الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقفه من المبتدعة:
هذا الإمام العَلَم على قصر عمره نهل علما غزيرا، وكان رحمه الله سيفا مسلولا على المبتدعة، وقد تصدى لأكبر مبتدع في عصره ألا وهو السبكي، بل وألف في الرد عليه كتابا مستقلا أسماه الصارم المنكي -فأزعج به المبتدعة الأقدمين والمحدثين، حتى إنهم لخبثهم وحقدهم الدفين حاولوا مناقشة كلمة "المنكي"- وهو من الكتب السلفية التي لو كتبت بماء الذهب لَعُدَّ في حقها رخيصا، لما حواه في طياته من بيان لخبث المبتدعة عموما وحيلهم ومكرهم وتمويهاتهم، وهو مطبوع بحمد الله.
- قال في مطلعه: أما بعد: فإني وقفت على الكتاب الذي ألفه بعض قضاة الشافعية في الرد على شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية في مسألة شد الرحال وإعمال المطيّ إلى القبور، وذكر أنه كان قد سماه 'شن الغارة على من أنكر سفر الزيارة' ثم زعم أنه اختار أن يسميه 'شفاء السقام في زيارة خير الأنام' فوجدت كتابه مشتملاً على تصحيح الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة، وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة والآثار القوية المقبولة وتحريفها عن مواضعها وصرفها عن ظاهرها بالتأويلات المستنكرة المردودة. ورأيت مؤلف هذا الكتاب المذكور رجلاً ممارياً معجباً برأيه متبعاً لهواه، ذاهباً في كثير مما يعتقده إلى الأقوال الشاذة والآراء الساقطة، صائراً في أشياء مما يعتمده إلى الشبه المخيلة والحجج الداحضة، وربما خرق الإجماع في مواضع لم يسبق إليها ولم يوافقه أحد من الأئمة عليها.
وهو في الجملة لون عجيب وبناء غريب؛ تارة يسلك فيما ينصره ويقويه مسلك المجتهدين، فيكون مخطئاً في ذلك الاجتهاد، ومرة يزعم فيما يقوله ويدعيه أنه من جملة المقلدين، فيكون من قلده مخطئاً في ذلك الاعتقاد، نسأل الله سبحانه أن يلهمنا رشدنا ويرزقنا الهداية والسداد. (1)
- إلى أن قال: فلما وقفت على هذا الكتاب المذكور أحببت أن أنبه على ما وقع فيه من الأمور المنكرة والأشياء المردودة؛ وخلط الحق بالباطل لئلا يغتر بذلك بعض من يقف عليه ممن لا خبرة له بحقائق الدين، مع أن كثيراً مما فيه من الوهم والخطأ يعرفه خلق من المبتدئين في العلم بأدنى تأمل ولله الحمد، ولو نوقش مؤلف هذا الكتاب على جميع ما اشتمل عليه من الظلم والعدوان والخطأ والخبط والتخليط والغلو والتشنيع والتلبيس، لطال الخطاب، ولبلغ الجواب مجلدات، ولكن التنبيه على القليل مرشد إلى معرفة الكثير لمن له أدنى فهم والله المستعان. (2)
- وقال: أن تعظيمه صلى الله عليه وسلم هو موافقته في محبة ما يحب وكراهة ما يكره، والرضا بما يرضى به، وفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، والمبادرة إلى ما رغب فيه والبعد عما حذر منه، وأن لا يتقدم بين يديه ولا يقدم على قوله قول أحد سواه، ولا يعارض ما جاء به بمعقول، ثم يقدم المعقول عليه كما يقوله أئمة هذا المعترض الذين تلقى عنهم أصول دينه، وقدم آراءهم وهو أحسن ظنونهم على كلام الله ورسوله. ثم ينسب ورثة الرسول الواقفين مع
(1) الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص.6 - 7).
(2)
الصارم المنكي (ص.9).
أقواله المخالفين لما خالفها إلى ترك التعظيم، وأي إخلال بتعظيم، وأي تنقص فوق من عزل كلام الرسول عن إفادة اليقين، وقدم عليه آراء الرجال، وزعم أن العقل يعارض ما جاء به، وأن الواجب تقديم المعقول، وآراء الرجال على قوله. (1)
- إلى أن قال: أن هذا الذي يفعله عباد القبور من المقاصد والوسائل ليس بتعظيم، فإن التعظيم محله القلب واللسان والجوارح، وهم أبعد الناس منه، فالتعظيم بالقلب ما يتبع اعتقاد كونه رسولاً من تقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين ويصدق هذه المحبة أمران.
