الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله إماما في الفقه والعربية والمنطق والأصول، وله اليد الطولى في الأدب نظما ونثرا، وكان متفردا بالذكاء وقوة الفهم وجودة الفكر، وكان ينكر نحلة ابن عربي وأتباعه، وبينه وبين متبعيه معارك وله في ذلك رسالتان وقصائد كثيرة.
توفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة.
موقفه من المشركين:
لهذا الإمام قصيدة من أجمل القصائد في بيان زندقة ابن عربي وكفره، وهي قصيدة بليغة، ينبغي لمن وقف عليها أن يحفظها حتى تكون زندقة هذا الضال معروفة محفوظة. وإليك بعض القصيدة منقولا من العقد الثمين.
قال التقي الفاسي: وقد بين شيخنا فاضل اليمن شرف الدين إسماعيل ابن أبي بكر المعروف بابن المقري الشافعي من حال ابن عربي مالم يبينه غيره، لأن جماعة من صوفية زبيد أوهموا من ليس له كثير نباهة علو مرتبة ابن عربي ونفي العيب عن كلامه. وذكر ذلك شيخنا ابن المقري مع شيء من حال الصوفية المشار إليهم في قصيدة طويلة من نظمه فقال فيما أنشدنيه إجازة (1):
ألا يا رسول الله غارة ثائر
…
غيور على حرماته والشعائر
يحاط بها الإسلام ممن يكيده
…
ويرميه من تلبيسه بالفواقر
فقد حدثت بالمسلمين حوادث
…
كبار المعاصي عندها كالصغائر
…
حوتهن كتب حارب الله ربها
…
وغر بها من غر بين الحواضر
تجاسر فيها ابن العريبي واجترى
…
على الله فيما قال كل التجاسر
وقال بأن الرب والعبد واحد
…
فربي مربوبي بغير تعاير
(1) العقد الثمين (2/ 296 - 298).
وأنكر تكليفا إذ العبد عنده
…
إله وعبد فهو إنكار حائر
وخطأ إلا من يرى الخلق صورة
…
وهوية لله عند التناظر
وقال تجلى الحق في كل صورة
…
تجلى عليها فهي إحدى المظاهر
وأنكر أن الله يغني عن الورى
…
ويغنون عنه لاستواء المقادر
كما ظل في التهليل يهزا بنفيه
…
وإثباته مستجملا للمغاير
وقال الذي ينفيه عين الذي
…
أتى به مثبتا لا غير عند التجاور
فأفسد معنى ما به الناس أسلموا
…
وألغاه إلغا بينات التهاتر
فسبحان رب العرش عما يقوله
…
أعاديه من أمثال هذي الكبائر
فقال عذاب الله عذب وربنا
…
ينعم في نيرانه كل فاجر
وقال بأن الله لم يعص في الورى
…
فما ثم محتاج لعاف وغافر
وقال مراد الله وفق لأمره
…
فما كافر إلا مطيع الأوامر
وكل امرئ عند المهيمن مرتضى
…
سعيد فما عاص لديه بخاسر
وقال يموت الكافرون جميعهم
…
وقد آمنوا غير المفاجا المبادر
وما خص بالإيمان فرعون وحده
…
لدى موته بل عم كل الكوافر
فكذبه يا هذا تكن خير مؤمن
…
وإلا فصدقه تكن شر كافر
وأثنى على من لم يجب نوحا إذ دعا
…
إلى ترك ود أو سواع وناسر
وسمى جهولا من يطاوع أمره
…
على تركها قول الكفور المجاهر
ولم ير بالطوفان إغراق قومه
…
ورد على من قال رد المناكر
وقال بلى قد أغرقوا في معارف
…
من العلم والباري لهم خير ناصر
كما قال فازت عاد بالقرب واللقا
…
من الله في الدنيا وفي اليوم الآخر
