الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صائد وإخوانه الكهنة لهم خوارق، والرهبان فيهم من قد تمزق جوعا وخلوة ومراقبة على غير أساس ولا توحيد، فصفت كدورات أنفسهم وكاشفوا وفشروا، ولا قدوة إلا في أهل الصفوة وأرباب الولاية المنوطة بالعلم والسنن، فنسأل الله إيمان المتقين، وتأله المخلصين، فكثير من المشايخ نتوقف في أمرهم حتى يتبرهن لنا أمرهم، وبالله الاستعانة. (1)
- وقال في محمد بن إبراهيم الفخر الفارسي الصوفي: ومن تصانيفه كتاب الأسرار، وسر الأسكار، جمع فيه بين الحقيقة والشريعة فتكلف، وقال ما لا ينبغي. وله كتاب مطية النقل وعطية العقل في علم الكلام، وكتاب الفرق بين الصوفي والفقير، وكتاب جمحة النهى في لمحة المها. (2)
موقفه من الجهمية:
- قال في السير: والمعتزلة تقول: لو أن المحدثين تركوا ألف حديث في الصفات والأسماء والرؤية والنزول لأصابوا. والقدرية تقول: لو أنهم تركوا سبعين حديثا في إثبات القدر. والرافضة تقول: لو أن الجمهور تركوا من الأحاديث التي يدعون صحتها ألف حديث لأصابوا، وكثير من ذوي الرأي يردون أحاديث شافه بها الحافظ المفتي المجتهد أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنه ما كان فقيها، ويأتوننا بأحاديث ساقطة أو لا يعرف لها، إسناد أصلا محتجين بها.
قلنا: وللكل موقف بين يدي الله تعالى. يا سبحان الله، أحاديث رؤية
(1) السير (22/ 178 - 179).
(2)
الميزان (3/ 452).
الله في الآخرة متواترة، والقرآن مصدق لها، فأين الإنصاف؟ (1)
التعليق:
ما ذكره الإمام الذهبي من أمنية هؤلاء المبتدعة، معناه رفض السنة من أَلِفِها إلى يائها، والعيش على الهوى والتخبط حتى تصير حالة أرباب هذا التصور الفاسد شرا من حالة عباد الأصنام في الجاهلية. نسأل الله العافية.
- قال في ترجمة علي بن عبيد الله: وله تصانيف فيها أشياء من بحوث المعتزلة بدعوه بها، لكونه نصرها وما هذا من خصائصه، بل قل من أمعن النظر في علم الكلام إلا وأداه اجتهاده إلى القول بما يخالف محض السنة، ولهذا ذم علماء السلف النظر في علم الأوائل، فإن علم الكلام مولد من علم الحكماء الدهرية، فمن رام الجمع بين علم الأنبياء عليهم السلام، وبين علم الفلاسفة بذكائه، لابد وأن يخالف هؤلاء وهؤلاء. ومن كف ومشى خلف ما جاءت به الرسل من إطلاق ما أطلقوا ولم يتحذلق ولا عمق، فإنهم صلوات الله عليهم أطلقوا وما عمقوا، فقد سلك طريق السلف الصالح، وسلم له دينه ويقينه. نسأل الله السلامة في الدين. (2)
التعليق:
لله درك يا محدث الشام. ويا مؤرخ الإسلام، كم لك من الحسنات، وكم لك من الحكم، وهذه منها. غير أن الذين بعدوا عن السنة في هذا
(1) السير (10/ 455).
(2)
الميزان (3/ 144).
الزمان لا يعترفون إلا بمن تضلع في علم الكلام، وأما علم الأنبياء فيرونه علم الجهال لأن الأنبياء في نظرهم ما بعثوا إلا للجهال، نسأل الله العافية.
- قال في السير معلقا على قول أبي قربة: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: دعنا من هذا وهات كتاب الله، فاعلم أنه ضال.
قلت أنا: وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول: دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد، وهات (العقل)؟ فاعلم أنه أبو جهل. وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول: دعنا من النقل ومن العقل، وهات الذوق والوجد، فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر أو قد حل فيه فإن جبنت منه فاهرب، وإلا فاصرعه وابرك على صدره واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه. (1)
التعليق:
وهل بعد هذا الوصف من وصف؟ ولو نطق أحدنا في هذا الزمان بهذه العبارات، لعد من كبار المتنطعين والمتشددين، فانظر -هداك الله- إلى هذه العبارات التي تستحق أن تكتب بماء الذهب، وهو فيها رخيص، والحمد لله رب العالمين.
- جاء في السير قال: قلت: الجهمية يقولون: إن الباري تعالى في كل مكان، والسلف يقولون: إن علم الباري في كل مكان، ويحتجون بقوله
(1) السير (4/ 472).
تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (1)، يعني بالعلم. ويقولون: إنه على عرشه استوى كما نطق به القرآن والسنة.
