الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين، لأنهم جعلوا الغناء دينا وطاعة، ورأت إعلانه في المساجد والجوامع وسائر البقاع الشريفة، والمشاهد الكريمة. وليس في الأمة من رأى هذا الرأي.
قلت: ومن أعظم المنكرات تمكينهم من إقامة هذا الشعار الملعون هو وأهله في المسجد الأقصى عشية عرفة، ويقيمونه أيضا في مسجد الخيف أيام منى، وقد أخرجناهم منه بالضرب والنفي مرارا، ورأيتهم يقيمونه بالمسجد الحرام نفسه والناس في الطواف، فاستدعيت حزب الله وفرقنا شملهم، ورأيتهم يقيمونه بعرفات والناس في الدعاء والتضرع والابتهال والضجيج إلى الله، وهم في هذا السماع الملعون باليراع والدف والغناء.
فإقرار هذه الطائفة على ذلك فسق يقدح في عدالة من أقرهم ومنصبه الديني. (1)
موقفه من الجهمية:
لقد كان قلم هذا الإمام سيلا جرارا ينقض به أركان أهل الضلال على اختلاف مشاربهم وتنوع مرامهم، ومن أولئك: الجهمية المقيتة فقد تصدى لها الشيخ رحمه الله مبينا عوار أفكارها البائرة، وزيف أصولها الجائرة، بما ألفه من كتبه التي انتشرت في الآفاق منها:
1 -
القصيدة النونية -المسماة 'الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية'- وهي من أعظم القصائد وأطولها في العقيدة السلفية. واعتناء السلفيين بها قليل، بحيث لا يوجد إلى الآن -فيما أعلم- شرح واف بمقاصدها. وغاية ما هنالك شرح ابن عيسى، وشرح الشيخ الهراس. ويقال:
(1) إغاثة اللهفان (1/ 353).
إن للآلوسي شرحا عليها. وللشيخ عبد الرحمن السعدي توضيح مختصر بمقاصدها. فعسى أن تمتد بنا الحياة حتى نرى لها شرحا يثلج الصدر.
2 -
'اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية' وهو من أنفع الكتب في بابه قد استوفى المؤلف فيه أدلة العلو من جميع الطبقات، وقد نفعنا الله به في هذه المسيرة المباركة. والكتاب طبع مرارا والحمد لله رب العالمين.
3 -
'الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة' وهو من أنفع الكتب في العقيدة السلفية. ولم تر عيني مثله ولا رأيت أحدا حكى عن أحد أنه ألف مثل هذا الكتاب أو يقاربه. وقد استهله المؤلف بفصول نافعة، ثم بين التأويل وبطلانه وبين التأويل عند السلف. وأتى على بنيان هذا الطاغوت حتى خر من فوقه. ثم طاغوت المجاز، ثم أتى بأمثلة من الصفات التي أولها المؤولون وبين بطلان ذلك. وفي الكتاب بحوث قيمة في اعتماد السلف على العقل والنقل وأن الخلف لا النقل اتبعوا ولا بالعقل اهتدوا.
- قال رحمه الله في أعلام الموقعين: وقد شاهدنا نحن وغيرنا كثيرا من مخانيث تلاميذ الجهمية والمبتدعة إذا سمعوا شيئا من آيات الصفات وأحاديث الصفات المنافية لبدعتهم رأيتهم عنها معرضين، كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة، ويقول مخنثهم: سدوا عنا هذا الباب، واقرءوا شيئا غير هذا، وترى قلوبهم مولية وهم يجمحون لثقل معرفة الرب سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته على عقولهم وقلوبهم. (1)
(1) أعلام الموقعين (1/ 151).
ومن دُرَرِ أقواله رحمه الله:
- قال في الصواعق مبينا وسطية أهل السنة في باب الصفات: وهدى الله أصحاب سواء السبيل: للطريقة المثلى فلم يتلوثوا بشيء من أوضار هذه الفرق وأدناسها، وأثبتوا لله حقائق الأسماء والصفات، ونفوا عنه مماثلة المخلوقات فكان مذهبهم مذهبا بين مذهبين، وهدى بين ضلالتين، خرج من بين مذاهب المعطلين والمخيلين والمجهلين والمشبهين، كما خرج اللبن من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين وقالوا: نصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل بل طريقتنا إثبات حقائق الأسماء والصفات، ونفي مشابهة المخلوقات، فلا نعطل ولا نؤول ولا نمثل ولا نجهل. (1)
- وقال مبينا تضارب أهل التأويل واختلافهم في المسألة الواحدة على أقوال شتى لاختلاف مدارك عقولهم: لا ريب أن الله سبحانه وصف نفسه بصفات وسمى نفسه بأسماء وأخبر عن نفسه بأفعال، فسمى نفسه بالرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، إلى سائر ما ذكر من أسمائه الحسنى، ووصف نفسه بما ذكره من الصفات، كسورة الإخلاص، وأول الحديد، وأول طه وغير ذلك، ووصف نفسه بأنه يحب، ويكره، ويمقت، ويرضى، ويغضب، ويأسف، ويسخط، ويجيء، ويأتي، وينزل إلى سماء الدنيا، وأنه استوى على عرشه، وأن له علما، وحياة، وقدرة، وإرادة، وسمعا، وبصرا، ووجها، وأن له يدين، وأنه فوق عباده، وأن
(1) الصواعق المرسلة (2/ 425 - 426).
