الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولسائر النبيين، والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها، ويخرج الله تعالى من النار أقواما بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله لها أقواما فيدخلهم الجنة. (1)
موقفه من الخوارج:
- قال شيخ الإسلام رحمه الله: فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستلزما من الفساد أكثر مما فيه من الصلاح لم يكن مشروعا، وقد كره أئمة السنة القتال في الفتنة التي يسميها كثير من أهل الأهواء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك إذا كان يوجب فتنة هي أعظم فسادا مما في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يدفع أدنى الفسادين بأعلاهما، بل يدفع أعلاهما باحتمال أدناهما، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» (2).اهـ (3)
- وقال: وأهل السنة والعلم والإيمان يعلمون الحق ويرحمون الخلق؛ يتبعون الرسول فلا يبتدعون. ومن اجتهد فأخطأ خطأ يعذره فيه الرسول عذروه. وأهل البدع -مثل الخوارج- يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم
(1) مجموع الفتاوى (3/ 147 - 148).
(2)
أحمد (6/ 444 - 445) وأبو داود (5/ 218/4919) والترمذي (4/ 572 - 573/ 2509) وقال: "هذا حديث صحيح". البخاري في الأدب المفرد (391).
(3)
الاستقامة (1/ 330).
ويستحلون دمه. وهؤلاء كل منهم يرد بدعة الآخرين، ولكن هو أيضا مبتدع، فيرد بدعة ببدعة، وباطلا بباطل. (1)
- وقال: أول البدع ظهورا في الإسلام وأظهرها ذما في السنة والآثار: بدعة الحرورية المارقة، فإن أولهم قال للنبي صلى الله عليه وسلم في وجهه: اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل (2)، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم وقتالهم (3)، وقاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مستفيضة بوصفهم وذمهم والأمر بقتالهم، قال أحمد بن حنبل: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة» . (4)
ولهم خاصتان مشهورتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم: أحدهما: خروجهم عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، أو ما ليس بحسنة حسنة، وهذا هو الذي أظهروه في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له ذو الخويصرة التميمي:«اعدل فإنك لم تعدل» ، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«ويلك. ومن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أعدل» . فقوله: فإنك لم تعدل جعل منه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم سفها وترك عدل، وقوله:"اعدل" أمر له بما
(1) مجموع الفتاوى (16/ 96).
(2)
تقدم تخريجه في مواقف الآجري سنة (360هـ).
(3)
أحمد (3/ 68 و73) والبخاري (8/ 84/4351) ومسلم (2/ 741 - 742/ 1064) وأبو داود (5/ 121 - 122/ 4764) والنسائي (5/ 92 - 93/ 2577) من حديث أبي سعيد الخدري.
(4)
تقدم تخريجه قريبا.
اعتقده هو حسنة من القسمة التي لا تصلح، وهذا الوصف تشترك فيه البدع المخالفة للسنة، فقائلها لا بد أن يثبت ما نفته السنة، وينفي ما أثبتته السنة، ويحسن ما قبحته السنة، أو يقبح ما حسنت السنة، وإلا لم يكن بدعة، وهذا القدر قد يقع من بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل؛ لكن أهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المعلومة. والخوارج جوزوا على الرسول نفسه أن يجور ويضل في سنته، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف -بزعمهم- ظاهر القرآن. وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا؛ فإنهم يرون أن الرسول لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه، كما يحكى عن عمرو بن عبيد في حديث الصادق المصدوق. وإنما يدفعون عن نفوسهم الحجة: إما برد النقل، وإما بتأويل المنقول، فيطعنون تارة في الإسناد وتارة في المتن، وإلا فهم ليسوا متبعين ولا مؤتمين بحقيقة السنة التي جاء بها الرسول، بل ولا بحقيقة القرآن.
الفرق الثاني في الخوارج وأهل البدع: أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات. ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام حرب ودارهم هي دار الإيمان. وكذلك يقول جمهور الرافضة؛ وجمهور المعتزلة؛ والجهمية؛ وطائفة من غلاة المنتسبة إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم. فهذا أصل البدع التي ثبت بنص سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف أنها بدعة، وهو جعل العفو سيئة وجعل السيئة كفرا. (1)
(1) مجموع الفتاوى (19/ 71 - 73).
- وقال: فالطاعن في شيء من حكمه أو قسمه -كالخوارج- طاعن في كتاب الله مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مفارق لجماعة المسلمين، وكان شيطان الخوارج مقموعا لما كان المسلمون مجتمعين في عهد الخلفاء الثلاثة: أبي بكر وعمر وعثمان، فلما افترقت الأمة في خلافة علي رضي الله عنه، وجد شيطان الخوارج موضع الخروج، فخرجوا وكفروا عليا ومعاوية ومن والاهما، فقاتلهم أولى الطائفتين بالحق علي بن أبي طالب، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«تمرق مارقة على حين فرقة من الناس، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق» (1).اهـ (2)
- قال: والخوارج إنما تأولوا آيات من القرآن على ما اعتقدوه، وجعلوا من خالف ذلك كافرا؛ لاعتقادهم أنه خالف القرآن، فمن ابتدع أقوالا ليس لها أصل في القرآن، وجعل من خالفها كافرا، كان قوله شرا من قول الخوارج. (3)
- وقال: ومن أصول أهل السنة: أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، كما يفعله الخوارج. (4)
- وقال: والخوارج المارقون الذين أمر النبي بقتالهم، قاتلهم أمير المؤمنين
(1) أحمد (3/ 32،97) ومسلم (2/ 745/1065 (150)) وأبو داود (5/ 50/4667).
