المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأخذت قوتهم وقدرتهم وصولتهم تزيد شيئا فشيئا، وبدأت دولتهم القوية - موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - جـ ٥

[أيوب صبري باشا]

فهرس الكتاب

- ‌مرآة الجزيرة العربية

- ‌الوجهة الأولى

- ‌الصورة الأولىفى ذكر أنساب الأمم السابقة والقرون الماضيةمن أنساب العرب وأحوالهم

- ‌أقوام العرب:

- ‌العرب البائدة

- ‌عاد الأولى-ابن عوص بن أرم بن سام بن نوح

- ‌ثمود بن جاثر بن أرم بن سام:

- ‌العمالقة:

- ‌طسم:

- ‌جديس:

- ‌أميم:

- ‌بنو جرهم الأول:

- ‌حضر موت:

- ‌ العرب العاربة

- ‌العرب المستعربة

- ‌العرب المستعجمة

- ‌الصورة الثانيةفى تعريف أحوال القبائل العربية وأطوارهافى الأزمنة الجاهلية والعهود الإسلامية

- ‌أهل المدر

- ‌أهل الوبر

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر الملوك الجبابرة التى كانت تحكم جزيرة العربقبل ظهور الدين الإسلامى

- ‌ملوك عاد الأولى:

- ‌قوم ثمود

- ‌ملوك اليمن

- ‌سد مأرب- العرم -سيل العرم

- ‌ملوك الغساسنة

- ‌المناذرة

- ‌بنو جرهم

- ‌الوجهة الثانيةفى ذكر الخلفاء والملوك المسلمينالذين ظهروا فى جزيرة العرب بعد ظهور الإسلام

- ‌الصورة الأولىفى ذكر الخلفاء والملوك المسلمين الذين ظهروافى جزيرة العرب بعد ظهور الإسلام وأحوال رسول الملك المتعال إجمالا

- ‌الخلفاء الراشدون

- ‌الملوك الأموية

- ‌سلطنة العباسيين

- ‌الفاطميون

- ‌الدولة الأيوبية

- ‌الخلفاء العباسيون فى مصر والملوك التركمانية

- ‌الملوك التركمانية

- ‌الملوك الشراكسة

- ‌السادة الكرام

- ‌كيفية تأسيس ولاية مكة وصورة تشكيلها

- ‌الجدول الذى يشمل أسماء الذين تولوا ولاية مكة المكرمة:

- ‌لازمة:

- ‌الجدول الذى يشمل أسماء الذين تولوا منصب الولاية فى المدينة المنورة

- ‌والولاة الذين دبروا شئون الولاية وفق الأصول المذكورة من المدينة المنورة قدذكر أسماؤهم فى الجدول الآتى:

- ‌أمراء الحرمين

- ‌أمراء مكة

- ‌1 - طبقة سادات بنى حسن:

- ‌2 - الطبقة الثانية من الأشراف الحسنية:

- ‌3 - الطبقة الثالثة:

- ‌4 - الطبقة الرابعة:

- ‌حكاية

- ‌الشريف حسن بن عجلان

- ‌الشريف بركات بن حسن بن عجلان:

- ‌الشريف أبو نمى:

- ‌استطراد

- ‌ الرؤيا

- ‌خلاصة واقعة جلالى:

- ‌الطبقة الأولى

- ‌الطبقة الثانية

- ‌الطبقة الثالثة

- ‌الطبقة الرابعة

- ‌أمراء المدينة

- ‌الجدول الذى يشتمل على أسماء السادات الذين تولوا إدارة المدينة المنورة

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر الخارجين فى البلاد اليمنيةبنو زيد وبنو مهدى

- ‌ الحكاية

- ‌الصورة الثالثةفى بيان ظهور طائفة القرامطة

- ‌الاختلاف والتعديلاتالتى حدثت فى الأذان المحمدى

- ‌التسبيح على الممآذن:

- ‌الوجهة الثالثةالأحوال الجغرافية لجزيرة العرب

- ‌الصورة الأولى

- ‌الموقع الجغرافى

- ‌الصورة الثانيةفى ذكر البحار التى تحيط بالجزيرة العربيةمن جهاتها الثلاث

- ‌البحر الأحمر:

- ‌بحر عمان:

- ‌ خليج البصرة

- ‌بلاد الحجاز:

- ‌جبل سيناء:

- ‌جبل حوراء:

