الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعينه، لم يكن مخالفاً لقانون اللغة، وعلى أي حال، لا يؤاخذ الناطق بهما بعد أن صارا علمين، ولا يوصف بالخطأ الذي يوصف به القائل: اقتطفت الثمرة، واحترت في أمر كذا.
ولا أدري - إلى هذا اليوم - ماذا أراد صاحب "القاموس" بالقياس في قوله: "فَقْعَس عَلمٌ مرتجل قياسي"؛ إذ لا نعرف فارقاً بين فقعس وغيره من بقية الأعلام المرتجلة سوى أن مادته لم تستعمل إلا في صيغة هذا العلم؛ بخلاف غيره من الأعلام المرتجلة؛ كسعاد، وأدَد؛ فإنها مرتجلة؛ نظراً إلى صيغتها، وأما مادة حروفها، فإنها مستعملة من قبل هذه الأعلام بصيغ أخرى.
*
الكلمات غير القاموسية
(1):
كان فضيلة الأستاذ الشيخ عبد القادر المغربي رئيس المجمع العلمي بدمشق قدَّم إلى ذلك المجمع اقتراحاً، وبعث إليَّ المجمع بنسخة من ذلك الاقتراح يطلب إبداء رأي فيه، فكتبت في جوابه مقالاً موجزاً، وقد رأيت إضافته في الطبع إلى كتاب "القياس في اللغة العربية" مصدَّراً باقتراح المغربي.
اقتراح الأستاذ المغربي:
موضوع اقتراحي - أيها السادة - هو استمالة نظركم إلى العناية بالكلمات (غير القاموسية)؛ وأعني بالكلمات غير القاموسية: كلمات نستنكف من إيداعها
(1) نشرت في مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء السادس من المجلد الأول- الصادر في ذي القعدة 1347 - القاهرة.
قواميسنا العربية. وقد أصبحنا - مع هذا - لا نستنكف من التكلم بها، وإيداعها كتاباتنا أحياناً. وقد أصبحنا -معشر العرب- مع معاجم لغتنا تجاه أمر واقع غريب الشكل، ذلك أننا نرى ألوفاً من الكلمات العربية الحوشية المهجورة الاستعمال قد تبوأت من قواميسنا الصدر والمحراب، وألوفاً من الكلمات الدخيلة التي ألفتها الأسماع، والتي نرى أنفسنا مضطرين لاستعمالها قد حرمت دخول المعاجم، وطرحت وراء الأبواب.
وهذا على خلاف ما عليه الحال في لغات الأمم الراقية؛ فإن معاجمها اليوم تتضمن من الكلمات القديم والحديث، والأصيل والدخيل، وميزان التفاضل بينهما إنما هو استعمال البلغاء لها، لا لكونها أصيلة أو دخيلة، فإذا تصفحت معجم (لاروس) - مثل -، وجدت فيه إزاء الألفاظ الإفرنسية المحضة ألفاظاً أخرى من لغات مختلفة، فنجد من اللغة العربية - مثلاً - كلمات: mesquine " مسكين"، felouque " فلك"، marbout " مرابط"(شيخ صوفي)، bled " بلد"، cable " جبل"، sirop " شراب"، houri " حورية"، mantille " منديل"، jare " جرة" في نظير ذلك من الكلمات العربية التي يحلونها المحل الأرفع من معاجمهم، ويزينون بها خطبهم وكتاباتهم. ولا يخفى على حضراتكم - أيها السادة - أن الكلمات الدخيلة التي سميناها:(غير قاموسية) تبقى مرذولة سيئة السمعة ما دامت لا تذكر في معاجمنا العربية. وما دام كتابنا المجيدون يأنفون من استعمالها خشية أن ينسب إليهم قصور، أو توصم كتاباتهم بلوثة العجمة، وكل ما أريد الآن من أفاضلنا أن لا ينظروا إلى الكلمات (غير القاموسية) نظرة ازدراء، ولا يحرموا استعمالها على السواء، بل أقترح عليهم أن يضعوها، ثم يميزوا بين أصنافها، فصنف منها يعلن مجمعنا
العلمي الفتوى بجواز استعماله، بل بلزوم ذكره في معاجمنا اللغوية الحديثة أيضاً، وصنف منها يعلن عدم جواز استعماله أصلاً، ثم يبين السبب في الأمرين: الجواز، وعدم الجواز.
