المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقفه من الجهمية: - موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية - جـ ٨

[المغراوي]

فهرس الكتاب

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌ موقفه من المشركين:

- ‌ موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقف السلف من الدكاكي الزنديق (741 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقف سلطان الوقت من محمد بن عبد المعطي المخرف (760 ه

- ‌موقف السلف من محمد زبالة الزنديق (761 ه

- ‌موقف السلف من عثمان بن محمد الدقاق الزنديق (761 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقف السلف من محمود بن إبراهيم الشيرازي الرافضي (766 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌ موقفه من عبد الرحمن بن الأشعث ومن بايع له:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الزنادقة والمشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌الجزولي وضلاله (870 ه

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌ابن حجر الهيتمي (973 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌عبد الوهاب الشعراني: ترهاته ومخازيه (973 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌إبراهيم بن سليمان الحنفي الأزهري (كان حيا سنة 1100 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌الشيخ مربد بن أحمد بن عمر التميمي وعداؤه للدعوة السلفية (1181 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

الفصل: ‌موقفه من الجهمية:

لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا أحد من سلف الأمة، بل أمروا بالقرآن في الصلاة والسكينة. ولو ورد على الإنسان حال يغلب فيها حتى يخرج إلى حالة خارجة عن المشروع، وكان ذلك الحال بسبب مشروع. كسماع القرآن ونحوه، سلم إليه ذلك الحال كما تقدم، فأما إذا تكلف من الأسباب ما لم يؤمر به، مع علمه بأنه يوقعه فيما لا يصلح له: مثل شرب الخمر، مع علمه أنها تسكره، وإذا قال: ورد علي الحال، وأنا سكران قيل له: إذا كان السبب محظورا، لم يكن السكران معذورا.

فهذه الأحوال الفاسدة من كان فيها صادقا فهو مبتدع ضال، من جنس خفراء العدو، وأعوان الظلمة، من ذوي الأحوال الفاسدة الذين ضارعوا عباد النصارى والمشركين والصابئين في بعض ما لهم من الأحوال، ومن كان كاذبا فهو منافق ضال. (1)

‌موقفه من الجهمية:

إن مواقف الشيخ مع هذه النحلة وفروعها متعددة، وكتبه طافحة بالرد عليهم وتفنيد آرائهم بالحجج البينات من صحيح المنقول وصريح المعقول. نقتطف بعضا منها:

- قال: وأما الذي أقوله الآن وأكتبه -وإن كنت لم أكتبه فيما تقدم من أجوبتي، وإنما أقوله في كثير من المجالس-: إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات، فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها. وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، وما رووه من الحديث، ووقفت من ذلك على ما شاء

(1) مجموع الفتاوى (11/ 599 - 600).

ص: 108

الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد -إلى ساعتي هذه- عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئا من آيات الصفات، أو أحاديث الصفات، بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف، بل عنهم من تقرير ذلك وتثبيته، وبيان أن ذلك من صفات الله ما يخالف كلام المتأولين ما لا يحصيه إلا الله. وكذلك فيما يذكرونه آثرين وذاكرين عنهم شيء كثير. (1)

- نموذج من مناظراته في العقيدة الواسطية رضي الله عنه:

قال: أما بعد: فقد سئلت غير مرة أن أكتب ما حضرني ذكره مما جرى في المجالس الثلاثة المعقودة للمناظرة، في أمر الاعتقاد، بمقتضى ما ورد به كتاب السلطان من الديار المصرية إلى نائبه أمير البلاد لما سعى إليه قوم من الجهمية والاتحادية والرافضة وغيرهم من ذوي الأحقاد.

فأمر الأمير بجمع القضاة الأربعة، قضاة المذاهب الأربعة وغيرهم من نوابهم والمفتين والمشائخ، ممن له حرمة وبه اعتداد، وهم لا يدرون ما قصد بجمعهم في هذا الميعاد وذلك يوم الاثنين ثامن رجب المبارك عام خمس وسبعمائة. فقال لي: هذا المجلس عقد لك، فقد ورد مرسوم السلطان بأن أسألك عن اعتقادك، وعما كتبت به إلى الديار المصرية من الكتب التي تدعو بها الناس إلى الاعتقاد. وأظنه قال: وأن أجمع القضاة والفقهاء وتتباحثون في ذلك.

فقلت: أما الاعتقاد فلا يؤخذ عني ولا عمن هو أكبر مني، بل يؤخذ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة. فما كان في القرآن وجب

(1) مجموع الفتاوى (6/ 394).

ص: 109

اعتقاده، وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة مثل صحيح البخاري ومسلم.

وأما الكتب، فما كتبت إلى أحد كتابا ابتداء أدعوه به إلى شيء من ذلك، ولكني كتبت أجوبة أجبت بها من يسألني من أهل الديار المصرية وغيرهم، وكان قد بلغني أنه زور علي كتاب إلى الأمير ركن الدين الجاشنكير: أستاذ دار السلطان، يتضمن ذكر عقيدة محرفة ولم أعلم بحقيقته، لكن علمت أنه مكذوب.

وكان يرد علي من مصر وغيرها من يسألني عن مسائل في الاعتقاد وغيره، فأجيبه بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.

فقال: نريد أن تكتب لنا عقيدتك. فقلت: اكتبوا. فأمر الشيخ كمال الدين أن يكتب، فكتب له جمل الاعتقاد في أبواب الصفات والقدر ومسائل الإيمان والوعيد والإمامة والتفضيل.

وهو أن اعتقاد أهل السنة والجماعة: الإيمان بما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

والإيمان بأن الله خالق كل شيء من أفعال العباد وغيرها، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه أمر بالطاعة، وأحبها ورضيها، ونهى عن المعصية وكرهها. والعبد فاعل حقيقة، والله خالق فعله، وأن الإيمان والدين قول وعمل، يزيد وينقص، وأن لا نكفر أحدا من أهل القبلة بالذنوب ولا نخلد في النار من أهل الإيمان أحدا، وأن الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر،

ص: 110

ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وأن مرتبتهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، ومن قدم عليا على عثمان: فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار وذكرت هذا أو نحوه، فإني الآن قد بعد عهدي، ولم أحفظ لفظ ما أمليته، لكنه كتب إذ ذاك.

ثم قلت للأمير والحاضرين: أنا أعلم أن أقواما يكذبون علي، كما قد كذبوا علي غير مرة. وإن أمليت الاعتقاد من حفظي ربما يقولون: كتم بعضه أو داهن ودارى. فأنا أحضر عقيدة مكتوبة من نحو سبع سنين قبل مجيء التتر إلى الشام.

وقلت قبل حضورها كلاما قد بعد عهدي به، وغضبت غضبا شديدا، لكني أذكر أني قلت: أنا أعلم أن أقواما كذبوا علي وقالوا للسلطان أشياء، وتكلمت بكلام احتجت إليه، مثل أن قلت: من قام بالإسلام أوقات الحاجة غيري؟ ومن الذي أوضح دلائله وبينه؟ وجاهد أعداءه وأقامه لما مال؟ حين تخلى عنه كل أحد ولا أحد ينطق بحجته، ولا أحد يجاهد عنه. وقمت مظهرا لحجته، مجاهدا عنه مرغبا فيه؟.