وقال الأوزاعي وهو إمام وقته: كنا -والتابعون متوافرون- نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته، ومعلوم عند أهل العلم من الطوائف أن مذهب السلف، إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تأويل ولا تحريف ولا تشبيه ولا تكييف، فإن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات المقدسة، وقد علم المسلمون أن ذات الباري موجودة حقيقة لا مثل لها، وكذلك صفاته تعالى موجودة لا مثل لها. (2)
- جاء في السير: قال -عند قول أبي يوسف: العلم بالخصومات والكلام جهل- مثاله شبه وإشكالات من نتائج أفكار أهل الكلام، تورد في الجدال على آيات الصفات وأحاديثها، فيكفر هذا هذا، وينشأ الاعتزال والتجهم والتجسيم وكل بلاء. نسأل الله العافية. (3)
- وفيها أيضا: قال -بعد كلام نعيم بن حماد: من شبه الله بخلقه فقد كفر-: قلت: هذا الكلام حق نعوذ بالله من التشبيه، ومن إنكار أحاديث الصفات، فما ينكر الثابت منها من فقه، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان:
(1) الحديد الآية (4).
(2)
السير (8/ 402).
(3)
السير (8/ 539).
تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب، فما أولها السلف ولا حرفوا ألفاظها عن مواضعها، بل آمنوا بها وأمروها كما جاءت.
المقام الثاني: المبالغة في إثباتها وتصورها من جنس صفات البشر وتشكلها في الذهن، فهذا جهل وضلال. وإنما الصفة تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف عز وجل لم نره، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه مع قوله لنا في تنزيله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (1). فكيف بقي لأذهاننا مجال في إثبات كيفية الباري تعالى الله عن ذلك، فكذلك صفاته المقدسة نقر بها ونعتقد أنها حق ولا نمثلها أصلا ولا نتشكلها. (2)
- جاء في السير: قال رحمه الله: ومسألة النزول، فالإيمان به واجب، وترك الخوض في لوازمه أولى، وهو سبيل السلف، فما قال هذا: نزوله بذاته، إلا إرغاما لمن تأوله وقال: نزوله إلى السماء بالعلم فقط. نعوذ بالله من المراء في الدين.
وكذا قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} (3) ونحوه فنقول: جاء وينزل، وننهى عن القول: ينزل بذاته، كما لا نقول: ينزل بعلمه، بل نسكت ولا نتفاصح على الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارات مبتدعة والله أعلم. (4)
(1) الشورى الآية (11).
(2)
السير (10/ 610).
(3)
الفجر الآية (22).
(4)
السير (20/ 331).
التعليق:
ينبغي أن يفهم مراد الشيخ، فالمقصود عنده إثبات الصفة كما ورد بذلك النص دون زيادة، فالله تعالى ينزل كما يشاء ومتى يشاء وكيف يشاء بدون تحديد الكيفية.
- جاء في السير: قال أبو عبيد: -وذكر الباب الذي يروى فيه الرؤية والكرسي موضع القدمين وضحك ربنا وأين كان ربنا- فقال: هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف يضحك وكيف وضع قدمه؟ قلنا: لا نفسر هذا ولا سمعنا أحدا يفسره.
قال الذهبي: قلت: قد فسر علماء السلف المهم من الألفاظ وغير المهم، وما أبقوا ممكنا، وآيات الصفات وأحاديثها لم يتعرضوا لتأويلها أصلا، وهي أهم الدين، فلو كان تأويلها سائغا أو حتما، لبادروا إليه، فعلم قطعا أن قراءتها وإمرارها على ما جاءت هو الحق، لا تفسير لها غير ذلك، فنؤمن بذلك ونسكت اقتداء بالسلف، معتقدين أنها صفات لله تعالى، استأثر الله بعلم حقائقها وأنها لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته المقدسة لا تماثل ذوات المخلوقين، فالكتاب والسنة نطق بها، والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ وما تعرض لتأويل، مع كون الباري قال:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1) فعلينا الإيمان
(1) النحل الآية (44).
والتسليم للنصوص، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. (1)
- وفيها قال: -بعد كلام أبي العباس السراج في من أنكر الصفات أنه زنديق كافر- قلت: لا يكفر إلا إن علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، فإن جحد بعد ذلك فهو معاند نسأل الله الهدى، وإن اعترف أن هذا حق ولكن لا أخوض في معانيه فقد أحسن، وإن آمن وأول ذلك كله أو تأول بعضه فهو طريقة معروفة. (2)
- قال رحمه الله: هذه الصفات من الاستواء والإتيان والنزول، قد صحت بها النصوص، ونقلها الخلف عن السلف، ولم يتعرضوا لها برد ولا تأويل، بل أنكروا على من تأولها مع إصفاقهم على أنها لا تشبه نعوت المخلوقين، وأن الله ليس كمثله شيء، ولا تنبغي المناظرة، ولا التنازع فيها، فإن في ذلك محاولة للرد على الله ورسوله، أو حوما على التكييف أو التعطيل. (3)
- وقال: قلت: بل قولهم إنه عز وجل في السماء وفي الأرض لا امتياز للسماء، وقول عموم أمة محمد صلى الله عليه وسلم: إن الله في السماء يطلقون ذلك وفق ما جاءت النصوص بإطلاقه، ولا يخوضون في تأويلات المتكلمين، مع جزم الكل بأنه تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (4).اهـ (5)
(1) السير (10/ 505 - 506).