وها أنذا منذ الساعة أصنف هذه الكلمات تصنيفاً أولياً يدرك الذهن منه ما هي الكلمات (غير القاموسية) التي ينبغي استعمالها، وما هي الكلمات التي يجب اطراحها وإهمالها:
"الصنف الأول": من الكلمات (غير القاموسية): كلمات عربية قحة، لم تذكرها المعاجم، لكنها وردت في كلام فصحاء العرب الذين يحتج بأقوالهم، مثل فعل "تبدَّى" بمعنى: ظهر، لم تذكره المعاجم بهذا المعنى، وإنما ذكرته بمعنى:"سكن البادية"، لكنه ورد في بيت شعر لعمرو بن معدي كرب من قصيدته الدالية المذكورة في "ديوان الحماسة". والبيت هو قوله:
وبدت لميس كأنها
…
بدر السماء إذا تبدَّي
فما رأيكم - أيها السادة - في هذه الكلمة (غير القاموسية)؟ هل يجوز لنا إهمالها بعد أن جات في شعر هذا العربي الصميم؟ لكن لماذا لم تذكرها المعاجم؟ هذا شيء آخر لا يتسع الوقت للبحث فيه، ولا أظن أن زملائي أعضاء المجمع العلمي يخالفونني في وجوب الإسراع إلى إعلان الفتوى بجواز استعمال كلمة (تبدى) وما أشبهها.
"الصنف الثاني": من الكلمات (غير القاموسية): كلمات عربية خالصة لم تذكرها المعاجم، لكنها وردت في كلام فصحاء العرب الإسلاميين الذين لا يحتج بأقولهم: وهذا كفعل (أقصَّ) الخبر-رباعياً- بمعنى: (قصه) - ثلاثياً - لم تذكره المعاجم، لكنه جاء في كلام الإمام الطبري المشهور ببلاغة عبارته إذ
قال في "تاريخه"(جزء 2 ص 184) من الطبعة الأوربية -: "فأتيته فأقصصت قصته".
وأظن أن السادة أعضاء المجمع يوافقونني أيضاً على إعطاء الفتوى بجواز استعمال هذا الصنف من الكلمات (غير القاموسية)، ويمكن أن يعدّ من هذا النوع إقرار العلامة اليازجي لكلمة "فخيم"، مع أن علماء اللغة لم يذكروا إلا "فَخْم"، واستعمال الإمام الشيخ محمد عبده لكلمة:"صدفة" في خطبة "شرحه لنهج البلاغة" مكان كلمة: (مصادفة).
"الصنف الثالث": كلمات عربية المادة، ومع هذا لا يعرفها العرب، أو يعرفونها في معان أخر، وهي كلمات اصطلاحية فنية أو إدارية؛ كقولهم:(هيئة المحكمة)، (تشكيل المحاكم)، (انعقدت الجلسة)، (تعريفة الرسوم)، (ميزانية)، (كمية)، (كيفية)، وما في نظير ذلك، وهذه الكلمات (غير القاموسية) أرجو من رفاقي أعضاء المجمع أن يجوزوا استعمالها، لا سيما أنها كلمات اصطلاحية كما قلنا، ولكل قوم اصطلاحهم.
"الصنف الرابع": كلمات عربية المادة ولَّدها المتأخرون من أهل الأمصار الإسلامية لا يعرفها العرب الأولون، ولم ينطق بها الفحول المقرمون؛ مثل فعل:"خابره" بمعنى: راسله، وفعل:"تفرج" على الشيء، "واحتار" في أمره، "وتنزه" في البستان، وهكذا. وأنا أعترف بأنني سألقي صعوبة في حمل زملائي أعضاء المجمع العلمي على إعطاء فتوى بجواز استعمال هذا الضرب من الكلمات (غير القاموسية).
"الصنف الخامس": كلمات دخلية عجمية الأصل، وهي منها ما هو ثقيل "على اللسان":(أتوموبيل)، (بيرصو ناليته)، ومنها ما هو خفيف في
السمع مثل: (فلم)، (بالون). وأنا على يقين أن أعضاء المجمع لا يجوزون استعمال كلا القسمين: الثقيل، والخفيف، وإنما هم يوجبون العدول عنهما إلى كلمات عربية تقوم مقامهما، أو تعريبها بكلمات ذات صيغة عربية كما قالوا: مناورة في تعريب manoeuvre.