فإذا كان هؤلاء يطمعون في الكلام في، فكيف يصنعون بغيري؟ ولو أن يهوديا طلب من السلطان الإنصاف، لوجب عليه أن ينصفه. وأنا قد أعفو عن حقي وقد لا أعفو، بل قد أطلب الإنصاف منه، وأن يحضر هؤلاء الذين يكذبون ليوافقوا على افترائهم. وقلت كلاما أطول من هذا الجنس، لكن بعد عهدي به، فأشار الأمير إلى كاتب الدرج محي الدين بأن يكتب ذلك.

ص: 111

وقلت أيضا: كل من خالفني في شيء مما كتبته، فأنا أعلم بمذهبه منه، وما أدري هل قلت هذا قبل حضورها أو بعده؟ لكنني قلت أيضا بعد حضورها وقراءتها: ما ذكرت فيها فصلا إلا وفيه مخالف من المنتسبين إلى القبلة، وكل جملة فيها خلاف لطائفة من الطوائف. ثم أرسلت من أحضرها ومعها كراريس بخطي من المنزل. فحضرت العقيدة الواسطية.

وقلت لهم: هذه كان سبب كتابتها أنه قدم علي من أرض واسط بعض قضاة نواحيها، شيخ يقال له: 'رضى الدين الواسطي' من أصحاب الشافعي، قدم علينا حاجا، وكان من أهل الخير والدين. وشكا ما الناس فيه بتلك البلاد، وفي دولة التتار من غلبة الجهل والظلم، ودروس الدين والعلم. وسألني أن أكتب له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته. فاستعفيت من ذلك وقلت: قد كتب الناس عقائد متعددة، فخذ بعض عقائد أئمة السنة. فألح في السؤال وقال: ما أحب إلا عقيدة تكتبها أنت، فكتبت له هذه العقيدة وأنا قاعد بعد العصر. وقد انتشرت بها نسخ كثيرة في مصر والعراق وغيرهما.

فأشار الأمير بأن لا أقرأها أنا لرفع الريبة، وأعطاها لكاتبه الشيخ كمال الدين، فقرأها على الحاضرين حرفا حرفا، والجماعة الحاضرون يسمعونها، ويورد المورد منهم ما شاء ويعارض فيما شاء، والأمير أيضا يسأل عن مواضع فيها. وقد علم الناس ما كان في نفوس طائفة من الحاضرين من الخلاف والهوى ما قد علم الناس بعضه، وبعضه بسبب الاعتقاد، وبعضه بغير ذلك.

ولا يمكن ذكر ما جرى من الكلام والمناظرات في هذه المجالس فإنه

ص: 112

كثير لا ينضبط. فكان مما اعترض علي بعضهم -لما ذكر في أولها، ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، فقال:- ما المراد بالتحريف والتعطيل؟ ومقصوده: أن هذا ينفي التأويل، الذي أثبته أهل التأويل، الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، إما وجوبا وإما جوازا.

فقلت: تحريف الكلم عن مواضعه كما ذمه الله تعالى في كتابه، وهو إزالة اللفظ عما دل عليه من المعنى، مثل تأويل بعض الجهمية لقوله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} أي جرحه بأظافير الحكمة تجريحا، ومثل تأويلات القرامطة، والباطنية وغيرهم من الجهمية، والرافضة، والقدرية، وغيرهم. فسكت وفي نفسه ما فيها. (1) ثم ذكر بقية المناظرة فلتنظر هناك.

التعليق:

هذه المناظرة تعتبر وثيقة تاريخية كبرى في تاريخ العقيدة السلفية. ويستفاد منها:

* ما كان عليه الشيخ من التعظيم والتقدير في نفوس الجميع: الأمير والمأمور.

* اهتمام أولي الأمر في ذلك الوقت بأمور العقيدة، بينما الآن ربما لو تكلم شخص بمثل هذه الأمور، لأصبح مهزلة وسخرية في أعين أولي الأمر إلا من شاء الله.

(1) مجموع الفتاوى (3/ 160 - 165).

ص: 113

* تصوير المجتمع الذي كان يغلي بالمبتدعة الذين امتهنوا التزوير على كبار السلفيين في ذلك الوقت.

* سبب تأليف العقيدة الواسطية.

- وقال: إن السلف كانوا يراعون لفظ القرآن والحديث فيما يثبتونه وينفونه عن الله من صفاته وأفعاله، فلا يأتون بلفظ محدث مبتدع في النفي والإثبات، بل كل معنى صحيح فإنه داخل فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم. والألفاظ المبتدعة ليس لها ضابط، بل كل قوم يريدون بها معنى غير المعنى الذي أراده أولئك، كلفظ الجسم، والجهة، والحيز، والجبر ونحو ذلك؛ بخلاف ألفاظ الرسول فإن مراده بها يعلم كما يعلم مراده بسائر ألفاظه، ولو يعلم الرجل مراده لوجب عليه الإيمان بما قاله مجملا. ولو قدر معنى صحيح -والرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر به- لم يحل لأحد أن يدخله في دين المسلمين، بخلاف ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فإن التصديق به واجب.

والأقوال المبتدعة تضمنت تكذيب كثير مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك يعرفه من عرف مراد الرسول صلى الله عليه وسلم ومراد أصحاب تلك الأقوال المبتدعة. ولما انتشر الكلام المحدث، ودخل فيه ما يناقض الكتاب والسنة، وصاروا يعارضون به الكتاب والسنة؛ صار بيان مرادهم بتلك الألفاظ وما احتجوا به لذلك من لغة وعقل يبين للمؤمن ما يمنعه أن يقع في البدعة والضلال، أو يخلص منها -إن كان قد وقع- ويدفع عن نفسه في الباطن والظاهر ما

ص: 114

يعارض إيمانه بالرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك. (1)

- وقال في رده على المعتزلة والأشعرية: ومن رزقه الله معرفة ما جاءت به الرسل وبصرا نافذا وعرف حقيقة مأخذ هؤلاء، علم قطعا أنهم يلحدون في أسمائه وآياته، وأنهم كذبوا بالرسل وبالكتاب وبما أرسل به رسله؛ ولهذا كانوا يقولون: إن البدع مشتقة من الكفر وآيلة إليه، ويقولون: إن المعتزلة مخانيث الفلاسفة؛ والأشعرية مخانيث المعتزلة. وكان يحيى بن عمار يقول: المعتزلة الجهمية الذكور، والأشعرية الجهمية الإناث، ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية، وأما من قال منهم بكتاب 'الإبانة' الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك، فهذا يعد من أهل السنة، لكن مجرد الانتساب إلى الأشعري بدعة، لا سيما وأنه بذلك يوهم حسنا بكل من انتسب هذه النسبة وينفتح بذلك أبواب شر، والكلام مع هؤلاء الذين ينفون ظاهرها بهذا التفسير. (2)

- وقال: ولهذا يوجد كثيرا في كلام السلف والأئمة النهي عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات، وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق، ولا قصور، أو تقصير في بيان الحق، ولكن لأن تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة على حق وباطل، ففي إثباتها إثبات حق وباطل، وفي نفيها نفي حق وباطل، فيمنع من كلا الإطلاقين، بخلاف النصوص الإلهية فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل، ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون

(1) الفتاوى (5/ 432 - 433).

