثوب.

الزَّهلقة: تبييض الثوب.

التزويق: النقش والتزيين.

التضريج: صبغ الشيء بحمرة.

النقش: تلوين الشيء بلونين.

الوشي: الرقم والنقش.

هذا ما أردنا عرضه من أسماء الألوان، وأسماء ما يراعى في استعماله لون يقوم به، وقد رأيت فيما عرضناه من أسماء الألوان ما يذكر علماء اللغة في تفسيره لونين، أو ألواناً، ولواضع المصطلحات أن يقصر اللفظ المشترك على أحد معانيه؛ كما قالوا: الجون: الأحمر والأبيض والأسود، فله أن يخصه بأي لون شاء.

ورأيت فيما عرضناه من الأسماء ما يختلف علماء اللغة في تعيين اللون المراد منه، ولواضع المصطلحات فيما إذا اختلفوا، ولم يظهر وجه لترجيح رأي على غيره: أن يأخذ بالرأي الذي ينايسب الاصطلاح، كما اختلفوا في "الممصر" هذا يقول: ما فيه حمرة خفيفة، وهذا يقول: ما فيه صفرة خفيفة، فله أن يخص الممصر بما شاء من ذي حمرة خفيفة، أو ذي صفرة خفيفة. ويشابه هذا أن يختلف اللغويون في درجة اللون الذي وضع له الاسم، كما اختلفوا في "الفدم"، هذا يقول: المشبع حمرة، وهذا يقول: ما حمرته غير شديدة، فلواضع المصطلحات أن يخص كلمة الفدم بذي الحمرة الشديدة، أو ذي الحمرة الخفيفة.

ورأيت فيما عرضناه عليك أسماء تخصها المعجمات بنوع من الأشياء؛

ص: 236

كالثياب، أو الحيوان، أو النبات، وهذا النوع من الأسماء يصح لواضع المصطلحات التصرف فيه باستعماله على وجه المجاز فيما بينه وبينه علاقة من نحو مشابهة، أو إطلاق، أو تقييد.

وملخص البحث: أن اللغة العربية تسع - بغزارة مفرداتها، ومساعدة أصول صرفها - كلَّ ما يحتاج إليه من المصطلحات العائدة إلى الألوان، وقد رأيتها كيف تدل على الألوان بالألفاظ الكثيرة التصرف، ورأيتها كيف فتحت أبواباً يمكن الدخول منها إلى وضع مصطلحات حاجات العلوم والمدنية، دون أن نضطر إلى ترقيعها بكلمات من لغات غير عربية.

ص: 237

طرق وضع المصطلحات الطبيّة (1) وتوحيدها في البلاد العربية

شرف الأمة في رقي لغتها، ورقي لغتها في مسايرتها للعلوم والفنون، واتساعها لأن تخوض في بحث كل علم أو فن، وتشرح مسائله، وإن بلغت في كثرتها وغموضها أقصى غاية.

كانت العلوم والفنون على اختلاف موضوعاتها، قد وجدت من بيان اللغة العربية معيناً لا ينضب، فلم تلبث أن لبست من ألفاظ هذه اللغة وأساليبها حللاً ضافية.

ومن بين العلوم التي وجدت في اللغة العربية بغيتها في علم الطب، فتقبلته، وتقبلت كل ما يدخل فيه أو يتصل به من فنون.

وجد هذا العلم في اللغة أيام انتقاله إلى العرب مادة غزيرة، واستطاع أن يأخذ منها كل ما يسد حاجته، ويجعل العرب والمستعربين يتدارسونه بلسان عربي مبين.

انتقل هذا العلم إلى العرب وهو يعتزون بلغتهم، ويحرصون على أن تكون لغة العلم، كما كانت لغة السياسة والأدب والاجتماع، فالتفت علماء

(1) بحث قدمه الإمام إلى المؤتمر الطبي العربي المنعقد بالقاهرة سنة 1939 بصفته مندوب المجمع اللغوي. ونشر في مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثامن من المجلد الحادي عشر - الصادر في صفر 1358 هـ - مارس 1939 م - القاهرة.