- ‌الصورة الثالثةفى بيان الطبيعة الجغرافية لبلدتى‌‌ جدةوالطائف

- ‌ جدة

- ‌الصخور المرجانية التى تشكل ميناء جدة:

- ‌الصخور المرجانية التى تكون ميناء جدة ثلاثة أقسام

- ‌والصخور المرجانية التى تنمو فى داخل البحر ثلاثة أنواع من حيث الخلقة:

- ‌الجزر والمد:

- ‌(الجزر الأعظم)

- ‌(الجزر الأصغر)

- ‌طريق الوادى:

- ‌أمنا حواء رضى الله عنها:

- ‌الطائف:

- ‌الآثار:

- ‌مسجد العداس:

- ‌مسجد النملة:

- ‌مطمخ الغزال:

- ‌الآثار العتيقة أو رسم إيبوقراط:

- ‌أخطار:

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف ينبع ورابغ وخيبر وحناكية

- ‌(ينبع البحر)

- ‌(ينبع النخل)

- ‌رابغ:

- ‌خيبر:

- ‌مدينة خيبر:

- ‌الحناكية:

- ‌إخطار:

- ‌بعض أحوال الأراضى الحجازيةومحاصيلها الداخلية وطريقة معيشة سكانها وصورة إدارتهم

- ‌جبل (كراء):

- ‌ومواسم الحجاز تنقسم إلى قسمين:

- ‌الوجهة الرابعةتشتمل على ست صورتعرف الطرق الرئيسية بالجزيرة

- ‌الصورة الأولىفى تعريف الطريق الذى يقع بين الحرمينوالذى يعرف ب‌‌الطريق السلطانى

- ‌الطريق السلطانى

- ‌صفراء:

- ‌إخطار:

- ‌الصورة الثانيةفى تعريف الطريق الذى يطلق عليه (الفرع)

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر طريق المدينة المنورة الذى يسمى ب (غاير)

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف الطريق الشرقى بين المدينة المنورةومكة المعظمة

- ‌الصورة الخامسةفى تعريف طريق ينبع البحرميناء المدينة المنورة

- ‌الصورة السادسةفى تعريف الطرق الأخرىالتى تؤدى إلى مكة المعظمة

- ‌إخطار:

- ‌1 - طريق الشام

- ‌(كرك

- ‌معجزة:

- ‌والمقابر:

- ‌(بركة المعظم)

- ‌(مغارش الزير)

- ‌(جبل الطاق)

- ‌الحجر:

- ‌العلا:

- ‌منزل الفحلتين:

- ‌قبور الشهداء:

- ‌(قاع البرو)

- ‌طارق:

- ‌عقبة السويق:

- ‌عسفان:

- ‌أبو عروة:

- ‌سمحان:

- ‌وادى الصغير:

- ‌2 - طريق مصر:

- ‌المرحلة الأولى لقافلة مصر (بركة الحاج):

- ‌(بركة العجرود)

- ‌(منصرف)

- ‌قبيبات:

- ‌(أول التيه)

- ‌(أبيار علاتية)

- ‌رأس الركب:

- ‌(منزل)

- ‌(مغارة شعيب)

- ‌مطلات:

- ‌(عيون القصب)

- ‌(بطن كبريت)

- ‌شرم ومويلحة:

- ‌(إسطبل عنتر)

- ‌الوجه:

- ‌(صحن بياض)

- ‌(وادى النار)

- ‌3 - عدن ثالث الطرق المفروضة:

- ‌بداية محمل اليمن وانقطاعه:

- ‌4 - طريق عمان:

- ‌5 - الطريق الخامس طريق الحسا:

- ‌6 - الطريق السادس طريق البصرة:

- ‌7 - الطريق السابع طريق بغداد:

- ‌استطراد:

- ‌يقول المؤرخ المشهور المسعودى:

- ‌مهمة:

- ‌الوجهة الخامسةبيان القبائل العربية الساكنة فى الأقطار الحجازية

- ‌الصورة الأولىفى بيان القبائل العربية الساكنةفى الأقطار الحجازية

- ‌إخطار:

- ‌بنو هاشم:

- ‌توضيح:

- ‌قبيلة عنزة:

- ‌الصورة الثانيةفى بيان قبيلتى حويطات وجهينة

- ‌قبيلة جهينة:

- ‌إيضاح:

- ‌والقسم الثانى الذى يتكون من قبيلة جهينة أولاد موسى:

