الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلع سنة اثنتين وخمسين بأخيه الصالح صلاح الدين، ثم أعيد إلى السلطنة بعد خلع هذا الأخير سنة خمس وخمسين وسبعمائة. قال ابن حجر: كان الناصر حسنُ مُفْرِطاً في الذكاء ضابطا لما يحصل له، ولما خلع وسجن اشتغل بالعلم كثيرا حتى نسخ دلائل النبوة للبيهقي بخطه، توفي مقتولا سنة اثنتين وستين وسبعمائة على يد الأمير يلبغا الخاصكي، وبويع بعده ابن أخيه المنصور محمد ابن المظفر حاجي.
موقفه من المبتدعة:
جاء في البداية والنهاية: ومن العجائب والغرائب التي لم يتفق مثلها، ولم يقع من نحو مائتي سنة وأكثر، أنه بطل الوقيد بجامع دمشق في ليلة النصف من شعبان، فلم يزد في وقيده قنديل واحد على عادة لياليه في سائر السنة ولله الحمد والمنة. وفرح أهل العلم بذلك وأهل الديانة، وشكروا الله تعالى على تبطيل هذه البدعة الشنعاء، التي كان يتولد بسببها شرور كثيرة بالبلد، والاستيجار بالجامع الأموي، وكان ذلك بمرسوم السلطان الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون خلد الله ملكه، وشيد أركانه. وكان الساعي لذلك بالديار المصرية الأمير حسام الدين أبو بكر بن النجيبي بيض الله وجهه، وقد كان مقيما في هذا الحين بالديار المصرية، وقد كنت رأيت عنده فتيا عليها خط الشيخ تقي الدين ابن تيمية، والشيخ كمال الدين ابن الزملكاني، وغيرهما في إبطال هذه البدعة، فأنفذ الله ذلك ولله الحمد والمنة. وقد كانت هذه البدعة قد استقرت بين أظهر الناس من نحو سنة خمسين وأربعمائة وإلى زماننا هذا، وكم سعى فيها من فقيه وقاض
ومفت، وعالم وعابد، وأمير وزاهد، ونائب سلطنة وغيرهم، ولم ييسر الله ذلك إلا في عامنا هذا، والمسؤول من الله إطالة عمر هذا السلطان، ليعلم الجهلة الذين استقر في أذهانهم إذا أبطل هذا الوقيد في عام يموت سلطان الوقت، وكان هذا لا حقيقة له ولا دليل عليه إلا مجرد الوهم والخيال. (1)
التعليق:
وقد استجاب الله عز وجل دعوة الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى، فعاش السلطان بعد هذه الواقعة أحد عشر عاما.
ونحن نقول لو أن الله عز وجل قدر موت هذا السلطان في العام نفسه الذي أزال فيه هذه البدعة، لم يلق ذلك في قلوبنا ريبا ولا شكا أن هذه بدعة منكرة، وما ردنا ذلك عن بيان بطلانها والسعي في إزالتها وغيرها من البدع المنكرة، ولا نخاف عقبى إزالة هذه البدع. فهذه عقيدتنا لقول الله عز وجل:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} (2).
والله عز وجل كافينا وناصرنا عليهم لقوله عز وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} (3)، ونعلم علما جازما أن ملء الدنيا من هؤلاء المبتدعة وشياطينهم ليس لهم على المؤمنين سبيل،
(1) البداية (14/ 247).
(2)
آل عمران الآية (175).
(3)
الزمر الآية (36).
وأن كيدهم ضعيف لقول الله عز وجل: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (1)، وقوله تعالى:{أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)} (2)، وأن النصرة والغلبة حسا ومعنى تكون لله عز وجل ولرسله، وأتباع رسله، قال الله تعالى:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِن اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)} (3)، وقال:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (4)، وقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)} (5)، وقال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)} (6).
وننكر على المبتدعة بدعهم وضلالهم، فإن أصابنا شيء فبما كسبت أيدينا
(1) النساء الآية (76).
(2)
المجادلة الآية (19).
(3)
المجادلة الآية (21).
(4)
الحج الآية (40).
(5)
محمد الآيات (7 - 9).
(6)
غافر الآيتان (51و52).