الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حبه والله رأس الحنيفية، وبغضه يدل على خبث الطوية. فهو خير الصحابة والقرابة والحجة على ذلك قوية. لولا صحة إمامته ما قيل ابن الحنفية. مهلا مهلا، فإن دم الروافض قد فار.
والله ما أحببناه لهوانا، ولا نعتقد في غيره هوانا، ولكن أخذنا بقول علي وكفانا:"رضيك رسول الله لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا". تالله لقد أخذت من الروافض بالثأر. تالله لقد وجب حق الصديق علينا، فنحن نقضي بمدائحه ونقر بما نقر به من السنى عينا، فمن كان رافضيا فلا يعد إلينا وليقل لي أعذار. (1)
موقفه من الصوفية:
- قال رحمه الله في إغاثة اللهفان في معرض كلامه عن مكايد الشيطان التي يكيد بها ابن آدم: ومن كيده: ما ألقاه إلى جهال المتصوفة من الشطح والطامات، وأبرزه لهم في قالب الكشف من الخيالات، فأوقعهم في أنواع الأباطيل والترهات، وفتح لهم أبواب الدعاوى الهائلات، وأوحى إليهم: أن وراء العلم طريقا إن سلكوه أفضى بهم إلى كشف العيان، وأغناهم عن التقيد بالسنة والقرآن؛ فحسن لهم رياضة النفوس وتهذيبها، وتصفية الأخلاق والتجافي عما عليه أهل الدنيا، وأهل الرياسة والفقهاء وأرباب العلوم والعمل على تفريغ القلب وخلوه من كل شيء، حتى ينتقش فيه الحق بلا واسطة تعلم، فلما خلا من صورة العلم الذي جاء به الرسول نقش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من أنواع الباطل، وخيله للنفس حتى جعله
(1) الفوائد (ص.95 - 97).
كالمشاهد كشفا وعيانا. فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل قالوا: لكم العلم الظاهر، ولنا الكشف الباطن، ولكم ظاهر الشريعة، وعندنا باطن الحقيقة، ولكم القشور ولنا اللباب. فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل من النهار، ثم أحالهم في سلوكهم على تلك الخيالات، وأوهمهم أنها من الآيات البينات، وأنها من قبل الله سبحانه إلهامات وتعريفات، فلا تعرض على السنة والقرآن، ولا تعامل إلا بالقبول والإذعان، فلغير الله لا له سبحانه ما يفتحه عليهم الشيطان من الخيالات والشطحات، وأنواع الهذيان. وكلما ازدادوا بعدا وإعراضا عن القرآن وما جاء به الرسول كان هذا الفتح على قلوبهم أعظم. (1)
- وقال رحمه الله: ومن كيده: أنه يحسن إلى أرباب التخلي والزهد والرياضة العمل بها حسهم وواقعهم دون تحكيم أمر الشارع، ويقولون: القلب إذا كان محفوظا مع الله كانت هواجسه وخواطره معصومة من الخطأ، وهذا من أبلغ كيد العدو فيهم.
فإن الخواطر والهواجس ثلاثة أنواع: رحماني، وشيطانية، ونفسانية؛ كالرؤيا، فلو بلغ العبد من الزهد والعبادة ما بلغ، فمعه شيطانه ونفسه لا يفارقانه إلى الموت، والشيطان يجري منه مجرى الدم، والعصمة إنما هي للرسل صلوات الله وسلامه عليهم الذين هم وسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، ومن عداهم يصيب ويخطىء، وليس بحجة على الخلق.
(1)(1/ 188 - 189).
وقد كان سيد المحدثين الملهمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول الشيء فيرده عليه من هو دونه، فيتبين له الخطأ فيرجع إليه، وكان يعرض هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة، ولا يلتفت إليها ولا يحكم بها ولا يعمل بها. وهؤلاء الجهال يرى أحدهم أدنى شيء فيحكم هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة، ولا يلتفت إليهما؛ ويقول حدثني قلبي عن ربي، ونحن أخذنا عن الحي الذي لا يموت وأنتم أخذتم عن الوسائط، ونحن أخذنا بالحقائق وأنتم أخذتم الرسوم، وأمثال ذلك من الكلام الذي هو كفر وإلحاد، وغاية صاحبه أن يكون جاهلا يعذر بجهله، حتى قيل لبعض هؤلاء، ألا تذهب فتسمع الحديث من عبد الرزاق؟ فقال: ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الملك الخلاق؟!.
وهذا غاية الجهل؛ فإن الذي سمع من الملك الخلاق: موسى بن عمران كليم الرحمن، وأما هذا وأمثاله فلم يحصل لهم السماع من بعض ورثة الرسول، وهو يدعي أنه يسمع الخطاب من مرسله، فيستغني به عن ظاهر العلم، ولعل الذي يخاطبهم هو الشيطان، أو نفسه الجاهلة، أو هما مجتمعين ومنفردين.
