الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلطان أبو الحسن المريني للمترجم: وليناك مع عامل الزكاة، فقال له: أما تستحيي من الله، تأخذ لقبا من ألقاب الشريعة، وتضعه على مغرم من المغارم، فضربه السلطان بسكين مغمد كان يعتاد حمله بيده، ثم تحلل منه فسامحه.
توفي رحمه الله سنة خمسين وسبعمائة.
موقفه من الصوفية:
- جاء في المعيار المعرب: وسئل الشيخ الصالح أبو فارس عبد العزيز بن محمد القيرواني تلميذ سيدي أبي الحسن الصغير عن قوم تسموا بالفقراء يجتمعون على الرقص والغنا، فإذا فرغوا من ذلك أكلوا طعاما كانوا أعدوه للمبيت عليه، ثم يصلون ذلك بقراءة عشر من القرآن والذكر، ثم يغنون ويرقصون ويبكون، ويزعمون في ذلك كله أنهم على قربة وطاعة، ويدعون الناس إلى ذلك، ويطعنون على من لم يأخذ بذلك من أهل العلم، ونساء اقتفين في ذلك أثرهم، وعملن في ذلك على نحو عملهم. وقوم استحسنوا ذلك وصوبوا فيه رأيهم. فما الحكم فيهم وفيمن رأى رأيهم هل تجوز إمامتهم وتقبل شهادتهم أم لا؟ بينوا لنا ذلك.
فأجاب: بأن قال: الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة على محمد خاتم النبيين، وآله الطيبين الطاهرين، أكرمكم الله وإيانا بتقواه، ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، لاتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى نلقاه، قد وقفنا على ما رستم (1) وتصفحنا فصوله. فالجواب فيه ما قاله بعض أيمة الدين، من علماء المسلمين
(1) كذا بالأصل ولعلها: رسمتم.
الناصحين، حين سئلوا عن ذلك، من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر: أن بني إسرائيل افترقت على اثنين وسبعين فرقة، وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة اثنان وسبعون في النار وواحدة في الجنة (1)، وقد ظهر ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من افتراق أمته على هذه الفرق، وتبين صدقه صلى الله عليه وسلم وتحقق. ولم يكن أحد في مغربنا من هذه الطوائف فيما سلف، إلى أن ظهرت هذه الطائفة الأمية الجاهلة الغبية، الذين ولعوا بجمع أقوام جهال فتصدوا إلى العوام الذين صدورهم سالمة، وعقولهم قاصرة، فدخلوا عليهم من طريق الدين، وأنهم لهم من الناصحين وأن هذه الطريق التي هم عليها هي طريق المحبين، فصاروا يحضونهم على التوبة والإيثار والمحبة وصدق الأخوة، وإماتة الحظوظ والشهوة وتفريغ القلب إلى الله بكلية، وصرفه إليه بالقصد والنية. وهذه الخصال محمودة في الدين فاضلة، إلا أن الذي في ضمنه على مذاهب القوم سموم قاتلة، وطامات هائلة. وهذه الطائفة أشد ضررا على المسلمين من مردة الشياطين، وهي أصعب الطوائف للعلاج، وأبعدها عن فهم طرق الاحتجاج، لأنهم أول أصل أصلوه في مذهبهم، بغض العلماء والتنفير عنهم، ويزعمون أنهم عندهم قطاع الطريق المحجوبون بعلمهم عن رتبة التحقيق، فمن كان هذه حالته، سقطت مكالمته. وبعدت معالجته، فليس للكلام معه فائدة، والمتكلم معه يضرب في حديد بارد.
وإنما كلامنا مع من لم ينغمس في خابيتهم، ولم يسقط في مهواتهم، لعله يسلم من عاديتهم، وينجو من غاويتهم.
واعلموا أن هذه البدعة في فساد عقائد العوام، أسرع من سريان السم
(1) تقدم تخريجه في مواقف يوسف بن أسباط سنة (195هـ).
في الأجسام، وأنها أضر في الدين من الزنى والسرقة وسائر المعاصي والآثام، فإن هذه المعاصي كلها معلوم قبحها، عند من يرتكبها ويجتلبها، فلا يلبس مرتكبها على أحد، وترجى له التوبة منها والإقلاع عنها. وصاحب هذه البدعة يرى أنها أفضل الطاعات، وأعلى القربات، فباب التوبة عنده مسدود، وهو عنه شرود مطرود. فكيف ترجى له منها التوبة، وهو يعتقد أنها طاعة وقربة، بل هو ممن قال الله فيهم:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} (1)، وممن قال فيهم:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا} (2). ثم ضرر المعاصي إنما هي في أعمال الجوارح الظاهرة، وضرر هذه البدع إنما هي في الأصول التي هي العقائد الباطنة، فإذا فسد الأصل، ذهب الفرع والأصل، وإذا فسد الفرع بقي الأصل يرجى أن ينجبر الفرع وإن لم ينجبر الفرع، لم تذهب منفعة الأصل. ثم إن الذي يغوي الناس ويدعوهم إلى بدعته، يكون عليه وزره ووزر من استن بسنته، قال الله العظيم:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)} وقال تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ
(1) الكهف الآيتان (103 و104).
(2)
فاطر الآية (8).
أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)} (1)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» (2). ولا تنشأ هذه العلل إلا من مرض في القلب خفي، أو حمق جلي، فاحذروها واحذروا أهلها. ولا تغتروا بهم ولو أنهم يطيرون في الهواء، ويمشون على الماء، فإن ذلك فتنة لمن أراد الله فتنته، وعلم شقوته. قال الله تعالى:{وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (3). فلا يغتر أحدكم بما يظهر من الأوهام والخيالات، من أهل البدع والضلالات، ويعتقد بأنها كرامات، بل هي شرك وحبالات، نصبها الشيطان ليقتنص بها معتقد البدع ومرتكب الشهوات، وإنما تكون من الله الكرامة لمن ظهرت منه الاستقامة، وإنما تكون الاستقامة باتباع الكتاب والسنة، والعمل بما كان عليه سلف هذه الأمة، فمن لم يسلك طريقهم، ولم يتبع سبيلهم، فهو ممن قال الله فيهم:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} (4).اهـ (5)
(1) العنكبوت الآية (13) ..
(2)
تقدم تخريجه في مواقف صديق حسن خان سنة (1307هـ).
(3)
المائدة الآية (41).
(4)
النساء الآية (115).
(5)
المعيار المعرب (11/ 29 - 32).