الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا كان الرفض أعظم أبواب النفاق والزندقة. فإنه يكون الرجل واقفا، ثم يصير مفضلا، ثم يصير سبابا، ثم يصير غاليا، ثم يصير جاحدا معطلا. ولهذا انضمت إلى الرافضة أئمة الزنادقة، من الإسماعيلية والنصيرية، وأنواعهم من القرامطة والباطنية والدرزية، وأمثالهم من طوائف الزندقة، والنفاق.
فإن القدح في خير القرون الذين صحبوا الرسول قدح في الرسول عليه السلام، كما قال مالك وغيره من أئمة العلم: هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين. (1)
موقفه من الصوفية:
- قال رحمه الله: ومن ادعى أن من الأولياء الذين بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من له طريق إلى الله لا يحتاج فيه إلى محمد فهذا كافر ملحد؛ وإذا قال: أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، فهو شر من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن محمدا رسول إلى الأميين دون أهل الكتاب. فإن أولئك آمنوا ببعض وكفروا ببعض، فكانوا كفارا بذلك، وكذلك هذا الذي يقول: إن محمدا بعث بعلم الظاهر دون علم الباطن، آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر، وهو أكفر من أولئك، لأن علم الباطن الذي هو علم إيمان القلوب ومعارفها وأحوالها هو علم بحقائق الإيمان الباطنة، وهذا أشرف من العلم بمجرد أعمال الإسلام الظاهرة.
(1) مجموع الفتاوى (4/ 428 - 429).
فإذا ادعى المدعي أن محمدا صلى الله عليه وسلم إنما علم هذه الأمور الظاهرة دون حقائق الإيمان، وأنه لا يأخذ هذه الحقائق عن الكتاب والسنة، فقد ادعى أن بعض الذي آمن به مما جاء به الرسول دون البعض الآخر، وهذا شر ممن يقول: أومن ببعض، وأكفر ببعض، ولا يدعى أن هذا البعض الذي آمن به أدنى القسمين.
وهؤلاء الملاحدة يدعون أن (الولاية) أفضل من (النبوة) ويلبسون على الناس فيقولون: ولايته أفضل من نبوته وينشدون:
مقام النبوة في برزخ
…
فويق الرسول ودون الولي
ويقولون: نحن شاركناه في ولايته التي هي أعظم من رسالته، وهذا من أعظم ضلالهم، فإن ولاية محمد لم يماثله فيها أحد لا إبراهيم ولا موسى، فضلا عن أن يماثله هؤلاء الملحدون. (1)
- وقال أيضا: فإن ابن عربي وأمثاله، وإن ادعوا أنهم من الصوفية، فهم من صوفية الملاحدة الفلاسفة، ليسوا من صوفية أهل العلم، فضلا عن أن يكونوا من مشايخ أهل الكتاب والسنة. (2)
- وقال: والغلو في الأمة وقع في طائفتين: طائفة من ضلال الشيعة الذين يعتقدون في الأنبياء والأئمة من أهل البيت الألوهية، وطائفة من جهال المتصوفة يعتقدون نحو ذلك في الأنبياء والصالحين؛ فمن توهم في نبينا أو غيره من الأنبياء شيئا من الألوهية والربوبية؛ فهو من جنس النصارى وإنما حقوق
(1) مجموع الفتاوى (11/ 225).
(2)
مجموع الفتاوى (11/ 233).
الأنبياء ما جاء به الكتاب والسنة عنهم. (1)
وقال: فكل من كان من أهل الإلهام والخطاب والمكاشفة، لم يكن أفضل من عمر، فعليه أن يسلك سبيله في الاعتصام بالكتاب والسنة تبعا لما جاء به الرسول، لا يجعل ما جاء به الرسول تبعا لما ورد عليه.