(2)
مجموع الفتاوى (19/ 88 - 89).
(3)
مجموع الفتاوى (20/ 164).
(4)
مجموع الفتاوى (3/ 151).
علي بن أبي طالب، أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين، فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار، ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم.
وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر الله ورسوله بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟ فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضا؟ وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعا جهال بحقائق ما يختلفون فيه.
والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض، لا تحل إلا بإذن الله ورسوله. (1)
- وقال: فإن علي بن أبى طالب هو الذي قاتل المارقين وهم الخوارج الحرورية الذين كانوا من شيعة علي، ثم خرجوا عليه وكفروه وكفروا من والاه ونصبوا له العداوة، وقاتلوه ومن معه وهم الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة المستفيضة، بل المتواترة حيث قال فيهم «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما
(1) مجموع الفتاوى (3/ 282).
لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله يوم القيامة، آيتهم أن فيهم رجلا مخدج اليدين، له عضل عليها شعرات تدردر» (1). وهؤلاء هم الذين نصبوا العداوة لعلي ومن والاه، وهم الذين استحلوا قتله وجعلوه كافرا، وقتله أحد رؤوسهم: عبد الرحمن بن ملجم المرادي. فهؤلاء النواصب الخوارج المارقون إذ قالوا: إن عثمان وعلي بن أبي طالب ومن معهما كانوا كفارا مرتدين، فإن من حجة المسلمين عليهم ما تواتر من إيمان الصحابة، وما ثبت بالكتاب والسنة الصحيحة من مدح الله تعالى لهم، وثناء الله عليهم، ورضاه عنهم، وإخباره بأنهم من أهل الجنة، ونحو ذلك من النصوص، ومن لم يقبل هذه الحجج، لم يمكنه أن يثبت إيمان علي ابن أبي طالب وأمثاله. (2)
- وقال: والمقصود هنا أن يتبين أن هؤلاء الطوائف المحاربين لجماعة المسلمين من الرافضة ونحوهم، هم شر من الخوارج الذين نص النبي صلى الله عليه وسلم على قتالهم ورغب فيه. وهذا متفق عليه بين علماء الإسلام العارفين بحقيقته. ثم منهم من يرى أن لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم شمل الجميع، ومنهم من يرى أنهم دخلوا من باب التنبيه والفحوى، أو من باب كونهم في معناهم. فإن الحديث روي بألفاظ متنوعة، ففي الصحيحين -واللفظ للبخاري- عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال: «إذا حدثتكم عن رسول الله حديثا فوالله لأن أخر من السماء أحب إلى من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله يقول: سيخرج قوم في آخر الزمان
(1) مسلم (2/ 748 - 749/ 1066 (156)) وأبو داود (5/ 125/4768).
(2)
مجموع الفتاوى (4/ 467 - 468).
أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة» (1). وفى صحيح مسلم عن زيد بن وهب: أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج. فقال علي: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله يقول: «يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض» . والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم؛ فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس. فسيروا على اسم الله وذكر الحديث إلى آخره. (2)
وفي مسلم (3) أيضا: عن عبد الله بن رافع كاتب علي رضى الله عنه، أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي قالوا: لا حكم إلا لله. فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم -وأشار إلى حلقه- من
(1) أحمد (1/ 81) والبخاري (12/ 350/6930) ومسلم (2/ 746 - 747/ 1066 (154)).
(2)
تقدم قريبا.
(3)
(2/ 749/1066 (157)).
أبغض خلق الله إليه، منهم رجل أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي. فلما قتلهم علي بن طالب قال: انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا. فقال: ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا. ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه. وهذه العلامة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هي علامة أول من يخرج منهم، ليسوا مخصوصين بأولئك القوم. فإنه قد أخبر في غير هذا الحديث أنهم «لا يزالون يخرجون إلى زمن الدجال» (1). وقد اتفق المسلمون على أن الخوارج ليسوا مختصين بذلك العسكر.
وأيضا فالصفات إلى وصفها تعم غير ذلك العسكر، ولهذا كان الصحابة يروون الحديث مطلقا مثل ما في الصحيحين عن أبى سلمة وعطاء ابن يسار أنهما أتيا أبا سعيد فسألاه عن الحرورية، هل سمعت رسول الله يذكرها؟ قال: لا أدرى؟ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج في هذه الأمة -ولم يقل منها- قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم -أو حلوقهم- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه فيتمارى فى الفوقة هل علق بها شيء من الدم؟
(1) أخرجه من حديث أبي برزة رضي الله عنه: أحمد (4/ 421 - 422،424 - 425) والطيالسي (923) والنسائي (7/ 136 - 137/ 4114) وقال: "شريك بن شهاب ليس بذلك المشهور". والحاكم (2/ 146 - 147) وصححه على شرط مسلم وسكت عنه الذهبي. وقد أورد شريكا في الميزان (2/ 269) ثم قال: "بصري لا يعرف إلا برواية الأزرق بن قيس عنه".