الملائكة تعرج إليه، وتنزل بالأمر من عنده، وأنه قريب، وأنه مع المحسنين، ومع الصابرين، ومع المتقين، وأن السموات مطويات بيمينه.
ووصفه رسوله بأنه يفرح، ويضحك، وأن قلوب العباد بين أصابعه، وغير ذلك مما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله، فيقال للمتأول: هل تتأول هذا كله على خلاف ظاهره، وتمنع حمله على حقيقته، أم تقر الجميع على ظاهره، وحقيقته؟ أم تفرق بين بعض ذلك، وبعضه؟.
فإن تأولت الجميع وحملته على خلاف حقيقته، كان ذلك عنادا ظاهرا وكفرا صراحا، وجحدا للربوبية، وحينئذ فلا تستقر لك قدم على إثبات ذات الرب تعالى، ولا صفة من صفاته، ولا فعل من أفعاله، فإن أعطيت هذا من نفسك ولم تستهجنه التحقت بإخوانك الدهرية الملاحدة الذين لا يثبتون للعالم خالقا ولا ربا.
فإن قلت: بل أثبت أن للعالم صانعا وخالقا ولكن لا أصفه بصفة تقع على خلقه وحيث وصف بما يقع على المخلوق أتأوله.
قيل لك فهذه الأسماء الحسنى والصفات التي وصف بها نفسه، هل تدل على معان ثابتة هي حق في نفسها أم لا تدل؟
فإن نفيت دلالتها على معنى ثابت كان ذلك غاية التعطيل. وإن أثبت دلالتها على معان هي حق ثابت قيل لك فما الذي سوغ لك تأويل بعضها دون بعض، وما الفرق بين ما أثبته ونفيته، وسكت عن إثباته ونفيه، من جهة السمع أو العقل.
ودلالة النصوص على أن له سمعا، وبصرا، وعلما، وقدرة، وإرادة،
وحياة، وكلاما، كدلالتها على أن له رحمة، ومحبة، وغضبا، ورضى، وفرحا، وضحكا، ووجها، ويدين، فدلالة النصوص على ذلك سواء، فلم نفيت حقيقة رحمته، ومحبته، ورضاه، وغضبه، وفرحه، وضحكه، وأولتها بنفس الإرادة. فإن قلت: لأن إثبات الإرادة، والمشيئة لا يستلزم تشبيها وتجسيما، وإثبات حقائق هذه الصفات يستلزم التشبيه، والتجسيم، فإنها لا تعقل إلا في الأجسام، فإن الرحمة رقة تعتري طبيعة الحيوان، والمحبة ميل النفس لجلب ما ينفعها، والغضب غليان دم القلب طلبا للانتقام، والفرح انبساط دم القلب لورود ما يسره عليه. قيل لك وكذلك الإرادة هي ميل النفس إلى جلب ما ينفعها، ودفع ما يضرها، وكذلك جميع ما أثبته من الصفات إنما هي أعراض قائمة بالأجسام في الشاهد، فإن العلم انطباع صورة المعلوم في نفس العالم، أو صفة عرضية قائمة به، وكذلك السمع، والبصر، والحياة، أعراض قائمة بالموصوف، فكيف لزم التشبيه والتجسيم من إثبات تلك الصفات ولم يلزم من إثبات هذه. فإن قلت: لأني أثبتها على وجه لا يماثل صفاتنا ولا يشابهها، قيل لك: فهلا أثبت الجميع على وجه لا يماثل صفات المخلوقين ولا يشابهها، ولم فهمت من إطلاق هذا التشبيه والتجسيم، وفهمت من إطلاق ذلك التنزيه والتوحيد، وهلا قلت أثبت له وجها ومحبة وغضبا ورضى وضحكا ليس من جنس صفات المخلوقين. فإن قلت هذا لا يعقل، قيل لك: فكيف عقلت سمعا وبصرا وحياة وإرادة ومشيئة ليست من جنس صفات المخلوقين.