أحدهما: تجريد التوحيد، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أحرص الخلق على تجريده حتى قطع أسباب الشرك ووسائله من جميع الجهات، ونهى عن عبادة الله بالتقرب إليه بالنوافل من الصلوات في الأوقات التي يسجد فيها عباد الشمس لها، بل قبل ذلك الوقت بعد أن تصلى الصبح والعصر لئلا يتشبه الموحدون بهم في وقت عبادتهم، ونهى أن يقال: ما شاء الله وشاء فلان؛ ونهى أن يحلف بغير الله، وأخبر أن ذلك شرك ونهى أن يصلى إلى القبر، أو يتخذ مسجداً، أو عيداً، أو يوقد عليها سراج، وذم من شرك بين اسمه واسم ربه تعالى في لفظ واحد، فقال له: بئس الخطيب أنت، بل مدار دينه على هذا الأصل الذي هو قطب رحى النجاة، ولم يقرر أحد ما قرره صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وهديه، وسد الذرائع المنافية له، فتعظيمه صلى الله عليه وسلم بموافقته على ذلك لا بمناقضته فيه.
(1) الصارم المنكي (ص.339).
الثاني: تجريد متابعته وتحكيمه وحده في الدقيق والجليل من أصول الدين وفروعه والرضا بحكمه والانقياد له والتسليم والإعراض عمن خالفه وعدم الالتفات إليه حتى يكون وحده الحاكم المتبع المقبول قوله، كما كان ربه تعالى وحده المعبود المألوه المخوف المرجو المستغاث به المتوكل عليه الذي إليه الرغبة والرهبة؛ وإليه الوجهة والعمل الذي يؤمل وحده لكشف الشدائد وتفريج الكربات ومغفرة الذنوب؛ الذي خلق الخلق وحده ورزقهم وحده وأحياهم وحده، وأماتهم وحده ويبعثهم وحده ويغفر ويرحم ويهدي ويضل ويسعد ويشقي وحده، وليس لغيره من الأمر شيء كائناً من كان بل الأمر كله لله
…
فهذا هو التعظيم الحق المطابق لحال المعظم النافع للمعظم في معاشه ومعاده الذي هو لازم إيمانه وملزومه؛ وأما التعظيم باللسان فهو الثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به على نفسه، وأثنى به عليه ربه من غير غلو ولا تقصير؛ فكما أن المقصر المفرط تارك لتعظيمه، فالغالي المفرط كذلك، وكل منهما شر من الآخر من وجه دون وجه؛ وأولياؤه سلكوا بين ذلك قواماً؛ وأما التعظيم بالجوارح فهو العمل بطاعته والسعي في إظهار دينه، وإعلاء كلماته ونصر ما جاء به وجهاد ما خالفه.
وبالجملة: فالتعظيم النافع هو تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله وفيه وتحكيمه وحده والرضا بحكمه، وأن لا يتخذ من دونه طاغوت يكون التحاكم إلى أقواله: فما وافقها من قول الرسول قبله وما خالفها رده أو تأوله، أو أعرض عنه، والله سبحانه
يشهد وكفى به شهيداً وملائكته ورسله وأولياؤه أن عباد القبور وخصوم الموحدين ليسوا كذلك، وهم يشهدون على أنفسهم بذلك.
وما كان لهم أن ينصروا دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم شاهدين على أنفسهم بتقديم آراء شيوخهم، وأقوال متبوعهم على قوله؛ وأنه لا يستفاد من كلامه يقين؛ وأنه إذا عارضه الرجال قدمت عليه؛ وكان الحكم ما تحكم به؛ أفلا يستحي من الله من العقلاء من هذا حاله في أصول دينه وفرعه أن يتستر بتعظيم القبر ليوهم الجهال أنه معظم لرسوله ناصر له منتصر له ممن ترك تعظيمه وتنقصه؛ ويأبى الله ذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)} (1)، {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} (2).اهـ (3)
ومن كتبه السلفية كذلك:
- 'طبقات الحفاظ'، لا يزال مخطوطا.
- 'العقود الدرية في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية'، وقد طبع بتحقيق الشيخ حامد الفقي رحمه الله.
(1) الأنفال الآية (34).
(2)
التوبة الآية (105).
(3)
الصارم المنكي (ص.341 - 343).