الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثالثة
فى بيان الطبيعة الجغرافية لبلدتى
جدة
والطائف
جدة:
من مدن الحجاز المشهورة تقع فى الجهة الغربية لمكة المكرمة، وعلى بعد تسعين كيلو مترا منها وعلى ساحل بحر السويس فى درجة خط الطول الحادية عشرة وتسع وعشرون دقيقة فى خط العرض الشمالى، وسبع وثلاثين خط الطول الشرقى، وهى أكثر موانى الحجاز ازدحاما بالسفن.
ولما كان الكيلو متر يساوى 3281 قدم يلزم أن تكون بلدة جدة على بعد ستة أميال من غرب مكة المعظمة، وتقطع هذه المسافة بسير الجمل فى ثمانى عشرة ساعة أى فى يومين.
صادرات ولاية الحجاز الرئيسية (جلد البقر، البن، الصمغ العربى، العطور المتنوعة، ريش النعام، سن الفيل، صبار، اللؤلؤ، الصدف، البلح، المرجان، الحناء، اليسر، الباغة، العسل) ووارداتها حاجيات سكان البلاد الضرورية، وهى التى تستورد من مصر والبصرة وأوربا وأفريقيا وبورصة وسورية وبومباى مثل (الأرز والقمح، الشعير، الدقيق، الزجاج، دهن الورد، الصابون، الأقمشة الصوفية والقطنية، والخشب، سن الفيل، ريش النعام، المسك، الأبسطة والنعال) وكل هذه الأشياء تصدر وتستورد من ميناء جدة، وبناء على ذلك يصل ما يؤخذ من الضرائب فى جمرك جدة خمسة أو ستة ملايين قرش ورسوم الإدخالات.
إن ازدحام ميناء جدة بالعمل جعلها مدينة تجارية عظيمة وكثر مسافروها، ولا
يمكن للإنسان أن يخمن عدد الحجاج والزوار والتجار الذين يأتون فى موسم الحج لعدم اطراده.
ويبلغ عدد سكانها مع مجاورى وتجار مصر والشام والهند واليمن وكلهم مسلمون
(1)
إلى خمسة وعشرين ألف نسمة.
وبالمقارنة ببلاد سواحل البحر الأحمر فبلدة جدة المعمورة تعد من المدن القديمة. ويحيط جوانبها الأربعة سور بناه أحد ملوك الشراكسة المصريين، وهو الملك الأشرف قنصوه الغورى فى سنة (912)،وعلى قول آخر بناه سنة (915).
ولهذا السور ستة أبواب باسم (باب مكة، باب المدينة، باب الشريف، باب الشهداء، باب البحر، باب المغاربة) وله برجان مشهوران يسميان (برج ليلى) و (برج المجنون) ويروون أن ليلى والمجنون مدفونان بجانب البرجين وكل برج يحمل اسم واحد منهما.
وإن لم ير ما يؤيد هذه الرواية فى كتب التاريخ، إلا أن تسمية هذين البرجين بهذين الاسمين مما يؤيد صحة هذه الواقعة.
وباب مكة من الأبواب المذكورة يفتح إلى الشرق، وباب المدينة إلى الشمال وأبواب الشريف واليمن والبحر والمغاربة تفتح إلى جهة البحر.
قد حفظ السور الذى بناه الملك الأشرف مدينة جدة من الأسطول البرتغالى، لأن الأسطول البرتغالى دخل إلى ميناء جدة بعد بناء السور بقليل، وأطلق مدافعه على المدينة ولكن أهالى القلعة أقدموا على الدفاع عن مدينتهم بواسطة المدافع التى عبأها الملك الأشرف فلم يتحمل الأسطول ذلك وانسحب مدحورا، وأراد البرتغاليون أن ينتقموا لهذه الحادثة فأتوا فى سنة 948 بثمانين سفينة، ونزلوا إلى البر من ميناء (أبى الدوائر) بجنود كثيرة، وأخرجوا ذخائر ومهمات إلا أنهم لم يستطيعوا أن يتقدموا خطوة واحدة لهمّة أمير مكة المعظمة أبى نمى ومحافظ جدة
(1)
وفيها ما يقرب من مائتى نصرانى وأكثر هؤلاء تجار الأغذية وموظفى القنصليات.