وهؤلاء الذين أخطأوا وضلوا وتركوا ذلك واستغنوا بما ورد عليهم، وظنوا أن ذلك يغنيهم عن اتباع العلم المنقول. وصار أحدهم يقول: أخذوا علمهم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت، فيقال له: أما ما نقله الثقات عن المعصوم فهو حق، ولولا النقل المعصوم لكنت أنت وأمثالك إما من المشركين، وإما من اليهود والنصارى. وأما ما ورد عليك فمن أين لك أنه وحي من الله؟ ومن أين لك أنه ليس من وحي الشيطان؟ (2)
- وقال: ومن هؤلاء الحلولية والاتحادية من يخص الحلول والاتحاد ببعض الأشخاص، إما ببعض الأنبياء كالمسيح، أو ببعض الصحابة كقول الغالية في علي، أو ببعض الشيوخ كالحلاجية ونحوهم، أو ببعض الملوك، أو ببعض الصور، كصور المردان. ويقول أحدهم: إنما أنظر إلى صفات خالقي، وأشهدها في هذه الصورة، والكفر في هذا القول أبين من أن يخفى على من يؤمن بالله ورسوله. ولو قال مثل هذا الكلام في نبي كريم لكان كافرا، فكيف إذا قاله في صبي أمرد! فقبح الله طائفة يكون معبودها من جنس موطوئها. (3)
(1) مجموع الفتاوى (1/ 66).
(2)
مجموع الفتاوى (13/ 74).
(3)
مجموع الفتاوى (15/ 424).
- وجاء في الكواكب الدرية: ولما كان تاسع جمادى الأولى من سنة خمس، بالغ الشيخ في الرد على الفقراء الأحمدية والرفاعية بسبب خروجهم عن الشريعة بعد أن حضروا لنائب السلطنة، وشكوا من الشيخ، وطلبوا أن يسلم لهم حالهم، وأن لا يعارضهم، ولا ينكر عليهم. وطلبوا حضور الشيخ فلما حضر وقع بينهم كلام كثير فقال الشيخ -في كلام طويل-: إنهم وإن كانوا منتسبين إلى الإسلام وطريقة الفقر، والسلوك، ويوجد في بعضهم من التعبد والتأله والوجد والمحبة والزهد والفقر والتواضع ولين الجانب والملاطفة في المخاطبة والمعاشرة، والكشف والتصرف، فيوجد في بعضهم من الشرك وغيره من أنواع الكفر والبدع في الإسلام، والإعراض عن كثير مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والكذب والتلبيس وإظهار المخارق الكاذبة، مثل ملامسة النار والحيات، وإظهار الدم واللادن والزعفران وماء الورد والعسل وغير ذلك، وإن عامة ذلك عن حيل معروفة وأسباب مصنوعة كطلي أجسامهم لدخول النار بدهن الضفادع، وباطن قشر النرنج، وحجر الطلق، وغير ذلك من الحيل وقال لهم بحضرة نائب السلطنة: أدخل أنا وهم النار، ومن احترق فعليه لعنة الله، ولكن بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار بالحمام، فلما زيفهم الشيخ وأظهر تلبيسهم. قال: حتى لو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين، وطرتم في الهواء ومشيتم على الماء لا عبرة بذلك مع مخالفة الشرع، فإن الدجال الأكبر يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج، ومع هذا فهو دجال كذاب ملعون، وليس لأحد
الخروج عن الشريعة ولا عن كتاب الله وسنة رسوله. (1)
- وفي البداية والنهاية زيادة في القصة:
…
فابتدر شيخ المنيبع الشيخ صالح وقال: نحن أحوالنا إنما تنفق عند التتار، ليست تنفق عند الشرع، فضبط الحاضرون عليه تلك الكلمة، وكثر الإنكار عليهم من كل أحد، ثم اتفق الحال على أنهم يخلعون الأطواق الحديد من رقابهم، وأن من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه. وصنف الشيخ جزءا في طريقة الأحمدية، وبين فيه أحوالهم ومسالكهم وتخيلاتهم وما في طريقتهم من مقبول ومردود بالكتاب، وأظهر الله السنة على يديه، وأخمد بدعتهم ولله الحمد والمنة. (2)
التعليق:
فلله در الشيخ ما أكثر علمه بأحوال الدجاجلة الذين يلبسون على الناس بهذه الخزعبلات، التي أكثرها مستند إلى السحر والشيطان، وأحواله الكاذبة. وما أكثرها في زماننا هذا، وأكثر رواجها على علماء المسلمين، وعامتهم يعدونها من الكرامات لأولياء الله، فيجد هؤلاء الشياطين كل التقدير والاحترام والله المستعان.