فإن قلت: أنا أفرق بين ما يتأول وبين ما لا يتأول، بأن ما دل العقل على ثبوته يمتنع تأويله كالعلم والحياة والقدرة والسمع والبصر، وما لا يدل عليه
العقل يجب أو يسوغ تأويله كالوجه واليد والضحك والفرح والغضب والرضى. فإن الفعل المحكم دل على قدرة الفاعل، وإحكامه دل على علمه. والتخصيص دل على الإرادة، فيمتنع مخالفة ما دل عليه صريح العقل.
قيل لك أولا، وكذلك الإنعام والإحسان وكشف الضر وتفريج الكربات دل على الرحمة كدلالة التخصيص على الإرادة سواء. والتخصيص بالكرامة، والاصطفاء، والاجتباء، دال على المحبة كدلالة ما ذكرت على الإرادة. والإهانة، والطرد، والإبعاد، والحرمان دال على المقت والبغض، كدلالة ضده على الحب والرضى.
والعقوبة، والبطش، والانتقام دال على الغضب كدلالة ضده على الرضى.
ويقال ثانيا: هب أن العقل لا يدل على إثبات هذه الصفات التي نفيتها، فإنه لا ينفيها. والسمع دليل مستقل بنفسه، بل الطمأنينة إليه في هذا الباب أعظم من الطمأنينة إلى مجرد العقل، فما الذي يسوغ لك نفي مدلوله.
ويقال لك ثالثا: إن كان ظاهر النصوص يقتضي تشبيها أو تجسيما فهو يقتضيه في الجميع، فأول الجميع، وإن كان لا يقتضي ذلك لم يجز تأويل شيء منه، وإن زعمت أن بعضها يقتضيه وبعضها لا يقتضيه، طولبت بالفرق بين الأمرين وعادت المطالبة جذعا.
ولما تفطن بعضهم لتعذر الفرق قال: ما دل عليه الإجماع كالصفات السبع لا يتأول وما لم يدل عليه إجماع فإنه يتأول. وهذا كما تراه من أفسد الفروق، فإن مضمونه أن الإجماع أثبت ما يدل على التجسيم والتشبيه،
ولولا ذلك لتأولناه، فقد اعترفوا بانعقاد الإجماع على التشبيه والتجسيم.
وهذا قدح في الإجماع، فإنه لا ينعقد على باطل.
ثم يقال: إن كان الإجماع قد انعقد على إثبات هذه الصفات -وظاهرها يقتضي التجسيم والتشبيه- بطل نفيكم لذلك، وإن لم ينعقد عليها بطل التفريق به.
ثم يقال: خصومكم من المعتزلة لم يجمعوا معكم على إثبات هذه الصفات، فإن قلتم: انعقد الإجماع قبلهم. قيل: صدقتم والله. والذين أجمعوا قبلهم على هذه الصفات، أجمعوا على إثبات سائر الصفات، ولم يخصوها بسبع، بل تخصيصها بسبع خلاف قول السلف، وقول الجهمية والمعتزلة، فالناس كانوا طائفتين سلفية وجهمية، فحدثت الطائفة السبعية واشتقت قولا بين القولين فلا للسلف اتبعوا ولا مع الجهمية بقوا. (1)
- وقال: وحقيقة الأمر أن كل طائفة تتأول ما يخالف نحلتها ومذهبها، فالعيار على ما يتأول، وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه، والقواعد التي أصلتها فما وافقها أقروه ولم يتأولوه وما خالفها فإن أمكنهم دفعه وإلا تأولوه. ولهذا لما أصلت الرافضة عداوة الصحابة ردوا كل ما جاء في فضائلهم والثناء عليهم أو تأولوه. ولما أصلت الجهمية أن الله لا يتكلم ولا يكلم أحدا، ولا يرى بالأبصار، ولا هو فوق عرشه مبائن لخلقه، ولا له صفة تقوم به، أولوا كل ما خالف ما أصلوه. (2)
(1) الصواعق المرسلة (1/ 220 - 226).
(2)
الصواعق المرسلة (1/ 230 - 231).
