الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العامل على المعمول.
ويذكر بعضهم في شرط صحة القياس: أن لا يكون حكم الأصل موضع اختلاف، ومثال هذا: أن الكوفيين ألحقوا فعل التعجب بأفعل التفضيل في جواز بنائه من لوني البياض والسواد، وردَّ البصريون هذا القياس؛ بأنه قياس على مختلف فيه؛ لأنهم لا يوافقون على حكم الأصل، وهو: صوغ اسم التفضيل من أسماء الألوان.
والتحقيق: أن القياس على المختلف فيه لا يكون حجة على المخالف في حكم الأصل، أما من تقرر عنده حكم الأصل بدليل راجح، فله أن يتعلق بمثل هذا القياس في تعديته إلى الفرع.
*
مباحث مشتركة بين القياس الأصلي، والقياس التمثيلي - القياس في الاتصال:
خصت العرب بعض الكلمات بالدخول على أنواع من الكلم لا تتجاوزها إلى غيرها؛ مثل: حروف الجر والنداء تختص بالأسماء، ومثل: لن ولم وليس وسوف تختص بالفعل المضارع، وجعلت بعضها مطلقاً بين الأسماء والأفعال، نحو: همزة الاستفهام، وما النافية، أو مطلقاً بين المضارع والماضي؛ نحو: قد، ولا النافية، وإن الشرطية.
فإذا وردت كلمة من أمثال هذه الكلمات مقرونة بنوع خاص من الكلم، فليس لنا أن نخرج به عن دائرة السماع. ويجري على هذا الأصل "لَمّا" الحينية؛ فإنها إنما جاءت في كلام العرب موصولة بالفصل الماضي، ومقتضى الأصل المذكور امتناع دخولها على الفعل المضارع، ولهذا لحَّن بعض الناقدين ابن أبي حجة في قوله:
والنبت يضبطها بشكل معرب
…
لما يزيد الطير في التلحين
وإذا دارت الكلمة في كلام العرب، ولم ترد إلا مجردة من أداة التعريف - مثلاً -، فهل يجوز لنا استعمالها موصولة بهذه الأداة؟ يجري هذا النظر في لفظ: كل، وبعض، فقد أنكر الأصمعي أن تدخل عليهما ال المعرفة؛ حيث لم يجيئا في كلام العرب موصولين بها، وأجاز اتصالهما بها ابن درستويه، وخالفه جميع نحاة عصره، ذاهبين مذهب الأصمعي في وجوب تجردهما من أداة التعريف، وإن استعملها بعض الأدباء؛ كابن المقفع، ويعض النحاة؛ كسيبويه، والأخفش موصولة بها، وكل من هؤلاء الأدباء أو النحاة لا يحتج بما يقع في كلامهم، وإنما الحجة في روايتهم.
وبمقتضى هذا الأصل أنكر الحريري إدخال أل المعرفة على لفظ "كافة" ناظراً إلى أن العرب لم تفعل ذلك (1).
قد يخطر ببالك أن هذا الحجر يقتضي أن لا تدخل أل على اسم إلا إذا سمع اتصالها به في الفصيح من كلام العرب، ومن المتعذر أن يتتبع واضع القاعدة جميع الأسماء العربية؛ ليتحقق هل نطقوا بها مقرونة بال المعرفة، أولا؟.
فالجواب: أنا لا ندَّعي أن هذه الكلمات لم يستثنها النحاة إلا بعد أن أتوا على جميع المفردات مفردًا مفردًا، فوجدوها تجيء موصولة بأل ما عدا هذه المستثنيات: كل، ويعض، وما شاكلها، وإنما جاز لهم استثناؤها من جهة أنها دائرة على ألسنة الفصحاء بكثرة، حتى لا تكاد تمر بقصيدة أو خطبة أو محاورة، دون أن يعترضك شيء منها، وعدم استعمالها موصولة بأداة التعريف
(1) لنا عود في فصل: القياس في مواقع الإعراب، إلى زيادة البحث في استعمال هذه الكلمة.
مع إيرادهم لها في جل مخاطبتهم، دليل على أنهم التزموا قطعها عن هذه الأداة، ولا يسوغ لنا إلحاق الكلمة باشباهها متى شهد الاستعمال المستفيض بعدم إجرائها على القاعدة.
وملخص القول: أن الكلمة إذا وردت متصلة بلفظ، أو نوع من الألفاظ خاص، فلابد من النظر في حال استعمالها؛ فإن أكثر دورانها في أقوال الفصحاء وغيرهم، ولم يعدلوا بها عن ذلك الوجه من الاستعمال، وقفنا عند حد استعمالهم، ولا يسعنا الخروج بها عن ذلك الحد، وإذا لم تكن شائعة في فنون المخاطبات شيوعَ كلّ وبعض؛ فإنه يسوغ لنا أن نتصرف فيها، ونتعدى بها حدود الرواية؛ حيث لم يقم الدليل على قصد اختصاصها بذلك الاستعمال، وهو كثرة تقلبها على ألسنتهم، ودورانها في محاوراتهم.
ومما ينتظم تحت هذا البحث: الألفاظ التي قال صاحب "إصلاح المنطق" وغيره: إنها لا تستعمل إلا في سياق النفي، وهو: أحد، وعريب، وديَّار، وأخواتها، ويدخل في هذا نحو: قصارى، وحمادى، ولبَّى، ودوالي من الكلمات التي لم ترد موصولة إلا بنوع خاص، وهو المضاف إليه. ونظير هذا كلمة:"بيد"، فإنها بمعنى غير، ولكنها لم ترد إلا متصلة بأنَّ وصلتها، فيقال: فلان كثير المال بيد أنه بخيل، فلا يتجاوز بها حد هذا الاستعمال؛ كان تضيفها إلى اسم صريح قياسا على كلمة "غير" مراعياً توافقهما في المعنى.
وإن شئت مثلاً يزيد البحث بياناً، فإن العرب لم يستعملوا الضمير المسبوق بهاء التنبيه موصولاً باسم الإشارة؛ نحو: ها أناذا قائم، فرأى ابن هشام أن الشواهد الواردة بهذا الأسلوب قد بلغت في الكثرة إلى أن يؤخذ