ويشهد له حديث ابن عمر وفيه: "
…
فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم فطوبى لمن قتلهم أو طوبى لمن قتلوه، كلما طلع منهم قرن قطعه الله عز وجل، فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة أو أكثر وأنا أسمع". أخرجه: أحمد (2/ 84) وابن ماجه (1/ 61 - 62/ 174). قال البوصيري في الزوائد: "إسناده صحيح، وقد احتج البخاري بجميع رواته". وهو عند الطبراني كما في المجمع (6/ 230) وحسن الهيثمي إسناده.
اللفظ لمسلم (1). وفى الصحيحين أيضا عن أبى سعيد قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم، جاء عبد الله ذو الخويصرة التميمي -وفى راوية: أتاه ذو الخويصرة رجل من بنى تميم- فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل. قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. قال عمر بن الخطاب: ايذن لي فأضرب عنقه. قال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه -وهو قدحه- فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذة فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم. وذكر ما في الحديث. (2)
فهؤلاء أصل ضلالهم: اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم. ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرا. ثم يرتبون على الكفر أحكاما ابتدعوها.
فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم، فى كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام، حتى مرقوا منه كما مرق السهم من الرمية، وفى الصحيحين في حديث أبى سعيد:«يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» (3). وهذا نعت سائر الخارجين
(1) البخاري (12/ 350/6931) ومسلم (2/ 743 - 744/ 1064 (147)).
(2)
البخاري (6/ 766/3610) ومسلم (2/ 744/1064 (148)).
(3)
البخاري (6/ 463 - 464/ 3344) ومسلم (2/ 741 - 742/ 1064).
كالرافضة ونحوهم، فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين؛ لأن المرتد شر من غيره. وفى حديث أبى سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون فى فرقة من الناس، سيماهم التحليق. قال:«هم شر الخلق أو من شر الخلق تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق» (1). وهذه السيما سيما أولهم كما كان ذو الثدية؛ لأن هذا وصف لازم لهم.
وأخرجا في الصحيحين حديثهم من حديث سهل بن حنيف بهذا المعنى (2). ورواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر (3)، ورواه مسلم من حديث أبى ذر ورافع بن عمرو (4)، وجابر بن عبد الله (5)، وغيرهم. وروى النسائي عن أبى برزة أنه قيل له: هل سمعت رسول الله يذكر الخوارج؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني ورأيته بعيني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمال فقسمه، فأعطى من عن يمينه ومن عن شماله، ولم يعط من وراءه شيئا، فقام رجل من ورائه، فقال: يا محمد! ما عدلت في القسمة -رجل أسود مطموم الشعر، عليه ثوبان أبيضان- فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وقال له: «والله لا تجدون بعدى رجلا هو أعدل مني. ثم قال: يخرج في آخر الزمان
(1) البخاري (6/ 766/3610) و (13/ 655/7562) ومسلم (2/ 745/1065).
(2)
البخاري (12/ 360/6934) ومسلم (2/ 750/1068).
(3)
البخاري (12/ 350/6932).
(4)
سيأتي لفظه من كلام الشيخ.
(5)
أحمد (3/ 353) ومسلم (2/ 740/1063) والبخاري مختصرا (6/ 292/3138) والنسائي في الكبرى (5/ 31/8087،8088) وابن ماجه في المقدمة (1/ 61/172).
قوم كأن هذا منهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال. فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليقة» (1). وفى صحيح مسلم، عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بعدي من أمتي -أو سيكون بعدي من أمتي- قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة. قال ابن الصامت: فلقيت رافع بن عمرو الغفاري -أخا الحكم بن عمرو الغفاري- قلت: ما حديث سمعته من أبى ذر كذا وكذا؟ فذكرت له الحديث، فقال: وأنا سمعته من رسول الله» (2).
فهذه المعاني موجودة في أولئك القوم الذين قتلهم علي -رضى الله عنه- وفى غيرهم. وإنما قولنا: إن عليا قاتل الخوارج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل الكفار، أي قاتل جنس الكفار، وإن كان الكفر أنواعا مختلفة. وكذلك الشرك أنواع مختلفة، وإن لم تكن الآلهة التي كانت العرب تعبدها هي التي تعبدها الهند والصين والترك؛ لكن يجمعهم لفظ الشرك ومعناه.
وكذلك الخروج والمروق يتناول كل من كان فى معنى أولئك، ويجب قتالهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما وجب قتال أولئك. (3)
(1) تقدم تخريجه قريبا.
(2)
مسلم (2/ 750/1067).
(3)
مجموع الفتاوى (28/ 494 - 499).