- وقال في إلزام أهل التعطيل بالتعطيل في المعنى الذي جعلوه تأويلا نظير ما فروا منه:
هذا فصل بديع لمن تأمله، يعلم به أن المتأولين لم يستفيدوا بتأويلهم إلا تعطيل حقائق النصوص، والتلاعب بها وانتهاك حرمتها، وأنهم لم يتخلصوا مما ظنوه محذورا، بل هو لازم لهم فيما فروا إليه كلزومه فيما فروا منه، بل قد يقعون فيما هو أعظم محذورا كحال الذين تأولوا نصوص العلو والفوقية والاستواء، فرارا من التحيز والحصر، ثم قالوا هو في كل مكان بذاته، فنزهوه عن استوائه على عرشه، ومباينته لخلقه، وجعلوه في أجواف البيوت، والآبار، والأواني، والأمكنة التي يرغب عن ذكرها، فهؤلاء قدماء الجهمية، فلما علم متأخروهم فساد ذلك، قالوا ليس وراء العالم، ولا فوق العرش، إلا العدم المحض، وليس هناك رب يعبد، ولا إله يصلى له ويسجد، ولا هو أيضا في العالم، فجعلوا نسبته إلى العرش كنسبته إلى أخس مكان، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا
…
والمقصود أن المتأول يفر من أمر فيقع في نظيره.
مثاله: إذا تأول المحبة، والرحمة، والرضى، والغضب، والمقت، بالإرادة، قيل له يلزمك في الإرادة ما لزمك في هذه الصفات كما تقدم تقريره. (1)
- وقال في بيان خطئهم في فهمهم من النصوص المعاني الباطلة التي تأولوها لأجلها، فجمعوا بين التشبيه والتعطيل:
هذا الفصل من عجيب أمر المتأولين، فإنهم فهموا من النصوص الباطل الذي لا يجوز إرادته، ثم أخرجوها عن معناها الحق المراد منها، فأساءوا الظن
(1) الصواعق المرسلة (1/ 234 - 235).
بها وبالمتكلم بها، وعطلوها عن حقائقها التي هي عين كمال الموصوف بها. ونقتصر من ذلك على مثال ذكره بعض الجهمية ونذكر ما عليه فيه.
قال الجهمي: ورد في القرآن ذكر الوجه، وذكر الأعين، وذكر العين الواحدة، وذكر الجنب الواحد، وذكر الساق الواحد، وذكر الأيدي، وذكر اليدين، وذكر اليد الواحدة فلو أخذنا بالظاهر لزمنا إثبات شخص له وجه وعلى ذلك الوجه أعين كثيرة، وله جنب واحد عليه أيد كثيرة، وله ساق واحد، ولا يرى في الدنيا شخص، أقبح صورة من هذه الصورة المتخيلة، ولا يظن أن عاقلا يرى أن يصف ربه بهذه الصفة.
قال السني المعظم لحرمات كلام الله: قد ادعيت أيها الجهمي أن ظاهر القرآن، الذي هو حجة الله على عباده، والذي هو خير الكلام وأصدقه وأحسنه وأفصحه، وهو الذي هدى الله به عباده، وجعله شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، ولم ينزل كتاب من السماء أهدى منه، ولا أحسن ولا أكمل، فانتهكت حرمته وَعَضَهْتَهُ، ونسبته إلى أقبح النقص والعيب، فادعيت أن ظاهره ومدلوله إثبات شخص له وجه وفيه أعين كثيرة، وله جنب واحد، وعليه أيد كثيرة، وله ساق واحد. فادعيت أن ظاهر ما وصف الله به نفسه في كتابه يدل على هذه الصفة الشنيعة المستقبحة، فيكون سبحانه قد وصف نفسه بأشنع الصفات في ظاهر كلامه، فأي طعن في القرآن أعظم من طعن من يجعل هذا ظاهره ومدلوله، وهل هذا إلا من جنس قول الذين جعلوا القرآن عضين، فعضهوه بالباطل وقالوا هو سحر أو شعر، أو كذب مفترى، بل هذا أقبح من قولهم من وجه: فإن أولئك أقروا بعظمة
الكلام وشرف قدره وعلوه وجلالته، حتى قال فيه رأس الكفر "والله إن لكلامه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لجنى، وإنه ليعلو وما يعلى، وما يشبه كلام البشر".
ولم يدع أعداء الرسول، الذين جاهروه بالمحاربة، والعداوة، أن ظاهر كلامه أبطل الباطل، وأبين المحال، وهو وصف الخالق سبحانه بأقبح الهيئات والصور، ولو كان ذلك ظاهر القرآن، لكان ذلك من أقرب الطرق لهم إلى الطعن فيه، وقالوا: كيف يدعونا إلى عبادة رب له وجه عليه عيون كثيرة، وجنب واحد، وساق واحد، وأيد كثيرة، فكيف كانوا يسكتون له على ذلك، وهم يوردون عليه ما هو أقل من هذا بكثير.