(2)
السير (14/ 396 - 397).
(3)
السير (11/ 376).
(4)
الشورى الآية (11).
(5)
السير (11/ 70 - 71).
- جاء في السير: ذكر كلاما بعد حديث رأيت ربي (1) ثم قال: والذي دل عليه الدليل عدم الرؤية مع إمكانها، فنقف عن هذه المسألة، فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. فإثبات ذلك أو نفيه صعب والوقوف سبيل السلامة والله أعلم. وإذا ثبت شيء قلنا به، ولا نعنف من أثبت الرؤية لنبينا في الدنيا ولا من نفاها بل نقول: الله ورسوله أعلم. بلى، نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة، إذ رؤية الله في الآخرة ثبت بنصوص متوافرة. (2)
- قال أبو جعفر العقيلي في ترجمة عبد الله بن ذكوان: حدثنا مقدام بن داود، حدثنا الحارث بن مسكين، وابن أبي الغمر، قالا: حدثنا ابن القاسم قال: سألت مالكا عمن يحدث بالحديث الذي قالوا: «إن الله خلق آدم على صورته» (3) فأنكر ذلك إنكارا شديدا، ونهى أن يتحدث به أحد، فقيل: إن ناسا من أهل العلم يتحدثون به قال: من هم؟ قيل: ابن عجلان، عن أبي الزناد، فقال: لم يكن يعرف ابن عجلان هذه الأشياء، ولم يكن عالما، ولم يزل أبو الزناد عاملا لهؤلاء حتى مات، وكان صاحب عمال يتبعهم. قلت: الخبر لم ينفرد به ابن عجلان، بل ولا أبو الزناد، فقد رواه شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد، ورواه قتادة عن أبي أيوب المراغي عن أبي هريرة، ورواه ابن لهيعة عن الأعرج وأبي يونس عن أبي هريرة، ورواه معمر عن همام عن أبي هريرة، وصح أيضا من حديث ابن عمر. وقد قال إسحاق بن راهويه
(1) تقدم انظر مواقف البربهاري سنة (329هـ).
(2)
السير (10/ 114).
(3)
تقدم تخريجه بألفاظ مختلفة. انظر مواقف البربهاري سنة (329هـ).
عالم خراسان: صح هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا الصحيح مخرج في كتابي البخاري ومسلم. فنؤمن به ونفوض ونسلم، ولا نخوض فيما لا يعنينا، مع علمنا بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. (1)
- جاء في السير: عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أردت أخا لي في قرية كذا وكذا. قال: هل له عليك من نعمة تربها؟ قال: لا، إلا أني أحبه في الله. قال: إني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه» (2). أخرجه مسلم عن عبد الأعلى، فوافقناه بعلو، وهو من أحاديث الصفات التي تمر كما جاءت، وشاهده في القرآن وفي الحديث كثير، قال الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (3) وقال: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} (4).اهـ (5)
- قال في واصل بن عطاء: واصل بن عطاء البصري، الغزال المتكلم، البليغ المتشدق، الذي كان يلثغ بالراء. فلبلاغته هجر الراء وتجنبها في خطابه. سمع من الحسن البصري وغيره. وقال أبو الفتح الأزدي: رجل سوء كافر. قلت: كان من أجلاد المعتزلة، ولد سنة ثمانين بالمدينة، ومما قيل فيه:
(1) السير (5/ 449 - 450).
(2)
أحمد (2/ 292) ومسلم (4/ 1988/2567).
(3)
آل عمران الآية (31).
(4)
النساء الآية (125).
(5)
السير (7/ 454 - 455).
ويجعل البر قمحا في تصرفه
…
وخالف الراء حتى احتال للشعر
ولم يطق مطرا في القول يجعله
…
فعاذ بالغيث إشفاقا من المطر
وله من التصانيف: كتاب أصناف المرجئة، وكتاب التوبة، وكتاب معاني القرآن. وكان يتوقف في عدالة أهل الجمل، ويقول: إحدى الطائفتين فسقت لا بعينها، فلو شهدت عندي عائشة وعلي وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهم. مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. (1)
- وقال في ضرار بن عمرو: نعم، ومن رؤوس المعتزلة ضرار بن عمرو، شيخ الضرارية. فمن نحلته قال: يمكن أن يكون جميع الأمة في الباطن كفارا لجواز ذلك على كل فرد منهم. ويقول: الأجسام إنما هي أعراض مجتمعة، وإن النار لا حر فيها، ولا في الثلج برد، ولا في العسل حلاوة، وإنما يخلق ذلك عند الذوق واللمس. (2)
- وقال في أبي الهذيل المعتزلي: ورأس المعتزلة أبو الهذيل، محمد بن الهذيل البصري العلاف، صاحب التصانيف، الذي زعم أن نعيم الجنة وعذاب النار ينتهي بحيث إن حركات أهل الجنة تسكن، حتى لا ينطقون بكلمة، وأنكر الصفات المقدسة حتى العلم والقدرة، وقال: هما الله، وأن لِمَا يقدر الله عليه نهاية وآخرا، وأن للقدرة نهاية لو خرجت إلى الفعل، فإن خرجت لم تقدر على خلق ذرة أصلا. وهذا كفر وإلحاد. (3)
(1) الميزان (4/ 329).
