الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى يقبل كلامك. غضب على من قاله. (1)
حسين بن مهدي النُّعْمِي (2)(1187 هـ)
حسين بن مهدي النعمي التهامي ثم الصنعاني، من أهل "صبيا" في تهامة اليمن، تعلم وأقام في صنعاء. وعمل رحمه الله على إحياء السنن في "مسجد القبة"، بعد توليه إماما للصلاة فيه من طرف الإمام المهدي العباسي آنذاك. توفي رحمه الله سنة سبع وثمانين ومائة وألف.
موقفه من المبتدعة:
- له من الآثار السلفية: 'معارج الألباب في مناهج الحق والصواب' (3).
- قال فيه: والقصد، أن الله جعل الكتاب والسنة أمرا خالدا على مر الأزمان، ليتعلم الجاهل ويسترشد الضال، ويأمن الخائف، ويتذكر المتذكر، ويعتبر المعتبر، ويستمد المؤمن، ويهتدي الحيران، وليقضي بين الناس بما هنالك، وليكون ملاذا عند الاختلاف، وبيانا عند اللبس، ورسما متبعا في الاعتقاد والتعبد والإفتاء، والحكم والتحكم والتحكيم، والتحليل والتحريم، والأبحاث وغيره من أحكام العليم الحكيم، ومستندا يرجع إليه الأمر كله في التأخير والتقديم.
(1) علماء نجد (1/ 504 - 506).
(2)
الأعلام (2/ 260).
(3)
والكتاب مطبوع وهو من أجود الكتب التي ردت على القبوريين برد علمي رصين وبأسلوب بليغ وهو عبارة عن رد على بعض مخرفي أهل اليمن.
فتعطيله عن هذه الثمرة، أو منع المجتني لها، وهو المقصود بها، مناقضة ظاهرة وعناد أوفى، ومضادة جلية.
والمحروم الذي أضاف المنع أيضا لمن سواه يقول: مالي في هذه الحياض من مشرب، هي للإمام يروى منه، ويخبر عما وجد، ولا سبيل لغيره إليها، بل يكون في أيدينا الأوصاف بأن في ذلك الحوض كذا، وصفته كذا، وفائدته كذا.
فإذا جاءهم من يقول: بعض هذه الحياض لم يبلغه الإمام، ولا ادعى لنفسه الإحاطة، أو بلغه ولكني وجدت نعته أو فائدته غير ما ذكر لكم، بعد أن باشرت بنفسي مذاقه. فما تقولون؟ وليس لكم على دفعي حجة، ولا إلى مصادرتي سبيل، إلا دعوى مالها مستند. اللهم إلا إذا باشرتم كما باشرت، فاضطررتم إلى إكذابي. فذاك ما أمرتم به. ويصح منكم -والحال هذه- المدافعة والممانعة، وأما مكاذبة في شيء قد أعربتم عن أنفسكم أنكم ما تبوأتم له منزلا، ولا جسستم له عرقا ولا مفصلا، فغريب منكم التوثب على حماه، والساقي يقول: هلموا، فليس الخبر كالعيان، ولم يحط الإمام بما لدينا خبرا، وربما يخطئ الخبر ويخالف، إذ مبناه على مبلغ صاحبه علما وفهما.
ومن علم حال البشر اضطر إلى الحكم بعدم براءتهم من قصور الفهم ونقصان العلم في حالات كثيرة. (1)
- وقال: ولقد جر سوء هذه المقالة -وهي القول بتعذر الاجتهاد- إلى ما أشرنا إليه، من سلب منافع الكتاب، وكونه عدة للدفع والنفع، ومحلا
(1) معارج الألباب في مناهج الحق والصواب (69 - 70).
للاهتداء، وميزانا يعرف به الرشاد والفساد. فقد حيل الآن بينه وبين طالب ما فيه من غيوث الرحمة، وصيب النعمة، وكذا ما يتصل به من حوافل تفسيره. والكلام على نكت فرائده، وعجائب فوائده، وبيان إشارته ومقاصده. فكل ذلك عند المقلدين لغو محض، إذ ما لا تصل إليه -وإن زعمت ذلك- قضت عليك الحقيقة بأنك مكذبه بالكذب، فوجوده وعدمه عندك سيان.