ص: 238

الطب إلى الألفاظ العربية التي وضعت لمعان تدخل في علمهم، أو تتصل به من نحو: أسماء العلل (1)، وأسبابها، وأعراضها، وأطوارها، وآثارها (2). وأسماء الأعضاء والأجزاء منها، ظاهرة كانت أو باطنة، وأسماء ما يركب منه الأدوية من نحو: النبات، والمعادن، والأحجار، وأسماء الأدوات التي يستعان بها على المداواة (3).

التفتوا إلى هذه الكلمات، واستعملوا كثيراً منها في معانيها المعروفة في اللغة، ولعلي لا أكون مخطئاً إذا قلت: أن علم الطب قد وجد في اللغة العربية مدداً أكثر مما وجده غيره من العلوم المنقولة إليها ووجد علماء الطب بعد ذلك المدد أصولاً في اللغة تسمح لهم بوضع مصطلحات لمعان طبية لم يتقدم للعرب أن وضعوا لها أسماء؛ مثل: أصول الاشتقاق والمجاز والنقل، فصاروا يضعون مصطلحات زائدة على ما تكلمت به العرب في هذا العلم، وصارت كتب الطب تصدر في عبارات عربية فصحى.

فإذا ألقينا نظرة على كتب الطب المؤلفة فيما سلف بأقلام عربية فصيحة، وجدناها قائمة على كلمات مستعملة فيما وضعها له العرب من المعاني الطبية، وكلمات اشتقها أولئك الأطباء لمعان يتحقق فيها معنى الفعل الذي

(1) معظم أسماء العلل جاء على وزن فُعال؛ نحو: (صداع)، أو وزن فعل؛ نحو:(بهق).

(2)

نريد من آثارها ما يعقبها من نحو: "الندبة" لأثر الجرح بعد برئة، ونحو:"المهج" لحسن الوجه بعد علة.

(3)

نحو: "الميجر" لما يصب به الدواء في الفم، و"المسعط" لما يصب به الدواء في الانف، و"الدسلم" لما يسد به الجرح من نحو الفتيلة.

ص: 239

اشتقت منه، كما سموا العرض دليلاً، نظراً إلى مطالعة الطبيب الاه، ومعرفته ماهية المرض منه.

وكلمات نقلوها من معانيها المعروفة عند العرب إلى معان تربطها بتلك المعاني مناسبة، كما استعملوا الرسوب في كل جوهر أغلظ قواماً من المائية، وإن لم يرسب.

قال ابن سينا في كتاب "القانون": إن اصطلاح الأطباء في استعمال لفظة: الرسوب، والثفل قد زال عن المجرى المتعارف؛ لأنهم يقولون: رسوب وثفل، لا لما يرسب فقط، بل لكل جوهر أغلظ قواماً من المائية متميزاً عنها، وإن طفا.

وكلمات صاغوها على مثال الإضافة؛ كما قالوا: حمى الدق، وهي الحمى المعروفة "أنطيقوس".

أو على مثال تركيب الصفة والموصوف؛ كما قالوا: الشريان الصاعد، والشريان النازل، أو على مثال النسب الذي يقصد به التشبيه؛ كما سموا أحد أنواع النبض الموجي؛ لأنه يشبه الأمواج إذ يتلو بعضها بعضاً على الاستقامة، مع اختلاف بينها في السرعة والبطء.

وقد نبه أبو علي بن سينا في كتاب "القانون" على وجوه تسمية الأمراض، فقال: قد تلحقها التسمية من وجوه:

إما من الأعضاء الحاملة (1) لها؛ كذات الجنب، وذات الرئة، وإما من

(1) اشتق العرب من بعض الأعضاء أسماء للعلل التي تصيبها، وهي: القلاب لداء يصيب القلب، والكباد لداء يصيب الكبد، والنكاف لداء يصيب النكفتين، وهما غدتان يكتنفان الحلقوم من أصل اللحي، والقوام لداء يصيب الشاة في قوائمها.