ثم استطرد في الرد عليهم من أحد عشر وجها (1). فليرجع إليها من شاء الاستفادة.
- وقال رحمه الله في القصيدة النونية (2):
فصل في بيان أن المصيبة التي حلت بأهل التعطيل والكفران من جهة الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان:
يا قوم أصل بلائكم أسماء لم
…
ينزل بها الرحمن من سلطان
هي عكستكم غاية التعكيس واقتـ
…
ـلعت دياركم من الأركان
فتهدمت تلك القصور وأوحشت
…
منكم ربوع العلم والإيمان
والذنب ذنبكم قبلتم لفظها
…
من غير تفصيل ولا فرقان
(1) الصواعق المرسلة (1/ 238 - 241).
(2)
شرح القصيدة النونية (2/ 165 - 171)(هراس).
وهي التي اشتملت على أمرين من
…
حق وأمر واضح البطلان
سميتم عرش المهيمن حيزا
…
والاستواء تحيزا بمكان
وجعلتم فوق السموات العلى
…
جهة وسقتم نفي ذا بوزان
وجعلتم الإثبات تشبيها وتجـ
…
ـسيما وهذا غاية البهتان
وجعلتم الموصوف جسما قابل الأ
…
عراض والأكوان والألوان
وجعلتم أوصافه عرضا وهـ
…
ـذا كله جسر إلى النكران
وكذاك سميتم حلول حوادث
…
أفعاله تلقيب ذي عدوان
إذ تنفر الأسماع من ذا اللفظ نفـ
…
ـرتها من التشبيه والنقصان
فكسوتم أفعاله لفظ الحوا
…
دث ثم قلتم قول ذي بطلان
ليست تقوم به الحوادث والمرا
…
د النفي للأفعال للديان
فإذا انتفت أفعاله وصفات
…
وكلامه وعلو ذي السلطان
فبأي شيء كان ربا عندكم
…
يا فرقة التحقيق والعرفان
والقصد نفي فعاله عنه بذا التـ
…
ـلقيب فعل الشاعر الفتان
وكذاك حكمة ربنا سميتم
…
عللا وأغراضا وذان اسمان
لا يشعران بل ضدها
…
فيهون حينئذ على الأذهان
نفي الصفات وحكمة الخلاق والأ
…
فعال إنكارا لهذا الشان
وكذا استواء الرب فوق العر
…
ش قلتم أنه التركيب ذو بطلان
وكذاك وجه الرب جل جلاله
…
وكذاك لفظ يد ولفظ يدان
سميتم ذا كله الأعضاء بل
…
سميتموه جوارح الإنسان
وسطوتم بالنفي حينئذ عليـ
…
ـه كنفينا للعيب مع نقصان
قلتم ننزهه عن الأعراض والأ
…
غراض والأبعاض والجثمان
وعن الحوادث أن تحل بذاته
…
سبحانه من طارق الحدثان
…
والقصد نفي صفاته وفعاله
…
والاستواء وحكمة الرحمن
والناس أكثرهم بسجن اللفظ مسـ
…
ـجونون خوف معرة السبحان
والكل لا الفرد يقبل مذهبا
…
في قالب ويرده في ثان
والقصد أن الذات والأوصاف والـ
…
أفعال لا تنفى بذا الهذيان
سموه ما شئتم فليس الشأن في الـ
…
أسماء بل في مقصد ومعان
كم ذا توسلتم بلفظ الجسم
…
والتجسيم للتعطيل والكفران
وجعلتموه الترس إن قلنا لكم
…
الله فوق العرش والأكوان
قلتم لنا جسم على جسم تعا
…
لى الله عن جسم وعن جثمان
وكذاك إن قلنا القرآن كلامه
…
منه بدا لم يبد من إنسان
كلا ولا ملك ولا لوح ولـ
…
ـكن قاله الرحمن قول بيان
قلتم لنا أن الكلام قيامه
…
بالجسم أيضا وهو ذا حدثان
عرض يقوم بغير جسم لم يكن
…
هذا بمعقول لذي الأذهان
وكذاك حين نقول ينزل ربنا
…
في ثلث ليل وآخر أو ثان
قلتم لنا أن النزول لغير أجـ
…
ـسام محال ليس ذا إمكان
وكذاك إن قلنا يرى سبحانه
…
قلتم أجسم كي يرى بعيان
أم كان ذا جهة تعالى ربنا
…
عن ذا فليس يراه من إنسان
ما إذا قلنا له وجه كما
…
في النص أو قلنا كذاك يدان
وكذاك إن قلنا كما في النص أ
…
ن القلب بين أصابع الرحمن