(2)
السير (10/ 544 - 546).
(3)
السير (10/ 542 - 543).
- وقال في أبي المعتمر معمر بن عمرو: وقيل: ابن عباد، البصري السلمي مولاهم العطار، المعتزلي. وكان يقول: في العالم أشياء موجودة لا نهاية لها، ولا لها عند الله عدد ولا مقدار. فهذا ضلال، يرده قوله تعالى:{وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)} (1) وقال: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)} (2) ولذلك قامت عليه المعتزلة بالبصرة، ففر إلى بغداد، واختفى عند إبراهيم ابن السندي. وكان يزعم أن الله لم يخلق لونا، ولا طولا، ولا عرضا، ولا عمقا، ولا رائحة، ولا حسنا، ولا قبحا، ولا سمعا ولا بصرا، بل ذلك فعل الأجسام بطباعها، فعورض بقوله تعالى:{خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} (3) فقال: المراد خلق الإماتة والإحياء، وقال: النفس ليست جسما ولا عرضا، ولا تلاصق شيئا ولا تباينه، ولا تسكن. وكان بينه وبين النظام مناظرات ومنازعات، وله تصانيف في الكلام. وهلك فيما ورخه محمد بن إسحاق النديم سنة خمس عشرة ومئتين. (4)
- وقال في الجهم بن صفوان: أبو محرز الراسبي، مولاهم، السمرقندي، الكاتب المتكلم، أس الضلالة، ورأس الجهمية، كان صاحب ذكاء وجدال، كتب للأمير حارث بن سريج التميمي. وكان ينكر الصفات، وينزه الباري عنها بزعمه، ويقول بخلق القرآن. ويقول: إن الله في الأمكنة
(1) الجن الآية (28).
(2)
الرعد الآية (8).
(3)
الملك الآية (2).
(4)
السير (10/ 546).
كلها. قال ابن حزم: كان يخالف مقاتلا في التجسيم. وكان يقول: الإيمان عقد بالقلب، وإن تلفظ بالكفر. قيل: إن سلم بن أحوز قتل الجهم، لإنكاره أن الله كلم موسى. (1)
- وقال في إبراهيم بن إسماعيل بن علية: ولابن علية ابن آخر، جهمي شيطان، اسمه إبراهيم بن إسماعيل، كان يقول بخلق القرآن، ويناظر. (2)
- وقال في بشر المريسي: ونظر في الكلام، فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتقوى، وجرد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفره عدة، ولم يدرك جهم بن صفوان بل تلقف مقالاته من أتباعه. (3)
- وقال في هشام بن عمرو: أبو محمد الفوطي، المعتزلي، الكوفي، مولى بني شيبان. صاحب ذكاء وجدال وبدعة ووبال. أخذ عنه عباد بن سلمان وغيره. ونهى عن قول:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} وقال: لا يعذب الله كافرا بالنار، ولا يحيي أرضا بمطر، ولا يهدي ولا يضل، ويقول: يعذبون في النار لا بها، ويحيي الأرض عند المطر لا به، وأن معنى: نعم الوكيل، أي المتوكل عليه. قال المبرد: قال رجل لهشام الفوطي: كم تعد من السنين؟ قال: من واحد إلى أكثر من ألف. قال: لم أرد هذا، كم لك من السن؟ قال: اثنان وثلاثون سنا. قال: كم لك من السنين؟ قال: ما هي لي،
(1) السير (6/ 26 - 27).
(2)
السير (9/ 113).
(3)
السير (10/ 200).
كلها لله. قال: فما سنك؟ قال: عظم. قال: فابن كم أنت؟ قال: ابن أم وأب. قال: فكم أتى عليك؟ قال: لو أتى علي شيء لقتلني، قال: ويحك، فكيف أقول؟ قال: قل: كم مضى من عمرك.