ومن ظن أنه يستغني عما جاء به الرسول بما يلقى في قلبه من الخواطر والهواجس فهو من أعظم الناس كفرا. وكذلك إن ظن أنه يكتفي بهذا تارة وبهذا تارة، فما يلقي في القلوب لا عبرة به ولا التفات إليه إن لم يعرض على ما جاء به الرسول ويشهد له بالموافقة وإلا فهو من إلقاء النفس والشيطان. (1)
(1) إغاثة اللهفان (1/ 192 - 193).
- وقال رحمه الله: ومن مكايد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء والتصدية، والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان. فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحسنه لها مكرا منه وغرورا، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه، فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجورا؛ فلو رأيتهم عند ذياك السماع وقد خشعت منهم الأصوات، وهدأت منهم الحركات، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه، وانصبت انصبابة واحدة إليه، فتمايلوا له ولا كتمايل النشوان، وتكسروا في حركاتهم ورقصهم، أرأيت تكسر المخانيث والنسوان؟ ويحق لهم ذلك، وقد خالط خماره النفوس، ففعل فيها أعظم ما يفعله حميا الكؤوس.
فلغير الله، بل للشيطان قلوب هناك تمزق، وأثواب تشقق، وأموال في غير طاعة الله تنفق، حتى إذا عمل السكر فيهم عمله، وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله، واستفزهم بصوته وحيله، وأجلب عليهم برجله وخيله، وخز في صدورهم وخزا، وأزهم إلى ضرب الأرض بالأقدام أزا، فطورا يجعلهم كالحمير حول المدار، وتارة كالدباب ترقص وسيط الديار، فيا رحمتا للسقوف والأرض من دك تلك الأقدام، ويا سوأتا من أشباه الحمير والأنعام، ويا شماتة أعداء الإسلام بالذين يزعمون أنهم خواص الإسلام قضوا حياتهم لذة وطربا، واتخذوا دينهم لهوا ولعبا، مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن، لو سمع
أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك له ساكنا، ولا أزعج له قاطنا، ولا أثار فيه وجدا، ولا قدح فيه من لواعج الشوق إلى الله زندا؛ حتى إذا تلي عليه قرآن الشيطان، وولج مزموره سمعه، تفجرت ينابيع الوجد من قلبه على عينيه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت، وعلى يديه فصفقت، وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت، وعلى أنفاسه فتصاعدت، وعلى زفراته فتزايدت، وعلى نيران أشواقه فاشتعلت. فيا أيها الفاتن المفتون، والبائع حظه من الله بنصيبه من الشيطان صفقة خاسر مغبون، هلا كانت هذه الأشجان عند سماع القرآن؟! وهذه الأذواق والمواجيد عند قراءة القرآن المجيد؟! وهذه الأحوال السنيات عند تلاوة السور والآيات؟! ولكن كل امرىء يصبو إلى ما يناسبه، ويميل إلى ما يشاكله، والجنسية علة الضم قدرا وشرعا، والمشاكلة سبب الميل عقلا وطبعا، فمن أين هذا الإخاء والنسب؟ لولا التعلق من الشيطان بأقوى سبب، ومن أين هذه المصالحة التي أوقعت في عقد الإيمان وعهد الرحمن خللا؟ {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)} (1) ولقد أحسن القائل:
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة
…
لكنه إطراق ساه لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا
…
والله ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن
…
فمتى رأيت عبادة بملاهي؟
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا
…
تقييده بأوامر ونواهي
(1) الكهف الآية (50).
سمعوا له رعدا وبرقا إذ حوى
…
زجرا وتخويفا بفعل مناهي
ورأوه أعظم قاطع للنفس عن
…
شهواتها يا ذبحها المتناهي
وأتى السماع موافقا أغراضها
…
فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه
أين المساعد للهوى من قاطع
…
أسبابه عند الجهول الساهي؟
إن لم يكن خمر الجسوم فإنه
…
خمر العقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه
…
وانظر إلى النسوان عند ملاهي
وانظر إلى تمزيق ذا أثوابه
…
من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي
واحكم فأي الخمرتين أحق بالتحريم والتأثيم عند الله. وقال آخر:
برئنا إلى الله من معشر
…
بهم مرض من سماع الغنا
وكم قلت يا قوم أنتم على
…
شفا جرف ما به من بنا
شفا جرف تحته هوة
…
إلى درك كم به من عنا
وتكرار ذا النصح منا لهم
…
لنعذر فيهم إلى ربنا
فلما استهانوا بتنبيهنا
…
رجعنا إلى الله في أمرنا
فعشنا على سنة المصطفى
…
وماتوا على تنتنا تنتنا
ولم يزل أنصار الإسلام وأئمة الهدى تصيح بهؤلاء من أقطار الأرض، وتحذر من سلوك سبيلهم، واقتفاء آثارهم من جميع طوائف الملة. (1)
- وقال: قال أبو بكر الطرطوشي: وهذه الطائفة مخالفة لجماعة
(1) إغاثة اللهفان (1/ 344 - 346).