ص: 240

أعراضها؛ كالصرع، وإما من أسبابها؛ كقولهم: مرض سوداوي، وإما من التشبيه؛ كقولهم: داء الأسد (1)، وداء الفيل (2)، وإما منسوباً إلى أول من يذكر أنه عرض له؛ كقولهم: قرحة طيلانية منسوبة إلى رجل يقال له: طيلانس، وإما منسوباً إلى بلدة يكثر حدوثه فيها؛ كقولهم: القروح البلخية، وإما منسوباً إلى من كان مشهوراً بالإنجاح في معالجتها؛ كالقرحة السيروتية، وإما من جواهرها وذواتها؛ كالحمى، والورم.

وتجدد لذلك العهد أسماء عربية لأدوات طبية؛ كأسماء آلات الكي والجراحة التي ذكرها أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي (3) في كتابه المسمى: "التصريف"(4)؛ فإنه رسم في هذا الكتاب صور الآلات، وذكر لكثير منها أسماء مناسبة؛ نحو: المكواة، والزيتونية، والمنشارية، والهلالية والمسارية.

ودخل في مصطلحاتهم كلمات مولدة؛ ككلمة "بحران" للتغير الذي يحدث للعليل دفعة في الأمراض الحادة، وكلمة "تفسرة" لماء المريض المستدل به على علته، يقال: أرسل فلان تفسرته إلى الطبيب، ونظر الطبيب

(1) الجذام لأن وجه المبتلى به ليشبه وجه الأسد في كراهة منظره.

(2)

زيادة في القدم والساق، وسمي داء الفيل؛ لأن رجل المريض به تشبه رجل الفيل، ومن هذا القبيل اسم السرطان فإنه في الأصل اسم لدابة نهرية، وسمي به الداء المعروف؛ لأنه اذا كبر، ظهر عليه عروق حمر وخضر تشبه أرجل الدابة التي تسمي: السرطان.

(3)

ذكره ابن حزم في رسالة أودعها مؤلفات الأندلسيين، وقال: قد أدركته. وابن حزم توفي سنة 399 هـ.

(4)

طبع بالعربية واللاتينية في اكسفورد، وتوجد منه نسخة في دار الكتب المصرية.

ص: 241

في تفسرة المريض.

ومن أسباب أخذ علم الطب فيما سلف مكانة في اللغة الفصحى: أن كثيراً من رجال هذا العلم كانوا قد درسوا اللغة العربية إلى أن صاروا من أئمتها، أو صاروا من كبار أدبائها، تجدون الحديث عن هؤلاء الرجال، والتنبيه على رسوخهم في علم الطب واللغة، في كتب طبقات الأطباء، وطبقات اللغويين والأدباء؛ مثل: الرئيس أبي علي الحسين بن سينا، برع في الطب، وأتقن الأدب، وبلغ في اللغة مرتبة عليا، وله في الطب مؤلفات كثيرة، منها: كتاب "القانون"، وله مؤلف في اللغة يسمى:"لسان العرب".

ومثل أبي بكر محمد بن أبي مروان بن زهر (1)؛ فقد كان - كما قالوا - بمكان من اللغة مكين، ومورد من الطب عذب معين، وكان يحفظ شعر ذي الرمة، مع الإشراف على جميع أقوال أهل الطب (2).

ومثل محمد بن أحمد بن رشد (3)؛ فقد جمع إلى الطب والفلسفة التضلع في علوم العربية، وله في الطب مؤلفات منها كتاب "الكليات"، وله في العربية الكتاب المسمى:"الضروري".

ونرى طائفة ممن بلغوا في علوم الشريعة مرتبة الاستنباط - ولا يبلغ مرتبة الاستنباط في الشريعة إلا من كان له في علوم اللغة قدم راسخة - قد برعوا في علم الطب، ومن هؤلاء: الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر المازري (4)، كان

(1) توفي سنة 596 هـ.

(2)

"نفح الطيب" للمقري.

(3)

توفي سنة 595 هـ.

(4)

توفي سنة 536 هـ.

ص: 242

يعد في طبقة المجتهدين، ودرس علم الطب، وألف فيه، وقالوا في ترجمته:"كان يفزع إليه في الطب كما يفزع اليه في الفتوى (1) ".

