الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما تزكى به النفوس وتطهر به، فإن الله تعالى شرع على ألسنة الرسل كلها ما تزكو به النفوس وتطهر من أدناسها وأوضارها، ولم يشرع على لسان أحد من الرسل في ملة من الملل أشياء من ذلك، وإنما يأمر بتزكية النفوس بذلك من لا يتقيد بمتابعة الرسل من أتباع الفلاسفة، كما يأمرون بعشق الصور، وذلك كله مما تحيى به النفوس الأمارة بالسوء لما لها فيه من الحظ، ويقوى به الهوى وتموت به القلوب المتصلة بعلام الغيوب، وتبعد به عنه، فغلط هؤلاء واشتبه عليهم حظوظ النفوس وشهواتها بأقوات القلوب الطاهرة والأرواح الزكية المعلقة بالمحل الأعلى. واشتبه الأمر في ذلك أيضا على طوائف من المسلمين بعد انقراض القرون الفاضلة. (1)
موقفه من الجهمية:
ذكر في رسالته اللطيفة 'فضل علم السلف على الخلف' أبحاثا منيفة منها قوله وهو يتحدث عن الكلام في الصفات: ومن ذلك أعني محدثات الأمور: ما أحدثه المعتزلة ومن حذا حذوهم من الكلام في ذات الله وصفاته بأدلة العقول، وهو أشد خطرا من الكلام في القدر، لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله وهذا كلام في ذاته وصفاته.
وينقسم هؤلاء إلى قسمين:
أحدهما: من نفى كثيرا مما ورد به الكتاب والسنة من ذلك لاستلزامه عنده التشبيه بالمخلوقين كقول المعتزلة: لو رؤي لكان جسما، ووافقهم من
(1) نزهة الأسماع (ص 80 - 82).
نفى الاستواء فنفوا لهذه الشبهة. وهذا طريق المعتزلة والجهمية. وقد اتفق السلف على تبديعهم وتضليلهم. وقد سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن انتسب إلى السنة والحديث من المتأخرين.
والثاني: من رام إثبات ذلك بأدلة العقول التي لم يرد بها الأثر، ورد على أولئك مقالتهم، كما هي طريقة مقاتل بن سليمان ومن تابعه كنوح بن أبي مريم، وتابعه طائفة من المحدثين قديما وحديثا، وهو أيضا مسلك الكرامية، فمنهم من أثبت لإثبات هذه الصفات الجسم إما لفظا وإما معنى.
ومنهم من أثبت لله صفات لم يأت بها الكتاب والسنة كالحركة وغير ذلك مما هي عنده لازم الصفات الثابتة.
وقد أنكر السلف على مقاتل قوله في رده على جهم بأدلة العقل وبالغوا في الطعن عليه، ومنهم من استحل قتله، منهم مكي بن إبراهيم شيخ البخاري وغيره.
والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل، ولا يصح عن أحد منهم خلاف ذلك البتة، خصوصا الإمام أحمد، ولا خوض في معانيها ولا ضرب مثل من الأمثال لها.
وإن كان بعض من كان قريبا من زمن الإمام أحمد فيهم من فعل شيئا من ذلك اتباعا لطريقة مقاتل، فلا يقتدى به في ذلك، إنما الاقتداء بأئمة الإسلام كابن المبارك ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ونحوهم.