وأنا أوافقكم في الكلمات الثقيلة. أما الخفيفة مثل: (فِلم، وبالون)، فأرتاح إلى القول بجواز استعمالها كما هي.
"الصنف السادس": أساليب أو تراكيب أعجمية تسربت إلى لغتنا مترجمة عن اللغات الأوربية، وهي مما لا يعرفه العرب الأقدمون، وهذا كقولهم:"ذر الرماد في العيون"، "عاش ستة عشر ربيعاً"، "وضع المسألة على بساط البحث"، "لا جديد تحت الشمس"، "ساد الأمن في البلاد"، وما في نظير ذلك، وكل هذا مما استفاض بيننا، وتعاورته أقلامنا، ولا أظن أن أحداً ينازع في جواز استعماله، اللهم إلا الذين أصيبوا بالوسواس اللغوي.
"الصنف السابع": من الكلمات (غير القاموسية): كلمات عربية لا يستعملها أحد من الفصحاء، بل يتحاشون النطق بها لعمري، وهو ما نسميه:"العامي"، وهذا كثير لا يجهله أحد مثل كلمة "بدّى" أذهب، "جيب" الكتاب، "لحشه" على الأرض، "تعربش" على الشجرة، "تحركش" بفلان، إلى غير ذلك، وهذا لا يجوز استعماله بالطبع، بل يجب العمل على تقليص ظله من بيننا تدريجاً، وتعويد أبنائنا على استعمال غيره من الفصيح الذى يصلح أن يقوم مقامه.
هذا ما خطر لي - أيها السادة - في تصنيف الكلمات (غير القاموسية)، ويمكن تصور أصناف أخرى غيرها؛ إذ ليس القصد من هذا الاقتراح الاستقصاء وبلوغ الغاية، وإنما القصد الإشارة والتلميح إلى ما يجب على مجمعنا العلمي
عمله من التسامح، وإعطاء الفتوى في الكلمات التي عمت بها البلوى.
"المغربي"
جواب هذا الاقتراح:
لم يبق اليوم من يخالف في أن اللغة العربية في حاجة إلى مجمع علمي يسير بها مع مقتضيات العصر، ويضع للمعاني المتجددة ألفاظاً لائقة.
والذي يمكن أن تختلف فيه الآراء إنما هو الطريق الذي نذهب منه إلى سد الحاجة ورفع الحرج حتى لا تفقد اللغة حياتها. وحتى لا يقف الكاتب أو الخطيب أو الشاعر أمام هذه المعاني الطارئة مبهوتاً. يكاد علماء اللغة -فيما سلف- يجمعون على أن الناطق بكلمة لم ترو عن العرب الخلص مخطئ، إلا أن تكون على قياس لغتهم. وإذا جرى الخلاف في صحة استعمال كلمة أو تركيب لم ينقل عن العرب، فاساسه اختلاف النظر في أن هذا الاستعمال موافق لمقاييس اللغة، أو غير موافق لها.
وإذا وجد الباحث في مواقع اختلاف علماء العربية سعة فيما يأخذ به من قبول بعض الكلمات أو التراكيب، فإن مخالفتهم فيما يجمعون على أنه غير مطابق للقياس ليست من السهولة بحيث يجهر به الكاتب أو الخطيب غير مستند إلى شيء سوى الحرص على تكثير سواد اللغة، وإطلاق الألسنة من أن تتقيد بنظمها.
ولا أذهب إلى أن خرق إجماعهم في نفسه خطأ، وأن قولاً خارقاً مردود على كل حال؛ وإنما أود من الكاتب أو الخطيب أن يدخل البحث على طريقة يثبت بها أن اسمتعمال الكلمة أو التركيب على الوجه الذى يختاره موافق لمقاييس اللغة، أو يذكر وجه الحاجة الداعية إلى هذا الاستعمال، ويبين أن اللغة تبقى
من دونه في قصور يقف بها دون هذه اللغات النامية.
ضبط علماء اللغة قواعد العربية، ومازوا بين ما جاء على وجه الشذوذ، فينطق به كما ورد، وبين ما يصلح لأن يكون قياساً مطرداً، فرموا بهذا إلى غرضين شريفين:
أحدهما: المحافظة على لهجة العرب وطرز خطابهم.
ثانيهما: فتح السبيل إلى أن تستمر اللغة نامية على وجه يلائم روحها يوم وصلت في بلاغتها وحسن بيانها إلى ذروة لا تطمح العين إلى ما وراءها.