(2)

الفتاوى (6/ 359 - 360).

ص: 115

كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب اتباعه، فيثبتون ما أثبته الله ورسوله، وينفون ما نفاه الله ورسوله، ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطلاقها: نفيا وإثباتا، لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الاستفسار والتفصيل، فإذا تبين المعنى أثبت حقه ونفي باطله، بخلاف كلام الله ورسوله، فإنه حق يجب قبوله، وإن لم يفهم معناه، وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه. وأما المختلفون في الكتاب المخالفون له المتفقون على مفارقته، فتجعل كل طائفة ما أصلته من أصول دينها الذي ابتدعته هو الإمام الذي يجب اتباعه، وتجعل ما خالف ذلك من نصوص الكتاب والسنة من المجملات المتشابهات، التي لا يجوز اتباعها، بل يتعين حملها على ما وافق أصلهم الذي ابتدعوه، أو الإعراض عنها وترك التدبر لها. (1)

- وقال: وبيان أن كل من أثبت ما أثبته الرسول ونفى ما نفاه كان أولى بالمعقول الصريح، كما كان أولى بالمنقول الصحيح؛ وأن من خالف صحيح المنقول فقد خالف أيضا صريح المعقول، وكان أولى بمن قال الله فيه:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)} (2). (3)

- وقال: قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ

(1) درء التعارض (1/ 76 - 77).

(2)

الملك الآية (10).

(3)

درء التعارض (1/ 100).

ص: 116

فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (1). فأنزل الله الكتاب حاكما بين الناس فيما اختلفوا فيه، إذ لا يمكن الحكم بين الناس في موارد النزاع والاختلاف على الإطلاق إلا بكتاب منزل من السماء، ولا ريب أن بعض الناس قد يعلم بعقله ما لا يعلمه غيره، وإن لم يمكنه بيان ذلك لغيره، ولكن ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط. وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه، فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع. وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار كمسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات والمعاد وغير ذلك، ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه: إما حديث موضوع، أو دلالة ضعيفة، فلا يصلح أن يكون دليلا لو تجرد عن معارضة العقل الصريح، فكيف إذا خالفه صريح المعقول؟ (2)

- وقال: وقولك: إنه يتعالى عن ذلك، فلا ريب أنه يتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. ومنازعك يقول: إنك أنت الظالم المفتري على الله، الذي سلبته صفات الكمال، ووصفته بصفة الجهل، وقلت فيه المحال، وألحدت في أسمائه وآياته إلحاد طائفتك الضلال. وأما أهل الإثبات فوصفوه بصفات الكمال، ووافقوا صريح المنقول عن الأنبياء والمرسلين، وما فطر الله عليه عباده أجمعين، وما دلت عليه صرائح عقول الآدميين، ووصفوا ربهم بأنه

(1) البقرة الآية (213).

(2)

درء التعارض (1/ 147).

ص: 117

يسمع كلامهم، ويرى أعيانهم، ويسمع سرهم ونجواهم. وأنت وصفت رب العالمين بنقيض ذلك، ولم تجعل له علما سوى المخلوقات. والمخلوقات ليست علما باتفاق أهل الفطر السليمات، فتعالى الملك الحق عن قولك، وقول أمثالك المفترين الملحدين، أعداء الأنبياء شياطين الإنس، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. وأنت فليس لك دليل أصلا ينفي ذلك، فإن قيام ما يتعلق بمشيئته وقدرته بذاته، لا دليل لك على نفيه، إلا ما تنفي به الصفات، كما نفيت العلم. (1)

- وقال: وهذه الطرق التي يسلكها نفاة الجسم وأمثالهم، أحسن أحوالها أن تكون عوجاء طويلة، قد تهلك، وقد توصل، إذ لو كانت مستقيمة موصلة، لم يعدل عنها السلف، فكيف إذا تيقن أنها مهلكة؟ (2)

محنة الشيخ بسبب العقيدة الحموية:

- جاء في الكواكب الدرية: وقال الشيخ علم الدين: وفي شهر ربيع أول من سنة ثمان وتسعين وستمائة، وقع بدمشق محنة للشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية. وكان الشروع فيها من أول الشهر واستمرت إلى آخر الشهر.

وملخصها: أنه كتب جوابا لسؤال سئل عنه من (حماة) في الصفات. فذكر فيه مذهب السلف ورجحه على مذهب المتكلمين. وكان قبل ذلك بقليل أنكر أمر المنجمين. واجتمع به سيف الدين "جاغان" في حال نيابته

(1) درء التعارض (10/ 76 - 77).

(2)

درء التعارض (10/ 316).

ص: 118

بدمشق، وقيامه مقام نائب السلطنة. وامتثل أمره. وقبل قوله والتمس منه كثرة الاجتماع به. فحصل بسبب ذلك ضيق لجماعته، مع ما كان عنده قبل ذلك من كراهية الشيخ وما ألمهم بظهوره وذكره الحسن. فانضاف شيء إلى أشياء، ولم يجدوا مساغا إلى الكلام فيه، لزهده وعدم إقباله على الدنيا، وترك المزاحمة على المناصب، وكثرة علمه وجودة أجوبته وفتاويه، وما يظهر فيها من غزارة العلم وجودة الفهم. فعمدوا إلى الكلام في العقيدة لكونهم يرجحون مذهب المتكلمين في الصفات والقرآن على مذهب السلف. ويعتقدونه الصواب. فأخذوا الجواب الذي كتبه، ثم سعوا السعي الشديد إلى القضاة والفقهاء واحدا واحدا. وأغروا خواطرهم وحرفوا الكلام وكذبوا الكذب الفاحش، وجعلوه يقول بالتجسيم وحاشاه من ذلك. ووافقهم على ذلك جلال الدين الحنفي قاضي الحنفية يومئذ. ومشى معهم إلى دار الحديث الأشرفية وطلب حضوره. وأرسل إليه فلم يحضر، وأرسل إليه في الجواب إن العقائد ليس أمرها إليك، وإن السلطان إنما ولاك لتحكم بين الناس، وإن إنكار المنكرات ليس مما يختص به القاضي". فوصلت إليه هذه الرسالة فأوغروا خاطره، وشوشوا قلبه وقالوا: لم يحضر ورد عليك. فأمر بالنداء على بطلان عقيدته في البلدة. فنودي في بعض البلد. ثم بادر سيف الدين "جاغان" وأرسل طائفة فضرب المنادي وجماعة ممن حوله وأخرق بهم. فرجعوا مضروبين في غاية الإهانة. ثم طلب سيف الدين من قام في ذلك وسعى فيه. فدارت الرسل والأعوان عليهم في البلد فاختفوا. (1)

(1) الكواكب الدرية (113 - 114).

ص: 119

التعليق:

وهكذا ينصر الله الحق ويحقه، مهما تضامن أهل البدع وتعاونوا على الإثم والعدوان، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِن اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} . (1)

ولشيخ الإسلام مواقف من أهل الكلام كثيرة مشهورة ولآلئ جمة منثورة منها:

- قال: فإن التجهم والرفض هما أعظم البدع أو من أعظم البدع التي أحدثت في الإسلام. ولهذا كان الزنادقة المحضة مثل الملاحدة من القرامطة ونحوهم إنما يتسترون بهذين بالتجهم والتشيع. (2)

- وقال: ولما ظهرت الجهمية -المنكرة لمباينة الله وعلوه على خلقه- افترق الناس في هذا الباب على أربعة أقوال:

فالسلف والأئمة يقولون: إن الله فوق سماواته، مستو على عرشه بائن من خلقه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، وكما علم المباينة والعلو بالمعقول الصريح، الموافق للمنقول الصحيح، وكما فطر الله على ذلك خلقه، من إقرارهم به، وقصدهم إياه سبحانه وتعالى.