ولا عجب أن يقبل الفقهاء على علم الطب، فإنهم يرونه من العلوم التي رفع الشرع الإسلامي منزلتها، حتى إنهم بنوا كثيراً من الأحكام الشرعية على رعايته، واستعانوا في بيان أسرار الأوامر والنواهي بشيء من مسائله، ومثال هذا: أن النبي - صلوات الله عليه - قال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعًا إحداهن بتراب"، والعلامة محمد بن رشد جد الفيلسوف ابن رشد أول من نبه - فيما بلغنا - على أن هذا الامر مراعى فيه وجهة طبية، هي ما يخالط لعاب الكلب من مواد ضارة تعرض له عند ما يصاب بداء الكلب، وإصابته بهذا الداء قد تكون خفية، فلا تظهر لكل ناظر (2).

فلولا أن علم الطب قد وقع فيما مضى بأيدي علماء اللغة، ما ظفر هذا العلم بتلك المصطلحات التي ترتبط باللغة ارتباطاً محكماً.

ويدلكم على أن أولئك الأطباء اللغويين كانوا يجتهمون في أن يخرج علم الطب في لسان عربى فصيح: تحريهم العربية الفصحى في ألفاظ مؤلفاتهم، نجد في ترجمة الطبيب اللغوي مهذب الدين عبد الرحيم بن علي: أنه كان إذا تفرغ من افتقاد المرضى من أعيان الدولة وغيرهم، يأتي إلى داره، ويأتيه طلاب علم الطب قوماً بعد قوم، وكان إلى جانبه - مع ما يحتاج إليه من الكتب الطبية - كتب اللغة:"الصحاح" للجوهري، و"المجمل" لابن فارس، وكتاب "النبات" لأبي حنيفة الدينوري، فكان إذا جاءت في الدرس

(1) كتاب "الديباج" لابن فرحون.

(2)

"بداية المجتهد" للحفيد الفيلسوف ابن رشد.

ص: 243

كلمة لغوية محتاج إلى كشفها وتحقيقها، نظرها من تلك الكتب.

ومن يطالع شيئاً من مؤلفات أولئك الأطباء، ويمعن النظر فيما يستعملون من أسماء الأمراض وغيرها من المعاني المتصلة بعلم الطب، يعرف أن أولئك المؤلفين كانوا على اطلاع واسع في اللغة، وبذلك أمكنهم أن يجعلوا اللغة تسير مع علم الطب جنباً لجنب.

ينبئنا بهذا: أننا نجد جانباً عظيما من الألفاظ العربية غير الكثيرة الاستعمال مبثوثة في هذا العلم، ومنظومة في سلك مصطلحاته؛ ككلمة:"الحصف" للجرب اليابس، وكلمة:"الشرى" لبثور صغار حكاكة، وكلمة:"الحرصان" للحمة دقيقة لاصقة بحجاب البطن، وكلمة:"الصاخة" لورم يكون في العظم من صدمة أو كدمة (1)، و"القطرب" لنوع من الماليخوليا (2).

وقف علم الطب بعد هذا في الشرق عند حد، وتناوله الغربيون من مؤلفات علمائنا، وأوسعوه بحثًا، وقطعوا فيه أشواطًا بعيدة المدى، وصارت المصطلحات العربية التي وضعت له من قبل لا تفي بما تجدد فيه من آراء ومستكشفات.

ظل هذا العلم يتقدم بخطوات سريعة، ويقيت لغتنا واقفة دونه بمراحل، ولما أقبل أبناء العربية على دراسته، اضطروا إلى أن يدرسوه بلغات أجنبية، وأصبح علم الطب وهو في ديارنا يدرس بلسان غير عربي.

وإذا وجد فيما سلف لغويون أطباء استطاعوا أن يسيروا بعلم الطب تحت ظلال اللغة ومقاييسها، فإن علم الطب الحديث واسع المباحث،

(1) التأثير فيه بنحو حديدة.

(2)

الماليخوليا: المزاج السوداوي.