وقد أخبر الباري بلعنته لهم
…
وإبعادهم فاعجب له من مكابر
وصدق فرعونا وصحح قوله:
…
أنا الرب الأعلى وارتضى كل سامر
وأثنى على فرعون بالعلم والذكا
…
وقال بموسى عجلة المتدابر
وقال خليل الله في الذبح واهم
…
ورؤيا ابنه تحتاج تعبير عابر
يعظم أهل الكفر والأنبياء
…
لا يعاملهم إلا بحط المقادر
ويثني على الأصنام خيرا ولا يرى
…
لها عابدا ممن عصى أمر آمر
وكم من جراءات على الله قالها
…
وتحريف آيات لسوء تفاسر
ولم يبق كفرا لم يلابسه عامدا
…
ولم يتورط فيه غير محاذر
وقال سيأتينا من الصين خاتم
…
من الأولياء للأولياء الأكابر
له رتبة فوق النبي ورتبة
…
له دونه فاعجب لهذا التنافر
فرتبته العليا تقول لأخذه
…
عن الله لا وحيا بتوسيط آخر
ورتبته الدنيا تقول لأنه
…
من التابعية في الأمور الظواهر
وقال اتباع المصطفى ليس واضعا
…
لمقداره الأعلى وليس بحاقر
فإن تدن منه لاتباع فإنه
…
يرى منه أعلى من وجوه أواخر
ترى حال نقصان له في اتباعه
…
لأحمد حتى جا بهذه المعاذر
فلا قدس الرحمان شخصا يحبه
…
على ما يرى من قبح هذي المخابر
وقال بأن الأنبياء جميعهم
…
بمشكاة هذا تستضى في الدياجر
وقال فقال الله بي بعد مدة
…
بأنك أنت الختم رب المفاخر
أتاني ابتدا بيضاء سطر ربنا
…
بإنفاذه في العالمين أو أمري
وقال فلا تشغلك عني ولاية
…
وكن كل شهر طول عمرك زائري
فرفدك أجزلنا وقصدك لم يخب
…
لدينا فهل أبصرت يابن الأخاير
بأكذب من هذا وأكفر في الورى
…
وأجرا على غشيان هذى الفواطر
فلا يدعوا من صدقوه ولاية
…
وقد ختمت فليؤخذوا بالأقادر
فيا لعباد الله ماثم ذو حجا
…
به بعض تمييز بقلب وناظر
إذا كان ذو كفر مطيعا كمؤمن
…
فلا فرق فينا بين بر وفاجر
كما قال هذا إن كل أوامر
…
من الله جاءت فهي وفق المقادر
فلم بعثت رسل وسنت شرائع
…
وأنزل الله بهذي الزواجر
أيخلع منكم ربقة الدين عاقل
…
بقول غريق في الضلالة حائر
ويترك ما جاءت به الرسل من هدى
…
لأقوال هذا الفيلسوف المغادر
فيا محسني ظنا بما في 'فصوصه'
…
وما في فتوحات الشرور الدوائر
عليكم بدين الله لا تصبحوا غدا
…
مساعر نار قبحت من مساعر
فليس عذاب الله عذبا كمثل ما
…
يمنيكم بعض الشيوخ المدابر
ولكن أليم مثل ما قال ربنا
…
به الجلد إن ينضج يبدل بآخر
غدا يعلمون الصادق القول منهما
…
إذا لم يتوبوا اليوم علم مباشر
ويبدو لكم غير الذي يعدونكم
…
بأن عذاب الله ليس بضائر
ويحكم رب العرش بين محمد
…
ومن سن علم الباطل المتهاتر
ومن جا بدين مفترى غير دينه
…
فأهلك أغمارا به كالأباقر
فلا تخدعن المسلمين عن الهدى
…
وما للنبي المصطفى من مآثر
ولا تؤثروا غير النبي على النبي
…
فليس كنور الصبح ظلما الدياجر
دعو كل ذي قول لقول محمد
…
فما آمن في دينه كمخاطر
وأما رجالات الفصوص فإنهم
…
يعومون في بحر من الكفر زاخر
إذا راح بالربح المتابع أحمدا
…
على هديه راحوا بصفقة خاسر