"لم يزل ولدُ إسماعيل على مر الزمن يشتقون الكلام بعضه من بعض، ويضعون للأشياء أسماء كثيرة بحسب حدوث الأشياء الموجودات وظهورها". وهذا النوع من التصرف لا يختص بالعرب الخلص، بل هو حق باق لكل من ينشؤون على النطق بهذه اللغة الفضلى. وإذا لم تسر هذه اللغة فيما سلف على مقتضيات العصور، فليست علة ذلك أن آراء علمائها وقفت في سبيل تقدمها، وإنما فات علماءها أن يقوموا بهذا الإصلاح العلمي على طريقة منتظمة دائمة.
طرأت على اللغة علل سرت من ألسنة غير فصيحة، وترجع هذه العلل إلى أضرب:
أحدهما: تغيير نظم الكلام؛ كتقديم ما التزم العرب تأخيره، والفصل بين كلمتين التزموا فيهما الإتصال. وهذا النوع من التغيير لا يصح أن يجارى فيه العامة البتة؛ لأن الإغماض فيه يفضي إلى انقلاب اللغة الفصحى إلى لغة أو لغات لا ندري كيف تكون منزلتها في الانحطاط والبعد عن هذه الأساليب المحكمة.
ثانيها: ترك هذه الحلية المسماة بحركات الإعراب، والأخذُ في هذا بما تفعله العامة مُذْهِبٌ لبهاء اللغة، وملقٍ للكلام في ضروب من الإبهام، وقد كانت وجوه الإعراب تصونه عنها لأول ما يلفظ به من غير احتياج في رفع هذا الإبهام إلى قرينة زائدة عن نفس الخطاب.
ثالثها: مفردات أصلها عربي، فتغيرها العامة بنحو الحذف أو الزيادة أو القلب. مثل كلمة:(بِدِّى) أفعل، فالظاهر أن أصلها:(بوُدّي) ومثل: (تحركش) بفلان، فالظاهر أن أصلها:(تحرَّش)، وهذا من أمراض اللغة التي يجب أن نحمي ألسنتنا وأقلامنا من أن تحوم حولها.
والأستاذ المغربي يوافق على أن هذا الصنف مما يتحاشى من النطق به، ويجب العمل على تقليص ظله. ولا أحسبه يخالف في تحامي الصنفين الأولين، ووجوب العمل على تنقية اللغة من أقذائهما. ونحن نوافق الأستاذ في صحة استعمال ما سماه صنفاً أول، وهو "كلمات عربية قحة لم تذكرها المعاجم، ولكنها وردت في كلام فصحاء العرب الذين يحتج بأقوالهم، مثل فعل (تبدَّى) بمعنى "ظهر"؛ حيث ورد في بيت لعمرو بن معدي كرب مروي في "ديوان الحماسة"، ومن الذي يعارضه في صحة استعمال كلمة جاءت في شعر عربي احتواه كتاب يوثق به؛ ككتاب "ديوان الحماسة"؟!
ويجري على هذا السبيل كلمة: (معتمد) للذي عمده الوجع؛ فقد وردت في شعر عزاه صاحب "الأغاني" لعدي بن زيد، وهو "من لقلب دنفٍ أو معتمد"، والقافية، وتفسير صاحب "الأغاني" لها بقوله:"المعتمد: الذي قد عمده الوجع" ينفيان احتمال أن تكون هذه الكلمة قد أصيبت بتحريف. فعد مثل هذه الكلمة في لغة العرب مما يجد في القبول مساغاً، وإن لم يرد
في كتب المعاجم. ومن هذا القبيل لفظ (يُسوِّف) مضعف سافَ؛ أي: شَمَّ، فإنا لم نجده في مثل "القاموس"، و"اللسان"، ولكنه ورد في قول أمية بن أبي عائذ:"فظل يسوف أبوالها"، وفسره أبو سعيد العسكري في "شرح أشعار الهذليين" بقوله:"يسوف: يشم".
