الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزر والمد:
يحدث فى ميناء جدة نوعان من الجزر والمد يطلق على أحدهما
(الجزر الأعظم)
،وعلى الآخر
(الجزر الأصغر)
.
الجزر الأعظم:
هو الجزر الذى يحدث فى أوائل مايو، ويمتد إلى شهر أكتوبر والذى يظل ستة أشهر.
وتظهر الصخور المرجانية المتصلة باليابسة، والتى تمتد داخل البحر حيث تنخفض المياه قدر متر ونصف متر فى هذا الموسم، إلا أنه لما تبدأ المياه تزيد تدريجيا من أول نوفمبر إلى آخر أبريل فإنها تغطى الصخور المرجانية.
الجزر الأصغر:
هو الجزر الذى يحدث كل يوم إذ تزيد المياه كل يوم قدر خمسة وأربعين سنتيمترا، ثم تنسحب وتعود لحالتها الأولى. وبناء على ما فهم من هذا التعريف فإن ميناء جدة تكون من أوضاع الصخور المرجانية، لذا تضطر السفن التى تأتى لهذا الميناء إلى إلقاء مراسيها على بعد ميلين منه، لذا ترى أن الأشياء والمسافرين الذين يريدون السفر بهذه المراكب ينتقلون إليها بواسطة القوارب التى يقال لها السنابق.
ولكن لشدة الأسف فإن المدينة التى فيها ميناء مزدحم بالسفن لا يوجد فيها ماء عذب جار. لذا ترى القادرين من الأهالى قد بنوا صهاريج كبيرة يملئونها بالمياه المخزونة من الأمطار كما يملئون الحفر الكبيرة التى حفروها بمياه الأمطار، ويبيعون ما يزيد على حاجتهم من المياه للحجاج والزوار، وبهذا يحصلون على ما أنفقوه من النقود من بيع المياه بل يكسبون أيضا. ويحدث أحيانا أن تشح الأمطار فى هذه البلاد مدة سنتين أو ثلاث سنوات.
وكان الناس يعانون كثيرا فى مثل هذه السنين من قلة المياه، وكان ما يحمله جمل واحد من المياه يباع بثلاثين أو أربعين قرشا.
وقد حفرت آبار فى مكان يسمى (سرورية) على بعد ثلاث ساعات من جدة لتجلب منها المياه عند ما تقل، وإن كانت مياه هذه الآبار قابلة للشرب إلا أنها ليست عذبة كمياه الأمطار لأنها مختلطة بمياه السيول والبحر. ويجب أن تشرب تلك المياه وهى جديدة، فإذا ما حفظت ليلة فى الأوانى أو القرب تتعفن. وقد صنعت قرب صغيرة حتى يحولوا دون تعفن المياه، ودهنوا داخل القرب وخارجها بالشحم الداخلى للحيوانات، ومن الصعب للذين لم يتعودوا شرب المياه المختلطة بالشحوم شرب هذه المياه المجلوبة من الآبار.
ولما كانت هناك مياه جارية فى قرية (وادى فاطمة) التى تقع بين سلسلة الجبال التى على بعد ست أو سبع ساعات من شرق مدينة جدة وفى خارج مكة على بعد ست ساعات شمالا، وهذه القرية تبعد تسع ساعات من جدة فى جهتها الشرقية، ولما كان سطح هذه القرية مرتفعا عن سطح أراضى جدة فمن السهل إجراء المياه من هذه القرية إلى جدة، ولا سيما بعد ما زادت أهمية ميناء جدة بعد حفر قناة السويس وازدحم بالسفن الآتية من جميع الجهات وزادت حاجة جدة إلى مياه عذبة حتى يستريح أهاليها من مشقة قلة المياه، من هنا فإنقاذ سكان جدة والحجاج المسلمين والذين يمرون بها من غائلة قحط المياه منتظر من ألطاف السلطان اللامتنهاهية المأمولة.
يروون أن فى داخل المدينة ماء مجلوب قديما، إلا أنه لا يعرف إذا كان هذا الماء جلب من قبل أصحاب الخير أو من قبل الحكومة؟!
بناء على قول أن الذى جلب هذا الماء هو الصدر الأعظم قارا مصطفى باشا سنة ألف وخمسين، ولكن حينما وصل مجراه خارج المدينة ارتحل عن دنيانا، ولم يقدر له أن يجرى الماء فى داخل المدينة.
وقد فهم من الكشوف التى أجريت فى العام الماضى أن منبع ذلك الماء بعيد عن جدة ساعتين أو ثلاث، وخرب مجراه بمرور الزمن وامتلأ بالحصى والتراب.