وهكذا المؤلفات المشتملة على الأخبار النبوية، وعلومها ووسائلها، ككتب الجرح والتعديل، وطبقات الرواة، وشرح أحوالهم، وعلم غريب الكتاب والسنة وأحكامهما، وكذا المؤلفات في سائر الفنون. كالنحو والتصريف، وأصول الفقه والمعاني، التي يقول مؤلفوها: إن الحكمة من تأليفها هي التوصل إلى تصحيح المطالب بالذات، مع أن عقلاء الفضلاء لا زالوا على ممر الأزمان تتجدد لهم التصانيف، أعلى بصيرة ذلك، وللتبصير ما هنالك، أم دأب فيما لا سبيل إلى الغاية المقصودة به؟.
فنقول: أيها الملأ، وإن كان البشر قد علم ضعفه، ونقصه وجهله، فلقد ساءنا أن بلغتم إلى هذه الغاية، وما زدتم على المضادة لله ولرسوله، والتلعب بدينه وبشرائعه وإضاعة مساعي الباحثين والمؤلفين، وأهل التصانيف، وذوي العلم والنظر. فما شأن ما صنعوا؟ وهل للدأب في ذلك الجمع والتأليف، وبيان الصحيح من الفاسد والراجح من الخفيف فائدة وغاية؟ وما بقاء ذلك واستمراره على تعاقب الأحقاب، بل هل لبقاء كتاب الله كثير حاصل؟ إذ مبنى جميع ذلك على فتح باب الاجتهاد، وأن كثيرا من المطالب، أو كلها، أو
إلا النادر منها لا طريق إلى تحصيله إلا البحث والنظر. (1)
- وقال وهو يتحدث عن آفة التقليد: ومن ذلك -وهو منهم قياس للغائب على الشاهد- وذلك أنهم لما كانوا لا يعرفون إلا حرفة التقليد. واستقر في فكرهم وفطرهم أن من أفتى أو تكلم أو عمل ما لا يصنع شيئا من ذلك. إلا لأنه قاله المقلَّد فلان، أو الإمام علان. أو محصلو مذهبه -بزعمهم- قالوا: إن قائل تلك المقالة -وهي اتجاه وجوب تخريب المشاهد- قلد ابن تيمية في ذلك. ومن تدبر أصول القوم، وجدهم دلوا على أنهم من جملة العامة. ولا أدري من أين جاء لهم ذلك؟
نعم هو نتيجة من نتائج الحكم بتعذر الاجتهاد.
ومن حق الباحث أن يدلي بما يوافق خصمه على صحته، أو بحجة قاهرة تؤذن أن دفعها مكابرة، وأن التمسك بمعارضها قصور أو ضلال.
وكون من ذكروه قلد ابن تيمية بطلانه معلوم غير موهوم، لما أنه ينهى عن التقليد وينادي بمنعه. ولأن عامة مباحثه مبنية على تحرير المقام بمبلغ نظره، وإن كان لا سبيل إلى رفع الخطأ جملة في كل بحث.
وذلك منه من دون تقليد لابن تيمية ولا غيره، ولا احتجاج بقول أحد قط، أو التدين به من دون استبانته منه حسبما علم. وليس معصوما كغيره أيضا. ولأنه في خصوص هذه المسألة أبرز حجته، وحرر من البرهان ما استطاع.
فأي معنى لقولكم إنه قلد ابن تيمية؟ والحال أنكم لم تأتوا عن أنفسكم
(1) معارج الألباب (104 - 105).
ولا فيما نقلتم بشيء يقابل بعض ما أقامه في هذه المسألة من أدلة الكتاب والسنة، التي لا يردها إلا مشاق لله ولرسوله؟ ولأنه قد ناقض ابن تيمية في كثير من المسائل ذهب إليها، لظهور ضعف كلامه عنده. فلو كان واقفا على تقليده -كما وقفتم على رسوم شرح المنهج وغيره- لما فعل. فما باله يسوغ لنفسه تقليد ابن تيمية في هذه المسألة دون غيرها؟ فلقد حكيتم عجبا.
وقد قرأنا عليه وعرفنا مذهبه، وأنتم لا تعرفونه، إنما يبلغكم عنه ما يبلغ، فتأخذون في مضادته بلا بصيرة، ولا وازع لكم عن الرجم بالظنون والأوهام، ولا علم يهدي إلى تمييز الصحيح من ذي السقام.