والقول الثاني قول معطلة الجهمية ونفاتهم، وهم الذين يقولون: لا هو داخل العالم، ولا خارجه، ولا مباين له، ولا محايث له، فينفون الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود عن أحدهما، كما يقول ذلك أكثر المعتزلة،

(1) الحج الآية (40).

(2)

الفتاوى الكبرى (5/ 47).

ص: 120

ومن وافقهم من غيرهم.

والقول الثالث قول حلولية الجهمية، الذين يقولون: إنه بذاته في كل مكان، كما يقول ذلك النجارية -أتباع حسين النجار- وغيرهم من الجهمية، وهؤلاء القائلون بالحلول والاتحاد: من جنس هؤلاء، فإن الحلول أغلب على عباد الجهمية وصوفيتهم وعامتهم، والنفي والتعطيل أغلب على نظارهم ومتكلميهم، كما قيل: متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئا، ومتصوفة الجهمية يعبدون كل شيء. وذلك لأن العبادة تتضمن الطلب والقصد، والإرادة والمحبة، وهذا لا يتعلق بمعدوم، فإن القلب يطلب موجودا، فإذا لم يطلب ما فوق العالم طلب ما هو فيه. وأما الكلام والعلم والنظر فيتعلق بموجود ومعدوم، فإذا كان أهل الكلام والنظر يصفون الرب بصفات السلب والنفي-التي لا يوصف بها إلا المعدوم- لم يكن مجرد العلم والكلام ينافي عدم المعبود المذكور، بخلاف القصد والإرادة والعبادة، فإنه ينافي عدم المعبود. ولهذا تجد الواحد من هؤلاء -عند نظره وبحثه- يميل إلى النفي، وعند عبادته وتصوفه يميل إلى الحلول، وإذا قيل له هذا ينافي ذلك قال: هذا مقتضى عقلي ونظري، وذاك مقتضى ذوقي ومعرفتي، ومعلوم أن الذوق والوجد إن لم يكن موافقا للعقل والنظر، وإلا لزم فسادهما أو فساد أحدهما.

والقول الرابع قول من يقول: إن الله بذاته فوق العالم، وهو بذاته في كل مكان، وهذا قول طوائف من أهل الكلام والتصوف كأبي معاذ وأمثاله، وقد ذكر الأشعري في المقالات هذا عن طوائف، ويوجد في كلام السالمية -كأبي طالب المكي وأتباعه: كأبي الحكم بن برجان وأمثاله- ما

ص: 121

يشير إلى نحو من هذا، كما يوجد في كلامهم ما يناقض هذا. وفي الجملة فالقول بالحلول أو ما يناسبه وقع فيه كثير من متأخري الصوفية، ولهذا كان أئمة القوم يحذرون منه كما في قول الجنيد -لما سئل عن التوحيد- فقال: التوحيد إفراد الحدوث عن القدم. فبين أن التوحيد أن يميز بين القديم والمحدث. (1)

- وقال: (فالجهمية) النفاة الذين يقولون: لا هو داخل العالم ولا خارج العالم، ولا فوق ولا تحت، لا يقولون بعلوه ولا بفوقيته، بل الجميع عندهم متأول أو مفوض، وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص، كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة وغيرهم، إلا الجهمية فإنه ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه من النفي. (2)

- وقال: وفي القرآن من ذكر الاصطفاء والاجتباء والتقريب والمناجاة والمناداة والخلة ونحو ذلك ما هو كثير، وكذلك في السنة. وهذا مما اتفق عليه قدماء أهل السنة والجماعة، وأهل المعرفة والعبادة والعلم والإيمان. وخالف في حقيقته قوم من الملحدة المنافقين المضارعين للصابئين ومن وافقهم، والمضارعين لليهود والنصارى، من الجهمية أو من فيه تجهم، وإن كان الغالب عليه السنة. فتارة ينكرون أن الله يخالل أحدا، أو يحب أحدا، أو يواد أحدا، أو يكلم أحدا، أو يتكلم، ويحرفون الكلم عن مواضعه، فيفسرون ذلك تارة بإحسانه إلى عباده، وتارة بإرادته الإحسان إليهم، وتارة ينكرون أن الله يحب أو يخالل. ويحرفون الكلم عن مواضعه في محبة العبد له، بأنه إرادة

(1) مجموع الفتاوى (2/ 297 - 299).

(2)

مجموع الفتاوى (5/ 122).

ص: 122

طاعته، أو محبته على إحسانه. (1)

- وقال: فهل يجوز أن يملأ الكتاب والسنة من ذكر اليد، وأن الله تعالى خلق بيده، وأن يداه مبسوطتان، وأن الملك بيده، وفي الحديث ما لا يحصى، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر لا يبينون للناس أن هذا الكلام لا يراد به حقيقته ولا ظاهره، حتى ينشأ "جهم بن صفوان" بعد انقراض عصر الصحابة فيبين للناس ما نزل إليهم على نبيهم، ويتبعه عليه "بشر بن غياث" ومن سلك سبيلهم من كل مغموص عليه بالنفاق. وكيف يجوز أن يعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى "الخراءة" ويقول:«ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به» (2)«تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» (3) ثم يترك الكتاب المنزل عليه وسنته الغراء مملوءة مما يزعم الخصم أن ظاهره تشبيه وتجسيم، وأن اعتقاد ظاهره ضلال، وهو لا يبين ذلك ولا يوضحه.؟

وكيف يجوز للسلف أن يقولوا: أمروها كما جاءت مع أن معناها المجازي هو المراد

(1) مجموع الفتاوى (2/ 437 - 438).

(2)

رواه ابن أبي شيبة (13/ 227/16179) وهناد في الزهد (1/ 281/494) والبغوي (14/ 303 - 305/ 4111و4113) والحاكم (2/ 4) وابن أبي الدنيا في القناعة كما في الفتح (1/ 26) من طرق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ورواه ابن خزيمة في حديث علي بن حجر رقم (386) والبيهقي (7/ 76) والبغوي (14/ 302 - 303/ 4110) من حديث المطلب بن عبد الله رضي الله عنه. ورواه الطبراني في الكبير (2/ 155/1647) من حديث أبي ذر رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني رحمه الله في الصحيحة (رقم:1803).

(3)

أخرجه أحمد (4/ 126) وابن ماجه (1/ 16/43) وأصله عند أبي داود (5/ 13/4607) والترمذي (5/ 43/2676) وقال: "حديث حسن صحيح". وابن حبان (1/ 178/5) والحاكم (1/ 95) وقال: "صحيح ليس له علة" ووافقه الذهبي، من حديث العرباض بن سارية.