قلت: هذا غاية ما عند هؤلاء المتقعرين من العلم، عبارات وشقاشق لا يعبأ الله بها، يحرفون بها الكلم عن مواضعه قديما وحديثا، فنعوذ بالله من الكلام وأهله. (1)
- وقال في أبي موسى عيسى بن صبيح: الملقب بالمرداز، البصري، من كبار المعتزلة أرباب التصانيف الغزيرة. أخذ عن بشر بن المعتمر، وتزهد وتعبد، وتفرد بمسائل ممقوتة، وزعم أن الرب يقدر على الظلم والكذب، ولكن لا يفعله. وقال بكفر من قال: القرآن قديم، وبكفر من قال: أفعالنا مخلوقة، وقال برؤية الله، وكفر من أنكرها، حتى إن رجلا قال له: فالجنة التي عرضها السماوات والأرض لا يدخلها إلا أنت وثلاث؟ فسكت. ذكره قاضي حماة شهاب الدين إبراهيم في كتاب 'الفرق'، وأنه مات سنة ست وعشرين ومئتين. (2)
- وقال في برغوث: وهو رأس البدعة، أبو عبد الله محمد بن عيسى الجهمي. أحد من كان يناظر الإمام أحمد وقت المحنة. صنف كتاب 'الاستطاعة' وكتاب 'المقالات' وكتاب 'الاجتهاد' وكتاب 'الرد على جعفر
(1) السير (10/ 547).
(2)
السير (10/ 548).
بن حرب' وكتاب 'المضاهاة'. (1)
- وقال في أبي سعد السمان: نقل الإمام الذهبي عن ابن عساكر في ترجمة السمان أنه قال: وكان يذهب مذهب الحسن البصري، ومذهب الشيخ أبي هاشم، ودخل الشام والحجاز والمغرب، وقرأ على ثلاثة آلاف شيخ، وقصد أصبهان في آخر عمره لطلب الحديث.
قال: وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه، كان تاريخ الزمان وشيخ الإسلام.
قلت -أي الذهبي-: وذكر أشياء في وصفه، وأنى يوصف من قد اعتزل وابتدع، وبالكتاب والسنة فقل ما انتفع. فهذا عبرة، والتوفيق فمن الله وحده.
هتف الذكاء وقال لست بنافع
…
إلا بتوفيق من الوهاب
وأما قول القائل: كان يذهب مذهب الحسن، فمردود، قد كانت هفوة في ذلك من الحسن، وثبت أنه رجع عنها ولله الحمد. وأما أبو هاشم الجبائي، وأبوه أبو علي فمن رؤوس المعتزلة، ومن الجهلة بآثار النبوة، برعوا في الفلسفة والكلام، وما شموا رائحة الإسلام، ولو تغرغر أبو سعد بحلاوة الإسلام، لانتفع بالحديث. فنسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا وتوحيدنا. (2)
- وقال في ابن الوليد: وكان ذا زهد وورع وقناعة. شاخ فكان ينقض من خشب بيته ما يمونه، وكان يلبس القطني الخام، وكان داعية إلى
(1) السير (10/ 554).
(2)
السير (18/ 58 - 59).
الاعتزال، وبه انحرف ابن عقيل. مات في ذي الحجة، سنة ثمان وسبعين وأربع مئة، وكان يدري المنطق جيدا. وما تنفع الآداب والبحث والذكاء، وصاحبها هاو بها في جهنم. (1)
- وقال: ومن رؤوس المعتزلة البغداديين العلامة أبو موسى الفراء، ومات سنة ست وعشرين ومئتين، أرخه المسعودي.
ومنهم ابن كيسان الأصم، قديم تخرج به إبراهيم ابن علية في الكلام. ومنهم جعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر، وأبو غفار، وحسين النجار، والرقاش، وأبو سعيد بن كلاب، وقاسم بن الخليل الدمشقي صاحب التفسير، وثمامة بن أشرس النميري، وأشباههم ممن كان ذكاؤهم وبالا عليهم، ثم بينهم من الاختلاف والخباط أمر لا يخفى على أهل التقوى، فلا عقولهم اجتمعت، ولا اعتنوا بالآثار النبوية، كما اعتنى أئمة الهدى {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} (2).اهـ (3)
- وقال في أبي القاسم عبد الواحد بن برهان العكبري: وكان يميل إلى مذهب مرجئة المعتزلة، ويعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار. (4)
قال الذهبي: حجته في خروج الكفار هو مفهوم العدد من قوله:
(1) السير (18/ 490).
(2)
الأنعام الآية (81).
(3)
السير (10/ 555 - 556).
(4)
السير (18/ 125).
{لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)} (1) ولا ينفعه ذلك لعموم قوله: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)} (2) ولقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (3) إلى غير ذلك، وفي المسألة بحث عندي أفردتها في جزء. (4)
- وقال في محمد بن كرام: محمد بن كرام السجستاني المبتدع، شيخ الكرامية، كان زاهدا عابدا ربانيا، بعيد الصيت، كثير الأصحاب، ولكنه يروي الواهيات كما قال ابن حبان. خذل حتى التقط من المذاهب أرداها، ومن الأحاديث أوهاها، ثم جالس الجويباري، وابن تميم، ولعلهما قد وضعا مئة ألف حديث، وأخذ التقشف عن أحمد بن حرب. قلت: كان يقول: الإيمان هو نطق اللسان بالتوحيد، مجرد عن عقد قلب، وعمل جوارح. وقال خلق من الأتباع له: بأن الباري جسم لا كالأجسام، وأن النبي تجوز منه الكبائر سوى الكذب. وقد سجن ابن كرام، ثم نفي. وكان ناشفا عابدا، قليل العلم. قال الحاكم: مكث في سجن نيسابور ثماني سنين، ومات بأرض بيت المقدس سنة خمس وخمسين ومئتين. وكانت الكرامية كثيرين بخراسان. ولهم تصانيف، ثم قلوا وتلاشوا. نعوذ بالله من الأهواء. (5)
- عن أحمد الدورقي: قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في هؤلاء الذين
(1) النبأ الآية (23).
(2)
البقرة الآية (167).
(3)
النساء الآية (169).
(4)
السير (18/ 126).
(5)
السير (11/ 523 - 524).
يقولون: لفظي بالقرآن مخلوق؟ فرأيته استوى واجتمع، وقال: هذا شر من قول الجهمية. من زعم هذا، فقد زعم أن جبريل تكلم به بمخلوق، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمخلوق.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: فقد كان هذا الإمام - أي أحمد بن محمد ابن حنبل- لا يرى الخوض في هذا البحث خوفا من أن يتذرع به إلى القول بخلق القرآن، والكف عن هذا أولى. آمنا بالله تعالى، وبملائكته، وبكتبه، ورسله، وأقداره، والبعث، والعرض على الله يوم الدين. ولو بسط هذا السطر، وحرر وقرر بأدلته لجاء في خمس مجلدات، بل ذلك موجود مشروح لمن رامه، والقرآن فيه شفاء ورحمة للمؤمنين، ومعلوم أن التلفظ شيء من كسب، القارئ غير الملفوظ، والقراءة غير الشيء المقروء، والتلاوة وحسنها وتجويدها غير المتلو، وصوت القارئ من كسبه فهو يحدث التلفظ والصوت والحركة والنطق، وإخراج الكلمات من أدواته المخلوقة، ولم يحدث كلمات القرآن، ولا ترتيبه، ولا تأليفه، ولا معانيه. فلقد أحسن الإمام أبو عبد الله حيث منع من الخوض في المسألة من الطرفين إذ كل واحد من إطلاق الخلقية وعدمها على اللفظ موهم، ولم يأت به كتاب ولا سنة، بل الذي لا نرتاب فيه أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. والله أعلم. (1)
قال الحافظ أبو بكر الأعين: مشايخ خرسان ثلاثة: قتيبة وعلي بن حجر ومحمد بن مهران الرازي. ورجالها أربعة: عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ومحمد بن إسماعيل البخاري -قبل أن يظهر منه ما ظهر- ومحمد
(1) السير (11/ 290).
ابن يحيى وأبو رزعة.
قلت: هذه دقة من الأعين، والذي ظهر من محمد -يعني البخاري- أمر خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن، وتسمى مسألة أفعال التالين، فجمهور الأئمة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. وبهذا ندين الله تعالى، وبدعوا من خالف ذلك، وذهبت الجهمية والمعتزلة، والمأمون، وأحمد بن أبي دؤاد القاضي، وخلق من المتكلمين والرافضة إلى أن القرآن كلام الله المنزل مخلوق. وقالوا: الله خالق كل شيء، والقرآن شيء. وقالوا: تعالى الله أن يوصف بأنه متكلم. وجرت محنة القرآن، وعظم البلاء، وضرب أحمد بن حنبل بالسياط ليقول ذلك، نسأل الله السلامة في الدين. ثم نشأت طائفة، فقالوا: كلام الله تعالى منزل غير مخلوق، ولكن ألفاظنا به مخلوقة، يعنون: تلفظهم وأصواتهم به، وكتابتهم له ونحو ذلك، وهو حسين الكرابيسي، ومن تبعه، فأنكر ذلك الإمام أحمد، وأئمة الحديث، وبالغ الإمام أحمد في الحط عليهم، وثبت عنه أن قال: اللفظية جهمية. وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي. ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع، وسد باب الخوض في هذا. وقال أيضا: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن، فهو جهمي. وقالت طائفة: القرآن محدث كداود الظاهري ومن تبعه، فبدعهم الإمام أحمد، وأنكر ذلك، وثبت على الجزم بأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه من علم الله، وكَفَّر من قال بخلقه وبدَّع من قال بحدوثه، وبدع من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، ولم يأت عنه ولا عن السلف القول: بأن القرآن قديم. ما تفوه أحد
منهم بهذا. فقولنا: قديم: من العبارات المحدثة المبتدعة. كما أن قولنا: هو محدث بدعة. وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء، فقال: ما قلت: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم، وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق.
