الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثالثة
فى بيان ظهور طائفة القرامطة
لما كانت الروايات كثيرة فى بداية ظهور القرامطة ولما سيذكر ما يلزم ذكره فى مكانه فيما يأتى فلا داعى لتفصيله هنا.
بناء على رواية أن شرارة شر وفتن هؤلاء الخونة اشتعلت فى سنة 261،وفى زمن المعتمد على الله، وعلى رواية أخرى فى عصر الخليفة المعتضد بالله سنة 289،وأخمدت سنة 373،أو فى سنة 376 أى فى عصر الطائع بالله وعلى قول سنة 384 أى فى ابتداء خلافة القادر بالله.
وبناء على هذا التقدير فإن الخبثاء القرامطة استمروا فى إجراء شقاوتهم ثمانين عاما أو مائة وثلاثة عشرين عاما إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقيموا حكومة قوية فى هذه المدة.
أول من ظهر من القرامطة أبو سعيد حسن بن بهرام الجنابى. وكان هذا الخبيث من أهالى قرية جنابة القريبة من أهواز وكان يعمل بالبصرة وزانا. وذهب فى فترة إلى بلاد البحرين حيث تظاهر بالتقوى والتدين واخترع اعتقادات عجيبة باطلة وخدع الناس وانقاد له بعض الحمقى من العربان والبلهاء وبايعوه.
وكانت غاية أبى سعيد من فعله هذا أن يحلّ ما حرمه الشرع، وأن يخرج بهذه الدسيسة إلى حيز العمل، لأن التمرد الذى فى ضميره لم يكن جائزا شرعا، وكان يعرف أن الناس لن يصدقوه ولن يتبعوه.
وفى الواقع أضل بعض القرامطة مثل على بن يعلى الذين لا يبالون بالدين كثيرا، واستولى على مدينة القطيف حربا أولا ثم هجم على نواحى البحرين ونهب أموال سكانها واغتنمها، وقتل خلقا كثيرا وهكذا أجرى حكمه الظالم الشقى حسبما يريد.
وأطمع شخصا يسمى يحيى بن ذكرويه، وأخرجه ليضر الناس وهو يجول
بالبلاد المتجاورة. وكان ابن ذكرويه هذا من أعيان القرامطة، وبناء على تشويق أبى سعيد حسن بن بهرام وتحريضه استطاع أن يدخل بعض القبائل العربية تحت دائرة ضلاله واستولى بهم على حوالى الشام، وزاد من قوته ووسع دائرة حكمه بواسطة الطوائف الباقية المرسلة من قبل حسن بن بهرام.
واستولى على أقاليم نجد، اليمامة، واليمن وتجرأ على أن يقتل آلاف الناس منهم ويسلب أرواحهم وعند ما اتحدت هذه الطوائف مع بعضها وكونت قوة عظيمة لم تترك شرا وفسادا وفتنة لم ترتكبها.
هجم القرامطة على حجاج المسلمين فى سنة 317 بغتة، وذبحوا من قبضوا عليهم من الحجاج. وبعد ذلك هجموا على مكة المكرمة وانتزعوا الحجر الأسود من مكانه وحملوه إلى بلادهم، واحتفظوا به عندهم 22 سنة وتجرءوا على هذا سود وجههم فى الدنيا والآخرة (قبحهم الله).
وكان (الجانى أبو طاهر رئيس القرامطة الذين هجموا على مكة المكرمة واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه وحملوه إلى ديارهم فى بلاد هجر.
هذا الشقى عند ما دخل إلى المسجد الحرام قتل ثلاثين ألفا من الحجاج وكان أغلبهم محرمين. وذبح بعض هؤلاء فى حرم مسجد الحرام والآخرون فى داخل بقعة الكعبة المعظمة.
وعرض أبو طاهر الخائن حينما حمل الحجر الأسود إلى بلده الأمر على عبد الله المهدى من ملوك الفاطميين بالكتابة إليه، وبين له أنه يكفر فى ذكر اسمه فى الخطب، وكان عبد الله المهدى قد قبح هذه الفعلة الشنعاء إذ قال له يا للعجب! إنك قد ارتكبت فى بلد الله الأمين جرائم مختلفة وفضائح، وحملت الحجر الأسود إلى هجر، وهتكت حرمة ستارة بيت الله الذى ظل مكرما معززا فى العهد الجاهلى والإسلامى!! ومع هذا تريد أن تذكر اسمى فى الخطب! ألا فليلعنك الله وأعوانك. فلما وبخه عبد الله المهدى وعاتبه بهذه الكيفية ترك أبو طاهر العناد وهم بطاعته.
وكان سبب عرض أبى طاهر طاعته وإخلاصه لعبد الله بن المهدى تصديق أن المشار إليه من الأئمة الجعفرية.
لأن عبد الله بن المهدى كان قد خرج منتسبا إلى محمد بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق. ولما كان عبد الله المهدى صحيح الاعتقاد رد ما يضمره أبو طاهر وخرجه.
قد وجد فى الملوك الفاطمية من روج فكر أبى طاهر وكان الحاكم بأمر الله المنصور الذى جلس على عرش مصر سنة أربعمائة الهجرية من هؤلاء، وقد وصل غدره وظلمه إلى درجة ادعاء الألوهية، وحرص على أن يوقع فيما كتبه من الأوامر بسم الله الحكم الرحمن الرحيم، وأمر بأن يذكر اسمه فى البلاد التى كانت تحت سلطته، وخاصة فى الحرمين الشريفين فى الخطب. وأينما ذكر اسمه كان الناس يقومون على أرجلهم ويبرزون مراسم تعظيمهم له واحترامهم.
قد تجرأ القرامطة فى السنين (287 و 313) على الإغارة على الكوفة وفى سنة (286) على البحرين، وفى سنة (293،289) على الشام ودمشق، وسنة (307) على البصرة، وفى سنة (315) على الأنبار، وفى سنة (316) على البلاد المشهورة مثل الرحبة والرقة وهيط،وقتلوا أهاليها وقضوا عليهم واستأصلوا قوافل حجاج العراق فى سنة (361،312،294)،وأغلقوا طرق الحج فى سنة (384،363،356،314).
ودفع ظل تسلطهم الثقيل من فوق أكتاف الناس فى سنة (376)،وعلى قول (384) فى خلافة الطائع بالله بسيف الشريعة المنتقم.
هناك اختلاف كبير فى بيان حقيقة عقائد القرامطة الباطلة، وبناء على ما يذكره فريق من المؤرخين فإن أول شخص ظهر فيهم قد تجرأ وادعى النبوة. وحاول أن يقنع الناس بكتاب ألفه أنه من الكتب السماوية، وبناء على رأى فريق آخر من المؤرخين وتدقيقاتهم أن أول من ظهر من القرامطة رجل من الأئمة الإسماعيلية، وادعى أنه مبعوث من قبل الإمام المهدى، وأراد أن يقنع الناس بذلك.