الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والكل مأجور على نيته وقصده. (1)
التعليق:
قال صاحب الاستقصا: إنا نقول: الرأي ما رأى السلطان سيدي محمد رحمه الله، وقد نص جماعة من أكابر الأعلام النقاد مثل الإمام الحافظ أبي بكر ابن العربي، والشيخ النظار أبي إسحاق الشاطبي، والعلامة الواعية أبي زيد عبد الرحمن بن خلدون وغيرهم، أن سبب نضوب ماء العلم في الإسلام ونقصان ملكة أهله فيه إكباب الناس على تعاطي المختصرات الصعبة الفهم، وإعراضهم عن كتب الأقدمين المبسوطة المعاني، الواضحة الأدلة، التي تحصل لمطالعها الملكة في أقرب مدة، ولعمري لا يعلم هذا يقينا إلا من جربه وذاقه. اهـ (2)
قلت: وأما الناس اليوم، فأقبلوا عما نهى عنه هذا السلطان الصالح محمد ابن عبد الله؛ إذ المتمسك منهم الذي سلم من الإلحاد الشيوعي والاشتراكي، لا يعرف غير هذه المختصرات؛ فـ'مختصر خليل' هو قرآنهم، و'السنوسية' و'أم البراهين' و'مقدمة ابن عاشر' هي معتقدهم. والله المستعان.
موقفه من الجهمية:
- قال رحمه الله في آخر 'الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية' (3): فصل في بيان قولي في الترجمة: المالكي مذهبا الحنبلي اعتقادا، والأيمة رضي
(1)(8/ 67).
(2)
الاستقصا (8/ 67).
(3)
مخطوط بخزانة القرويين بفاس (ص.320 - 322).
الله عنهم اعتقادهم واحد، فأردت أن أشرح قولي: المالكي مذهباً الحنبلي اعتقاداً؛ وأبين المقصود بذلك والمراد، ليلا يفهمه بعض الناس على غير وجهه؛ وذلك أن الإمام أحمد -ثبت الله المسلمين بثبوته- سد طريق الخوض في علم الكلام، وقال: لا يفلح صاحب الكلام أبدا، ولا ترى أحدا ينظر في علم الكلام إلا وفي قلبه مرض وهجر أبا عبد الله الحارث بن أسد البصري المحاسبي وكان ممن اجتمع له علم الظاهر والباطن وذلك لتصنيفه كتابا في الرد على المبتدعة وقال له ويحك ألست تحكي بدعتهم ألست تحمل الناس بتصنيفك على مطالعة كلام أهل البدعة والتكلم فيه فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث فاختفى المحاسبي فلما مات لم يصل عليه إلا أربعة، وإلى ذلك ذهب الشافعي ومالك وسفيان وأهل الحديث قاطبة، حتى قال الشافعي رضي الله عنه لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشيء من الكلام فلزم الناس السكوت عن الخوض في علم الكلام إلى أن نبغ الإمام الأشعري فاشتغل يرد على المعتزلة أقوالهم الفاسدة ويجيب عن آرائهم الواهية فاتبعه المالكية على ذلك وسموه ناصر السنة وهو ومن ابتعه على صواب موافقين في اعتقادهم للسنة والكتاب لا في الخوض مع الخائضين والتصدي لذكر شبه المبطلين وتخليدها في الأوراق إلى يوم الدين.
وأما الحنابلة فأنكروا ذلك عليه، وفوقوا سهام الانتقاد إليه، وقالوا له كان ينبغي لك أن تسكت كما سكت الأيمة قبلك من السلف الصالح المهتدين الذين يرون أن الخوض في علم الكلام من البدع المحدثة في الدين، أما لك فيهم إسوة أفلا وسعك ما وسعهم من السكوت عن تلك الهفوة. فطريق
الحنابلة في الاعتقاد سهلة المرام، منزهة عن التخيلات والأوهام، موافقة لاعتقاد الأيمة كما سبق مع السلف الصالح من الأنام أعاشنا الله على ما عاشوا عليه وأماتنا على ما ماتوا عليه.
قال عبد الحفيظ الفاسي في 'الآيات البينات' (1): ولما جلس على عرش مملكة المغرب السلطان المعظم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إسماعيل العلوي قام في أوائل القرن الثالث عشر بنصرة هذا المذهب (2) وصرح في أول كتابه الفتوحات الكبرى (3) بكونه مالكي المذهب حنبلي العقيدة وافتتح كتابه بعقيدة الرسالة (4) لكونها على مذهب السلف وعقد في آخره بابا بين فيه وجه كونه حنبلي العقيدة ونصره ولم يزل معلنا بذلك في مؤلفاته ورسائله ومجالسه العلمية. وقد نقل عنه أبو القاسم الزياني أنه كان يطعن في الرحالة ابن بطوطة ويلمزه في عقيدته ويكذبه فيما ذكر في رحلته من أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يقرر يوما حديث النزول، فنزل عن كرسيه وقال كنزولي هذا، ويبرئ ابن تيمية من عقيدة التجسيم التي تفيدها هذه القضية، ويقرر أن ابن بطوطة كان يعتقد ذلك فأراد أن يظهره بنسبته إلى ابن تيمية.
- أصدر مرسوما ملكيا سنة ثلاث ومائتين وألف للهجرة في إصلاح المنهج التعليمي بالمغرب، وألزم العلماء والوعاظ به، وتوعد بالعقوبة كل من خالفه، ومما قال فيه: "ومن أراد علم الكلام فعقيدة ابن أبي زيد رضي الله
(1)(ص.301).
(2)
أي مذهب السلف.
(3)
هو الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية.
(4)
رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
عنه كافية شافية يستغني بها جميع المسلمين". ثم قال: "ومن أراد أن يخوض في علم الكلام والمنطق وعلوم الفلاسفة وكتب غلاة الصوفية وكتب القصص؛ فليتعاط ذلك في داره مع أصحابه الذين لا يدرون بأنهم لا يدرون، ومن تعاطى ما ذركنا في المساجد ونالته عقوبة فلا يلومن إلا نفسه، وهؤلاء الطلبة الذين يتعاطون العلوم التي نهينا عن قراءتها؛ ما مرادهم بتعاطيها إلا الظهور والرياء والسمعة، وأن يضلوا طلبة البادية، فإنهم يأتون من بلدهم بنية خالصة في التفقه في الدين وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحين يسمعونهم يدرسون هذه العلوم التي نهينا عنها؛ يظنون أنهم يحصلون على فائدة بها، فيتركون مجالس التفقه في الدين واستماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإصلاح ألسنتهم بالعربية، فيكون ذلك سببا في ضلالهم". (1)
(1) نقلا عن النبوغ المغربي لعبد الله كنون (ص.277).