الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم
مقدّمَة الإمام محمّد الخضر حسين
الحمد لله الذي فاوت بين الألسنة في مراتب البيان والتبيين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل بلسان عربي مبين؛ ثم الرضا عن آل بيته الطاهرين. وأصحابه الأنصار والمهاجرين.
هل أتاكم نبأ فريق من أعيان الأدباء، وأعضاء هذه الجمعية "جمعية الخلدونية"؛ إذ أخذتهم الغيرة على ما للغة العربية من الوضع المحكم، والأساليب المؤثرة، فاجمعوا أمرهم على السعي في ترقية شأنها باقرب الوسائل، ومواصلة البحث عن أسرار فصاحتها، ومن مآثر هذه الهمة أن خاطبني مجلس إدارتهم السامية بكتاب يقترح علي القيام بمسامرة في بيان شرف هذه اللغة، ودلائل حياتها، فضربوا لي معهم بسهم من ذلك الاهتمام، وما لبثت أن تلقيت دعوتهم بالاجابة.
حررت ما سنناجيكم به في هذا المقام، وأتيت في خلال تحريره على شُبه أوحى بها إليّ بعض المسامرين، فالتبس عليه حال اللغة من جهة حياتها، ولئن أشهدناه دم الحياة كيف يجري في عروقها، وتلونا عليه من دلائل فصاحتها
ما لا يستطيع إنكاره، فإنا نعترف له بمزية البحث، وإعمال الفكرة لأننا أمة بحث ونظر، لا أمة تقليد وضغط على الأفكار.
ولا أظهر في هذا الموقف بدعوى المفاضل بينها وبين لغات أخرى، ثم أقضي لها بالمزية والسباق؛ فإن شرف منزلتها، وقرار حياتها، لا يتوقف في بيانه على الموازنة بينها وبين ما عداها من اللغات.
ولا أدعي - فيما أسوقه من شواهد حسنها - أن جميعه خاصة لها، لا يشاركها فيه لسان، فإذا أوردنا في سلكها فضيلة يعهدها بعض الحاضرين من لغة أخرى، فلا يناجِ نفسه بأنا خرجنا عن سبيل الغرض والقصد من الاستشهاد؛ إذ يكفينا داعيا إلى الذود عن حياضها، وناهضاً بالهمم إلى الاحتفاظ بها، أن غيرها من الالسنة لا يفوقها بفن من فنون البيان.
فالغرض، إنما هو البحث عن حال اللغة في حد نفسها من جهة أطوارها، ومحكم وضعها، واتساع نطاقها، وارتقائها مع المدنية، وما يشاكل ذلك، وإليكم حديثها.
محمّد الخضر حسين