وصنف في ذلك كتاب 'أفعال العباد' مجلد، فأنكر عليه طائفة، وما فهموا مرامه كالذهلي، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي بكر الأعين، وغيرهم. ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلابية، والأشعرية، وقالوا: القرآن معنى قائم بالنفس، وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه. وقالوا: هذا المتلو معدود متعاقب، وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب، ولا التعدد. بل هو شيء واحد قائم بالذات المقدسة، واتسع المقال في ذلك، ولزم منه أمور وألوان، تركها -والله- من حسن الإيمان وبالله نتأيد. (1)
-وقال في السير: قال عبد الله بن أحمد: فترحم عليه أبي -أي أبو بكر الأعين-، وقال: إني لأغبطه، مات وما يعرف إلا الحديث، لم يكن صاحب كلام.
قلت: هكذا كان أئمة السلف، لا يرون الدخول في الكلام، ولا الجدال. بل يستفرغون وسعهم في الكتاب والسنة، والتفقه فيهما، ويتبعون ولا يتنطعون. (2)
- أخبرنا الإمام أبو الحسين علي بن محمد، أخبرنا جعفر بن علي،
(1) السير (11/ 510 - 511).
(2)
السير (12/ 120).
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا ثابت بن بندار، أخبرنا أبو بكر البرقاني، قرأنا على أبي العباس بن حمدان، حدثكم محمد بن نعيم قال: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته، وحيث تصرف، ولا نرى الكلام فيما أحدثوا فتكلموا في الأصوات والأقلام والحبر والورق، وما أحدثوا من المتلي والمُتلى والمقرئ، فكل هذا عندنا بدعة، ومن زعم أن القرآن محدث، فهو عندنا جهمي لا يشك فيه ولا يمترى.
قال الذهبي: كذا قال: المتلي والمتلى، ومراده المتلي والتلاوة، والمقرئ والقراءة. ومذهب السلف وأئمة الدين أن القرآن العظيم المنزل كلام الله تعالى غير مخلوق. ومذهب المعتزلة أنه مخلوق، وأنه كلام الله تعالى على حد قولهم: عيسى كلمة الله، وناقة الله، أي إضافة ملك.
ومذهب داود وطائفة أنه كلام الله، وأنه محدث مع قولهم بأنه غير مخلوق.
وقال آخرون من الحنابلة وغيرهم: هو كلام الله قديم غير محدث، ولا مخلوق. وقالوا: إذا لم يكن مخلوقا فهو قديم. ونوزعوا في هذا المعنى وفي إطلاقه.
وقال آخرون: هو كلام الله مجازا، وهو دال على القرآن القديم القائم بالنفس.
وهنا بحوث وجدال لا نخوض فيها أصلا. والقول هو ما بدأنا به، وعليه نص أزيد من ثلاث مئة إمام. وعليه امتحن الإمام أحمد، وضرب
بالسياط رحمه الله. (1)
- قال الذهبي -عقب قول ابن منده في مسألة الإيمان: صرح محمد بن نصر في كتاب الإيمان بأن الإيمان مخلوق، وأن الإقرار والشهادة وقراءة القرآن بلفظه مخلوق، ثم قال: وهجره على ذلك علماء وقته وخالفه أئمة خراسان والعراق-:
قلت: الخوض في ذلك لا يجوز، وكذلك لا يجوز أن يقال: الإيمان، والإقرار، والقراءة، والتلفظ بالقرآن غير مخلوق، فإن الله خلق العباد وأعمالهم، والإيمان: فقول وعمل، والقراءة والتلفظ: من كسب القارئ، والمقروء الملفوظ: هو كلام الله ووحيه وتنزيله، وهو غير مخلوق، وكذلك كلمة الإيمان، وهي قول "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" داخلة في القرآن، وما كان من القرآن فليس بمخلوق، والتكلم بها من فعلنا، وأفعالنا مخلوقة، ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له، قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة. (2)
- وقال: قد صار الظاهر اليوم ظاهرين: أحدهما حق والثاني باطل، فالحق أن يقول: إنه سميع بصير، مريد متكلم، حي عليم، كل شيء هالك إلا وجهه، خلق آدم بيده، وكلم موسى تكليما، واتخذ إبراهيم خليلا، وأمثال
(1) السير (12/ 289 - 290).
(2)
السير (14/ 39 - 40).
ذلك، فنمره على ما جاء، ونفهم منه دلالة الخطاب كما يليق به تعالى، ولا نقول: له تأويل يخالف ذلك. والظاهر الآخر وهو الباطل، والضلال: أن تعتقد قياس الغائب على الشاهد، وتمثل البارئ بخلقه، تعالى الله عن ذلك، بل صفاته كذاته، فلا عدل له، ولا ضد له، ولا نظير له، ولا مثل له، ولا شبيه له، وليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، وهذا أمر يستوي فيه الفقيه والعامي، والله أعلم. (1)
- قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي صاحب مرآة الزمان: وفي ذي القعدة سنة ست وتسعين وخمس مئة كان ما اشتهر من أمر الحافظ عبد الغني وإصراره على ما ظهر من اعتقاده وإجماع الفقهاء على الفتيا بتكفيره، وأنه مبتدع لا يجوز أن يترك بين المسلمين، فسأل أن يمهل ثلاثة أيام لينفصل عن البلد فأجيب.