- ‌الحميّة والسياسة العربانية:

- ‌الصورة الثالثةفى ذكر عربان قبائل نخاولة وبنى حرب

- ‌قبيلة حرب:

- ‌الصورة الرابعةفى تعريف قبائل مطير وبنى سليم وبنى عتيبةوقريش وهذيل وثقيف وبنى عدوان

- ‌قبيلة مطير:

- ‌بنو سليم:

- ‌قبيلة عتيبة:

- ‌قبيلة قريش:

- ‌أشرف القبائل:

- ‌قبيلة هذيل:

- ‌قبيلة ثقيف:

- ‌قبيلة عدوان:

- ‌قبيلتا ابن الحارث وبنى سعيد:

- ‌الصورة الخامسةفى ذكر القبائل العربية التى تسكن بين مكة المعظمة وجدة وقنفذةوفى ساحل البحر الأحمر الذى يعد جزءا من تهامة الحجاز

- ‌بنو لحيان:

- ‌بنو جحادلة:

- ‌الصورة السادسةفى تعريف‌‌ اليمنوملحقاته والقبائل المستقرةفى هذه الأماكن

- ‌ اليمن

- ‌وتنقسم جغرافيا بالإجمال إلى قسمين:

- ‌والمدن التى من جدة إلى عدن وعلى شاطئ البحر من مدن تهامة هى:

- ‌ليت:

- ‌قنفذة:

- ‌اللحية:

- ‌أبو عريش:

- ‌الحديدة:

- ‌المخآ:

- ‌عدن:

- ‌وادى كنونة:

- ‌نفس اليمن وصنعاء:

- ‌المانجو:

- ‌عربان عسير:

- ‌قحطان:

- ‌قبيلة بنى مطر:

- ‌بلاد حضرموت و‌‌مكلاوشحر وتريم

- ‌مكلا

- ‌شحر:

- ‌تريم:

- ‌الوديان:

- ‌وادى حجر:

- ‌دوغن:

- ‌وادى ليسر:

- ‌وادى العين:

- ‌وادى عمد:

- ‌وادى رخية:

- ‌وادى دهر:

- ‌وادى ابن راشد:

- ‌عواليق والأخرى:

- ‌آل حموم:

- ‌نبى الله هود، ومناهل، ومهرا:

- ‌ظفار:

- ‌البلاد التى تشملها عمان:

- ‌إن عمان من الأجزاء الكبيرة للجزيرة العربية:

- ‌ عمان

- ‌مسقط:

- ‌زنجبار:

- ‌سقطرة:

- ‌الحسا

- ‌إخطار-فى بيان القبائل العربية الساكنة فى إقليم الحسا

- ‌المرة:

- ‌بنو هاجر:

- ‌بنو خالد:

- ‌استطراد:

- ‌ آل عريعر

- ‌منطقة نجد وما تشتمل عليه من البلاد:

- ‌شعراء:

- ‌تمن:

- ‌فى بيان القبائل البدوية الساكنة فى منطقة نجد:

- ‌عنزة:

- ‌الذويبى:

- ‌عجمان:

- ‌قحطان:

- ‌الدواسر:

- ‌فى بيان القبائل الخاضعة لإدارة شيخ‌‌ جبل شمر:

- ‌ جبل شمر:

- ‌مقال فضل باشا فى وصف جزيرة العرب:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثانى:

- ‌عادات العرب وأيامهم

- ‌العادات والمذاهب القديمة لسكان جزيرة العرب:

- ‌أولا: العادات القديمة:

- ‌وأد البنات:

- ‌الوسم:

- ‌المذهب القديم:

- ‌صلاة الجنازة:

- ‌إخطار:

- ‌النظم والقوانين الجديدة عند العرب كا‌‌(الخمسة، والسمية، والعوانى، والمنن، والمجبودة)

- ‌(الخمسة، والسمية

- ‌صيغة اليمين:

- ‌والمجبودة:

- ‌عانى:

- ‌المنن:

- ‌المجبودة:

- ‌صورة تأدية الدية:

- ‌وجوه:

- ‌1 - القاعدة الأولى:

- ‌2 - القاعدة الثانية:

- ‌3 - القاعدة الثالثة:

- ‌رفقة الطريق وما يتعلق بها:

- ‌التبييضية:

- ‌رفيق الجنب:

- ‌طنيب الطنب:

- ‌المعاونة للدخيل: (إغاثة الملهوف):