ونوافق الأستاذ "المغربي" فيما سماه صنفاً سادساً. وهو أساليب أو تراكيب أعجمية مترجمة عن اللغات الأجنبية، ولا يعرفها العرب الأقدمون، ونحن لا نعلم وجهاً للنفور من استعمال هذا الصنف ما دام التركيب موافقاً للنظم المالوفة في علم النحو؛ كهذه الأمثلة التى ضربها الأستاذ:(ذر الرماد في العيون)، (عاش ستة عشر ربيعاً)، (وضع المسالة على بساط البحث)، (لا جديد تحت الشمس)، (ساد الأمن في البلاد)، وهذا الصنف يرجع في الواقع إلى اقتباس صور من معاني لغة أخرى. واقتباس المعاني من اللغات الأجنبية شيء يتسع به أدب اللغة، ولا أعرف أحداً في القدماء أو المحدثين يلاقيه بإنكار، إلا أن يكون شيئاً تنبو عنه الأذواق السليمة.
وأما ما سماه الأستاذ صنفاً ثالثاً، وهو (كلمات عربية المادة، ومع هذا لا يعرفها العرب، أو يعرفونها في معان أخرى، وهي كلمات اصطلاحية فنية أو إدارية)، فهذا النوع مما تدعو الحاجة إليه، ولمثله تؤسس المجامع اللغوية، والوقوف في سبيله وقوف في سبيل حياة اللغة، ولا شرط له إلا أن يجيء على قياس لغة العرب، ويصاغ على وجه يقع من ذوق الأديب العربي موقع القبول.
وأما ما سماه الأستاذ: (صنفاً خامساً)، وهي كلمات دخيلة أعجمية الأصل؛ نحو:(أتوموبيل)، و (بالون)، فارى أن واجب المجمع اللغوي أن
يضع لهذه المعاني الحديثة ألفاظاً عربية، والمجال أمامه فسيح. ففي المجاز، والاشتقاق القائم على القياس سعة. ولا سيما الكلمات الخفيفة المهجورة؛ فإن إحياءها واستعمالها فيما يشبه معناها الأصلي، أو يكون له به صلة غير مشابهة، خير من جلب كلمة غير عربية، وأدعى إلى تناسب الكلمات وائتلافها. ولا نعد المجمع اللغوي مضطراً إلى إباحة استعمال الأعجمية إلا إذا لم يجد في نفس اللغة العربية ما يغني غناءها.
وأما ما سماه الأستاذ: صنفاً رابعاً، وهو (كلمات عربية المادة، ولَّدها المتاخرون من أهل الأمصار الإسلامية، لا يعرفها العرب الأولون، ولم ينطق بها الفحول المقرمون)، وضرب له المثل بنحو:(تفرج)، و (تنزه)، و (احتار)، فإن قبوله يطلق لكل أحد العنان في أن يشتق الكلمة على غير قياس؛ كأن يقول: اقتام في معنى قام، واعتلم في معنى علم، كما قال غيره: احتار في موضع حار، واقتطف في موضع قطف.
وأما ما سماه الأستاذ: صنفاً ثانياً، وهو (كلمات عربية خالصة لم تذكرها المعاجم، لكنها وردت في كلام فصحاء العرب الذين لا يحتج بأقوالهم)، ومثل له بكلمة (أقصصنا) الواردة في تاريخ ابن جرير، و (فخيم) الواردة في كلام اليازجي، و (صدفة) الواردة في كلام الشيخ محمد عبده، فنحن لا نفهم إلا أن اليازجي والشيخ محمد عبده استعملا هاتين الكلمتين على توهم أنهما من العربي الفصيح، ولسنا على ثقة من أن ابن جرير الطبري قال:(فاقصصنا)، ومجيئها في بعض النسخ من "تاريخه" لا يكفي دليلاً على أنه لفظها بفمه، أو كتبها بقلمه.
ولو سلمنا أن يكون الشيخ محمد عبده واليازجي قد استعملا الكلمتين
مع العلم بأنهما لم يردا في كلام العرب الخلص، لكان تصرفهما هذا إطلاقاً لكل ناطق بالضاد أن يلقي الكلمات كيف يشاء. فيقول في الوصف من صعب - مثلاً - صعيباً، ومن سهل: سهيلاً؛ كما قال اليازجي في الوصف من فخم (فخيماً)، ويقول مكان قتل:(أقتلَ)، ومكان ضرب:(أضرب)؛ كما جاء في بعض النسخ من "تاريخ ابن جرير": (أقصصت)، ويقول كلمته (شفهة) بدل كلمته (مشافهة)؛ كما قال الشيخ محمد عبده:(صدفة) بدل مصادفة، ولسنا في حاجة إلى إيقاظ هذه الفوضى وهي نائمة، ولسنا في حاجة إلى أن ناع اللغة تمشي في غير نظام.
انتهى