ص: 123

وهو شيء لا يفهمه العرب، حتى يكون أبناء الفرس والروم أعلم بلغة العرب من أبناء المهاجرين والأنصار؟ (1)

- وقال: فلا مجاز في القرآن. بل وتقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز تقسيم مبتدع محدث لم ينطق به السلف. (2)

- وقال: فالجهمية القائلون بأنه بذاته في كل مكان، أو بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، لا يصفونه بالعلو دون السفول، فإنه إذا كان في مكان، فالأمكنة منها عال وسافل. فهو في العالي عال، وفي السافل سافل. بل إذا قالوا إنه في كل مكان فجعلوا الأمكنة كلها محال له ظروفا وأوعية جعلوها في الحقيقة أعلى منه. فإن المحل يحوي الحال، والظرف والوعاء يحوي المظروف الذي فيه، والحاوي فوق المحوي. والسلف والأئمة وسائر علماء السنة إذا قالوا:"إنه فوق العرش، وإنه في السماء فوق كل شيء"، لا يقولون إن هناك شيئا يحويه أو يحصره، أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاء سبحانه وتعالى عن ذلك، بل هو فوق كل شيء، وهو مستغن عن كل شيء، وكل شيء مفتقر إليه، هو عال على كل شيء، وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته، وكل مخلوق مفتقر إليه، وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق. (3)

- وقال: قوله: كان ابن كلاب والحارث المحاسبي وأبو العباس

(1) مجموع الفتاوى (6/ 368 - 369).

(2)

مجموع الفتاوى (7/ 113).

(3)

مجموع الفتاوى (16/ 100).

ص: 124

القلانسي وغيرهم يثبتون مباينة الخالق للمخلوق وعلوه بنفسه فوق المخلوقات، وكان ابن كلاب وأتباعه يقولون: إن العلو على المخلوقات صفة عقلية تعلم بالعقل، وأما استواؤه على العرش فهو من الصفات السمعية الخبرية التي لا تعلم إلا بالخبر، وكذلك الأشعري يثبت الصفات بالشرع تارة وبالعقل أخرى، ولهذا يثبت العلو ونحوه مما تنفيه المعتزلة، ويثبت الاستواء على العرش، ويرد على من تأوله بالاستيلاء ونحوه مما لا يختص بالعرش، بخلاف أتباع صاحب 'الإرشاد' فإنهم سلكوا طريقة المعتزلة، فلم يثبتوا الصفات إلا بالعقل، وكان الأشعري وأئمة أصحابه يقولون: إنهم يحتجون بالعقل لما عرف ثبوته بالسمع، فالشرع هو الذي يعتمد عليه في أصول الدين، والعقل عاضد له معاون. فصار هؤلاء يسلكون ما يسلكه من سلكه من أهل الكلام المعتزلة ونحوهم فيقولون: إن الشرع لا يعتمد عليه فيما وصف الله به وما لا يوصف، وإنما يعتمد في ذلك عندهم على عقلهم، ثم ما لم يثبته إما أن ينفوه وإما أن يقفوا فيه. ومن هنا طمع فيهم المعتزلة، وطمعت الفلاسفة في الطائفتين، بإعراض قلوبهم عما جاء به الرسول، وعن طلب الهدى من جهته، وجعل هؤلاء يعارضون بين العقل والشرع كفعل المعتزلة والفلاسفة، ولم يكن الأشعري وأئمة أصحابه على هذا، بل كانوا موافقين لسائر أهل السنة في وجوب تصديق ما جاء به الشرع مطلقا، والقدح فيما يعارضه، ولم يكونوا يقولون:"إنه لا يرجع إلى السمع في الصفات"، ولا يقولون:"الأدلة السمعية لا تفيد اليقين" بل كل هذا مما أحدثه المتأخرون الذين مالوا إلى الاعتزال والفلسفة من أتباعهم.

وذلك لأن الأشعري صرح

ص: 125

بأن تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ليس موقوفا على دليل الأعراض، وأن الاستدلال به على حدوث العالم من البدع المحرمة في دين الرسل، وكذلك غيره ممن يوافقه على نفي الأفعال القائمة به قد يقول: إن هذا الدليل دليل الأعراض صحيح، لكن الاستدلال به بدعة، ولا حاجة إليه، فهؤلاء لا يقولون: إن دلالة السمع موقوفة عليه، لكن المعتزلة القائلون بأن دلالة السمع موقوفة على صحته صرحوا بأنه لا يستدل بأقوال الرسول على ما يجب ويمتنع من الصفات، بل ولا الأفعال، وصرحوا بأنه لا يجوز الاحتجاج على ذلك بالكتاب والسنة، وإن وافق العقل، فكيف إذا خالفه؟ وهذه الطريقة هي التي سلكها من وافق المعتزلة في ذلك كصاحب 'الإرشاد' وأتباعه، وهؤلاء يردون دلالة الكتاب والسنة، تارة يصرحون بأنا وإن علمنا مراد الرسول فليس قوله مما يجوز أن يحتج به في مسائل الصفات، لأن قوله إنما يدل بعد ثبوت صدقه الموقوف على مسائل الصفات، وتارة يقولون: إنما لم يدل لأنا لا نعلم مراده لتطرق الاحتمالات إلى الأدلة السمعية، وتارة يطعنون في الأخبار.

فهذه الطرق الثلاث التي وافقوا فيها الجهمية ونحوهم من المبتدعة: أسقطوا بها حرمة الكتاب والرسول عندهم، وحرمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حتى يقولوا إنهم لم يحققوا أصول الدين كما حققناها، وربما اعتذروا عنهم بأنهم كانوا مشتغلين بالجهاد، ولهم من جنس هذا الكلام الذي يوافقون به الرافضة ونحوهم من أهل البدع، ويخالفون به الكتاب والسنة والإجماع، مما ليس هذا موضع بسطه، وإنما نبهنا على أصول دينهم وحقائق أقوالهم، وغايتهم أنهم يدعون في أصول الدين المخالفة للكتاب والسنة المعقول والكلام، وكلامهم

ص: 126

فيه من التناقض والفساد ما ضارعوا به أهل الإلحاد، فهم من جنس الرافضة؛ لا عقل صريح ولا نقل صحيح، بل منتهاهم السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات، وهذا منتهى كل مبتدع خالف شيئا من الكتاب والسنة، حتى في المسائل العملية والقضايا الفقهية. (1)

- وقال: وقوله: وقد رأيت من أتباع الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من يقول أقوالا ويكفر من خالفها، وتكون الأقوال المخالفة هي أقوال أئمتهم بعينها، كما أنهم كثيرا ما ينكرون أقوالا ويكفرون من يقولها، وتكون منصوصة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكثرة ما وقع من الاشتباه والاضطراب في هذا الباب، ولأن شبه الجهمية النفاة أثرت في قلوب كثير من الناس، حتى صار الحق الذي جاء به الرسول -وهو المطابق للمعقول- لا يخطر ببالهم ولا يتصورونه، وصار في لوازم ذلك من العلم الدقيق ما لا يفهمه كثير من الناس، والمعنى المفهوم يعبر عنه بعبارات فيها إجمال وإبهام يقع بسببها نزاع وخصام. والله تعالى يغفر لجميع المؤمنين والمؤمنات:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} (2).اهـ (3)

- قال: وقد تدبرت كتب الاختلاف التي يذكر فيها مقالات الناس إما

(1) درء التعارض (2/ 12 - 15).