ص: 244

كثير الفنون، فلا يتيسر لعلماء اللغة اليوم أن يبرعوا فيه كما برع فيه كثير من اللغويين من قبل إلا بمجهود كبير، وعناية متناهية.

ومن هنا شعر الناس في هذا العصر بالحاجة إلى إنشاء مجمع لغوي عربي يقوم بوضع مصطلحات العلوم؛ كي تسير اللغة الفصحى مع العلوم كتفًا لكتف.

وأخذ مجمع اللغة العربية يعمل لهذه الغاية المنشودة، ووجد في ميسوره أن ينقل العلوم - وبينها علم الطب على اختلاف فنونه، وكثرة مصطلحاته - إلى العربية الفصحى. تجد في المعاجم ألفاظاً كثيرة تتصل بهذا العلم، وهذه الألفاظ إما أن تكون نصاً في المعنى الطبي؛ نحو:"مثير" بمعنى الموضع الذي تلد فيه المرأة، فلو أطلقناه على الحجرة، أو الغرفة المعدة في المستشفى للولادة، كان استعمالاً للفظ في معناه العربي من غير تصرف فيه.

وأذكر بهذه المناسبة أني رأيت الطبيب أبا المؤيد محمد بن الصائغ الجزري ينهى في وصية له طبية عن أن يلتزم الإنسان في غذائه طعاماً خاصاً، فيقول:

إياك تلزأ كل شيء واحد

فتقود طبعك للأذى بزمام

ووجدت لهذا المعنى بعد ذلك كلمة عربية هي: المرازمة، فقد شرحتها المعاجم بأن لا يداوم الإنسان في عيشه على طعام خاص.

ويلحق بمثل هذه الألفاظ المطابقة لمعناها: أن تذكر المعاجم في بيان مفهوم اسم المرض- مثلاً - سبب المرض، كما قالت:"السواد": داء يأخذ الإنسان من كل التمر يجد منه وجعًا في كبده، فنرى أن ذكر السبب لا يجعل الاسم خاصًا بما ينشأ عن هذا السبب، فإذا ظهر من طريق علم الطب

ص: 245

أن هذا الداء بنفسه وأعراضه قد يحصل في الكبد من سبب آخر غير كل التمر، صح أن نطلق عليه لفظ:"السواد"، وإن لم يحدث عن كل التمر، ولا نعد هذا الإطلاق من نوع التصرف لإخراجها عن موضوعاتها اللغوية.

وأنبه هنا على أن المعاجم قد تذكر للكلمة الواحدة معاني طبية متعددة، كما قالوا:"الذرب": فساد الجرح، وفساد المعدة، والمرض الذي لا يبرأ.

والمجمع يتجنب في وضع مصطلحات العلوم أن يكون بينها لفظ مشترك، ويحافظ على أن يكون للاسم الواحد في العلم الواحد معنى واحد.

وقد تذكر المعاجم للمعنى الطعي الواحد، - مثلاً -، أسماء متعددة توردها على أنها مترادفة، كما قالوا لما يقاس به غور الجرح: سبار، ومسبار، ومحراف، وقالوا لذلك المرض: السل، والسحاف، ولواضعي المصطلحات وجه من الحق في تخصيص كل اسم بنوع من أنواع ذلك المعنى متى تعددت أنواعه، وقد سلك المجمع هذا المسلك في طائفة من مصطلحات العلوم.

وقد تشير المعاجم إلى اختلاف اللغويين في معنى الاسم، كما قال صاحب "القاموس": السلعة: خرل في العنق، أو غدة في العنق، أو زيادة في البدن كالغدة تتحرك إذا حركت.

وقد جرى المجمع على أن يأخذ في مثل هذا بالقول الذي يسد حاجة العلم.

ووجد المجمع في مؤلفات الأطباء فيما سلف مصطلحات محكمة الوضع، وخطته أن يحافظ على المصطلحات القديمة ما وجد لها وجهاً تدخل به في حدود العربية.