- ‌ملاحظة:

- ‌حفظ الأمانات والعادات الخاصة بها:

- ‌الملحس

- ‌الجرة:

- ‌تتبع أخبار الأحداث واضطرارهم لذلك:

- ‌سياسة الأمراء:

- ‌قضاة وفقهاء الحكومة

- ‌القسم الأول:

- ‌2 - القسم الثانى:

- ‌3 - القسم الثالث:

- ‌الطب العربى

- ‌الصفراء:

- ‌الإمساك:

- ‌الصداع:

- ‌الداهنة:

- ‌الكرم العربى:

- ‌إضافة:

- ‌معجزة:

- ‌تحمل الجوع والعطش:

- ‌غزوات العرب وأيامهم، وما يتعلق بذلكمن عاداتهم وتقاليدهم

- ‌الغزوة:

- ‌مناخ:

- ‌الجرود:

- ‌يوم أبيض:

- ‌التدابير والحيل الحربية:

- ‌لصوصية البدو:

- ‌الأعراف والعادات المتبعة فى‌‌ تربية الأطفالوالختان والولائم

- ‌ تربية الأطفال

- ‌صورة التأهيل وأصول الزواج:

- ‌حفل الختان:

- ‌النخيل:

- ‌الخيل:

- ‌الوسم:

- ‌نماذج من أشكال وسم الحيوان عند القبائل العربية

- ‌مع ملاحظة أنه إذا اشتركت بعض القبائل فى نفس العلامة فإنموضع هذه العلامة من جسم الحيوان هو الذى يفرق بين القبائل

- ‌حماية الأراضى المنبتة:

- ‌خاتمة

- ‌إفادة مخصوصة:

- ‌التحدث بالنعمة:

الفصل: وأخذت قوتهم وقدرتهم وصولتهم تزيد شيئا فشيئا، وبدأت دولتهم القوية

وأخذت قوتهم وقدرتهم وصولتهم تزيد شيئا فشيئا، وبدأت دولتهم القوية تتسع يوما بعد يوم، وتغلبوا على الملاك المعاصرين والسلاطين، وتقدموا فى ميادين الفنون والصنائع والعلوم تقدما عظيما، وإن الآثار الجليلة التى تركوها لتدل على أنهم أرادوا أن يوصلوا ملتهم وأقوامهم فى سلم المعرفة والمدنية إلى الدرجة الأولى، لذلك بذلوا كل ما فى وسعهم حتى يصلوا إلى المراتب القصوى فى ميادين الفنون والعلوم والكشوف والاختراعات.

المدارس التى أسست فى بغداد، والمعاهد التى فتحت فى الأندلس وما بذل من الجهود فى سبيل التقدم فى العلوم والفنون يعلن كيف خدم العرب الفكر، وكل هذه الجهود من المباحث التى تزين صفحات التاريخ المنيرة وتوشحها.

ولكن لشدة الأسف فترت هممهم مع مرور الزمن، وأخذ الأوربيون يطورون العلوم والفنون التى تعلموها منهم، وأوصلوها إلى درجة عظمى نتيجة لسعيهم وحرصهم على العمل.

‌أهل المدر

النوع الأول من سكان جزيرة العرب هم الذين يطلق عليهم أهل المدر والذين يعرفون فيما بينهم ب «حضرى-بلدى» ويسكنون فى المدن والقرى ويعملون- على قدر ما يساعد مناخ بلدهم واستعدادهم-بالزراعة وتربية أشجار النخيل والعناية بالحدائق والبساتين، ويبذلون جهودهم لتأمين معيشتهم بما ينتجون من محاصيل، كما أنهم يؤمنون معيشتهم من جهة أخرى بالتجارة مع سكان البلاد المجاورة، فيسافرون إلى البلاد التى يرغبون فى الذهاب إليها، ويعرضون خضوعهم للملوك والأمراء والسلاطين الذين يتبعون لهم، كما أنهم يبذلون السعى والجهود لاكتساب المهارات والمعارف والفنون على قدر طاقاتهم ليوسعوا دائرة معيشتهم، وليصلوا إلى درجة من الثروة والغنى واليسار.