(2)

الحشر الآية (10).

(3)

درء التعارض (2/ 308).

ص: 127

نقلا مجردا، مثل كتاب'المقالات' لأبي الحسن الأشعري، وكتاب 'الملل والنحل' للشهرستاني، ولأبي عيسى الوراق، أو مع انتصار لبعض الأقوال، كسائر ما صنفه أهل الكلام على اختلاف طبقاتهم -فرأيت عامة الاختلاف التي فيها من الاختلاف المذموم، وأما الحق الذي بعث الله به رسوله، وأنزل به كتابه، وكان عليه سلف الأمة- فلا يوجد فيها في جميع مسائل الاختلاف، بل يذكر أحدهم في المسألة عدة أقوال، والقول الذي جاء به الكتاب والسنة لا يذكرونه، وليس ذلك لأنهم يعرفونه ولا يذكرونه، بل لا يعرفونه.

ولهذا كان السلف والأئمة يذمون هذا الكلام، ولهذا يوجد الحاذق منهم المنصف الذي غرضه الحق في آخر عمره يصرح بالحيرة والشك، إذ لم يجد في الاختلافات التي نظر فيها وناظر ما هو حق محض. وكثير منهم يترك الجميع ويرجع إلى دين العامة الذي عليه العجائز والأعراب.

كما قال أبو المعالي وقت السياق: (لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه. والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي).

وكذلك أبو حامد في آخر عمره استقر أمره على الوقف والحيرة، بعد أن نظر فيما كان عنده من طرق النظار: أهل الكلام والفلسفة، وسلك ما تبين له من طرق العبادة والرياضة والزهد، وفي آخر عمره اشتغل بالحديث: بالبخاري ومسلم.

وكذلك الشهرستاني، مع أنه كان من أخبر هؤلاء المتكلمين بالمقالات

ص: 128

والاختلاف، وصنف فيها كتابه المعروف بـ'نهاية الإقدام' في علم الكلام وقال: (قد أشار علي من إشارته غنم، وطاعته حتم، أن أذكر له من مشكلات الأصول، ما أشكل على ذوي العقول، ولعله استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، لعمري:

لقد طفت في تلك المعاهد كلها فلم أر إلا واضعا كف حائر

وسيرت طرفي بين تلك المعالم

على ذقن أو قارعا سن نادم

فأخبر أنه لم يجد إلا حائرا شاكا مرتابا، أو من اعتقد ثم ندم لما تبين له خطؤه. فالأول في الجهل البسيط: كظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكن يراها، وهذا دخل في الجهل المركب، ثم تبين له أنه جهل فندم، ولهذا تجده في المسائل يذكر أقوال الفرق وحججهم، ولا يكاد يرجح شيئا للحيرة.

وكذلك الآمدي الغالب عليه الوقف والحيرة.

وأما الرازي فهو في الكتاب الواحد، بل في الموضع الواحد منه؛ ينصر قولا، وفي موضع آخر منه -أو من كتاب آخر-؛ ينصر نقيضه!! ولهذا استقر أمره على الحيرة والشك. ولهذا لما ذكر أن أكمل العلوم العلم بالله وبصفاته وأفعاله؛ ذكر على أن كلا منهما إشكال. وقد ذكرت كلامه، وبينت ما أشكل عليه وعلى هؤلاء في مواضع.

فإن الله قد أرسل رسله بالحق، وخلق عباده على الفطرة، فمن كمل فطرته بما أرسل الله به رسله؛ وجد الهدى واليقين الذي لا ريب فيه، ولم يتناقض. لكن هؤلاء أفسدوا فطرتهم العقلية وشرعتهم السمعية، بما حصل لهم من الشبهات والاختلاف، الذي لم يهتدوا معه إلى الحق، كما قد ذكر

ص: 129

تفصيل ذلك في موضع غير هذا.

والمقصود هنا أنه لما ذكر ذلك قال: ومن الذي وصل إلى هذا الباب، ومن الذي ذاق هذا الشراب؟

نهاية إقدام العقول عقال

وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا

وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وقال: (لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا. ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (1){الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} (2) واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (3){وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} (4) ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي).

وهو صادق فيما أخبر به أنه لم يستفد من بحوثه في الطرق الكلامية والفلسفية سوى أن جمع قيل وقالوا، وأنه لم يجد فيها ما يشفي عليلا، ولا يروي غليلا، فإن من تدبر كتبه كلها لم يجد فيها مسألة واحدة من مسائل أصول الدين موافقة للحق الذي يدل عليه المنقول والمعقول، بل يذكر في

(1) فاطر الآية (10).

(2)

طه الآية (5).

(3)

الشورى الآية (11).

(4)

طه الآية (110).

ص: 130

المسألة عدة أقوال، والقول الحق لا يعرفه فلا يذكره. وهكذا غيره من أهل الكلام والفلسفة، ليس هذا من خصائصه، فإن الحق واحد، ولا يخرج عما جاءت به الرسل، وهو الموافق لصريح العقل:{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (1). وهؤلاء لا يعرفون ذلك، بل هم من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وهم مختلفون في الكتاب {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)} (2).اهـ (3)

- وقال: وقد تدبرت عامة ما رأيته من كلام السلف -مع كثرة البحث عنه، وكثرة ما رأيته من ذلك- هل كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان أو أحد منهم على ما ذكرته من هذه الأقوال التي وجدتها في كتب أهل الكلام: من الجهمية والقدرية ومن تلقى ذلك عنهم: مثل دعوى الجهمية أن الأمور المتماثلة يأمر الله بأحدها وينهى عن الآخر لا لسبب ولا لحكمة، أو أن الأقوال المتماثلة والأعمال المتماثلة من كل وجه يجعل الله ثواب بعضها أكثر من الآخر بلا سبب ولا حكمة. ونحو ذلك مما يقولونه: كقولهم إن كلام الله كله متماثل، وإن كان الأجر في بعضه أعظم، فما وجدت في كلام السلف ما يوافق ذلك، بل يصرحون بالحكم والأسباب، وبيان ما في المأمور به من الصفات الحسنة المناسبة للأمر به، وما في المنهي

(1) الروم الآية (30).

(2)

البقرة الآية (176).

(3)

المنهاج (5/ 268 - 272).

ص: 131

عنه من الصفات السيئة المناسبة للنهي عنه، ومن تفضيل بعض الأقوال والأعمال في نفسها على بعض. ولم أر عن أحد منهم قط أنه خالف النصوص الدالة على ذلك، ولا استشكل ذلك، ولا تأوله على مفهومه، مع أنه يوجد عنهم في كثير من الآيات والأحاديث استشكال واشتباه، وتفسيرها على أقوال مختلفة قد يكون بعضها خطأ. والصواب هو القول الآخر، وما وجدتهم في مثل قوله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأُبَيّ «أي آية في كتاب الله أعظم» (2)

وقوله في الفاتحة: «لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها» (3) ونحو ذلك إلا مقرين لذلك قائلين بموجبه. والنبي صلى الله عليه وسلم سأل أبيا: «أي آية في كتاب الله أعظم؟» فأجابه أُبَي بأنها آية الكرسي فضرب بيده في صدره وقال: «ليهنك العلم أبا المنذر» (4) ولم يستشكل أُبَي ولا غيره السؤال عن كون بعض القرآن أعظم من بعض، بل شهد النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم لمن عرف فضل بعضه على بعض وعرف أفضل الآيات. (5)

(1) الزمر الآية (23).