إن تعمير هذا المجرى وتطهيره لا يحتاج إلا لأربعة آلاف أو خمسة آلاف
ليرة، ومثل هذا المبلغ يمكن جمعه من أهالى جدة الأغنياء وتجارها الميسورى الحال بسهولة إلا أن معظم الأغنياء يمتلكون الصهاريج السالفة الذكر، ولا يحتاجون إلى ماء بل إنهم يحاربون مثل هذا المشروع لكسبهم مقدارا من النقود باتجارهم بالماء، وسيعملون على عدم جلب هذا الماء. ومن هنا يتضح أن جلب هذا الماء يقع على عاتق الحكومة السنية، وعلى همة رجالها ويتمنى الأهالى والحجاج أن يتم هذا العمل الخير فى عهد سلطان عصر المبرات والخيرات. وحمدا لله إذ تقرر فى عهد عثمان باشا والى الحجاز إجراء ماء (عين الوزير) إلى جدة، وهيئت أسباب إجرائها اللازمة وصرفت المساعى باتفاق الأهالى وفى ظل حضرة السلطان، وفق فى إدخال الماء المذكور داخل المدينة وسميت (العين الحميدية) وبنيت طرقها بالحجارة فى شكل منتظم.
أنقذ هذا الأثر الجليل الحجاج والأهالى من شرب المياه المتعفنة، وتسبب فى عمران جدة وجلب شكر الناس ودعواتهم لحضرة الخليفة إلى يوم القيامة.
وإن صادف إجراء العين الحميدية لعهد والى الحجاز الحالى صفوت باشا وينسب له فضل هذا التوفيق إلا أن جلب العين المذكورة تمّ بهمّة سالف الذكر عثمان باشا وخلفه جميل باشا وما بذلا من جهد عظيم، لذا يخطئ الذين يختصون صفوت باشا بهذا التوفيق.
ومجرى ماء (عين الحميدية) ابتداء من سفوح الجبل الذى على الجهة الشرقية من المدينة وعلى بعد ثلاث ساعات منها إلى نقطة بعيدة ثلاثين دقيقة فى خارج جدة مبنى بالحجارة ومن هنا إلى المقسم الجسيم فى كل اتصاله فرشت اسطوانات مزدوجة قطرها اثنا عشر سنتيمترا. ومن هذا المقسم للطرق التى تتفرع إلى أربعة فروع فرشت الأسطوانات الطينية.
وقد بنى مخزن كبير فى المحل الذى يسمى (عيدروس) لجدة وهذا المكان فى اتصال باب مكة للسور، يسمى مقسما لماء عين الحميدية وإلى جهة ما لهذا المخزن بنى سبيل كما بنى سبيل آخر بعد ذلك للمياه التى أجريت إلى المستشفى
العسكرى وحفر لحديقة المستشفى حوض كبير وأنبتت بالمياه الفائضة زروع حديقة كبيرة. كما أنشئ سبيل آخر فى ميدان بئر يعقوب، وبنى فى الحى اليمانى سبيل آخر باتصال منزل شيخ مشايخ جدة إبراهيم عراقى أفندى.
وقد صنع سبيل باسم الخليفة مكمل الشكل فى ميدان الميناء وفى وسط هذا السبيل فسقية وحواليه صنابير، وحوله إطار على شكل السد وحوله سور من حديد مشبك.
وقد كتب على باب السبيل فى الجهة الشمالية التاريخ الآتى الذكر، والذى قاله المعلم الشهيد (فيضى)
(1)
أفندى ووشح فوق التاريخ بالطغراء السلطانى وزين بها.
السلطان الملائكى الشيم
…
خاقان ذو عدل وكرم
ذلك الملك المحتشم
…
خان الزمان عبد الحميد
قد جعلك ضل الله
…
ذاتك السلطانى الإله
فإنك لعباد الله جميعا
…
فيض مستلزم جديد
يعين المسكين
…
ويعمر كل البلاد
يوجد آبار خير
…
كثير الإحسان فريد اللطيف
لم يكن فى مدينة جدة
…
أبدا الماء الزلال
لم يكن يستخدم فيها ماء
…
غير ماء المطر
ها هو ذا سلطان الدين
…
باللطف ماء الحياة
أجرى هناك
…
فاستفاد منه الأهالى
فأنشأ عينا لا بديل
…
له الماء العذب مثل النيل
(1)
فيضى أفندى مدرس المدرسة السلطانية.