ووجد في علم العربية مقاييس تساعده على أن يصوغ للمعاني التي

ص: 246

حدثت أو تحدث أسماء عربية، فلو اتخذ في المستوصف - مثلاً - محل خاص ينزع فيه المريض ثوبه، ووجد العرب قالوا: ثرب فلان المريض يثربه: نزع ثوبه، صح أن يسمى ذلك المحل:"مثرباً".

ولم يقتصر المجمع على الأصول المعروفة بأنها مقيسة؛ نحو: الاشتقاق من المصادر أو الافعال، ونحو المجاز والنقل، بل نظر في طريق آخر سلكه العرب في وضع كعير من المفردات، وهو الاشتقاق من أسماء الأعيان كما قال العرب: جلده، ورَأَسه وبَطَنه، وصَمَخه؛ أي: أصاب جلده ورأسه، وبطنه، وصماخه، وقالوا: رمحه، وسهمه، وسافه؛ أي: أصابه بالرمح، والسهم، والسيف، ومنه: أبرته العقرب؛ أي: أصابته بإبرتها، وقالوا: لبنه وعسله ولحمه، وشحمه؛ أي: أطعمه اللبن والعسل واللحم والشحم (1)، وقالوا: جدر، وبارة أي: صنع الجدار والبئر.

وقد قرر المجمع صحة الاشتقاق من أسماء الأعيان في مصطلحات العلوم عند الحاجة، وجرى على هذا في وضع طائفة من مصطلحات العلوم.

ومن الطرق التي تتسع بها اللغة، وأخذ بها المجمع في وضع المصطلحات العملية: طريقة المصدر الصناعي، وهو المصدر الحاصل من إلحاق ياء النسب لأسماء الفاعلين والمفعولين، وغيرهما، نحو العالمية، والمعلومية، والجاذبية، والمجذوبية، وقد استعمله علماؤنا من مناطقة وفلاسفة وغيرهم في مؤلفاتهم كثيراً.

ويمتاز هذا المصدر الصريح بأنه يدل على معنى الوصف من حيث

(1) نص ابن مالك في كتاب "التسهيل" على أن هذه الأنواع الثلاثة مطردة، فيصح القياس عليها.

ص: 247

صدوره عن الفاعل، أو وقوعه على المفعول، بخلاف المصدر الصريح، فإنه لا يدل على هذه الناحية الخاصة بنفسه.

ويمتاز هذا المصدر الصناعي عن المصدر الصريح من وجه آخر: هو أنه يدل على المبالغة متى كان المنسوب إليه من صيغ المبالغة، فالعلامية أبلغ من العلم، وقد رأينا الأطباء السابقين يقولون: المصحاحية، والممراضية، وهاتان الصيغتان من قبيل المصدر الصناعي، فالمصحاحية تدل على الصحة التامة؛ لأنها نسبة إلى مصحاح، وهو كثير الصحة، والممراضية تدل على المرض الشديد أو الكثير؛ لأنه نسبة إلى ممراض، وهو شديد المرض أو كثيره.

وفي المصدر الصناعي سعة من جهة أخرى هي: أنا نتوصل به إلى وضع أسماء لمعان يشير إليها اسم العين، فإذ أردنا أن نتحدث عن كون الشيء إنسانًا، أو حيوانًا، أو نباتًا، أو حجراً - مثلاً - قلنا: الإنسانية والحيوانية والنباتية والحجرية.

ووجد المجمع المعجمات قد تقتصر في بعض المواد على ذكر المصدر أو الفعل أو الوصف، فوضع المجمع قواعد لتكميل المادة الناقصة، مستمدًا هذه القواعد من أقوال علماء العربية، فإذا وجدنا المعجمات تقول- مثلاً - المؤتنب: من لا يشتهي الطعام، صح لنا أن نسمي علة انقطاع شهوة الطعام "ائتنابًا"، وإذا وجدنا المعجمات تقول: سنَّني هذا الشيء؛ أي: شهى إلي الطعام، صح لنا أن نزيد فيها فعيلاً، ونسمي الدواء الذي يقوي شاهية الطعام سنيناً وإذا وجدنا المعاجم تقول: القامح: الكاره للماء لأي علة، صح لنا أن نسمي علة انصراف النفس عن شرب الماء:"قماحاً".