(2)

سيأتي تخريجه ..

(3)

أحمد (2/ 412 - 413) وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (5/ 114 - 115) والترمذي (5/ 277 - 278/ 3125) والنسائي (2/ 477/913) وابن خزيمة (1/ 252/501) وابن حبان (الإحسان)(3/ 53/775) والحاكم (1/ 557) وقال: "صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي، وأخرجه الترمذي في موضع آخر (5/ 143 - 144/ 2875) مطولا وقال:"حديث حسن صحيح"، من حديث أبي هريرة عن أبي بن كعب رضي الله عنه.

(4)

أحمد (5/ 141 - 142) ومسلم (1/ 556/810) وأبو داود (2/ 151/1460).

(5)

مجموع الفتاوى (17/ 182 - 183).

ص: 132

- وقال: والألفاظ نوعان: نوع يوجد في كلام الله ورسوله، ونوع لا يوجد في كلام الله ورسوله. فيعرف معنى الأول، ويجعل ذلك المعنى هو الأصل، ويعرف ما يعنيه الناس بالثاني، ويرد إلى الأول، هذا طريق أهل الهدى والسنة. وطريق أهل الضلال والبدع بالعكس، يجعلون الألفاظ التي أحدثوها ومعانيها هي الأصل، ويجعلون ما قاله الله ورسوله تبعا لها، فيردونها بالتأويل والتحريف إلى معانيهم، ويقولون: نحن نفسر القرآن بالعقل واللغة، يعنون أنهم يعتقدون معنى بعقلهم ورأيهم، ثم يتأولون القرآن عليه بما يمكنهم من التأويلات والتفسيرات المتضمنة لتحريف الكلم عن مواضعه، ولهذا قال الإمام أحمد: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس. وقال: يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين: المجمل والقياس. وهذه الطريق يشترك فيها جميع أهل البدع الكبار والصغار، فهي طريق الجهمية والمعتزلة ومن دخل في التأويل من الفلاسفة والباطنية الملاحدة. (1)

- وقال: ومن تدبر كلام أئمة السنة المشاهير في هذا الباب علم أنهم كانوا أدق الناس نظرا، وأعلم الناس في هذا الباب بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأن أقوالهم هي الموافقة للمنصوص والمعقول، ولهذا تأتلف ولا تختلف، وتتوافق ولا تتناقض، والذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، فلم يعرفوا حقيقة المنصوص والمعقول، فتشعبت بهم الطرق، وصاروا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب وقد قال تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ

(1) مجموع الفتاوى (17/ 355 - 356).

ص: 133

اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)} (1).اهـ (2)

- وقال وهو يتحدث عن امتحان ابن تومرت:

وإنه كان لهم يسمونه يوم الفرقان، فرق فيه بين أهل الجنة وأهل النار بزعمه، فصار كل من علموا أنه من أوليائهم جعلوه من أهل الجنة، وعصموا دمه، ومن علموا أنه من أعدائهم جعلوه من أهل النار، فاستحلوا دمه، واستحل دماء ألوف مؤلفة من أهل المغرب المالكية، الذين كانوا من أهل الكتاب والسنة على مذهب مالك وأهل المدينة، يقرؤون القرآن والحديث كالصحيحين، والموطأ وغير ذلك، والفقه على مذهب أهل المدينة، فزعم أنهم مشبهة مجسمة ولم يكونوا من أهل المقالة، ولا يعرف عن أحد من أصحاب مالك إظهار القول بالتشبيه والتجسيم. واستحل أيضا أموالهم، وغير ذلك من المحرمات بهذا التأويل ونحوه، من جنس ما كانت تستحله الجهمية المعطلة -كالفلاسفة والمعتزلة، وسائر نفاة الصفات- من أهل السنة والجماعة، لما امتحنوا الناس في "خلافة المأمون" وأظهروا القول بأن القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة، ونفوا أن يكون لله علم، أو قدرة أو كلام أو مشيئة أو شيء من الصفات القائمة بذاته. وصار كل من وافقهم على هذا التعطيل عصموا دمه وماله، وولوه الولايات وأعطوه الرزق من بيت المال، وقبلوا شهادته وافتدوه من الأسر، ومن لم يوافقهم على أن القرآن مخلوق وما يتبع ذلك من بدعهم قتلوه، أو حبسوه أو ضربوه أو منعوه العطاء من بيت المال، ولم يولوه ولاية،

(1) البقرة الآية (176).

(2)

درء التعارض (2/ 301).

ص: 134

ولم يقبلوا له شهادة، ولم يفدوه من الكفار، يقولون: هذا مشبه، هذا مجسم، لقوله: "إن الله يرى في الآخرة، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله استوى على العرش، ونحو ذلك. فدامت هذه المحنة على المسلمين بضع عشرة سنة، في أواخر خلافة المأمون، وخلافة أخيه المعتصم، والواثق بن المعتصم، ثم إن الله تعالى كشف الغمة عن الأمة، في ولاية المتوكل على الله، الذي جعل الله عامة خلفاء بني العباس من ذريته دون ذرية الذين أقاموا المحنة لأهل السنة. (1)

بدعة القول بخلق القرآن:

- قال رحمه الله: وإنما القول المتواتر عن أئمة السلف أنهم قالوا: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنهم أنكروا مقالة الجهمية الذين جعلوا القرآن مخلوقا منفصلا عن الله، بل كفروا من قال ذلك، والكتب الموجودة فيها ألفاظهم بأسانيدها وغير أسانيدها كثيرة، مثل: كتاب 'الرد على الجهمية' للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، و'الرد على الجهمية' لعبد الله بن محمد الجعفي شيخ البخاري، و'الرد على الجهمية' للحكم بن معبد الخزاعي، وكتاب 'السنة' لعبد الله بن أحمد بن حنبل، و'السنة' لحنبل ابن عم الإمام أحمد، و'السنة' لأبي داود السجستاني، و'السنة' للأثرم، و'السنة' لأبي بكر الخلال، و'السنة والرد على أهل الأهواء' لخشيش بن أصرم، و'الرد على الجهمية' لعثمان بن سعيد الدارمي، و'نقض عثمان بن سعيد، على الجهمي الكاذب العنيد، فيما افترى على الله في التوحيد'، و'كتاب التوحيد' لابن خزيمة، و'السنة' للطبراني ولأبي الشيخ الأصبهاني، و'شرح أصول السنة' لأبي القاسم

(1) مجموع الفتاوى (11/ 478 - 479).