سيحكي لهم فرعون في دار خلده
…
بإسلامه المقبول عند التجاور
ويا أيها الصوفي خف من فصوصه وخذ نهج سهل والجنيد وصالح
…
خواتم سوء غيرها في الخناصر
على الشرع كانوا ليس فيهم لوحدة
…
وقوم مضوا مثل النجوم الزواهر
رجال رأوا ما لدار دار إقامة
…
ولا لحلول الحق ذكر لذاكر
فأحيوا لياليهم صلاة وبيتوا
…
لقوم ولكن بلغة للمسافر
مخافة يوم مستطير بشره
…
بها خوف رب العرش صوم البواكر
فقد نحلت أجسادهم وأذابها
…
عبوس المحيا قمطرير المظاهر
أولئك أهل الله فالزم طريقهم
…
قيام لياليهم وصوم الهواجر
وعد عن دواعي الابتداع الكوافر
التعليق:
قول ابن المقري: وخذ نهج سهل والجنيد وصالح، فيه دعوة إلى اتباع هؤلاء المتصوفة، والواجب الدعوة إلى الاستنان بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أبرِّ هذه الأمة قلوبا وأعمقِها علما وأقلها تكلفا وبالصالحين بعدهم المتمسكين بهديهم.
ابن الوزير (1)(840 هـ)
الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى المعروف بابن
(1) البدر الطالع (2/ 81 - 93) وإنباء الغمر (7/ 372) والضوء اللامع (6/ 272) والأعلام (5/ 300) ومقدمة كتاب العواصم والقواصم (1/ 12 - 81) والتاج المكلل لصديق حسن خان (ص.340 - 347).
الوزير اليماني. ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة بهجرة الظهراوين من شَظَب شمال غرب صنعاء. نشأ في بيت علم ودين، فقرأ على أخيه الهادي بن إبراهيم ومحمد بن حمزة وعلي بن محمد بن أبي القاسم وغيرهم. اشتغل في أول طلبه بعلم الكلام والجدال ثم تحول إلى علوم الكتاب والسنة فانشرح صدره وصلح أمره. رحل إلى تعز ثم إلى مكة.
كان رحمه الله من أبرز علماء اليمن المجتهدين على الإطلاق، تبحر في جميع العلوم وفاق الأقران، واشتهر صيته وبعد ذكره وطار علمه في الأقطار. كان بينه وبين بعض علماء عصره منازعات وردود، وذلك لذبه عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتمسكه بها، قال رحمه الله:
يا حبذا يوم القيامة شهرتي
…
بين الخلائق في المقام الأحمد
لمحبتي سنن الرسول وأنني
…
فيها عصيت معنفي ومفندي
وتركت فيها جيرتي وعشيرتي
…
ومحل أترابي وموضع مولدي
قال أحمد بن عبد الله الوزير: له في علوم الاجتهاد المحل الأعلى، والقدح المعلى، وبلغ مبلغ الأوائل، بل زاد واستدرك، واختار وصنف، وألف وأفاد وجمع وقيد، وبنى وشيد، وكان اجتهاده اجتهادا كاملا مطلقا، لا كاجتهاد بعض المتأخرين. وقال عبد الرحمن العطاب: الإمام الحافظ أبو عبد الله شيخ العلوم وإمامها، ومن في يديه زمامها، قلد فيها وما قلد، وألفى جيد الزمان عاطلا فطوقه بالمحاسن وقلد، صنف في سائر فنونها، وألف كتبا تقدم فيها وما تخلف، وله في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الباع المديد، والشأو البعيد الذي ما عليه مزيد. وقال الحافظ ابن حجر عند ترجمته لأخيه الهادي: وله أخ يقال له