فالعتب عليكم: أترضون أن يكون من خطاب ما لا يفهم؟
وكفى دليلا على تنكبكم الصواب ذكركم الأقوال من فروع المذهب في مقابلة مناهي صريحة صحيحة مشهورة في الصحاح وغيرها، ثم تعرضكم لشيخ من شيوخ الإسلام، وإمام من جلة الأئمة الأعلام -وهو ابن تيمية- بأنه ضال مضل، وما كان -رحمه الله تعالى- أهلا لهذا. والرجل أمره شهير. وأقواله ومذاهبه يتناقلها الجم الغفير. وما مثله يحتاج إلى كشف عن رفيع محله، وقد تعرض له ولتلميذه الإمام محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي -هو ابن قيم الجوزية- رحمه الله تعالى بعض القائلين. وهما إمامان جليلان لاحقان بأماثل السلف كالشافعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم، ومؤلفاتهما وتراجمهما، ونقل أهل العلم لأقوالهما ومذاهبهما ونفائس تحقيقهما كافية شافية مقنعة لمن عدل وأنصف. (1)
(1) معارج الألباب (119 - 120).
- وقال رحمه الله: وأما أنتم معشر المغرمين بالمذاهب الراضين بقيود التقليد في أعناقكم وقلوبكم، فقد جعلتم تلك المتون والمختصرات أظهر عبارة، وأوضح معنى وإشارة، وأصح مسلكا وأبين مدركا، لما أنها -بزعمكم- خلاصة تلك المحاسن.
وكيف يكون ذلك كذلك؟ وفيها من التباين والتدافع والاختلاف، وخفاء السند والدليل أو ضعفه، أو مصادمة المأثور الصحيح ما لا يخفى على ذي بصيرة صالح السريرة، قد مارس الحقائق وسبر الطرائق، ورضي بالله ربا ومشرعا حكيما عن جميع الخلائق، وحظي بالتمييز بين الخطأ والصواب، وبالانتفاع بما وهبه الله من عقل وفهم حاذق.
وما اشتبه على الناظر من الأدلة نفسها، أو ظهر عنده تعارض فالقطع عنده بأن مفيضها هو محل القدس والبراءة من كل نقص، فإن علم كيفية العمل في ذلك بتعليم المفيض سبحانه، وإلا وقف لقصوره في نفسه، لا لتطرق أمر في المصدر المذكور، بخلاف غيره، فأمره ما ذكرنا.
والغافل يقول بجمود خاطره: كل ذلك المختلف فيه بين المختلفين، أو بعضه رشد، لا بل الرشد منه ما سلكه سلفي، واتبعتهم فيه.
وقد يكون أيضا كاذبا عليهم أو مفتريا عليهم بذلك ما لا يرضونه له، لجهله ما صدر عنهم، كما جهل الأدلة. وقد صح لنا كل ما ذكرنا وتواتر وروده علينا حتى استيقناه ضرورة، ودان به كل من على وجه الأرض، إلا القلة النادرة. (1)
(1) معارج الألباب (73 - 74).
- وقال أيضا في معرض رده على مقلدة المذاهب، وما هم عليه من الاهتمام بكتب الخلاف الخالية من الأدلة الشرعية: وأين هي من موائد الكتاب والسنة؟ التي مذاقها يبرئ العاهات، ويقدس من السفاهات، ويعرفك قدر ما حرمت منه هذه الجماعات، وسوء ما وقعوا فيه من فساد الأحوال، بسبب هجرانهم المباشرة لما هنالك، وما ضمن من الدلالات والإشارات، وصنوف التأديب والتهذيب والتثقيف والإفادات.
فذاك -بعد استظهار الكون عليه، وتصحيح الطريق إليه وتنقيحه دراية ورواية- هو الباب الذي إن ولجته للاعتصام به من المخاوف نجوت، وإن سلكته كنت على هدى وبصيرة من أمرك، وإن أردت أن تستمد منه حجة تأثرها، أو طريقة تعبرها، أو برهانا تقيمه، أو هدى تلتمسه، أو تصحيحا لاعتقاد أو عمل، أو دليلا قاهرا لخصمك، هاديا لمسترشدك، وجدته صالحا لجميع ذلك. قائما بأعباء هذه المدارك، ولا يعرف ذوو الألباب، ومن رزق صلابة في دينه ما يستأهل القيام بهذه الأثقال، سوى ذلك الباب، لا الرد إلى شرح المنهج وما ذكروه معه وأشباهها من كتب المقلدين.
ولو كان البناء دائما على ما أشرنا من ذلك الأساس، لكانت ثمرات الكتاب والسنة يستمتع باقتطافها عامة الناس، ولما عفت رسوم الهدى، واندرست معالم الاهتداء، ولكان أمرهما مشهورا مذكورا، مأنوسا منشورا، متداولا بين الناس، حتى تزاحم الأصاغرُ الأكابر، وينال القاصر حظه من مواهب الله، وإن لم يبلغ شأو الماهر. ولم يؤكد الحكم باستحالة التحلي بتلك الرغائب، بؤسا لها من رزية.