الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التضمين
(1)
للتضمين غرض هو: الإيجاز، وللتضمين قرينة هي: تعدية الفعل بالحرف، وهو يتعدى بنفسه، أو تعديته بنفسه، وهو يتعدى بالحرف.
وللتضمين شرط هو: وجود مناسبة بين الفعلين، وكثرة وروده في الكلام المنثور والمنظوم تدل على أنه أصبح من الطرق المفتوحة في وجه كل ناطق بالعربية، متى حافظ على شرطه، وهو مراعاة المناسبة.
فإذا لم توجد بين الفعلين العلاقة المعتبرة في صحة المجاز، كان التضمين باطلاً، فإذا وجدت العلاقة بين الفعلين، ولم يلاحظها المتكلم، بل استعمل فعل أذاع - مثلاً - متعدياً بحرف الباء على ظن أنه يتعدى بهذا الحرف، لم يكن كلامه من قبيل التضمين، بل كان كلامه غير صحيح عربية.
فالكلام الذي يشتمل على فعل عُدي بحرف، وهو يتعدى بنفسه، أو عدي بحرف، وهو يتعدى بغيره، يأتي على وجهين:
الوجه الأول: أن لا يكون هناك فعل يناسب الفعل المنطوق به، حتى تخرج الجملة على طريقة التضمين. ومثل هذا نصفه بالخطأ، والخروج
(1) بحث لغوي ألقاه الإمام في "مجمع اللغة العربية"، ونشر في مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الخامس من المجلد السابع - الصادر في ذي القعدة 1353 هـ القاهرة.
عن العربية، ولو صدر من العارف بفنون البيان.
الوجه الثاني: أن يكون هناك فعل يصح أن يقصد المتكلم لمعناه مع معنى الفعل الملفوظ، وبه يستقيم النظم، وهذا إن صدر ممن شأنه العلم بوضع الألفاظ العربية، ومعرفة طرق استعمالها، حمل على وجه التضمين الصحيح، كما قال سعد الدين التفتازاني:"فشمرت عن ساق الجد إلى اقتناء ذخائر العلوم"، والتشمير لا يتعدى بإلى، فيحمل على أنه قد ضمن شمر معنى الميل الذي هو سبب التشمير عن ساق الجد.
فإن صدر مثل هذا من عامي، أو شبيه بعامي؛ أي: ممن يدلك حاله على أنه لم يبن كلامه على مراعاة فعل آخر مناسب للفعل الملفوظ، كان لك أن تحكم عليه بالخطأ، فلا جناح عليك أن تحكم على قول العامة - مثلاً -: أرجو الله قضاء حاجتي، باللحن، والخروج عن قانون اللغة الفصحى؛ لأن فعل الرجاء لا يتعدى إلى مفعولين، وليس لك أن تخرجه على باب التضمين؛ كأن تجعل "أرجو" مشرباً معنى "أسال" بناء على أن بين الرجاء والسؤال علاقة السببية، فإن هذا الوجه لم ينظر إليه أولئك الذين استعملوا فعل "أرجو" متعديا إلى المفعولين.
ومن هنا نعلم أن من يخطئ العامة في أفعال متعدية بنفسها، وهم يعدونها بالحروف، مصيب في تخطئته، إذ لم يقصدوا لإشراب هذه الأفعال معاني أفعال أخرى تناسبها، حتى يخرج كلامهم على باب التضمين.
وليس معنى هذا أن التضمين سائغ للعارف بطرق البيان دون غيره، وإنما أريد: أن العارف بوجوه استعمال الألفاظ، لا نبادر إلى تخطئته، متى وجدنا لكلامه مخرجاً من التضمين الصحيح. أما غيره؛ كالتلاميذ، ومن يتعاطى
الكتابة من غير أن يستوفي وسائلها، فإن قام الشاهد على أنه نحا نحو التضمين؛ كما إذا اعترضت عليه في استعمال الفعل المتعدي بنفسه متعدياً بحرف، فأجاب بأنه قصد التضمين، وبين الوجه، فوجدته قد أصاب الرمية، فقد اعتصم منك بهذا الجواب المقبول، ولم يبق لاعتراضك عليه من سبيل.
وإن قام شاهد على أن المتكلم لم يقصد للتضمين، وإنما تكلم على جهالة بوجه استعمال الفعل، كان قضاؤك عليه بالخطأ قضاء لا مرد له.
فمصحح ما يكتبه التلاميذ ونحوهم، يجب عليه أن يرد الأفعال إلى أصولها، ولا يتخذ من التضمين وجهاً لترك العبارة بحالها، والكاتب لا يعرف هذا الوجه، أو لم يلاحظه عند الاستعمال.
فللتضمين صلة بقواعد الإعراب من جهة تعدي الفعل بنفسه، أو تعديه بالحرف، وصلة بعلم البيان من جهة التصريف في معنى الفعل، وعدم الوقوف به عند حد ما وضع له، ومن هذه الناحية لم يكن كبقية قواعد علم النحو، قد يستوي في العمل بها خاصة الناس وعامتهم.