ص: 248

ومن المعروف في وضع المصطلحات تفضيل اللفظ المفرد على المركب، والمجمع يحافظ على هذا القصد، فيؤثر المفرد على المركب إلا أن يكون في المركب مزية تدعو إلى اختياره، فلو أراد المجمع أن يضع لفظاً للموضع الذي يتداوى فيه بحرارة الشمس، لا أحسبه يعدل عن كلمة "المشرقة" إلى لفظ آخر مركب، فمان المشرقة موضع القعود في الشمس للتمتع بدفئها، وهذا المعنى متحقق فيما يقال له: الحمام الشمسي، ورأيت ابن سينا في "القانون" يعبر بالتضحي إلى الشمس عن التعرض للشمس بقصد التداوي.

والألفاظ العربية تختلف من حيث أنسُ السمع بها، وإساغة الذوق لها، والمجمع يلاحظ هذا فيما يضعه من المصطلحات، فإذا وجد في المعجمات - مثلاً -: توحش فلان؛ أي: أخلى معدته من الطعام لشرب الدواء، آثر عليها كلمة: تحامى للدواء؛ لأن الذوق يسيغها أكثر من كلمة توحش.

ومع ما أحرزته اللغة من الثروة الواسعة، والمقاييس التي يمكننا أن تتصيد بها من الأسماء ما نشاء، لم يقف المجمع وقفة الرافض لكل مصطلح علمي أجنبي، بل أبقى باب التعريب أمامه مفتوحًا، حتى إذا دعته ضرورة إلى قبول اسم غير عربي، وإلحاقه بالمصطلحات العربية الصميمة، أجاب داعي الضرورة، وله بالعرب في القديم أسوة، إذ قالوا: الترياق (1)، والقولنج (2)، والنقرس (3)، والكيموس (4)، والكلمات الأربع يونانية، وقالوا:"البرسام" لذلك

(1) دواء مركب من أجزاء كثيرة، ويطلق على ماله نفع عظيم سريع.

(2)

مرض معوي.

(3)

مرض في مفاصل الكعبين، أو أصابع الرجلين.

(4)

الغذاء بعد أن تهضمه العصارة المعدية.

ص: 249

المرض الصدري، والكلمة فارسية.

ومن ينظر في كتب الطب أيام رقيه في البلاد العربية يرى المؤلفين فيه قد يختلفون في بعض المصطلحات، فابن سينا- مثلاً - يستعمل البرسام، والشوصة، وذات الجنب على أنها أسماء مترادفة، وغيره يجعل كل واحد من هذه الأسماء اسماً لمرض مختص به (1).

وإنما جرى مثل هذا الاختلاف بينهم؛ لأن المصطلحات في ذلك العهد لا تصدر عن مجمع أو مؤثمر ينعقد لها.

والقصد من إنشاء المجمع اللغوي: توحيد المصطلحات العلمية، ودليل هذا: أن المجمع لم يؤلف من أعضاء مصريين فقط، بل ألف من أعضاء يمثلون البلاد العربية من نحو المغرب والشام والعراق.

وصفوة ما كنت أقول أن الطموح إلى عزة ليس بعدها عزة، يقضي علينا بأن نعيد علم الطب وسائر العلوم والفنون إلى لغتنا العربية، وأن هذه اللغة تسع - بما آتاها الله من غزارة العلم، وحكمة المقاييس - كل ما تدركه الأبصار والعقول.

ولم يبق علينا إلا أن نرجع إلى معجمات ومصطلحات علمائنا، ومقاييس لغتنا، ونتعاون على أن تكون مصطلحاتنا العلمية واحدة.

(1) يخص البرسام بالمرض العارض للحجاب الذي بين الكبد والمعدة، و "الشوصة" بالورم العارض في أضلاع الخلف، و "ذات الجنب" بالورم العارض للغشاء المستبطن للأضلاع والحجاب، انظر:"كشاف مصطلحات العلوم".

ص: 250