على بك، ومساعدة الأهالى والعربان فاضطروا للانسحاب، وبما أن جدة بمثابة مفتاح الحرمين المباركين، أرسل فى سنة 1138 من استانبول الفرقة ثلاثة وسبعين الإنكشارية مع مقدار كاف من حراس الحدود لتأمين القلعة المذكورة من هجمات الأجانب وتسلطهم، وبعد اثنتين وعشرين عاما وفى سنة 1160 عمرت ورممت الأماكن التى اقتضى الأمر إصلاحها فى جدة بواسطة والى جدة والحبش تاتار عثمان باشا المشهور.
وفى جدة المعمورة معسكر للجيش، ودائرة موانى، خمسة جوامع وثلاثون مسجدا، ودائرة حكومية، ودائرة جمرك وسبعة أضرحة، وبرجان وثلاثمائة صهريج وحمام، وألف وثلاثمائة منزل وتسعمائة دكان وأربعون مقهى وأحد عشر مخزنا، وسبع وأربعون طاحونة تدار بالحيوانات، ومصبغ، وعشرة مطاعم، وفندقان، وثلاثون خانا لبيع الغاز والنفظ،وأربعة أحواض، وتسعة سبل ومخزن للماء للسفن وست إدارات للشرطة، وقلعة، ودائرة للبلدية.
وأكثر هذه المبانى منتظمة ومبنية بالآجر، وشوارعها منظمة فى خط مستقيم، ودكاكينها مملوءة بأنواع الأقمشة والأمتعة الهندية، والدائرة الحكومية فى باب المدينة وموقعها فى غاية اللطف، وهواؤها بالنسبة للأماكن الأخرى جيد وخفيف.
وكان موظفو الحكومة قبل ذلك يقيمون فى القصر المنسوب لطوسون باشا ابن والى مصر المشهور محمد على باشا والذى اتخذ الآن سجنا، وقبل أن ينتقل موظفو الحكومة لهذا القصر كانوا يقيمون فى دائرة قاعة الإمارة، الكائنة فى الحى اليمانى، وكانت هذه الدائرة أقدم دائرة حكومية وآل أمرها إلى الخراب الآن.
وكانت مدينة جدة إلى سنة 1280 مركز أيالتى جدة والحبش فنقلت الولاية فى تلك السنة إلى مكة المكرمة. وكان الولاة من الأسلاف وإن كانوا يقيمون فى مدينة جدة إلا أنهم كانوا يمضون مواسم الحج فى مكة المكرمة.
وقد أسس وبنى أحد جوامع جدة قرا مصطفى باشا الذى تولى الصدارة سنة 1053.وبنى الجامع الآخر فى سنة 1134 والى جدة والحبشة بكر باشا.
ومازال جامع بكر باشا معمورا إلى اليوم ويشتهر بكثرة جماعته، والجامع المنسوب لقرا مصطفى باشا يعرف الآن باسم (جامع الإمارة)،وقد بنى حمام جدة وأحد خاناتها قارا مصطفى باشا أيضا وهما من جملة خيراته.
إن أكثر منازل جدة-كما سبق توضيحه-مبنية نصفها من الطوب وأكثرها ذو طابقين، وقد بنى الطابق الأول وفق الهندسة والطراز الهندى ونوافذها دون زجاج وأطر، لذا فمن الصعب الجلوس فيها نتيجة للغبار المثار فى الطرقات.
وأهالى جدة عامة يحبون العمل وأغلبهم أغنياء، ويشتغلون بجميع أنواع التجارة، قد اكتسب ميناء جدة من حيث التنظيم الشهرة، والأهمية الطبيعية فى عهد سلطاننا حتى أصبح الميناء الأول للبحر الأحمر، والمدينة الأولى كما أنه ملجا وملاذ السفن التى تسير فى خليج السويس.
