الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأذيال خود أقبلت في غلائل
…
مصبغة والبعض أقصر من بعض
ومن عرف القائل:
أأميم شاهدت يوم نزالنا
…
والخيل تحت النقع كالأشباح
تطفو وترسب في الدماء كأنها
…
صور الفوارس في كؤوس الراح
لم يبق على الجهالة بشكل الكؤوس المستعملة لذلك العصر، وعقلها على أي صورة تصنع.
ولعلك تسمع قول النور الأسعدي:
يميناً ما مدحتك من ضلال
…
ولي في ذاك عذر في الكمال
ولكني لأكمل منك نقصاً
…
كما جعل الطراز على الشمال
فتستفيد منه: أن العلامة التي تجعل في ثياب الكبراء من قبل الأمراء؛ ليمتازوا بها عن غيرهم، كانت توضع في القديم على جهة اليسار؛ كما هي عادة رجال الدول اليوم في وضع غالب النياشين التي هي بمثابة الطراز.
*
اقتباسهم من غير لغتهم:
مما يشهد للعرب بارتقاء أفكارهم، وبعدها عن ساحة الجمود: أنهم لم يستنكفوا - مع إعجابهم بفصاحة لغتهم، وعلمهم بكثرة مفرداتها وتصاريفها - أن يضيفوا إليها من لغات الأمم ما يوفر عددها، ويزيدها سعة على سعتها، ومن هذه الألفاظ الدخيلة ما يبقونه على حالته التي كان عليها عند العجم؛ نحو: كركم، ومنه ما يغيرونه بالنقص أو الزيادة أو الإبدال، لاسيما إذا كانت حروفه مخالفة في المخارج والصفات لحروف لغتهم؛ مثل: فيروز، فاؤه عند العجم بين الفاء والباء، ومثل: الأسقف، وأصله باليونانية (إيسكوبوس)،
وربما اشتقوا منه أفعالاً على قياس ما يشتقونه من أسماء الأجناس الأصلية في أبنيتهم؛ نحو: تطليس: إذا لبس الطيلسان، وألجم الدابة: إذا وضع اللجام في فمها، واتسعوا في تصريفها إلى أن نقلوها إلى غير معناها على سبيل المجاز، فقالوا: لجمه الماء: إذا بلغ فاه.
وإذا تصرفوا فيها كما يتصرفون في أوضاع كلامهم، صارت بمنزلة الألفاظ المرتجلة عندهم. وليس بصحيح ما يزعمه بعضهم من أن إدخال الألفاظ الأعجمية على اللغة مفسد لها؛ فإن القرآن، وهو الراقي بفصاحته إلى حد الإعجاز، قد اشتمل على عدة كلمات غير عربية؛ نحو: مشكاة من الهندية، وإستبرق من الفارسية، وقسطاس من الرومية، وهذا لا ينافيه قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]؛ فإن هذه الألفاظ لما أخذها العرب، وأدخلوها في لسانهم، اختلطت بلغتهم، وصارت معدودة فيما هو عربي فصيح، فلا يخرج الكلام الشامل لها من نسبته إلى العربية.
وأنكرت طائفة - منهم ابن جرير الطبري - وقوع المعرَّب في القرآن، وادعوا أن هذه الأمثلة مما تواردت فيها اللغات، فتكلمت بها العرب والفرس أو الروم - مثلاً - بلفظ واحد من دون اقتباس، ولا يصح القول بهذا في مثل إستبرق وسندس؛ لأن الثياب الحرير ليست من مصنوعات العرب، وإنما عرفوها من الفرس.
وتجاوز كثير الحد في هذا النوع، وأتوا إلى كل لفظ عربي يعثرون عليه في لغة أخرى، وحكموا عليه بأن العرب اقتبسته من تلك اللغة، وإن كان معناه مما شأنه أن تشترك فيه الأمم، أو لا يدرى من الذي أنشاه سابقاً؛ مثل: الهرج؛ أي: الفتنة، والدرّي؛ أي: المضيء، والشطر؛ أي: الجهة،