الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منها لزوم اتصال هذا الضمير باسم الإشارة، فمنع من أن يجيء الضمير المقرون بهاء التنبيه مقطوعًا عن اسم الإشارة. وعلى هذا المذهب ابن هشام أيضاً جرى في "غير" المبنية على الضم، فقال: إنها لا تستعمل إلا متصلة بليس، فتقول: عندي كتاب ليسَ غيرُ، وقولهم:"لا غيرُ" لحن، ومن عدَّ استعمال "لا غير" فصيحاً، فقد وقف في كلام العرب على ما يشهد بصحته، وهو قول الشاعر:
جواباً به تنجو اعتمد فوربنا
…
لعن عمل أسلفت لا غير تسأل
وإذا وردت الكلمة متصلة بنوع من الكلم وروداً لا يحيط به استقصاء، صح أن يكون اتصالها بذلك النوع مقيساً؛ كتاء التأنيث تتصل باسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والمنسوب، على وجه القياس، ولم يبلغ اتصالها بأسماء الأعيان هذا المبلغ، فوقفوا به عند حد السماع، كظبي وظبية، وامرئ وامرأة، فليس لك أن تقول: إنسانة في مؤنث إنسان إلا إذا نقل إليك لفظه في شاهد صحيح، ولهذا الأصل أنكر الصفدي قولهم للظبية: غزالة، مع ورود غزال للمذكر؛ لأنه لم يثبت عنده أن العرب قالوا: غزالة، وما خالفه الدماميني في ذلك إلا بعد وقوفه على شواهد من كلام العرب تقتضي صحة استعمالها.
فالمذكر من أسماء الأعيان لا تلحقه التاء قياساً، وكذلك المؤنث منها لا يجرد من علامة التانيث، ويستعمل في المذكر إلا إذا ورد به نقل عن العرب، كما سمع إلْقة اسماً للقِرْدة، ولا يقال في ذكرها: إلْق؛ حيث لم يقم شاهد على استعماله.
*
القياس في الترتيب:
إذا كانت إحدى الكلمتين تابعة للأخرى من جهة المعنى، فالتناسب
الطبيعي يقتضي أن تذكر الكلمة التابعة عقب الكلمة المتبوعة، ومن ثم قرروا في أصولهم: أن المعطوف عليه يتقدم على المعطوف، والمؤكد يقدم على التوكيد، والمنعوت يتقدم على النعت، والمبين يتقدم على البيان، والمبدل منه يتقدم على البدل، والمستثنى منه يتقدم على المستثنى، والمميز يتقدم على التمييز، وصاحب الحال يتقدم على الحال.
فمن يجيز تقديم كلمة تابعة على متبوعها، فإنما تقبل دعواه متى كانت مصحوبة بدليل. فالكوفيون- مثلاً - أجازوا تقديم المعطوف على المعطوف عليه، والكسائي والمبرد سوَّغا تقديم التمييز على عامله، والفرَّاء والأخفش ذهبا إلى صحة تقديم الحال على عاملها الظرف أو الجار والمجرور. وابن برهان وابن كيسان نباحا تقديم الحال على صاحبها المجرصر بالحرف، وما أجاز هؤلاء التقديم في هذه المسائل، وهو مخالف للقياس، إلا مستندين إلى شواهد رأوها كافية في تقرير ما ذهبوا إليه.
ومن فروع هذا الأصل: أن لا يتقدم الضمير على معاده، واستثنوا من ذلك مواضع، أجازوا منها تقديم الضمير على معاده: إما باتفاق؛ كتقديم ضمير الشأن، وإما مع اختلاف؛ كتقديم الضمير العائد على مفعول متأخر عنه، والأصل في محل الاختلاف بيد من لا يجيز عوده على المتأخر عنه في نظم الكلام إلى أن يأتي المخالف بشاهد صحيح، وكذلك كان مذهب الأخفش، وأبي الفتح في إجازة عود الضمير المتصل بفاعل مقدم على مفعول متأخر لم يقف أمام مذهب الجمهور الذين يمنعون هذه الصورة إلا بما احتف به من الشواهد؛ نحو:
جزى بنوه أبا الغيلان عن أكبر
…
وحسن فعل كما يجزي سِنمَّار