وكافة أهاليها غير نصفة من الأوروبيين وغير مسلمين. ويتاجر بعضهم بالهند والمستعمرات الأجنبية الأخرى، وبعضهم
(1)
بأعالى الحبشة، وسواكن، ومصر وزنجبار وسومطرة، جاوا اليابان، الصين، الأناضول، والروملى، وسوريا، وبلاد المغرب، نجد، اليمن، العراق، البحرين، مسقط،أوربا، روسيا وإيران) لذا لا ينقطع سيل السفن التى تأتى من جميع الجهات.
ولما كانت الصخور المرجانية كثيرة فى الميناء فالدخول فى الميناء يشكل صعوبة وخطورة، لذلك لا يمكن للسفن الأجنبية الدخول فى الميناء بدون الاسترشاد بالأدلاء المحليين، ولا سيما عند ما تبدأ المياه تظلم بعد العصر يصبح الدخول فى الميناء مستحيلا. ويروى أن كثيرا من السفن التى تجرأ ربّانوها المشئومون على الدخول فى الميناء تعرضوا للمخاطر، لأن ميناء جدة يتشكل من الصخور المرجانية
(1)
ومن بين هؤلاء: «محمد يوسف باناجى، محمود خونجى، عبد القادر حاجوم، موسى البغدادى» من الذين لهم معاملة تجارية بلندن، كما أن بيت البنان وسيد عمر سقاف من الذين اشتهروا فى تجارة جدة.
الطبيعية وإن كانت وسائل الأمن والسلامة متسعة بالنسبة للسفن إلا أن مضيقى (المسمارية) و (الشاب الكبير) كثيرا الخطورة.
ولما كان داخل الميناء عميقا قدر ثلاثة أذرع إلى سبعة أذرع تدخله السفن الكبيرة وتتجمع فيه خمسون وستون سفينة وثلاث وأربع بواخر بريدية، وثلاث وأربعة سفن شراعية فى صورة دائمة. ويمكن أن يصنع فى نفس ميناء جدة سفينة ذات ثمانين أو تسعين طنا.
يشتغل قسم من أهالى جدة بصناعة (المسابيح والصياغة وصناعة الصدف، والبقالة، والصباغة، وصيد السمك) وقسم آخر يصطادون المرجان واليسر والصدف واللؤلؤ، ويتاجرون بهذه الأشياء. وقسم منهم يعملون بتسيير القوارب والسفن.
ومن بينهم من ذهبوا إلى المحيط الهندى ورجعوا وأحيانا ذهبوا إلى موانى الصين، وربانوها تعودوا السفر إلى زنجبار وسنغافورة.
ومن أهل البلد من يمتلكون سفنا شراعية ذات حمولة ستمائة طن إلى ألف طن، وهناك أكثر من مائتين ممن يمتلكون سنابق، وهذه السفن تنتقل بين موانى (سواكن، مصوع، الوجبة، ينبع البحر، حديدة، زيلع، مسلط،مكلا، البصرة، وشحر).
تهب فى ميناء جدة رياح البحر الرطبة والرياح الشرقية والجنوبية والغربية والشمالية، ويطلق على الرياح الغربية الشمالية عند الأهالى (بحرى)،وعلى الرياح الجنوبية الشرقية (أزيب).
ورياح (البحر)،رطبة ورياح الشرق حارة، ويروون أن لهذه الرطوبة فوائد.
كما أن رياح السموم التى تحمل الحرارة غير ضارة.
وتبلغ درجة الحرارة عند ما تبلغ أشدها إلى واحد وأربعين درجة سانتفراد إلا أن رطوبة البحر تحمل البرودة فى الليالى.
وتنتشر فى الخريف والشتاء علة الحمى فى جدة إلا أنه بعد أن أجريت مياه