الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عساكر. وكان رحمه الله جيد الحفظ والفهم، مستقل الرأي، يدور مع الدليل حيث دار ولا يتعصب لمذهب. قال عنه الذهبي: الإمام المحدث المفتي البارع فقيه متفنن، محدث متقن، مفسر نقال. وقال تلميذه شهاب الدين بن حجي: كان أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث وأعرفهم بتخريجها ورجالها، وصحيحها وسقيمها. وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك. وكان يستحضر كثيرا من التفسير والتاريخ، قليل النسيان. وكان فقيها جيد الفهم صحيح الذهن. وقال الحافظ ابن حجر: ولازم المزي، وقرأ عليه تهذيب الكمال، وصاهره على ابنته، وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه، وامتحن بسببه، وكان كثير الاستحضار، حسن المفاكهة، سارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته. وقال ابن حبيب: إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وصنف، وأطرب الأسماع بأقواله وشنف، وحدث وأفاد، وطارت فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، انتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير. وهو القائل:
تمر بنا الأيام تترى وإنما
…
نساق إلى الآجال والعين تنظر
فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى
…
ولا زائل هذا المشيب المكدر
له مؤلفات كثيرة كـ'التفسير' و'البداية والنهاية' و'جامع المسانيد والسنن' وغير ذلك.
توفي رحمه الله تعالى في شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة.
موقفه من المبتدعة:
- ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن قيم
الجوزية، نقلا عن الذهبي في المعجم المختص أنه وقع بينه وبين ابن كثير منازعة في تدريس الناس، فقال له ابن كثير أنت تكرهني لأنني أشعري، فقال له: لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك أنك أشعري، وشيخك ابن تيمية. (1)
- قال رحمه الله تعالى تحت قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} (2): فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد هاهنا ولا رأي ولا قول، كما قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (3). وفي الحديث: «والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» (4) ولهذا شدد في
(1) الدرر الكامنة (1/ 58).
(2)
الأحزاب الآية (36).
(3)
النساء الآية (65).
(4)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 12/15) وابن بطة في الإبانة (1/ 387 - 388/ 279) من طيق نعيم بن حماد حدثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا بعض مشيختنا هشام أو غيره، عن محمد بن سيرين عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. ونعيم بن حماد، قال الحافظ في التقريب:"صدوق يخطئ كثيرا". وقال ابن رجب في جامع العلوم: "تصحيح هذا الحديث بعيد جدا".
خلاف ذلك، فقال:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (1)، كقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} (2).اهـ (3)
- وقال رحمه الله: فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة، ففاجئوه بهذه المقالة، فقال قائلهم -وهو ذو الخويصرة- بقر الله خاصرته -: اعدل فإنك لم تعدل. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟!
…
» فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب -وفي رواية خالد بن الوليد- رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، فقال:«دعه فإنه يخرج من ضئضىء هذا -أي من جنسه - قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم» (4).
ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب وقتلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشرة، ثم نبعت القدرية، ثم المعتزلة، ثم الجهمية، وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق
(1) الأحزاب الآية (36).
(2)
النور الآية (63).
(3)
تفسير ابن كثير (6/ 419).
(4)
انظر تخريجه في مواقف ابن تيمية سنة (728هـ).
المصدوق في قوله: «وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي» (1) أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة. اهـ (2)
- وقال عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} (3): ثم قال آمرا لكل أحد من خاص وعام: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي: خالفوا عن أمره {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب الله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، الذي لو كان الأنبياء -بل المرسلون، بل أولو العزم منهم- في زمانه لما وسعهم إلا اتباعه والدخول في طاعته واتباع شريعته. (4)
- وقال عند قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (5): أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف، كما في صحيح
(1) انظر تخريجه في مواقف الآجري سنة (360هـ).
(2)
تفسير ابن كثير (2/ 7).
(3)
آل عمران الآية (32).
(4)
تفسير ابن كثير (2/ 25).
(5)
آل عمران الآية (103).