- وفي الكواكب الدرية: وقال الحافظ الذهبي: أقام بمصر يقرئ العلم واجتمع خلق عنده، إلى أن تكلم في الاتحادية القائلين بوحدة الوجود، وهم ابن سبعين وابن عربي والقونوي وأشباههم، فتحزب عليه صوفية وفقراء
(1) الكواكب (ص.126 - 127).
(2)
البداية والنهاية (14/ 38).
وسعوا فيه، واجتمع خلائق من أهل الخوانق والربط والزوايا واتفقوا على أن يشتكوا الشيخ للسلطان، فطلع منهم خلق إلى القلعة وخلق تحت القلعة، وكانت لهم ضجة شديدة حتى قال السلطان: ما لهؤلاء؟ فقيل له: جاءوا من أجل الشيخ ابن تيمية يشكون منه، ويقولون: إنه يسب مشايخهم ويضع من قدرهم عند الناس، واستعانوا فيه وجلبوا عليه، ودخلوا على الأمراء في أمره، ولم يبقوا ممكنا. وأمر أن يعقد له مجلس بدار العدل، فعقد له يوم الثلاثاء في عشر شوال الأول سنة سبع وسبعمائة، وظهر في ذلك المجلس من علم الشيخ وشجاعته وقوة قلبه وصدق توكله وبيان حجته ما يتجاوز الوصف، وكان وقتا مشهودا
…
وذكر علم الدين البرزالي وغيره، أن في شوال من سنة سبع وسبعمائة، شكا شيخ الصوفية بالقاهرة كريم الدين الآملي وابن عطاء، وجماعة نحو الخمسمائة من الشيخ تقي الدين وكلامه في ابن عربي وغيره، إلى الدولة فخيروه بين الإقامة بدمشق أو الإسكندرية بشروط أو الحبس، فاختار الحبس. فدخل عليه جماعة في السفر إلى دمشق ملتزما ما شرط، فأجابهم. فأركبوه خيل البريد ليلة ثامن عشر شوال، ثم أرسل خلفه من الغد بريد آخر، فرده على مرحلة من مصر، ورأوا مصلحتهم في اعتقاله، وحضر عند قاضي القضاة بحضور جماعة من الفقهاء، فقال بعضهم له: ما ترضى الدولة إلا بالحبس. فقال قاضي القضاة: وفيه مصلحة له، واستناب شمس الدين التونسي المالكي، وأذن أن يحكم عليه بالحبس، فامتنع وقال: ما ثبت عليه شيء، فأذن لنور الدين الزواوي المالكي فتحير، فقال الشيخ: أنا أمضي إلى
الحبس وأتبع ما تقتضيه المصلحة، فقال نور الدين، فيكون في موضع يصلح لمثله، فقيل له: ما ترضى الدولة إلا بمسمى الحبس. فأرسل إلى حبس القضاة بحارة الديلم، وأجلس في الموضع الذي جلس فيه تقي الدين ابن بنت الأعز لما حبس، وأذن في أن يكون عنده من يخدمه، وكان كل ذلك بإشارة الشيخ نصر المنبجي ووجاهته في الدولة. (1)
التعليق:
هكذا يظلم الشيخ بالسجون، مع اعترافهم أن الحق معه، ولكن إرضاء الغوغاء والحمقى يفعل ما يفعل، ولإخلاص الشيخ لعقيدته السلفية جعل الله له الفرج من كل ضيق. وكان السجن أفضل له، حتى تفرغ التفرغ الكامل، واستجمع ذهنه. ففتح الله عليه من جواهر العلم والفهم ما لم يصل له أن لو كان في بيته جالسا: كما صرح بذلك هو نفسه رضي الله عنه.
- وقال رحمه الله: وأما الرقص فلم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من الأئمة بل قد قال الله في كتابه:{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} (2) وقال في كتابه: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (3) أي: بسكينة، ووقار.
وإنما عبادة المسلمين الركوع والسجود، بل الدف والرقص في الطابق
(1) الكواكب (ص.133 - 134).
(2)
لقمان الآية (19).
(3)
الفرقان الآية (63).