‌أهل الوبر

النوع الثانى من العرب هم العربان والبدو أى «أهل الوبر» وهم عرب البدو

ص: 19

والفيافى والصحارى التى تسكن تحت الخيم، ولما كان أهل الوبر سكان الصحارى عديمى الرغبة فى اكتساب العلوم والفنون فهم يختلفون اختلافا كليا عن أهل المدر فى سبيل تأمين وسائل معيشتهم، فالمساكن التى يسكنونها خالية تماما من علامات الجمال، فهى قد أعدت فقط لتقى أجسامهم من شدة حرارة الشمس، ومن تأثير اختلاف الجو وتغيراته ويعيش أغلبهم تحت الخيام التى نسجت من صوف الأغنام أو وبر الجمال أو شعر الماعز أو الخيول.

ويعيش بعضهم فى أكواخ

(1)

صنعت من سعف النخيل، كما يعيش آخرون فى مساكن بنيت من الحجارة والطين، ومفروشاتهم الحصير الذى نسج من سعف النخيل والأكلمة

(2)

المصنوعة من الصوف، وملبوساتهم عبارة عن قميص طويل ومشلح وكوفية ومداس، وقمصانهم الطويلة من قماش أزرق ومشالحهم من الصوف، وكوفيات بعضهم من الخيوط القطنية وكوفيات الآخرين من الحرير، والنعال التى يطلقون عليها «المداس» تصنع من جلد الجمال أو جلود الحيوانات الأخرى.

وبما أن الرجال والنساء قد تعودوا على أن يلبسوا قمصانا وجلابيب فى غاية الطول فإنهم لا يعرفون معنى السراويل، ويتركون صبيانهم الذكور عرايا دون ملابس؛ إلا أن الصبايا يتمنطقن بحزام من جلد ذا شراشيب فيسترون عوراتهن ويخفينها، إنهم لا يزيدون فى أكلهم وشربهم عن حاجتهم الضرورية شيئا، لذا ترى طعامهم زهيدا جدا وكذلك شربهم، وبما أنهم مكبون على تهيئة الأغذية الطبيعية التى تحفظ لهم حياتهم والتى هم إليها فى أشد الحاجة فأغلبهم يربون الجمال والغنم والماعز، ويدبرون معيشة أولادهم وعيالهم بمنتجاتها، كما أن بعضهم يدبرون قوتهم وقوت أولادهم بالرعى والزراعة والفلاحة. والذين يتعايشون بمنتجاتهم من الحيوانات مثل الجمال والغنم والماعز فى حالة ترحل

(1)

يطلق أهل الحجاز على هذه الأكواخ اسم «عشة» أما أهل اليمن فيسمونها «عريش» ،وإذا كانت هذه الأكواخ من حجر فيسمونها «مخزن» .

(2)

تعرف هذه البسط بين البدو باسم «شملة» .

ص: 20

دائم، ويسوق هؤلاء مواشيهم إلى الأماكن التى تمتاز بنقاء هوائها ووفرة مائها وكثرة أعشابها، والذين يشتغلون بالزراعة والفلاحة يسكنون القرى والأراضى الصالحة للزراعة. حتى إن عربان قبيلة عنزة التى تسكن فى الأراضى الواقعة فى شمال جزيرة العرب تمضى الصيف فى الشام وبغداد والجزيرة ذات الأراضى المعشوشبة، وتعود فى الشتاء إلى مواطنها الأصلية وتمضى الشتاء فى الوديان ذات العشب الوفير والماء الغزير.

والبدو تنحصر معايشهم فى منتجات الجمال والغنم والماعز فهم يقيمون فى الخيام، ولا يجدون أية صعوبة عندما يرتحلون من مكان إلى آخر. ولما كان هؤلاء يقضون حياتهم دائما فى الفيافى والصحارى منعزلين عن الحضارة لم يستطع أى ملك من الملوك أو سلطان من السلاطين الذين يخضعون لهم أن يدخلوهم تحت طاعتهم مثل الأقوام المتمدنة الأخرى.

أما انقياد البدو فى صدر الإسلام وخضوعهم لدولة الإسلام فيعود السبب فيه إلى ما كانت تتمتع به الدولة من السطوة القاهرة والقوة العظيمة.

والواقع يقتضى أن تكون الدولة التى تحكم جزيرة العرب صاحبة قوة قاهرة، وإذا فرضنا أن ولاة البلاد العربانية ذوو قدرة وقوة، ولكنهم يهملون فى الضبط والربط أو يتساهلون فيهما حتى لا يخلفوا لأنفسهم مشاكل تكون سببا فى أن عامة العربان يرفعون راية العصيان ويخالفون جميع الأوامر والآراء، وينقادون لمن اختاروه من بينهم شيخا لهم.