ص: 135

اللالكائي، و'الإبانة' لأبي عبد الله بن بطة، وكتب أبي عبد الله بن منده، و'السنة' لأبي ذر الهروي، و'الأسماء والصفات' للبيهقي، و'الأصول' لأبي عمر الطلمنكي، و'الفاروق' لأبي إسماعيل الأنصاري، و'الحجة' لأبي القاسم التيمي، إلى غير ذلك من المصنفات التي يطول تعدادها، التي يذكر مصنفوها العلماء الثقات مذاهب السلف بالأسانيد الثابتة عنهم بألفاظهم الكثيرة المتواترة التي تعرف منها أقوالهم، مع أنه من حين محنة الجهمية لأهل السنة -التي جرت في زمن أحمد بن حنبل لما صبر فيها الإمام أحمد، وقام بإظهار السنة، والصبر على محنة الجهمية حتى نصر الله الإسلام والسنة وأطفأ نار تلك الفتنة- ظهر في ديار الإسلام وانتشر بين الخاص والعام أن مذهب أهل السنة والحديث المتبعين للسلف من الصحابة والتابعين: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الذين أحدثوا في الإسلام القول بأن القرآن

مخلوق هم الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، ومن اتبعه من المعتزلة وغيرهم من أصناف الجهمية، لم يقل هذا القول أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان. فهذا القول هو القول المعروف عن أهل السنة والجماعة، وهو القول بأن القرآن كلام الله وهو غير مخلوق. (1)

- وقال: وكلام الله ثابت في مصاحف المسلمين لا كلام غيره، فمن قال: إن الذي في المصحف ليس كلام الله، بل كلام غيره فهو ملحد مارق. ومن زعم أن كلام الله فارق ذاته وانتقل إلى غيره كما كتب في المصاحف أو أن المداد قديم أزلي فهو أيضا ملحد مارق، بل كلام المخلوقين يكتب في

(1) مجموع الفتاوى (17/ 74 - 76).

ص: 136

الأوراق وهو لم يفارق ذواتهم، فكيف لا يعقل مثل هذا في كلام الله تعالى؟ (1)

- وقال: وأما إطلاق القول بأن الله لم يكلم موسى، فهذه مناقضة لنص القرآن، فهو أعظم من القول بأن القرآن مخلوق، وهذا بلا ريب يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإنه أنكر نص القرآن، وبذلك أفتى الأئمة والسلف في مثله، والذي يقول القرآن مخلوق هو في المعنى موافق له، فلذلك كفره السلف. (2)

- وقال: وهو سبحانه فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. وهو سبحانه غني عن العرش وعن سائر المخلوقات لا يفتقر إلى شيء من مخلوقاته، بل هو الحامل بقدرته العرش وحملة العرش. (3)

- وقال: لو قال القائل: إذا قلنا: إنه مستو على عرشه حقيقة لزم التجسيم والله منزه عنه، فيقال له: هذا المعنى الذي سميته تجسيما ونفيته هو لازم لك إذا قلت: إن له علما حقيقة وقدرة حقيقة وسمعا حقيقة، وبصرا حقيقة، وكلاما حقيقة وكذلك سائر ما أثبته من الصفات، فإن هذه الصفات هي في حقنا أعراض قائمة بجسم، فإذا كنت تثبتها لله تعالى مع تنزيهك له عن مماثلة المخلوقات، وما يدخل في ذلك من التجسيم: فكذلك القول في الاستواء، ولا فرق.

(1) مجموع الفتاوى (12/ 276).

(2)

مجموع الفتاوى (12/ 508).

(3)

مجموع الفتاوى (1/ 367).

ص: 137

فإن قلت: أهل اللغة إنما وضعوا هذه الألفاظ لما يختص به المخلوق فلا يكون حقيقة في غير ذلك. قلت: ولكن هذا خطأ بإجماع الأمم: مسلمهم وكافرهم، وبإجماع أهل اللغات، فضلا عن أهل الشرائع والديانات، وهذا نظير قول من يقول: إن لفظ الوجه إنما يستعمل حقيقة في وجه الإنسان دون وجه الحيوان والملك والجني، أو لفظ العلم إنما استعمل حقيقة في علم الإنسان دون علم الملك والجني، ونحو ذلك، بل قد بينا أن أسماء الصفات عند أهل اللغة بحسب ما تضاف إليه، فالقدر المشترك أن نسبة كل صفة إلى موصوفها كنسبة تلك الصفة إلى موصوفها، فالقدر المشترك هو النسبة، فنسبة علم الملك والجني ووجوههما إليه كنسبة علم الإنسان ووجهه إليه، وهكذا في سائر الصفات. (1)

- وقال: ولهذا ذكر غير واحد إجماع السلف على أن الله ليس في جوف السماوات. ولكن طائفة من الناس قد يقولون: إنه ينزل ويكون العرش فوقه، ويقولون: إنه في جوف السماء، وإنه قد تحيط به المخلوقات وتكون أكبر منه. وهؤلاء ضلال جهال، مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول، كما أن النفاة الذين يقولون: ليس داخل العالم ولا خارجه جهال ضلال، مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول. فالحلولية والمعطلة متقابلان. (2)

- وسئل شيخ الإسلام عن قوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل:

(1) مجموع الفتاوى (20/ 218 - 219).

(2)

درء التعارض (7/ 7).

ص: 138

«وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته» (1) ما معنى تردد الله؟

فأجاب: هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد رد هذا الكلام طائفة، وقالوا: إن الله لا يوصف بالتردد، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب، وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة المتردد.

والتحقيق: أن كلام رسوله حق، وليس أحد أعلم بالله من رسوله ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح ولا أحسن بيانا منه، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس، وأجهلهم وأسوئهم أدبا، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة، والاعتقادات الفاسدة، ولكن المتردد منا، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور، لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا، فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ثم هذا باطل، فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه، كما قيل:

الشيب كره وكره أن أفارقه

فاعجب لشيء على البغضاء محبوب

(1) البخاري (11/ 414/6502).

ص: 139

وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح «حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره» (1) وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (2) الآية. ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث، فإنه قال: لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبا للحق محبا له، يتقرب إليه أولا بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة بحيث يحب ما يحبه محبوبه ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مرادا للحق من وجه مكروها من وجه، وهذا حقيقة التردد وهو: أن يكون الشيء الواحد مرادا من وجه مكروها من وجه، وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه

(1) أحمد (2/ 260) والبخاري (11/ 388/6487) ومسلم (4/ 2174/2823) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

البقرة الآية (216).

ص: 140

ويريد مساءته. (1)

قوله في الشفاعة:

- قال: فالشفاعة نوعان:

أحدهما: الشفاعة التي نفاها الله تعالى كالتي أثبتها المشركون، ومن ضاهاهم من جهال هذه الأمة وضلالهم، وهي شرك.

والثاني: أن يشفع الشفيع بإذن الله. وهذه التي أثبتها الله تعالى لعباده الصالحين، ولهذا كان سيد الشفعاء إذا طلب منه الخلق الشفاعة يوم القيامة يأتي ويسجد. قال:«فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن، فيقال: أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع» (2) فإذا أذن له في الشفاعة شفع صلى الله عليه وسلم لمن أراد الله أن يشفع فيه. (3)

- وقال: وله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات:

أما الشفاعة الأولى: فيشفع في أهل الموقف، حتى يقضي بينهم بعد أن تتراجع الأنبياء: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى بن مريم الشفاعة، حتى تنتهي إليه.

وأما الشفاعة الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له.

وأما الشفاعة الثالثة: فيشفع فيمن يستحق النار، وهذه الشفاعة له

(1) مجموع الفتاوى (18/ 129 - 131).

(2)

تقدم ضمن مواقفه رحمه الله من الصوفية.

(3)

مجموع الفتاوى (1/ 332).

ص: 141