قلت -أي الذهبي-: قد بَلَوت على أبي المظفر المجازفة وقلة الورع فيما يؤرخه والله الموعد، وكان يترفض، رأيت له مصنفا في ذلك فيه دواه، ولو أجمعت الفقهاء على تكفيره كما زعم لما وسعهم إبقاؤه حيا، فقد كان على مقالته بدمشق أخوه الشيخ العماد والشيخ موفق الدين، وأخوه القدوة الشيخ أبو عمر، والعلامة شمس الدين البخاري، وسائر الحنابلة، وعدة من أهل الأثر، وكان بالبلد أيضا خلق من العلماء لا يكفرونه، نعم، ولا يصرحون بما أطلقه من العبارة لما ضايقوه، ولو كف عن تلك العبارات، وقال بما وردت به النصوص لأجاد ولسلم، فهو الأولى، فما في توسيع العبارات الموهمة خير،
(1) السير (19/ 449).
وأسوأ شيء قاله أنه ضلل العلماء الحاضرين، وأنه على الحق، فقال كلمة فيها شر وفساد وإثارة للبلاء، رحم الله الجميع وغفر لهم، فما قصدهم إلا تعظيم الباري عز وجل من الطرفين، ولكن الأكمل في التعظيم والتنزيه الوقوف مع ألفاظ الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف رضي الله عنهم. وبكل حال فالحافظ عبد الغني من أهل الدين والعلم والتأله والصدع بالحق، ومحاسنه كثيرة، فنعوذ بالله من الهوى والمراء والعصبية والافتراء، ونبرأ من كل مجسم ومعطل. (1)
- وقال رحمه الله: وقد سئل أبو القاسم التيمي رحمه الله: هل يجوز أن يقال: لله حد أو لا؟ وهل جرى هذا الخلاف في السلف؟ فأجاب: هذه مسألة أستعفي من الجواب عنها لغموضها، وقلة وقوفي على غرض السائل منها، لكني أشير إلى بعض ما بلغني، تكلم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة، محصولها أن حد كل شيء موضع بينونته عن غيره، فإن كان غرض القائل: ليس لله حد: لا يحيط علم الحقائق به، فهو مصيب، وإن كان غرضه بذلك: لا يحيط علمه تعالى بنفسه فهو ضال، أو كان غرضه أن الله بذاته في كل مكان فهو أيضا ضال. قلت -أي الذهبي-: الصواب الكف عن إطلاق ذلك، إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى صحيح، فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفا من أن يدخل القلب شيء من البدعة، اللهم احفظ علينا إيماننا. (2)
(1) السير (21/ 464).
(2)
السير (20/ 85 - 86).
- وقال -يعني الغزالي-: ميزان الأعمال معيار يعبر عنه بالميزان، وإن كان لا يساوي ميزان الأعمال ميزان الجسم الثقيل، كميزان الشمس، وكالمسطرة التي هي ميزان السطور، وكالعروض ميزان الشعر.
قلت: بل ميزان الأعمال له كفتان، كما جاء في الصحيح (1)، وهذا المعتقد -يشير إلى ما نقله الغزالي- غالبه صحيح، وفيه مما لم أفهمه، وبعضه فيه نزاع بين أهل المذاهب، ويكفي المسلم في الإيمان أن يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره، والبعث بعد الموت، وأن الله ليس كمثله شيء أصلا، وأن ما ورد من صفاته المقدسة حق، يمر كما جاء، وأن القرآن كلام الله وتنزيله، وأنه غير مخلوق، إلى أمثال ذلك مما أجمعت عليه الأمة، ولا عبرة بمن شذ منهم، فإن اختلفت الأمة في شيء من مشكل أصول دينهم، لزمنا فيه الصمت، وفوضناه إلى الله، وقلنا: الله ورسوله أعلم، ووسعنا فيه السكوت. فرحم الله الإمام أبا حامد، فأين مثله في علومه وفضائله، ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ، ولا تقليد في الأصول. (2)
- وهو القائل في كتاب السنة -أي القصاب-: كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصف بها نبيه فهي صفة حقيقة لا مجازا. قلت: نعم، لو كانت
(1) أحمد (2/ 213؛221 - 222) والترمذي (5/ 25/2639) وقال: "هذا حديث حسن غريب" وابن ماجه (2/ 1437/4300) وابن حبان (1/ 461 - 462/ 225 الإحسان) والحاكم (1/ 6؛529) وقال في الموطن الأول: "صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي، وقال في الموطن الثاني:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. كلهم من طرق عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر حديث البطاقة.
(2)
السير (19/ 345 - 346).