إن المشيخة بين العرب على الأقل شئ موروث أخذوه كابرا عن كابر، ولما كان كل شيخ راغبا فى حماية مصالحه الخاصة تراه يعمل على أن يستقل، ووفقا للمثل القائل «الحكم لمن غلب» فالشيوخ الضعاف والصغار يمضون حياتهم تحت حماية الأمراء الأقوياء الشكيمة من العربان.

وإن كانت طبيعة البدوى تتسم بالخشونة والرعونة، إلا أن هذه الخشونة ليست بدرجة تمنعه من الخضوع والانقياد لأوامر السلاطين العظام، ولديهم قابلية-بما

ص: 21

يتمتعون به من دراية فطرية وذكاء جبلّى-لقبول شرف المدنية بسهولة، وأكبر دليل على ذلك دخول بعض أفراد القبائل تحت طاعة الدولة دون أن ينخدعوا بحيل مشايخهم، وذلك عندما ساقت الدولة العثمانية جنودها سواء أكان إلى عسير واليمن أو نواحى البحرين، وأخذوا ينشرون العدالة فى الأماكن التى تمركزوا فيها، وذلك عندما رأوا ما يتمتع به الذين يعيشون تحت طاعة أوامر الدولة من راحة وطمأنينة واستقرار.

ويتردد بعض البدو فى تصديق سطوة السلاطين القاهرة، ولما كانوا جهلة بما يعنى قوة الملوك وشوكتهم فهم معذورون فى التردد فى هذا الموضوع.

ومن الحالات الخاصة بالبدو ألا يصدقوا ما يسمعونه بآذانهم ولو كان متواترا ما لم يروا بأعينهم، وقد ضرب المثل المشهور الذى يقول «إن إيمان البدو فى عيونهم» تصديقا لتلك الحالة.

وبما أن قبائل العربان تعيش فى الصحارى وبين الجبال فى حالة ترحال دائم، لذا فإن بعض أفرادها لم يروا بعض مدن جزيرة العرب مرجعهم لشراء ملبوساتهم وحاجياتهم، ناهيك عن بعض المدن من البلاد العثمانية؟.

والبدو يتفوقون من حيث الشجاعة على المدنيين، والشجاعة أمر ضرورى للبدو، والسبب الرئيسى فى ذلك أنهم ليسوا كالحضريين الذين يحتمون بالدولة والحكومة التى يعيشون تحت جناح صيانتها، ويشتغلون بأمور معيشتهم من الكسب فى راحة وأمن، بل إن البدو يعيشون فى الأماكن الموحشة فى عزلة، وفى الصحارى بين التلال والجبال، ويجدون أنفسهم مضطرين للدفاع عن أولادهم وعيالهم وأموالهم وما يملكون ضد أضرار الأعداء، لذا تراهم يسيرون متسلحين دائما مستعدين ليلا ونهارا، للدفاع عن أنفسهم ضد الحوادث المضرة التى يتوقعونها فى كل لحظة.

وقد تمكنت هذه الفكرة من ذهن أى عربى بدوى بحيث لا يمكن تزحزحها.

ومن الأشياء التى تجلب أنظار المنصفين وتنال تقديرهم وتحير العقول تحمل البدو

ص: 22

الجوع والعطش أياما كثيرة، وقطعهم المسافات الطويلة بسرعة دون تعب أو كلل، وتعودهم القتال منذ صباهم جعلهم فى الحرب والمعركة شجعانا من الدرجة الأولى.

ولقد حرص البدو منذ نشأتهم الأولى إلى يومنا هذا ألا يصيب أطوار بدويتهم وتقاليدهم خلل، وما يزالون إلى يومنا هذا يبذلون أقصى ما فى جهدهم للمحافظة على تلك العادات.

وقد شرفت جميع القبائل العربية التى عاشت فى عصر السعادة باعتناق الإسلام، وتركوا صفاتهم الذميمة التى كانوا يتخلّقون بها فى عصور الجاهلية، وسلكوا طريق السلامة واشتركوا فى الغزوات الإسلامية، وقطعوا المسافات فى سبيل الجهاد شرقا وغربا، وفتحوا كثيرا من البلاد وسخروها وأملوا أسماءهم وثبتوها وسجلوها على دفاتر الأيام بسيف الجلالة.

ص: 23