الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البينة في إلغاء الشرط وقيام الحكم بدونه، ويذهب في التأويل أبعد مذهب، وهذا كما قال البصريون في تاويل آية {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1]: إن الواو في قوله: (والأرحامِ) للقسم، لا للعطف، أو إن حرف الجر، وهو الباء، مقدر، وكلا الوجهين في منتهى الضعف كما ترى.
فلو عجز المخالف في شرطية الاقتران بوصف أو لفظ عن الطريقة الأولى، وهي إقامة الشاهد على وجود العمل مع تخلف ذلك الوصف أو اللفظ، وجنح إلى الطريقة الثانية، وهي المطالبة بالوجه المناسب، لجعل الاقتران بذلك الوصف أو اللفظ شرطاً، فإن أبدى القائل بالشرطية وجهاً صحيحاً لارتباط العمل بالوصف أو اللفظ المقارن، انقطع المخالف، واستقر الشرط في محله.
وهذا كما يقول البصري: إن الفعل الناسخ المقرون بما النافية لا يجوز تقديم خبره على "ما"، وهذا القول في معنى أن شرط عمل الناسخ المنفي بحرف "ما" أن يكون خبره مؤخراً عنه.
وقد نازع الكوفيون في هذا الشرط، مع اعترافهم بأن الخبر لم يرد في السماع إلا مؤخراً، فكان من البصريين أن قالوا: لربط العمل بتأخير الخبر وجه هو: أن "ما"، النافية من الأدوات المستحقة للصدارة، فلا يصح لما بعدها أن يعمل فيما قبلها.
فإذا لم يأت مدعي الشرطية بوجه، أو أتى بوجه غير مقبول، بقي باب القياس مفتوحاً في وجه المخالف، فإن كان قريب المأخذ، حسن الموقع، انهدم ذلك الشرط، واستمر العمل على إطلاقه.
*
القياس في الأعلام:
المعروف في الأعلام أن أمرها موكول إلى واضعها، فينقلها من أي
موضع شاء، ويصوغها في أي وزن شاء، دون أن يراعي قانوناً، أو يجري فيها على سنة قياس.
قال الشيخ ابن عرفة في تفسير قوله تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14]: انتقد القرافي على الفخر بن الخطيب تسمية كتابه بالمحصول قائلاً: إن فعل حصل "لا يتعدى" إلا بحرف الجر، ومثل هذا لا يبنى منه اسم المفعول إلا مصحوباً بالمجرور، فكان حق التسمية: المحصول فيه.
ثم تصدَّى الشيخ ابن عرفة لجواب هذا الاعتراض، فقال: إن صوغ اسم المفعول من اللازم بدون المجرور إنما يمنع إذا أريد منه مجرد الوصف، وأما أخذه على أنه اسم لشيء معين، فجائز؛ لأنه يصح تسمية الإنسان ببعض الاسم، فأحرى أن يسمى باسم المفعول غير مصحوب بحرف الجر؛ كما سميت الشجرة:"سدرة المنتهى"، دون: المنتهى إليها.
وبمثل هذا يجاب المعترض على القاضي عياض في تسمية كتابه: "الشفا"؛ حيث قال: إن ما ورد ممدوداً؛ كالشفاء، لا يجوز قصره إلا في ضرورة الشعر.
وبمثل هذا أيضاً يجاب من اعترض تسمية بعض المؤلفات بنحو: رد المحتار، أو المقتطف؛ إذ لم يجد في كتب اللغة احتار واقتطف، وليس هناك قياس يجيز اشتقاق احتار من حار، أو اقتطف من قطف.
والتحقيق: أن إنكار تسمية بعض المؤلفات برد المحتار، أو المقتطف، إنما يتوجه على واضع الاسم متى بنى وضعه على أن العرب قالوا: احتار، أو اقتطف، أو على اعتقاد صحة أخذ افتعل من مادة: حار، أو قطف، ولو علم أنه لا يقال: محتار، ومقتطف، ثم عمد إلى وضع أحدهما اسماً لتاليف