الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دسيسة هوى أو غرض دنيوي، وهو الغالب، إذ الأديان صارت تبعا للدنيا. ولقد اتفق لبعض الشافعية أنه تمذهب بمذهب الزيدية، إما عن نظر منه وهو بعيد جدا أو لغرض آخر، فرماه قومه عن قوس واحدة حتى كأنه ارتد عن الدين ولحق بعبدة الأوثان فقال:
إذا ما رأوني من بعيد تغامزوا فوالله ما بعت الهدى بضلالة
…
علي وقالوا شافعي تزيدا
ولكنني بعت الضلالة بالهدى
وكذلك اتفق لآخر كان شافعيا فانتقل إلى مذهب ابن حنبل، أو حنفيا أو حنبليا فانتقل إلى أحدهما، فقيل فيه أبيات منها أنه سيصير إلى مالك (1) وقصده التورية فحكم أنه من أهل النار، وكذلك يزداد من يوم إلى يوم الشر، ويوطن كل البلا نفسه على اتباع الآباء. (2)
- وله من الآثار السلفية:
1 -
'تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد' وهو مطبوع.
2 -
'إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد'.
3 -
'حسن الاتباع وقبح الابتداع'.
موقفه من المشركين:
- قال رحمه الله: فهذا 'تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد' وجب علي تأليفه، وتعين علي ترصيفه، لما رأيته وعلمته من اتخاذ الأنداد في الأمصار والقرى وجميع البلاد، من اليمن والشام ومصر ونجد وتهامة، وجميع ديار
(1) ذكرناها في مواقف المؤيد أبي البركات محمد التكريتي سنة (599هـ).
(2)
إيقاظ الفكرة (52 - 54).
الإسلام، وهو الاعتقاد في القبور، وفي الأحياء ممن يدعي العلم بالمغيبات والمكاشفات وهو من أهل الفجور، لا يحضر للمسلمين مسجدا، ولا يرى لله راكعا ولا ساجدا، ولا يعرف السنة ولا الكتاب، ولا يهاب البعث ولا الحساب.
فواجب علي أن أنكر ما أوجب الله إنكاره، ولا أكون من الذين يكتمون ما أوجب الله إظهاره. (1)
- وقال أيضا: وكذلك تسمية القبر مشهدا، ومن يعتقدون فيه وليا لا يخرجه عن اسم الصنم والوثن، إذ هم معاملون لها معاملة المشركين للأصنام، ويطوفون بهم طواف الحجاج ببيت الله الحرام، ويستلمونهم استلامهم لأركان البيت، ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية، من قولهم: على الله وعليك، ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد ونحوها، وكل قوم لهم رجل ينادونه. فأهل العراق والهند يدعون عبد القادر الجيلي. وأهل التهائم لهم في كل بلد ميت يهتفون باسمه يقولون: يا زيلعي، يا ابن العجيل، وأهل مكة وأهل الطائف، يا ابن العباس، وأهل مصر: يا رفاعي، يا بدوي والسادة البكرية وأهل الجبال: يا أبا طير، وأهل اليمن: يا ابن علوان. وفي كل قرية أموات يهتفون بهم وينادوهم ويرجونهم لجلب الخير ودفع الضر. وهذا هو بعينه فعل المشركين في الأصنام كما قلنا في الأبيات النجدية:
أعادوا بها معنى (سواع) ومثله
…
(يغوث) و (ود) بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها
…
كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
(1) تطهير الاعتقاد (18 - 19).
وكم نحروا في سوحها من نحيرة
…
أهلت لغير الله جهلا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبلا
…
ويلتمس الأركان منهن بالأيدي
فإن قال: إنما نحرت لله وذكرت اسم الله عليه. فقل: إن كان النحر لله فلأي شيء قربت ما تنحره من باب مشهد من تفضله وتعتقد فيه؟ هل أردت بذلك تعظيمه؟ إن قال نعم: فقل: هذا النحر لغير الله، بل أشركت مع الله تعالى غيره، وإن لم ترد تعظيمه، فهل أردت توسيخ باب المشهد وتنجيس الداخلين إليه؟ أنت تعلم يقينا أنك ما أردت ذلك أصلا، ولا أردت إلا الأول، ولا خرجت من بيتك إلا قصدا له. ثم كذلك دعاؤهم له.
فهذا الذي عليه هؤلاء شرك بلا ريب.
وقد يعتقدون في بعض فسقة الأحياء وينادونه في الشدة والرخاء وهو عاكف على القبائح والفضائح، لا يحضر حيث أمر الله عباده المؤمنين بالحضور هناك، ولا يحضر جمعة ولا جماعة ولا يعود مريضا ولا يشيع جنازة، ولا يكتسب حلالا، ويضم إلى ذلك دعوى التوكل وعلم الغيب، ويجلب إليه إبليس جماعة قد عشش في قلوبهم، وباض فيها وفرخ، يصدقون بهتانه ويعظمون شأنه، ويجعلون هذا ندا لرب العالمين ومثلا، فيا للعقول أين ذهبت؟ ويا للشرائع كيف جهلت؟ {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (1) فإن قلت: أفيصير هؤلاء الذين يعتقدون في القبور والأولياء والفسقة والخلعاء مشركين، كالذين يعتقدون في الأصنام؟
(1) الأعراف الآية (194).
قلت: نعم، قد حصل منهم ما حصل من أولئك، وساووهم في ذلك، بل زادوا في الاعتقاد والانقياد والاستعباد: فلا فرق بينهم.
فإن قلت: هؤلاء القبوريون يقولون: نحن لا نشرك بالله تعالى، ولا نجعل له ندا، والالتجاء إلى الأولياء ليس شركا.
قلت: نعم {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} (1) ولكن هذا جهل منهم بمعنى الشرك. فإن تعظيمهم الأولياء، ونحرهم النحائر لهم شرك. والله تعالى يقول:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} (2) أي لا لغيره، كما يفيد تقديم الظرف ويقول تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (3)، وقد عرفت بما قدمناه قريبا أنه صلى الله عليه وسلم سمى الرياء شركا، فكيف بما ذكرناه؟.
فهذا الذي يفعلونه لأوليائهم هو عين ما فعله المشركون وصاروا به مشركين ولا ينفعهم قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئا؛ لأن فعلهم أكذب قولهم.
فإن قلت: هم جاهلون أنهم مشركون بما يفعلونه.
قلت: قد خرج الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة: أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر، وإن لم يقصد معناها. وهذا دال على أنهم لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا ماهية التوحيد، فصاروا حينئذ كفارا كفرا أصليا، فالله
(1) آل عمران الآية (167).
(2)
الكوثر الآية (2).
(3)
الجن الآية (18).